كرم الصباغ

الصباح لا يزال باكرا، و الشمس يحجبها الغيم. أبصر السماء رمادية معبأة بالمزن الداكنة. الهواء البارد يضرب صفحة وجهى، فيرتعد جسدي النحيل. الأرض أمامي زلقة؛ فالأمطار لم تتوقف عن الهطول طوال الليل، و الطقس المتقلب ينبئ بمطر وشيك. أسير في الطريق الترابي الموحل الواصل بين النجع، و...
في جو صيفي خانق، أواصل سيري عبر الشوارع ذهابا، و عودة، متفحصا وجوه المارة، و ما طبع عليها من علامات الأسى و العبوس. لا أحد يضحك في تلك المدينة؛ لقد دفعتني كثرة ما رأيت من الوجوه المكتسية بحزنها المستدام إلى إصدار هذا الحكم القاطع، حتى السيارات، التي تمرق على يساري لآلات تنبيهها من الحزن نصيب؛...
في جو صيفي خانق، أواصل سيري عبر الشوارع ذهابا، و عودة، متفحصا وجوه المارة، و ما طبع عليها من علامات الأسى و العبوس. لا أحد يضحك في تلك المدينة؛ لقد دفعتني كثرة ما رأيت من الوجوه المكتسية بحزنها المستدام إلى إصدار هذا الحكم القاطع، حتى السيارات، التي تمرق على يساري لآلات تنبيهها من الحزن نصيب؛...
الثغاء يملأ الفناء الفسيح، و الكباش تناطح ظل الدار العالية، والنعاج تقرض الدريس، و(عطية) نحيف يفرق زكيبة العلف في المرابط. له شعر خالطه الشيب، و وجه من نحت فرعوني. يرتدي قميصا أسود طويلا، يصل إلى ركبتيه، و بنطالا قصيرا يظهر عرقوبيه. هو صموت خجول يتصبب عرقا، إذا ما حدثته أنثى، هو لم يتزوج...
أخاف أن تفلت يدك يدي؛ فيبتلعك الزحام. عادة ما تردد تلك الجملة بوجه تشع منه الطيبة، و الجدية في آن واحد. أفرد قامتي القصيرة، و أمط رقبتي، و أقف على أطراف أصابعي؛ لأبدو أكثر طولا، و أجهد في إقناعها بأنني أستطيع العودة بمفردي إلى الدار، إن توهت في زحمة السوق. أذكرها بأنني أقطع تلك المسافة مئات...
جثت "نورا" على الشاطئ، وراقبت بعينيها الشاردتين بيوت الرمل، التي شيدتها صغيرتها اللاهية، ثم انصرفت ببصرها، وانهمكت في تأمل فورة الموج، والزبد. كان صدرها مثقلا بالهموم إلا أن رائحة اليود التي تسللت إلى صدرها، منحتها شيئا من الانشراح، في حين لم يكف رذاذ الهواء الطري الذي تطاير في الهواء عن...
تهبط من إحدى السيارات، التي دخلت الموقف للتو، تنجذب إليها الأعين. أربعينية، طويلة، بيضاء، تستر جسدها الممشوق بعباءة سوداء، و تتدلى خصلات شعرها الناعم من تحت طرحتها الخضراء، عيناها أخلصتا للضدين الأبيض الرائق، و الأسود الحالك، فأظهر اللونان جمال بعضهما البعض، و أضفا على عينيها سحرا و جاذبية،...
بحذاء ممزق مثقوب، و قدمين منهكتين التمس طريقه على الأسفلت الخشن، و اجتاز عددا من الشوارع المعتمة بشرود، و وصل بعد مشقة إلى حافة النهر. ثمة بنايات بعيدة، أرسلت أضواء شحيحة، بددت قليلا من ظلمة الليل، و فتحت مجال الرؤية بالكاد أمام عينه. تقدم خطوات إلى الأمام، و التصق بسور الكوبري...
بوجه متغضن، و لحية جار عليها الشيب، يفك العجوز شاله "الكشمير"، و يلقيه جانبا، بينما تغوص عيناه في ركية الجمر، التي استقرت داخلها " البشعة"، ربما كان هذا الاسم يغني عن الوصف؛ فلملعقة النار تلك مقبض خشبي، و رأس معدني مستدير، يتميز غيظا، بعد أن يعيره الجمر السر، و الحرارة، و...
تهبط من إحدى السيارات، التي دخلت الموقف للتو، تنجذب إليها الأعين. أربعينية، طويلة، بيضاء، تستر جسدها الممشوق بعباءة سوداء، و تتدلى خصلات شعرها الناعم من تحت طرحتها الخضراء، عيناها أخلصتا للضدين الأبيض الرائق، و الأسود الحالك، فأظهر اللونان جمال بعضهما البعض، و أضفا على عينيها سحرا و جاذبية،...
الوقت مرايا مهشمة. مشارط الغروب تفتح الجراح المغلقة، و ترتل كتاب الحزن في قلب عجوز. على الحصير المتآكل بسطت المائدة. قرآن المغرب ينثال رخيما من الراديو. أبدا لم تنس وضع الزيتون و تزيين المائدة بصحن التين؛ كي يشق يحيي صومه بالعسل الرطيب. اتكأت على عصا قديمة، جثت أمام فرن الحطب القابع في ذيل...
يهبط السلم بتمهل شديد، تنقر عصاه رخام الدرجات بإيقاع بطئ، يتناسب مع ما يستغرقه من زمن بين كل درجة و أختها، يخترق سمعه صراخ الجارات، و صخب أطفالهن، و صيحات السكان الجالسين أمام الشاشات عقب إحراز هدف في مباراة، اشتعلت للتو. تقبل الأصوات عالية مزلزلة من خلف أبواب الشقق الموصدة. يبتسم ابتسامة...
تخطر في فستانها الوردي؛ فتضحك الشمس لشمس أخرى، ظهرت للتو في وجه البنت، الذي أشع منه الضوء، بينما راح شعرها الأسود الناعم يعلن عن وجوده بنشر العبير في أرجاء المكان. ثمة فناء واسع، يقع مباشرة أمام البيت المبني بالحجارة العتيقة، التي احتفظت بصلابتها رغم مرور السنين. للفناء سور عال...
عادة ما يستظلون بظلال أشجار (الجزورين) عصر كل يوم؛ فيفترشون الرمل، و يشكلون بأجسادهم حلقة كبيرة، داخلها يجلس لاعبان وجها لوجه، يفصل بينهما رقعة ( سيجا)، ذات مربعات متجاورة، رصت داخلها حصوات، يحركها اللاعبان بحذر. و سرعان ما تتوالى الحركات المباغتة؛ فيضيق الخناق، و تسد المنافذ و...
في ليل شتوي موحش، يتململ في فراشه، ذات اليمين و ذات الشمال، و تتحسس يده المرتعشة الصخرة الثقيلة الجاثمة على صدره، و سرعان ما تمتد إلى ساقه المبتورة؛ فتهاجمه الأوجاع بضراوة؛ يشعر بأن المناشير لا تزال تنهش لحمه و عظامه، يشعر بآلام حية، لا يسكنها مخدر؛ فيلوذ بالجدران، و تنهمك...

هذا الملف

نصوص
67
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى