علي خيون - ثقافة الكاتب..

تستوقفني دائماً رسالة دوستويفسكي الى أخيه ميخائيل التي يطلب فيها القرآن الكريم وبعض المصادر الأخرى، مع أنه كان منفياً في سيبريا، وفي وضع صعب ٍوقاسٍ جداً، وعد وصول الكتب أمراً يتوقف عليه مستقبله كله، وهو موجود في مناطق نائية، لا كتب فيها ولا مكتبات، ونفاجأ بنوعية الكتب التي يطلبها، وبخاصة الكتاب الأول، وهذا نص الرسالة : (ارسلْ لي “القرآن”، وكتاب “نقد العقل الخالص” لكانت…وابعث بكتب هيجل وخصوصاً كتابه “فلسفة التاريخ”.إن على ذلك يتوقف مستقبلي كله). الرسالة درس لمن يكتب، ودرس في عدم التعلل بالظروف والمشاغل والعائلة فلا يقرأ إلا النزر اليسير؟ فماذا لوكان مثل كاتبنا العملاق منفياً في سيبريا التي وصفها على نحو مرعب في “ذكريات من بيت الموتى” ينتظر الموت في أية لحظة ؟! كتب الناقد بيار باسكال يقول :”إن السجن قد أعطانا دوستويفسكي، وهذا يعني أن السجن أعطانا من دوستويفسكي كتبه : “ذكريات من بيت الموتى” ، و”مذلون مهانون”، و”الجريمة والعقاب” و”الأبله”، و”الشياطين”و”الاخوة كرامازوف”، بمعنى أن رواياته هي اجابات عن الأسئلة التي طرحتها سنوات السجن والنفي على روح الكاتب الخلاق”. لنتأمل كيف حول الروائي الماهر محنته الى ابداع فريد في نوعه وتميزه، لأنه واصل الفعل المحرك للإبداع: القراءة زائداً التجربة. كما نلاحظ ان قراءات دوستويفسكي لم تكن تقتصر على الرواية فقط، وانما كانت تتعداها الى الدين والفكر والفلسفة. منذ أن تُرجم هذا النص، وأنا أردد مع نفسي ومع سواي: نعم، إنه درس بليغ جدير بالتأمل يكشف طبيعة ثقافة الكاتب وماينبغي أن يكون عليه من سعة الاطلاع بصرف النظر عن ما يحيط به من ظروف محبطة.

أفكر: إنها آليات دفاع يعمد إليها المبدع حينما يجد أن صعوبات الحياة تريد أن تنتزع منه قلمه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى