ابن الشبل البغدادي - بربك أيها الفلك المدار.. شعر

بربك أيها الفلك المدار = أقصد ذا المسير أم اضطرار
مدارك، قل لنا في أي شيء = ففي أفهامنا منك ابتهار
وفيك نرى الفضاء، وهل فضاء = سوى هذا الفضاء به تدار
وعندك ترفع الأرواح، أم هل = مع الأجساد يدركها البوار
وموج ذا المجرة أم فرند = على لجج الدروع له أوار
وفيك الشمس رافعة شعاعاً = بأجنحة قوادمها قصار
وطوقٌ في النجوم من الليالي = هلالك أم يد فيها سوار
وشهب ذا الخواطف أم ذبال = عليها المرخ يقدح والعفار
وترصيع نجومك أم حباب = تؤلف بينه اللجج الغزار
تمد رقومها ليلاً وتطوى = نهاراً مثل ما طُوي الإزار
فكم بصقالها صدي البرايا = وما يصدى لها أبداً غرار
تباري ثم تخنس راجعات = وتكنس مثل ما كنس الصوار
فبينا الشرق يقدمها صعوداً = تلقاها من الغرب انحدار
على ذا ما مضى وعليه يمضي = صوالُ مني وآجال قصار
وأيام تعرفنا مداها = لها أنفاسنا أبداً شفار
ودهر ينثر الأعمار نثراً = كما للغصن بالورد انتثار
ودنيا كلما وضعت جنيناً = غذاه من نوائبها ظؤار
هي العشواء ما خبطت هشيم = هي العجماء ما جرحت جبار
فمن يوم بلا أمس ليوم = بغير غد إليه بنا يسار
ومن نفسين في أخذ ورد = لروع المرء في الجسم انتشار
وكم من بعد ما ألفت نفوس = حسوماً عن مجاثمها تطار
ألم تك بالجوارح آنسات = فكم بالقرب عاد لها نفار
فإن يك آدم أشقى بنيه = بذنب ماله منه اعتذار
ولم ينفعه بالأسماء علم = وما نفع السجود ولا الجوار
فاخرج ثم أهبط ثم أودي = فترب الساقيات له شعار
فأدركه بعلم اللّه فيه = من الكلمات للذنب اغتفار
ولكن بعد غفران وعفو = يُعَيَّر ما تلا ليلاً نهار
لقد بلغ العدو بنا مناه = وحل بآدم وبنا الصغار
وتهنا ضائعين كقوم موسى = ولا عجل أضل ولا خوار
فيا لك أكلة ما زال منها = علينا نقمة وعليه عار
تُعاقب في الظهور وما ولدنا = ويُذبح في حشا الأم الحوار
وننتظر الرزايا والبلايا = وبعد فبالوعيد لنا انتظار
ونخرج كارهين كما دخلنا = خروج الضب أحوجه الوجار
فماذا الامتنان على وجود = لغير الموجدين به الخيار
وكانت أنعما لو أن كوناً = نخير قبله أو نستشار
أهذا الداء ليس له دواء = وهذا الكسر ليس له انجبار
تحير فيه كل دقيق فهم = وليس لعمق جرحهم انسبار
إذا التكوير غال الشمس عنا = وغال كواكب الليل انتثار
وبدلنا بهذي الأرض أرضاً = وطوح بالسموات انفطار
وأذهلت المراضعُ عن بنيها = لحيرتها وعطلت العشار
وغشى البدر من فرق وذعر = خسوف للتوعد لا سرار
وسيرت الجبال فكن كثباً = هيلات وسجرت البحار
فأين ثبات ذي الألباب منا = أين مع الرجوم لنا اصطبار
وأين عقول ذي الإفهام مما = يراد بنا وأين الاعتبار
وأين يغيب لب كان فينا = ضياؤك من سناه مستعار
وما أرض عصته ولا سماء = فَفيم يغول أنجمها انكدار
وقد وافته طائعة وكانت = دخاناً ما لفاتره شرار
قضاها سبعة والأرض مهداً = دحاها فهي للأموات دار
فما لسمو ما أعلا انتهاء = ولا لسمو ما أرسى قرار
ولكن كل ذا التهويل فيه = لذي الألباب وعظ وازدجار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى