كرم الصباغ

يد ( حني) مباركة خضراء، و قلبها قلب مرابط. يحملون إليها القعيد الذابل؛ فتطرح الجدة الأحمال على باب الله، و تمرر يدها على الجبين الشاحب، و تتمتم بآيات الرقية. ما هي إلا ساعات معدودات، بعدها تجري الدماء في العروق، و تينع الأوراق الذابلة؛ فيصير القعيد حصانا راكضا يملأ جنبات النجع صهيلا. ربما تكشف...
منذ أن ماتت خالتي، صارت لقاءاتنا أنا وعيد أكثر من ذي قبل. لم يعد لدى أي منا أقارب. في السابق، كنا نلتقي كل أسبوعين مرة أو اثنتين. ولما رحلت الخالة، توطدت علاقتنا وأصبحنا نتحدث بالهاتف يوميا، وأحيانا يأتي في نهاية الأسبوع ليبيت عندي في شقتي بالسيدة زينب. وفي أحيان أخرى، أذهب لأعيش معه أسبوعا أو...
أرمق السَّماء المُلبَّدة بالغيوم؛ أرى الشَّمس تعضُّ على شفتيها بخجلٍ، وأرى الأشعَّة تنفذ واهنةً مشتَّتةً من بين السُّحب الدَّاكنة. يُخَيَّل إليَّ أنَّ الشَّمس الحمراء، الَّتي آذنت بالغروب تتحاشى النَّظر إليَّ كما لو كانت مذنبةً في حقّي، تخجل من ذنبها؛ إذ ذكَّرني مشهد غروبها بأجواء ما قبل مدفع...
يقلَّب بصره الزَّائغ بين شجر الشَّارع المُتفحِّم والبنايات المُهدَّمة.. قدماه خائرتان، وريقه قطعة حطبٍ متيبِّسةٌ، وصدره مثقلٌ بالأوجاع.. يتقلَّب في متاهةٍ تتخبَّط داخلها الأجساد، وتتعثَّر الأقدام الواهنة في نتوءاتٍ وحفرٍ وقطعِ حجارةٍ طاشت من جدران البيوت المُهدَّمة على الجانبين، واستقرَّت في...
سعل جدّي بشدَّةٍ، وانقبضت ملامح وجهه، وتغضَّن الوشم الباهت المدقوق على صدغيه، وعندما هدأ سعاله قال بنبرةٍ مشبَّعة بالأسى: ستموت صبية اللَّيلة.. مساكن الجن في الخلاء، وهناك فوق سرير الرَّمل تنام الصَّبية.. روحها مُعلَّقة، وأمُّها الجنّيّة بجانبها تبكي بحرقةٍ، وتشكو إلى القمر، والقمر بكى لبكائها...
مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
اقتحمتْ الغرفة المعتمة بجموحٍ. كان الهواء راكدًا، وكان زوجها كعادته يلوذ بنومه الثَّقيل. سارعتْ إلى فتح الشُّبَّاكِ؛ فتدفَّق تيارٌ من الهواء الطلق داخلَ الغرفة، بينما غمرتْ أشعةُ الشَّمس الأرجاء الرَّطبة، والفراش البارد، وَسُرعانَ ما لفح حرُّ الشَّمس وجهَ الزَّوج؛ فتململ في فراشه، وهبَّ من نومه...
بلهفةٍ واشتياقٍ تتطلَّع من شباك غرفتها المطلُّ على الباحة الرَّمليَّة الواسعة إلى الأطفال الذين يركضون خلف الكرة بخفَّة الفراشات ورشاقة الغزلان، تبتسم كلَّما أطلق أحدهم ضحكةً عاليةً، تردَّد صداها في الفضاء، وتقطب جبينها كلما تعثَّر أحدهم، وسقط على الرمل متوجّعًا.. يسرقها الوقت، وعيناها تشربان...
يبدو الطَّقس مثاليًّا لمباشرة عملي؛ فالنَّهار قَدْ تنازل عن صحوته، وتلوَّن بغبشةٍ داكنةٍ؛ والغيوم غاضبةٌ، حجبت الشَّمس، وراحتْ تصبُّ ماءها كسياطٍ مؤلمةٍ فوق شارعٍ صاخبٍ مضطربٍ، يشتهي السُّكون. المارَّة يهرولون بوجوهٍ بلاستيكيَّةٍ صوب مظلَّات المحلات، و مداخل البنايات، و المياه...
مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
يقرع سمعه أصوات تصفيق و زغاريد ، سرعان ما تتحول إلي صراخ و عويل؛ يتخشب مكانه كتمثال يشتهي الصراخ؛ تفلت من حنجرته حشرجة هزيلة مكتومة، بالكاد تصل إلى أذنيه. تلتهم عيناه الضوء الخافت المنبعث من مصباح الكيروسين؛ يبصر ظلال شخوص و أخيلة تتراءى على حيطان الدار؛ تتحول قدماه إلى مسمارين غائرين، يحاول...
تواجه القناة الضَّيِّقَةُ صفًّا من دور النَّجع، بينما تلامس حافَّتها الأخرى سياجًا شائكًا من أشجار السَّنط، يمتدُّ بطولها، ويخفي ما ورائه من الحقول. حينما تكون القناة خاليةً من الماء، يلهو الصّبيان في مجراها، تنبش أظفارهم قاعها الرَّخْوَ؛ فتتلطَّخ أيديهم بالطِّين والرَّمل، وتصبح الضَّفادع، و...
يقبلون من بعيدٍ، أسمع صخب أصواتهم، وأصداء ضحكاتهم تتردَّد في الفضاء؛ فيرتجف قلبي فرحًا. يقتربون من داري رويدًا رويدًا، يجدونني بالخارج، أجلس بجوار الباب، كما جرتِ العادة. يمرُّون بمحاذاتي، يلقون علي تحيَّة الصَّباح؛ أشحذُ بصري الكليل، أتصفَّح وجوههم السَّمراء. الشَّمس فوق رءوسهم قرصٌ ملتهبٌ،...
ها أنا أجلس إلى مكتبي، أمامي أوراقٌ شاغرةٌ، أُقَلِّبُ بصري في دوائر الدُّخان المتصاعدة من سجائرَ، أشعلها الواحدة، تلو الأخرى، أطردُ أنفاسها؛ فَتَخْرُج، وَ قَدْ اختلطت بأنفاسي الحارقة. أتذكَّرُ مقولة أحدهم: ندخن؛ لنخفَّفَ من همومنا. أتحسَّس حجرًا ثقيلًا يجثم على صدري؛ فأرمق الأعقاب الَّتي...
يبدو الطَّقس مثاليًّا لمباشرة عملي؛ فالنَّهار قَدْ تنازل عن صحوته، وتلوَّن بغبشةٍ داكنةٍ؛ والغيوم غاضبةٌ، حجبت الشَّمس، وراحتْ تصبُّ ماءها كسياطٍ مؤلمةٍ فوق شارعٍ صاخبٍ مضطربٍ، يشتهي السُّكون. المارَّة يهرولون بوجوهٍ بلاستيكيَّةٍ صوب مظلَّات المحلات، و مداخل البنايات، و المياه...

هذا الملف

نصوص
78
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى