سعيد كنيش - لا توجد جامعات ومعاهد عمومية تشكل مجالا للتكوين والبحث المعرفي العلمي والأكاديمي

لا توجد جامعات ومعاهد عمومية تشكل مجالا للتكوين والبحث المعرفي العلمي والأكاديمي المتعارف عليه في الأوساط الأكاديمية. وهو الواقع الذي تحيا وتنمو فيه الحركة الطلابية المغربية اليوم. و أصبح يحدد موضوعيا شروط الاشتباك داخل الجامعة من أجل استرجاع الهوية التقدمية للحركة الطلابية ووحدتها.
توجد عندنا واجهات وتجمعات لمباني منتشرة في العديد من المدن والجهات تسمى جامعات ومعاهد عليا عمومية، تسيج داخل أسوارها نسبة هائلة من الطلبة والطالبات تفوق بأضعاف نسبة التأطير والتجهيز المطلوبة بالحد الأدنى، ومدرسين جرى استتباعهم لمراكز القرار الإداري من عمداء كليات ورؤساء جامعات معينين من طرف الدولة. الكل يتم تسخيره من أجل إنهاء مواسم دراسية سطحية التحصيل المعرفي لنيل وسام الشهادة أو الدرجة او الديبلوم.
يوجد عندنا مدرسين يحملون درجات اكاديمية عليا وليس هيئات تدريس اكاديمية مستقلة. لقد بدأ مسلسل تصفية دور الجامعة البحثي والعلمي والمجتمعي، بالتصويب على المدرسين وتفكيك هيئاتهم المستقلة ليتم إلحاقهم بمراكز العمادة والرئاسة الجامعية الملحقة بدورها بالوزارة الوصية. كان الراتب ومنافع الخدمة أحسن وسيلة لتدجين هيئات التدريس وسلبهم دورهم في تحديد المناهج وبرامج التدريس والبحوث، خاصة في كليات العلوم الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. قليل هم الذين بقوا رافضين الانصياع. (للتذكير فقد تم في السابق إغلاق معهد السوسيولوجيا والتضحية بوجوده في بداية السبعين من القرن الماضي لأن به أساتذة وطلاب يطرحون الكثير من الأسئلة).
تطورت الأمور ولم تقتصر خيارات المخزن اتجاه الجامعة على الجانب الأمني في القمع الأسود للحركة الطلابية ومنع إطارها النقابي والتحكم والتوجيه فيما يدرس ويعرض على الطلبة؛ فقد تمكن الدائنين الكبار في صندوق النقد والبنك الدولي من التدخل في تحديد وظيفة ودور الجامعة والتعليم العالي عموما من خلال ما سمى بالإصلاحات الهيكلية للجامعة.
إخضاع وظيفة الجامعة المغربية "لمتطلبات السوق" من اليد العاملة المؤهلة، هو الهدف العام لسلسلة الاصلاحات، وهي التسمية المروجة وتعني قسمة العمل التي تحدد حاجيات الرأسمال لنوعية التعليم والتكوين الذي يجب حشو عقول الطلبة والطالبات به ومستويات التكوين حسب الشعب. رغم هذه التحولات فإن الخريجين الحاصلين على الشواهد مصير غالبيتهم المحتوم هي العطالة الدائمة. فالاختيار المركزي الذي تتعاقب علي تنفيذه الحكومات هو تحرير القطاعات الإنتاجية وتمكين الشركات الاحتكارية الكبرى وحلفاءها محليا من الوصول إلى ثروات البلد( قطاع التعليم هو أيضا تم استهدافه بالخصخصة) ونهبها وتحويل فائض الأرباح إلى المراكز الرأسمالية الغربية. لذلك ولأجله يتم إنتاج التخلف ويحجز التنمية المستقلة المرتبط بفك الارتباط مع التبعية.
المواجهة التي يعيشها طلبة جامعات الطب والصيدلة اليوم ورفضهم الخنوع لسياسة الحكم الهادفة لتبخيس مهن الطب؛ وذلك في شبه عزلة ودون استعداد وتأطير تنظيمي كافي، ضد الاختيارات الرسمية للدولة في مجال الطب وعلوم الصحة؛ تكشف عن نوعية المعارك المستقبلية التي تواجه الحركة الطلابية المغربية من أجل مراكمة الانتصارات والدفاع عن مطالبها المشروعة وهو الطريق إلى استرجاع هويتها التقدمية ووحدتها.

سعيد كنيش / مراكش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى