في الهزيع الاخير من الليل فتحت عينيها على صدى عزاء مزق سكون العتمة رويدا بدأت حجب الظلام تنجلي لتسفر عن الاثاث القديم الثمين الذي نامت عليه الوحشة لسنين .
التفتت يمينا فوقع بصرها على الطعام المتروك بين زجاجات الدواء منذ الظهيرة حتى انكمش من البرد . مررت كفيها على الملاءات الساتان والوسائد المتناثرة الموشاة بخيوط ذهبية خشنة ، محاولة استجداء النوم دون جدوى .
تلك الليلة حل المساء باكرا مدثرا ببر د ثلجي ، البوابة الحديدية العالية اوصدت مع الغروب بالمزلاج وانصرف كل لشأنه لائذا بغرفته من البرد .
عاد صوت العواء قويا واضحا هذه المرة ، اقتلعها من سريرها الدافيء الوثير ، نهضت بخطوات متعثرة صوب النافذة ، ازاحت ستائر التفتا المعلقة بأستسلام ، لاحت لها الحديقة التي كانت تزهو بأزهارها وعرائشها وعشبها المجزوز بعناية الفتها ساكنة وقد استحالت سيقانا عارية ومساحات شاحبة . قربت وجهها من الشباك اكثر تستجلي ما تخفيه العتمة .. لامست انفاسها الدافئة الزجاج الثلجي مكونة غلافا ضبابيا اعاق الرؤية اكثر .
بأصابع مرتعشة فتحت مصراعي النافذة فدهمتها ريح قاسية تجاهلت سكاكينها وعبثها بالستائر .. مدت بصرها الى ما وراء البوابة وسياجها الحجري العالي ، وهناك لمحته في موضع غير بعيد يقترب بحذر ويرمقها بنظرات ودودة .
في تلك الساعة المتأخرة تمنت لو توقظ الحارس الكسول في تلك الساعة ، لابقصد توبيخه فقط وانما لترى علامات الدهشة على وجهه تقع عيناه على هذا الوحش الجميل .
- هنالك ذئب ايها المتناوم .
- هذا ما ستقوله له .. ولكن ماذا لو استخدم بندقيته الصدئة الغبية واصابه بعيار ناري ؟
- حقا لقد سمعت ان الذئاب تخرج من قلب البرية في الليالي المقمرة .. ولكن ان يحصل شيء كهذا امامها ! اخذتها الدهشة برهة وبدأت السماء تنث نتفا ضبابيا كالقطن المندوف .. لم يعرها جسدها المرتجف التفاتا ، احتل المخلوق الضخم بفرائه الرمادي وحضوره القوي مركز نظرها ومساحة تفكيرها وبدا مع حواشي الغيوم النحاسية والبدر من خلفه كلوحة خلابة مؤطرة بهالة تسلب الالباب .
انعكس شيء من ضياء البدر فوق سيقان الشجر العاري فشعت بألوان بنية كدماء ضحايا متيبسة . بحركة مفاجئة طوى المخلوق المخيف قائمتيه الخلفيتين كأنما استفزه طول الانتظار فرد الاماميتين في وضع استعداد ، ثم سلط على عينيها نظرة عميقة مغلفة بكبرياء لم تنل منها المدنية ، وحرك رأسه بفضول كمن يسأل .
- ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت حاجبيها دهشة ، انها تقرأ عينيه وتفهم لغته ! قالت مخاطبة اياه
- لعلي ظللت طريقي الى الحياة .. وكأنه فهم ما ترمي اليه ، نظر مستفسرا
- أ تشعرين بالوحدة ؟
- حد البكاء ..
- وروحك أ هائمة هي كأنها في رحيل دائم عن الجسد ؟
تنهدت وهي توميء بالايجاب .. واشارت بتوجس :
- ما هذا الاحمر الذي يصبغ خطمك أ هو دم ؟
علت فمه ابتسامة فسقطت منه وردة حمراء .. ثم وهو يوميء لها برأسه
- لقد التقطتها لك يا اميرتي وسقيتها بدماء قلبي الا تعلمين اني اوفى المخلوقات ؟
قالت والدموع في عينيها :
- خذلني الجميع حتى نفسي ، ثم وهي مخنوقة بالعبرات
- لكنني ابدا لم اصبح ذئبة مثلكم ..
قاطعتها انفاسه البيضاء الغاضبة
- أضحكتني هل صدقت ما يروجونه عنا من اكاذيب نحن لانقتل الا لنظل على قيد الحياة . ونحرص ان يتم ذلك بأنسانية ، عفوا اقصد بذئبية تامة وخلال ثوان ، اما هم فأنهم يقتلون ببطء قد يمتد لأعوام طمعا او كراهية او حتى للمتعة . انبثق من عينيه شعاع شفيف ركز فيه كل عزمه وهو يناجيها
- تعالي معي .. سأحررك الى الابد من كل ما يخيف البشر او يعذبهم ، سنتحد بشعاع الشمس وضوء القمر بأديم الارض وقطرات المطر ، سأعلمك لغة النحل والسنبلة والسير فوق الغمام وقوس قزح ، سنعوم معا تحت شلال الابدية وسأطعمك عنبا بريا .. ألا تحبين العنيب البري ؟
حركت رأسها بمرح طفولي ، ثم كأنها تذكرت شيئا ، اشارت الى غلالتها الرقيقة وهي ترتجف من البرد اومأ لها بثقة قائلا :
- سينبت لك في دقائق فراء ابيض بلون الثلج لتتدثري بدفء لم تنعمي به طوال حياتك .
كانت اسنانها تصطك وهي تردد أبيات شعر حفظتها يوما عن ظهر قلب :
" على شاطيء النهر .. وسط أجمة .. هناك أحببنا بعضنا .. الاغصان المزهرة تقصفت تحت وطأة عناقنا .. كان ذلك منذ زمن بعيد .. قبل ان تستحيل عيدانا يابسة . "
مع او شعاع للفجر .. والشمس تطل باهتة على الوجود كقرص ابيض .. كانت ظلفات الشبابيك تصطفق .. والستائر تلوح هفافة خارجها .. ورآى السابلة وسط دهشتهم زوجا من الذئاب يحوم قرب البوابة المشرعة ، قبل ان ينطلق على عجل الى قلب البرية .
ايناس البدران
التفتت يمينا فوقع بصرها على الطعام المتروك بين زجاجات الدواء منذ الظهيرة حتى انكمش من البرد . مررت كفيها على الملاءات الساتان والوسائد المتناثرة الموشاة بخيوط ذهبية خشنة ، محاولة استجداء النوم دون جدوى .
تلك الليلة حل المساء باكرا مدثرا ببر د ثلجي ، البوابة الحديدية العالية اوصدت مع الغروب بالمزلاج وانصرف كل لشأنه لائذا بغرفته من البرد .
عاد صوت العواء قويا واضحا هذه المرة ، اقتلعها من سريرها الدافيء الوثير ، نهضت بخطوات متعثرة صوب النافذة ، ازاحت ستائر التفتا المعلقة بأستسلام ، لاحت لها الحديقة التي كانت تزهو بأزهارها وعرائشها وعشبها المجزوز بعناية الفتها ساكنة وقد استحالت سيقانا عارية ومساحات شاحبة . قربت وجهها من الشباك اكثر تستجلي ما تخفيه العتمة .. لامست انفاسها الدافئة الزجاج الثلجي مكونة غلافا ضبابيا اعاق الرؤية اكثر .
بأصابع مرتعشة فتحت مصراعي النافذة فدهمتها ريح قاسية تجاهلت سكاكينها وعبثها بالستائر .. مدت بصرها الى ما وراء البوابة وسياجها الحجري العالي ، وهناك لمحته في موضع غير بعيد يقترب بحذر ويرمقها بنظرات ودودة .
في تلك الساعة المتأخرة تمنت لو توقظ الحارس الكسول في تلك الساعة ، لابقصد توبيخه فقط وانما لترى علامات الدهشة على وجهه تقع عيناه على هذا الوحش الجميل .
- هنالك ذئب ايها المتناوم .
- هذا ما ستقوله له .. ولكن ماذا لو استخدم بندقيته الصدئة الغبية واصابه بعيار ناري ؟
- حقا لقد سمعت ان الذئاب تخرج من قلب البرية في الليالي المقمرة .. ولكن ان يحصل شيء كهذا امامها ! اخذتها الدهشة برهة وبدأت السماء تنث نتفا ضبابيا كالقطن المندوف .. لم يعرها جسدها المرتجف التفاتا ، احتل المخلوق الضخم بفرائه الرمادي وحضوره القوي مركز نظرها ومساحة تفكيرها وبدا مع حواشي الغيوم النحاسية والبدر من خلفه كلوحة خلابة مؤطرة بهالة تسلب الالباب .
انعكس شيء من ضياء البدر فوق سيقان الشجر العاري فشعت بألوان بنية كدماء ضحايا متيبسة . بحركة مفاجئة طوى المخلوق المخيف قائمتيه الخلفيتين كأنما استفزه طول الانتظار فرد الاماميتين في وضع استعداد ، ثم سلط على عينيها نظرة عميقة مغلفة بكبرياء لم تنل منها المدنية ، وحرك رأسه بفضول كمن يسأل .
- ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت حاجبيها دهشة ، انها تقرأ عينيه وتفهم لغته ! قالت مخاطبة اياه
- لعلي ظللت طريقي الى الحياة .. وكأنه فهم ما ترمي اليه ، نظر مستفسرا
- أ تشعرين بالوحدة ؟
- حد البكاء ..
- وروحك أ هائمة هي كأنها في رحيل دائم عن الجسد ؟
تنهدت وهي توميء بالايجاب .. واشارت بتوجس :
- ما هذا الاحمر الذي يصبغ خطمك أ هو دم ؟
علت فمه ابتسامة فسقطت منه وردة حمراء .. ثم وهو يوميء لها برأسه
- لقد التقطتها لك يا اميرتي وسقيتها بدماء قلبي الا تعلمين اني اوفى المخلوقات ؟
قالت والدموع في عينيها :
- خذلني الجميع حتى نفسي ، ثم وهي مخنوقة بالعبرات
- لكنني ابدا لم اصبح ذئبة مثلكم ..
قاطعتها انفاسه البيضاء الغاضبة
- أضحكتني هل صدقت ما يروجونه عنا من اكاذيب نحن لانقتل الا لنظل على قيد الحياة . ونحرص ان يتم ذلك بأنسانية ، عفوا اقصد بذئبية تامة وخلال ثوان ، اما هم فأنهم يقتلون ببطء قد يمتد لأعوام طمعا او كراهية او حتى للمتعة . انبثق من عينيه شعاع شفيف ركز فيه كل عزمه وهو يناجيها
- تعالي معي .. سأحررك الى الابد من كل ما يخيف البشر او يعذبهم ، سنتحد بشعاع الشمس وضوء القمر بأديم الارض وقطرات المطر ، سأعلمك لغة النحل والسنبلة والسير فوق الغمام وقوس قزح ، سنعوم معا تحت شلال الابدية وسأطعمك عنبا بريا .. ألا تحبين العنيب البري ؟
حركت رأسها بمرح طفولي ، ثم كأنها تذكرت شيئا ، اشارت الى غلالتها الرقيقة وهي ترتجف من البرد اومأ لها بثقة قائلا :
- سينبت لك في دقائق فراء ابيض بلون الثلج لتتدثري بدفء لم تنعمي به طوال حياتك .
كانت اسنانها تصطك وهي تردد أبيات شعر حفظتها يوما عن ظهر قلب :
" على شاطيء النهر .. وسط أجمة .. هناك أحببنا بعضنا .. الاغصان المزهرة تقصفت تحت وطأة عناقنا .. كان ذلك منذ زمن بعيد .. قبل ان تستحيل عيدانا يابسة . "
مع او شعاع للفجر .. والشمس تطل باهتة على الوجود كقرص ابيض .. كانت ظلفات الشبابيك تصطفق .. والستائر تلوح هفافة خارجها .. ورآى السابلة وسط دهشتهم زوجا من الذئاب يحوم قرب البوابة المشرعة ، قبل ان ينطلق على عجل الى قلب البرية .
ايناس البدران