جعفر الديري - عدنان زرزور: تحديات الحضارة الغربية أفرزت فكرة نهاية التاريخ

كتب – جعفر الديري
قال الباحث في الحضارة الإسلامية الأستاذ الدكتور عدنان زرزور إن سقوط التحديات الداخلية التي شهدتها الحضارة الغربية وخصوصاً في القرن العشرين أفرز فكرة نهاية التاريخ وولد الاحساس بوجود الآخر والإسلام بصورة خاصة.
وأضاف د.زرزور -خلال محاضرته الثلثاء 7 ديسمبر/ كانون الأول 2005 في الملتقى الثقافي الأهلي "الإسلام وحوار الحضارات"»: لعل هذا الموضوع هو موضوع متأخر نسبيا، لأنه تم طرحه منذ أكثر من عقدين من الزمان، ولكن لا بـأس من طرحه لأن هذه المسائل يوجد فيها دائما ما يستدعي اعادة النظر والتعديل والتغيير. فإن الحديث عن حوار الحضارات أو الموقف الإسلامي من حوار الحضارات جاء ردا على نظرية صدام الحضارات التي بشّر بها صامويل هنتيغتن وجاء أيضاً في سياق ما سميّ بالنظام العالمي الجديد. لذلك يمكن القول إن الحديث عن حوار الحضارات أو الموقف الاسلامي من حوار الحضارات جاء من موقع رد الفعل، ولكن هذا لا يعني أن هذه الفكرة طارئة على الفكر الإسلامي. وربما كان رد الفعل لا يعدو الرد على الشبهات. وهو أمر معهود في جميع الثقافات وفي الثقافة الإسلامية على وجه الخصوص. فقد كانت فكرة صدام الحضارات واحدة من الشعارات التي عرفها عصر ما بعد الحرب الباردة. علما بأن ما سمّي بالنظام العالمي الجديد كان قد بشّر به ودعا اليه الرئيس الأميركي السابق بوش الأب في العام 1991 في أعقاب سقوط النظام الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفياتي.

وتابع قائلا: لقد بدأ جورج بوش بتسويق هذا النظام عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أولاً في الخطاب الذي ألقاه أمامها في أكتوبر/ تشرين الأول العام ،1991 إذ ختم هذا الخطاب بالعبارة الآتية: إن أميركا لا تريد السيطرة على العالم، ولكنها في الوقت نفسه لن تتراجع وتنسحب الى العزلة وإنها ستقدم الصداقة والقيادة. ثم جرى زف هذا النظام العالمي الجديد رسمياً في الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن بنيويورك بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني العام .1992 وذلك على مستوى رؤساء الدول والحكومات لأول مرة في التاريخ.

وكاشفا عن فحوى أو شعارات النظام العالمي الجديد قال زرزور: يمكن تلخيص تلك الشعارات في ثلاثة، هي: العولمة ونهاية التاريخ وصدام الحضارات. فقد بدأ فرانسيس فوكوياما المتأمرك والياباني الأصل، بالإعلان عن موت التاريخ أو عن موت جميع النظم والثقافات الفاعلة سوى النموذج الثقافي الأميركي. ويمكن عد هذا الإعلان احتفالا بموت الماركسية، ولكن على الطريقة الأميركية أو كما عبر بعض الباحثين بالفلسفة الأميركية لنهاية التاريخ التي تحدث عنها هيجل. ففكرة نهاية التاريخ فكرة قديمة وليست جديدة. وقد تتابع عليها 4 أو 5 في تاريخ الحضارة الغربية. بمعنى أنه كلما وصلت أوروبا الى موقف حاسم قالوا بموت التاريخ. وقد كتب فوكوياما ذلك في مقالة نشرها في صيف العام .1989 بعد سقوط حائط برلين ثم نشر كتابا يحمل هذا العنوان في العام 1992 بعد سقوط الماركسية. فالماركسية سقطت كدولة لاشك. ولكنها كدين لاتزال لها رواسب. لأن القوالب الماركسية قادرة على أن تقنع الباحثين والدراسين سواء أكان ذلك في النطاق الفلسفي أو في نطاق علم الاجتماع.

وأضاف: أما هنتيغتن فهو كسلفه أيضاً نشر أولاً مقالة بعنوان «صراع الحضارات» في صيف العام .1993 واللافت للنظر أن هذه النظرية جاءت في أعقاب النظرية الأولى، قبل أن يطورها وينشرها في كتاب بعنوان «صدام الحضارات واعادة بناء النظام العالمي» وكان ذلك في العام .1996 ويمكننا عد هذه النظرية بالفكرة التؤام لفكرة نهاية التاريخ. لأن سقوط التحديات الداخلية التي شهدتها الحضارة الغربية وخصوصا في القرن العشرين عندما شهد نصفها الأول حربين طاحنتين كونيتين ثم الحرب الباردة في النصف الثاني... بمعنى أن التحديات الداخلية كانت حادة جدا، عسكرية أو باردة خلال القرن في شطريه الأول والثاني. فسقوط التحديات الداخلية مع سقوط الاتحاد السوفياتي وزوال الاشتراكية أفرز فكرة نهاية التاريخ، أو اعادة انتاجها من جديد وولّد الاحساس بوجود الآخر والإسلام بصورة خاصة الذي يمنع وصول التاريخ الى نهايته السعيدة فعلا. فالفكرة الأولى جاءت في سياقها والفكرة الثانية جاءت في أعقابها بكل تأكيد. أقول مرة أخرى: إن سقوط التحديات الداخلية أبرز فكرة نهاية التاريخ وولد احساس الغرب بأن التاريخ لم يصل بعد بإطاره الى المحطة الأخيرة لأن هناك ما يمنع من وصوله الى تلك النهاية لأن الحضارات الأخرى بدأت تنمو وخصوصاً الإسلام. ويبدو من استعراض كتاب هنتيغتن. أن صاحبه يرى أنه مع انتهاء التحديات الداخلية فإن النزاع عاد الى طبيعته، صراعات بين مجالات حضارية أو صدام بين حضارات وثقافات واذا قلنا إلى حد كبير: بين عقائد وأديان ومذاهب، وفي كتابه ما يشير إلى هذا في أكثر من موطن.

وحول الحضارات المقصودة بالصدام أو الحوار عند هنتيغتن، قال زرزور: لقد قسم هنتيفن العالم الى 7 حضارات كبرى، هي الغربية، الكونفوشية الطاوية، الاسلامية، الهندوسية، السلافية الأرثوذكسية وهو شيء مهم، اللاتينية الأميركية والإفريقية الاحيائية. وقد عرف الحضارة الغربية - حصرا - بأنها الحضارة المسيحية اليهودية، وذلك أمر غريب لأن الصراع ما بين المسيحية واليهودية كان بارزا كمثال على ذلك محارق النازيين التي تؤكد أن الصراع بينهما كان أشد من الصراع بين الإسلام والمسيحية، أو بين الأديان الأخرى. كما افترض أن صراع الحضارات سيكون في المقام الأول بين الحضارات الثلاث الكبرى الأولى، وهي: الغربية والكونفوشية الطاوية والإسلامية. مع بروز هاجسه الشخصي من خلال قراءة الكتاب وهو السيطرة أو الهيمنة على العالم فالأبعاد السياسية أو المصالح موجودة في نظريته الحضارية التي لا تخلو من أسباب سياسية. وهو أمر استنبطه كما نص عليه جورج طرابيشي عندما عرف بالكتاب كذلك. إذ قال «إن هذا الصدام بين الحضارات الثلاث يستدعي بناء استراتيجية كونية للدفاع عن الغرب. تقوم على أساس التحالف المسيحي اليهودي. ويكون هدفها منع قيام تحالف مضاد بين الاسلام والكونفوشية الطاوية.

وتابع د.زرور: أنا أعتقد أن هذا الكلام به تدليس كذلك. فليس الإسلام أقرب الى الكونوفشية الطاوية منه الى المسيحية بكل تأكيد. فوضع الإسلام وكل الحضارات في المرتبة البعيدة جداً، عن أن تكون منافسة أو مكملة أو محاورة للغرب. فهو يريد إن صح أن الإسلام سيقوم بدور في التاريخ فسيقوم بدور بعيد وسيتحالف مع الشرق وليس الغرب بكل تأكيد. وهذا كلام غير صحيح، وخصوصاً عندما نقرأ لطرابيشي «بل إن الناظر في كتاب هنتيغتن لا يصعب عليه أن يلحظ أن صراع الحضارات الذي يتحدث عنه إنما هو في الواقع بين الغرب والإسلام أو بين الحضارة الغربية والإسلامية. لقد كان حديثه عن هذا الصدام تحريضيا من جهة وبه الكثير من المغالطات من جهة أخرى، حين يقول إن خط المواجهة الرئيسي في العالم هو بين الغرب والعالم الإسلامي. وقد وصف هذا الخط بأنه حدود الإسلام الدموية بحسب عبارته أو الدامية في موضع آخر»



الخميس 08 ديسمبر 2005م الموافق 13 ذي الحجة 1440هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى