عادل الأسطة - أنا والجامعة -7-

نصوص إشكالية :
في سبعينات القرن العشرين قامت منشورات صلاح الدين في القدس بطباعة كتب يسارية وأخرى غير يسارية ذات طابع احتجاجي على النظام السياسي والاجتماعي القمعي والتسلطي في العالم العربي ، وذات تجارب انسانية شمولية تأتي على الصراع الحضاري بين الشرق والغرب ، وقد لاقت هذه الكتب إقبالا جيدا من القراء ، ومن ضمن هذه الكتب روايات الطيب صالح والطاهر وطار ومسرحيات بريخت وسعد الله ونوس .
وكنت زرت سورية في العام ١٩٧٥ واشتريت منها أعمال الطيب صالح التي كانت موضع نقاش وجدل ، فقد عد في حينه عبقري الرواية العربية .
عندما بدأت التدريس في الجامعة قررت تدريس بعض هذه الأعمال ، وفي مساق " المدخل إلى تذوق النص الأدبي " اقترحت على الطلاب قراءة رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " لمناقشتها معهم .
كنت أعرف أن الرواية لا تخلو من مشاهد فيها تصوير لعلاقات جنسية بين بطلها مصطفى سعيد ونساء اوروبيات تعرف إليهن ، وأنا أعرف أن قراءة مثل هذه المشاهد قد يسبب حرجا وارباكا ، ولذلك قررت عدم قراءتها أو الإشارة إليها .
بعد أيام من طلبي من الطلاب قراءة الرواية فوجئت بأن رئيس القسم يراجعني في شأن تدريس الرواية .كان والد إحدى الطالبات قرأ الرواية وتوقف أمام المشاهد التي تأتي على علاقات جنسية واستغرب أن تدرس هذه الرواية في الجامعة ، فراجع رئيس القسم بالأمر ، وقد راجعني به الرئيس .
ما حدث له دلالات عميقة تتمثل بالعلاقة بين الجامعة والمجتمع سيعبر عنه محمود درويش بسطر واحد في قصيدته " أنت ، منذ الآن ، غيرك " والسطر هو :
" ما حاجتنا للجامعة مادامت هي والجامع من جذر واحد " .
مراجعة والد الطالبة رئيس القسم بالموضوع وطلب الثاني من المدرس ألا أدرس الرواية يعني خضوع الجامعة للمجتمع ، لا قيادة الجامعة للمجتمع ، وأعتقد أن أكثر الجامعات العربية تخضع لمجتمعاتها ، وأنها لا تقودها إلى عالم آخر مختلف ، وأعتقد أن المحتمع يخضع الجامعة لشروطها ، ويبدو هذا في سياسة الجامعة المقرة يوم تأسيسها ، فأهدافها المعلنة تقر بأن الجامعة مثلا وطنية عربية إسلامية وما شابه ، وقد تتعارض سياسات الجامعة مع أهم ما يجب أن تحققه وهو إشاعة التفكير العلمي واخضاع ما يدرس للعقل لا للعواطف والمشاعر وما شابه .
لم أكن الوحيد الذي اشتكي ضده بخصوص ما يدرس . لقد قرر أحد أساتذة العلوم السياسية ذات فصل وهو يدرس القانون الإسرائيلي الشهير "قانون أملاك الغائب " ، لقد قرر في مساقه كتابا ترد فيه أبيات راشد حسين الشهيرة :
" الله أصبح لاجئا يا سيدي
صادر إذن حتى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبع المؤذن في المزاد الاسود"
فاعترض الطلاب عليه واشتكوه إلى إدارة الجامعة تدعمهم تيارات دينية ، وقد عرض الموضوع علي وسئلت إن كان البيتان فيهما نوع من الإلحاد .
مرة وأنا أدرس مساق الأدب الفلسطيني ، مرة درست قصيدة عبد الكريم الكرمي " أبو سلمى " " انشر على لهب القصيد " فاعترض بعض الطلاب على البيت الآتي :
" لو كان ربي انجليزيا
دعوت إلى الجحود "
وقال المعترضون إن البيت فيه دعوة واضحة إلى الإلحاد . وأذكر أنني استغرقت وقتا طويلا في إقناعهم بأن لا الحاد إطلاقا في البيت ، فالشاعر يقول " لو " والله ليس انجليزيا بأي حال من الأحوال ولن يصير .
أطرف ما في أمر اعتراض والد الطالبة على تدريس رواية الطيب صالح هو موقف أحد أعضاء هيأة التدريس في القسم . لقد سألني هذا الأستاذ السؤال الآتي :
- كيف تدرس هذه الرواية؟
وتابع :
والله إنني أخجل من وضعها على رفوف مكتبتي .
بعض أساتذة الجامعات غالبا يكونون متناقضين ، فهم يظهرون محافظين أخلاقيين ولكنهم في السر يتبادلون النكت الجنسية الفاضحة ، ولقد كان الأستاذ المعترض واحدا من هؤلاء .
إن المنظومة الأخلاقية لدى كثير من أساتذة الجامعات يجب أن ينظر فيها حقا . وأعتقد أن ما يجب ان يتمتع به الأستاذ الجامعي بالدرجة الأولى هو إخلاصه في عمله وتطويره نفسه علميا ، والتزامه الصارم ، في أثناء التدريس ، بالمساواة التامة بين الطلاب وعدم التمييز بينهم اتكاء على انتمائهم السياسي أو الديني أو الاجتماعي ، وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة .
وربما يبقى السؤال الأهم :
ما الدور الذي أسهمت فيه الجامعة في تطوير المجتمع وقيادته ؟
هل خلقت من طلابها طلابا يعتمدون على أنفسهم؟
وهل أوجدت لديهم القدرة على التفكير العلمي السليم أم أنها علمتهم فقط مواد تعليمية حفظوها ونجحوا فيها وكانت بالتالي مثل مدرسة ثانوية عليا ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى