عادل الأسطة - أنا والجامعة -6-

في السنوات الخمس ما بين 1982 و 1987 كان التعليم في الجامعة ضربا من الكفاح حقا ، وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي والحواجز التي توضع على مداخل الجامعة . ( غادرت الجامعة إلى ألمانيا في بداية تشرين الأول من العام ١٩٨٧ ، وغبت أربع سنوات اندلعت فيها الانتفاضة واستمر عدم الانتظام في الدراسة).
لم تكن الجامعة بمعزل عن المجتمع ، ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن غزة ولبنان ، وكانت وحدة الشعب الفلسطيني تتجسد في الجامعة التي كان طلابها موالين لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد أذرعتها المهمة في تعزيز الهوية الوطنية ، ولذلك فما من حدث وطني إلا كان للجامعة إسهام فيه ، وكان الاحتلال الإسرائيلي يعرف هذا ويدركه جيدا ، ولذلك كان غالبا ما يقيم الحواجز التي تحول دون انتظام العملية التعليمية ، وكان أحيانا يفرض الإقامة الجبرية على بعض القيادات الطلابية ولا يسمح لها بدخول نابلس والجامعة ، وقسم من هذه القيادات كان من مدن أخرى مثل الخليل ، ولما تعذر قدوم هؤلاء الطلاب إلى الجامعة لتأدية امتحاناتهم ، فقد ذهب الأساتذة إلى بيوت هؤلاء في مدنهم وقراهم دون تذمر . في تلك الأيام زرت قرى في منطقة الخليل لأول مرة .
نصحو صباحا ونذهب إلى مباني الجامعة وقد ينتظم التدريس وقد يعطي الجندي الإسرائيلي لسائق الحافلة إشارة بالعودة ، فلا ينتظم التدريس ، وهنا قد يشتبك الطلاب مع الجنود بالحجارة . لقد كان الاشتباك مع الجنود طقسا من طقوس تلك السنوات وكنا قد تعايشنا معه و تآلفنا.
كانت الجامعة جامعة وطنية ، ولذلك كان نشر الوعي الوطني مهمة من مهماتها وهدفا من أهدافها ، ولما كنت أدرس مساق الأدب الفلسطيني الحديث ، فقد ساعدني ذلك في اختيار الأدباء ونصوصهم دون اعتراض من أحد ، وبقيت أدرس من أريد من الأدباء وما أريد من النصوص حتى اليوم الأخير من عملي الجامعي ، ولا أذكر أن هناك من اعترض على تدريس أديب أو نص اعتراضا مباشرا من خلال جهة مسؤولة . وإن كانت هناك اعتراضات أستمع إليها ، فقد كانت تقال همسا وبصوت خفيض وبقدر من الود والعتاب .
كان المد الإسلامي بدأ في الجامعة والضفة والعالم الإسلامي يتصاعد ، وكنت أدرس أدباء وطنيين وقوميين ويساريين ، ولم أدرس اديبا ذا توجه إسلامي ، وكانت خلفية الأدباء الوطنيين والقوميين يسارية في الغالب . ولما كان أكثر طلاب قسم اللغة العربية محافظين وريفيين ، فقد كان قسم منهم يسألني بود السؤال الآتي :
- يا أستاذ لماذا لا تدرس أدباء إسلاميي التوجه ؟
وكان يتبع السؤال السابق باستفسار مفاده إن كان فكري اليساري - شاع أنني يساري الفكر - هو ما يحكم اختياراتي للأدباء والنصوص .
كنت أدرس ابراهيم طوقان وأبو سلمى ونجاتي صدقي واسحق موسى الحسيني وغسان كنفاني واميل حبيبي ومحمود درويش وجبرا ابراهيم جبرا وفدوى طوقان وسميرة عزام ومحمود شقير وتوفيق فياض ويحيى يخلف وليانة بدر وأكرم هنية ، ولم يكن بين هؤلاء كاتب إسلامي التوجه . وكنت أجيب الطالب السائل بأنني أراعي في اختياراتي الجانب الأدبي لا التوجه الفكري ، وأن الأدب الفلسطيني غلب عليه الفكر اليساري والوطني منذ النكبة ، بل وما قبلها ، وحتى اليوم ، وأن الأدب الإسلامي ظل حتى نهايات القرن العشرين شبه غائب وشبه ضعيف .
ولا أنكر أن معطيات حقبة الثمانينيات تركت أثرها علي ، ففي تلك الفترة كانت الأدبيات الوطنية واليسارية في فلسطين في صعود .
أذكر مرة وأنا أدرس قصيدة أبو تمام في فتح عمورية ، أذكر أن إحدى الطالبات ذات التوجه الإسلامي شكتني إلى رئيس القسم بحجة أنني أشكك في التاريخ الإسلامي .
كنت سألت الطلبة السؤال الآتي :
- هل تصدقون أن صرخة المرأة المسلمة فقط هي من حرك المعتصم وجيشه لمحاربة الروم ؟
وأتبعت السؤال بآخر:
- لماذا لا يستجيب الحكام العرب في زماننا لصرخات النساء الفلسطينيات ؟
فيما بعد وأنا أدرس مادة " مناهج البحث العلمي " كنت أبذل جهدا كبيرا في إفهام الطلاب المنهج الاستردادي - أي دراسة القديم في ضوء نتائجه وأن الحاضر هو نتاج الماضي ، وكنت أطلب منهم أن ينهجوا نهج ( ديكارت ) وأن يخضعوا كل شيء للعقل ، وألا يصدقوا كل ما يقرؤون .
هل ثمة نصوص أدبية سبب تدريسها لي إشكالات ؟
في الحلقة القادمة سوف أتوقف أمام
- موسم الهجرة إلى الشمال.
- قصيدة لهب القصيد لأبي سلمى
- قصيدة راشد حسين " الله أصبح لاجئا يا سيدي " وما حدث بشأنها مع الأستاذ نبيل أبو زنيد .


٨ تشرين الثاني ٢٠١٩



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى