مصطفى معروفي - ماذا تعني لي القراءة والكتابة؟

القراءة تعني لي أشياء كثيرة ، ومن هذه الأشياء الاكتشاف والبحث عن المجهول ومحاولة تشييد وبناء شخصيتي الفكرية والأدبية ، وبما أنني أكتب فأنا أقرأ لكي أعرف كيف أضيف الجديد ، فالذي لا يقرأ لا يعرف مواضع - جمع موضع - الإضافة أين تكون. ولذا فنحن كثيرا ما نرى الموضوعات الكتابية تتشابه ، لأن أصحابها لا يقرأون لبعضهم البعض.
ثم إنني أقرأ وأكتب لأن هاتين الممارستين مغريتان، وإغراؤهما يدفع بالمرء إلى التورط فيهما، فالكاتب لا يستطيع -أقول لا يستطيع- أن يبتعد عنهما بعد أن تكونا قد جذبتاه إليهما وتملكتاه.
ثُم إنني أقرأ وأكتب لأن القراءة والكتابة متعة ، وأعني بالمتعة ذلك الإحساس الداخلي الذي نستشعره ونحن نكتشف ونسبح في عوالم مجهولة وعذراء بفعل القراءة أو الكتابة.
ثم إنني أقرأ وأكتب لأحقق إنسانيتي في سموها ورفعتها، ولأضعها في موضع التكريم الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لها.
ثم إنني أقرأ وأكتب لأميز بين القبح والجمال.
ثم إنني أقرأ لأتعلم , وأكتب لأتعلم أيضا، فأنا دائما أتعلم من قراءتي كما أتعلم من كتابتي ، لأن كتابتي موجهة إلي بالأساس.
ثم إنني أقرأ لأعرف الحياة، وأكتب لأختبر مدى ما وصلت إليه معرفتي للحياة.
ثم إنني وبكلمة واحدة أقرأ وأكتب لأكون.
إنني لا أكاد أحصي ماذا تعني القراءة والكتابة بالنسبة لي ، ولست مبالغا إذا قلت إنها تعني لي كل شئ جميل في الحياة ، على اعتبار أن [الجمال هو الحقيقة والحقيقة هي الجمالٍ] كما يقول الشاعر كيتس.
في فترة السيتينيات من القرن الماضي، طرح السؤال حول سبب الكتابة على يد الوجوديين ، وقد طرحه سارتر في كتابه القيم : " ما ا لأدب؟" [المدرسة الوجودية كان يتزعمها كيركيغارد ومن وجوهها البارزة: جون بول سارتر و ألبير كامي مؤلف الرواية الرائعة: " الغريب"]، وقد أتى السؤال بهذه الصيغة: لماذا نكتب؟ واختلفت الإجابة عليه من فريق إلى فريق تبعا لقناعة كل فريق في مشاربه الفكرية والمذهبية ، فهو إذا سؤال ليس من السهل الإجابة عليه.

تعليقات

الصديق الجميل السي مصطفى معروفي

القراءة هي اساس شخصية المرء .. فالوحي نزل بكلمة اقرا .. وبالقراءة توصل الانسان الى اجتراح المعجزات .. ولا يمكن للمرء ان يبدع بدون قراءة ، وقد ابدع عظماء التاريخ في ابتداع الحكم البليغة لتوصيف فعل القراءة .. منهم بورخيس العظيم الذي قال : ( ليفتخر الناس بما كتبوا فانا افتخر بما قرأت) فهو ملم باللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية، و كتب بلغته الاصلية الإسبانية إلى جنب الإنجليزية. وخبر تراثنا العربي الاسلامي اكثر من اي واحد وناظرنا به الى جانب التراث العبري وةالاغريقي.. وكان بحرا من العلوم
وقد اوجز تجربته الكويلة في القراءة التي يدين بها: " أعتبر نفسي قارئًا في الأساس. وقد تجرأت، كما تعرفون، على الكتابة، ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته. فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، وإنما ما يستطيعه" (صنعة الشعر ، ص 137) ، "صنعة الشعر محاضرات ست من اروع ابداعاته وقد جمعت منها ما استطعت الوصول اليه ضمن مقالات ومحاضرات بورخيس "
هذا العظيم الذي حين داهمه العمى الكلي استعان بعيون البرتو مانغويل هذا القارئ النهم ، الذي يشتهر مع برنار بيفو كاشهر القراء بالعالم المعاصر
هناك ايضا عباس محمود العقاد الذي يكاد يلتقي مع بورخيس في كليته وموسوعيته واطلاعه الذي يعتقد ان القراءة تزيده حيوات على حياته
وقاسم الزهيري الذي يقول: ( اكتب كانك تموت غدا ، واقرا كانك تعيش أبدا )
حينما نتهجى الاسم الافرنجي للاستاذ عبد الفتاح كيليطو ، فانه يحيلنا على الذي يقرأ كل شيء ، Ki lit tout فيقول على سبيل الذكر:
( حتى سنّ الثلاثين كنت لا أترك كتابا حتى أتمّ قراءته، وإذا لم أتم القراءة وفتحت كتابا جديدا كنتُ أشعر كأنّني أقترف إثما فظيعا، فأبادر بالعودة إلى الكتاب الأول. وكان الشعور نفسه ينتابني عندما كنت "أقفز" على بعض الصفحات ( كصفحات الوصف عند "بلزاك" ).

بخصوص وجودية كامو فقد كانت مهزوزة وقصيرة الامد. بسبب الخلاف بين سارتر ( الملاكم) و كامي ( حارس المرمى) . ربما بسبب منافسة هذا الاخير على قلب س. دو بوفوار .. وهو ما عجل بخصومتهما ، وتطليق كامو للوجودية ومهاجمتها بضراوة ، ورفض سارتر لجائزة نوبل للاداب بذريعة ان كامو التلميذ حاز عليها قبله ..

اشكرك على ما اثرت من نقاط مهمة في مقالتك الشائقة والمركزة

محبات
 
أحي الأستاذ الطيب السي المهدي،
شكرا لك على تشريفك إياي بهذه التعقيبات و الردود العميقة و أقول:
إذا كان بورخيس يقرأ و يكتب و يفتخر بما قرأ أكثر مما كتب فأنا أتفق معه ، فهو ليس بدعا من الكتاب الحقيقيين الذين يعرفون معنى القراءة و الكتابة ،فأنا حسب علمي و متابعتي المتواضعة لواقع الكتاب لم أجد و لو كاتبا واحدا افتخر بما كتب ،فليس من شيمة الكاتب أن يكون هكذا.
على ذكر العقاد فأنا مرة وجدت سلامة موسى ـ لا أدري لماذا كلما ذكرت سلامة موسى قفز نزار قباني إلى مخيلتي رغم البون بينهما ـ في كتابه ""تربية سلامة موسى "و هو سيرة ذاتية ،أقول وجدته يتذمر من كونه كاتبا يبحث في المواضيع العلمية الحديثة و يتعب فيها استقصاء و ترجمة ليقدمها للقارئ فلا تلقى كتبه من الرواج ما تلقاه كتب العقاد الذي بجد مادة كتبه متاحة سهلة المتناول لا يتعب فيها أبدا،و أرجع ذلك إلى العقلية التقليدية المهيمنة في المجتمع و التي تقود خطى المتلقي.
أعود لبورخيس لأقول بأنه فضل القراءة على الكتابة ربما لأن القراءة تبني بينما الكتابة قد تفضح صاحبها ،فأنت عندما تقرأ كتابا تشعر بأن وعيك ينمو و يزداد حتى و لو كان الكتاب الذي تقرؤه على شيء من الرداءة ،و لكن عندما تكتب فأنت تقول للناس ها هو مستوى وعيي و ها هي درجة نضجه ،و لذا فنسبة تعرضك للنقد راجحة حتى و لو كنت أرسطو زمانك.
بالنسب لعبد ربه هذا فالقراءة عنده تحتل المحل الأول و الكتابة لها المحل الثاني.و هما معا عندي ممارستان جميلتان لأن الأولى لا تكون إلا بالثانية و الثانية لا تكون إلا بالأولى.
التحيات الزكيات لك مولانا.
 
الصديق الرائع السي مصطفى معروفي
حينما نتحدث عن القراءة والقارئ تحضر فكرة موت المؤلف بحيث يستمر القارئ في الكشف عما لم يقله الكاتب .. ويصبح النص ملكا للقارئ يقيمه حسب هواه ومستواه .. في رسائل ريلكه لشاعر شاب ويوسا لكاتب شاب يركزان على القراءة كأساس لكل ابداع

وهناك العديد من الادباء الموحدين برغم شهرتهم ، مع انهم باستطاعتهم كتابة ما شاؤوا ، ومن هؤلاء الكبار الاستاذ أمجد الطرابلسي الذي قال لمن سأله: لمَ لمْ يصدرْ كتبا عديدة: " إنني اكتفيت بتأليف الرجال."
ومحمد جسوس الذي اجاب على عدم نشر كتبه بأنه يخشى ان يجدها عند بائع الزريعة ، حتى ان كتابه جمع وطبع من مبادرة من جريدة الاتحاد الاشتراكي

تحياتي ايها العزيز
 
العزيز السي المهدي:تحية طيبة و أقول:
المفضل الضبي كان يروي الشعر و عالما به و لا يقرضه،و أنا اعرف أشخاصا كثيري القراءة لكنهم لا يكتبون ،فربما هو التهيب من الكتابة و ربما هو شيء آخر.
هناك مشكلة في ما يخص موت المؤلف ،و هي أن القارئ عندما يذهب في قرأءته للنص إلى شيء لم يخطر ببال المؤلف،ثم يأتي هذا الأخير ليقول له:كيف تؤول نصي هكذا و تقولني ما لم أقله؟هل يكفي القارئ أن يقول للمؤلف:إن السياق يحتم علي استنتاج ما استنتجه أم يكون رده شيئا آخر؟
التحيات الزكيات مولانا.
 
أعلى