لم يتناول وجبة الغذاء، لم يكلم أصدقاءه في الشامبري، مذ وشوش في أذنه الكابران عن علاقة زوجته بصديق طفولته...
انزوى في ركن من المرحاض يدخن معجون سجائر... التف بسحاب من سجائره المزيتة... عينان حمراوان يغشاهما دخان من أنفه حين يجذب بشدة من فمه نصف جوان في شفطة واحدة... لم يقو على النهوض حين نهره البيخيلانطي المكلف بإعادة المساجين إلى غرفهم... اتكأ على الحائط بيمناه فانزلقت يسرى رجله المرتعشة...
- نُض آ لمْريض ...
قال الحارس، ولكزه بعصاه على ظهره، وهو يستند بيديه، وجهه صوب الحائط الملون المخدوش...
مد الحارس عصاه فأمسكها يتسلقها بيديه ليدفع بكلتا رجليه المضطربتين... أعانه صاحبه بجذب العصا حتى إذا التقى الوجهان ثبته بغُمرة يمناه فوق صدره وألصق فمه بأذنه اليسرى:
- خاصّاكْ شي حاجة ؟؟
طـنّت كلمات الحارس وانسابت إلى كبرياء ميدو تثير مجد عنفوانه المسلوب.
- دّابَ دّاب...
قالها بين ثقل النطق وقوة اللهجة، وأفرغ الجيب الأيسر من سرواله الجيني من أتاوي هذا الصباح ومستحقاته في خدمة النزلاء الجدد...
دق الحارس باباً كان مغلقا داخل المرحاض، أطلت يد موشومة فتحت قبضتها على علبة مارلبورو... انتزعها صاحبنا وفتحها ليُخرج من بين السجائر حَبّـتين...
- افتح فمَك...
أغلق بيسراه أنف محبوسه ودسُ الحبتين في فمه وأتبعهما بماء قارورة أخرجها من جيب بذلته الزرقاء، وأفرغ ما تبقى في القارورة على رأسه الأشعث... هزهز ميدو رأسه هزات ليتسلل الماء وليحس برشات خفيفة منعشة... استنشق ولهث ثم استنشق وأعاد...
- ِزيدْ جوجْ...
- باراكا...
قال الحارس المراقب لتحول ملامح وجه السجين...
- قوولتك زيدْ... أرى السّـيّو...
وشدّ قبضتيه ولهث عميقا وعيناه إلى السقف المُقشّـر المبلول...
- هاكْ...
ومد يده خلفه
رمى الحارس علبة المارلبورو على صوت غليظ ممن خلف الباب... وأقفل خارجا مسرعا في الإنذار:
- طلْقونا... بالزربة... يا الله...
دخل المتأخرون زنزانتهم الجماعية على أسئلة السابقين:
- فاين ميدو؟؟؟
وما كاد الباب يغلق حتى تسارعت الأرجل وتعاركت الأيادي وتزاحمت الأوجه لتفسح الهواء للآذان تسترق ضجيجا وعويلا:
- والله حتى نقتل الدين ديمّاها وديمّاه...
اشرأبت الأعين تلاحق مطاردة الحراس ليُــلبسوا الهستيري ما ينتزع ويمزق من ملابسه... تنهمر الدماء من وجهه ويقفز برأسه صوب الباب الحديد، ينطحه والحائط الذي تلطخه يداه...
صفارات تجري وبذلات أخرجت أحزمتها وطارت القبعات في الممرات المحمرة... تباعد الصراخ وخفت الشخير... وطاف الحراس بالزنازين يطقطقون بزراويطهم ويطفئون الأضواء ليرغموا المقيمين على النوم...
وكانت ليلة وشوشات ونقاشات بين الأسرّة المتلاصقة ومفترشي الأرض... يتخابرون في أحداث السجن ووقائعه وأنواع التجارات الرائجة والخدمات المربحة... ويتساءلون عن مصير عشيرهم بين العلاج أو الكاشو...
وبقليل قبل الفجر اصطكت أحذية الحراس وعلت طقطقاتها وتسارعت ترافقها أوامر راكضة... أطلت الآذان لاقتناص الكلام المتسارع بين الممرات:
- الوكيل العام.... المدير... مات... مينورا ... شْكون... القرقوبي...
محمد البالي
تطوان/ المغرب
13 نونبر 2019
انزوى في ركن من المرحاض يدخن معجون سجائر... التف بسحاب من سجائره المزيتة... عينان حمراوان يغشاهما دخان من أنفه حين يجذب بشدة من فمه نصف جوان في شفطة واحدة... لم يقو على النهوض حين نهره البيخيلانطي المكلف بإعادة المساجين إلى غرفهم... اتكأ على الحائط بيمناه فانزلقت يسرى رجله المرتعشة...
- نُض آ لمْريض ...
قال الحارس، ولكزه بعصاه على ظهره، وهو يستند بيديه، وجهه صوب الحائط الملون المخدوش...
مد الحارس عصاه فأمسكها يتسلقها بيديه ليدفع بكلتا رجليه المضطربتين... أعانه صاحبه بجذب العصا حتى إذا التقى الوجهان ثبته بغُمرة يمناه فوق صدره وألصق فمه بأذنه اليسرى:
- خاصّاكْ شي حاجة ؟؟
طـنّت كلمات الحارس وانسابت إلى كبرياء ميدو تثير مجد عنفوانه المسلوب.
- دّابَ دّاب...
قالها بين ثقل النطق وقوة اللهجة، وأفرغ الجيب الأيسر من سرواله الجيني من أتاوي هذا الصباح ومستحقاته في خدمة النزلاء الجدد...
دق الحارس باباً كان مغلقا داخل المرحاض، أطلت يد موشومة فتحت قبضتها على علبة مارلبورو... انتزعها صاحبنا وفتحها ليُخرج من بين السجائر حَبّـتين...
- افتح فمَك...
أغلق بيسراه أنف محبوسه ودسُ الحبتين في فمه وأتبعهما بماء قارورة أخرجها من جيب بذلته الزرقاء، وأفرغ ما تبقى في القارورة على رأسه الأشعث... هزهز ميدو رأسه هزات ليتسلل الماء وليحس برشات خفيفة منعشة... استنشق ولهث ثم استنشق وأعاد...
- ِزيدْ جوجْ...
- باراكا...
قال الحارس المراقب لتحول ملامح وجه السجين...
- قوولتك زيدْ... أرى السّـيّو...
وشدّ قبضتيه ولهث عميقا وعيناه إلى السقف المُقشّـر المبلول...
- هاكْ...
ومد يده خلفه
رمى الحارس علبة المارلبورو على صوت غليظ ممن خلف الباب... وأقفل خارجا مسرعا في الإنذار:
- طلْقونا... بالزربة... يا الله...
دخل المتأخرون زنزانتهم الجماعية على أسئلة السابقين:
- فاين ميدو؟؟؟
وما كاد الباب يغلق حتى تسارعت الأرجل وتعاركت الأيادي وتزاحمت الأوجه لتفسح الهواء للآذان تسترق ضجيجا وعويلا:
- والله حتى نقتل الدين ديمّاها وديمّاه...
اشرأبت الأعين تلاحق مطاردة الحراس ليُــلبسوا الهستيري ما ينتزع ويمزق من ملابسه... تنهمر الدماء من وجهه ويقفز برأسه صوب الباب الحديد، ينطحه والحائط الذي تلطخه يداه...
صفارات تجري وبذلات أخرجت أحزمتها وطارت القبعات في الممرات المحمرة... تباعد الصراخ وخفت الشخير... وطاف الحراس بالزنازين يطقطقون بزراويطهم ويطفئون الأضواء ليرغموا المقيمين على النوم...
وكانت ليلة وشوشات ونقاشات بين الأسرّة المتلاصقة ومفترشي الأرض... يتخابرون في أحداث السجن ووقائعه وأنواع التجارات الرائجة والخدمات المربحة... ويتساءلون عن مصير عشيرهم بين العلاج أو الكاشو...
وبقليل قبل الفجر اصطكت أحذية الحراس وعلت طقطقاتها وتسارعت ترافقها أوامر راكضة... أطلت الآذان لاقتناص الكلام المتسارع بين الممرات:
- الوكيل العام.... المدير... مات... مينورا ... شْكون... القرقوبي...
محمد البالي
تطوان/ المغرب
13 نونبر 2019