حازم شحادة - أجملُ بنتٍ في الحيّ.. قصة قصيرة

كانت أجمل بنت في الحي، وكانت تعرف ذلك.
عيونُ الناسِ أخبرتها عند كلّ طلة لها في الحارة، في المدرسة، في السوق.. في كل مكان كانت تذهب إليه.
الشبابُ أحبوها، الرجال تمنّوها، الفتياتُ غرنَ وكرهنها لوهجِ جمالها..
أما ذلك العجوز السّكير صاحب البقالية عند رأس الشارع البحري، فقد أخبرني يوماً أن ما من سببٍ يجعلهُ يجلسُ أمامَ متجرهِ صبحاً ومساء إلا رؤيتها حين تمرّ ليستنشقَ العطرَ الذي يضوعُ من جسدها الأنثوي أوّل تفتحهِ.
حسب قوله:
ـ الأنثى الفتية في أوج فتنتها تحيي العظامَ وهي رميم..
قالها وكرع كأساً من عرق التين الشهي..
ـ على حدّ علمي.. هذه مهنة الخالق..
قلتُ وأنا أشعل سيجارة من التبغِ البلدي ضيّفني إيّاها بعد أن لفّها بيدٍ واحدةٍ خبيرة..
ـ علمكَ ناقصٌ يا فتى..
المرأة الفاتنة تحيي العظام أيضاً
قد يحظى الرجلُ خلال حياته كلها بامرأة واحدة كهذه..
وكما تعلم قد لا يحظى..
هذه الفتاة السّاحرة كلما رأيتها أشعر بشيء يتفتحُ داخلَ عروقي الذابلة
عندما أستنشق شذى أنوثتها الطفولي تخضرُ فروعي اليابسة..
أنت الآن ما زلت شاباً ويلزمك عمرٌ كعمري لتفهم ما أقوله.
تذكرتُ حديثي مع العجوز السّكير حين رأيت الفتاة الجميلة في نشرة الأخبار وقد غدت ثلاثة أجزاء بعدَ التفجير الذي هزّ المدينة صبيحة ذلك اليوم.
مواقفُ الحافلات الخاصة بالفقراء مكانٌ مثالي لمن يعشقون التفجيرات طمعاً بالجنة.
حين زرتُ المكان بعد زمنٍ تعمّدتُ المرورَ أمام بقالية العجوز فرأيتها مقفلة..
سألت عنه..
قالوا: مات.
توقّعت أن يكون قضى بالتفجيرات لكن أقرباءه أكدوا أنه لم يكن قريباً من المكان المنكوب حتى..
لقد أسلم الروح وهو يرى تلك الفتاة أشلاءً في نشرة الأخبار..



* شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا، صدر له ديوان شعر بعنوان "أوراق نساء".
* عن قاب قوسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى