جعفر الديري - محمود أمين العالِم: لا سبيل إلى تفادي العولمة الرأسمالية

كتب – جعفر الديري

قال المفكر المصري د. محمود أمين العالِم ان العولمة الرأسمالية ظاهرة تاريخية موضوعية لا سبيل الى تفاديها، لأنها تمثل أعلى مراحل التطور الانساني، الا أنها تعتبر أخطر المفاهيم.
ولفت الى انه لبناء لبنة حداثية قوية في عالمنا العربي، لابد من الانفتاح على العولمة، ويجب علينا في سبيل ذلك الامساك بسلطة الوعي التي تضعنا في مساحة القاعدة الشعبية وتشكيل جبهة للمثقفين العرب.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها العِالم مؤخرا في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للبحوث والدراسات في محافظة المحرق ضمن الموسم الثقافي الثالث للمركز، والتي جاءت تحت عنوان «اشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث والعولمة في الواقع العربي الراهن».

الحداثة حقيقة واقعية

وتطرق العالم في محاضرته الى الحداثة في مدلولاتها الواقعية وبروزها بامكانات مفتوحة على امكانات شتى، مؤكدا أن الحداثة حقيقة واقعية بل ضرورة في تاريخ الانسان، ضاربا مجموعة من الأمثلة الدالة على الخلط ما بين مفهومي الحداثة والتحديث.
وقال المحاضر «ان المداخل للتعرف على هذه القضية كثيرة جدا، وقد أشرت في لقاءات ونشرات سابقة الى قضية الخصوصية والكونية والى قضية صراع الحضارات، واننا لنصف هذه العلاقة بين كل هذه القضايا بالاشكالية ولكننا لا نهتم الا بطابعها الاشكالي الخاص. وأتذكر بهذا الخصوص أن احدى الباحثات وضحت مفهوم التنمية من خلال تصورها له على هيئة حقيبة أو فخ أو صنم، وبالمقابل واستفادة من هذه الملاحظات يمكنني القول ان الحداثة يمكن أن تحمل صفة الفخ أو الصنم لدى البعض، ونجد كل ذلك متجسدا في المناهج الجديدة للحداثة كالمادية والشخصانية، فضلا عن التكنولوجيا في العلوم الدقيقة والابداعات الفنية والأدبية».
وأضاف العالِم «الحداثة برزت كإمكانات مفتوحة على إمكانات شتى، فالعقلانية الحداثية مثلا: هي عقلانية براجماتية ووسيلة لتحقيق أهداف برجوازية، ويمكن اعتبار الأطروحة التي تقدمت بها البلاد الرأسمالية المتقدمة الى البلاد النامية تحت اسم المساواة للخروج من تحلفها يمكن اعتبارها فخا، فقد ضاعفت تلك الأطروحة من تخلف البلاد النامية. فليس من قبيل المصادفة أن تنتشر الحداثة، فتكون تغييرا يقصد لتغيير ما وراءه من تخلف واستغلال. والحقيقة أن الحداثة تكاد أن تكون قيمة نهائية مطلقة، فقد أصبح الانسان الحديث يسعى إلى تحديث كل شيء في حياته، فان الحداثة حقيقة واقعية بل ضرورة في تاريخ الانسان، فالحداثة ليست نقطة بداية ثابتة وليست حالا مطلقة بل نقطة انطلاق دائم وصيرورة، فالتاريخ يبقى دائم الاتصال بالواقع الانساني في تعامله مع الطبيعة، فهناك تغير متصل وتطور دائم في حياة الانسان، وعلى رغم ما قد يعترض هذا التطور من عقبات ، فهناك دائما حداثة في الانتاج والتطور وهناك حداثة سياسية ودينية اقتصادية وفنية الى غير ذلك. ولكن القانون العام هو قانون الحركة والتغير والتطور.
فلا تقاس المسألة بالتاريخ على أنها أيام تمر، فهذه الأيام في تحركها تحرك الانسان نفسه، فالمسألة ليست حداثة أو لا حداثة، بل هي دلالة الحداثة، وهذا ما يثير الاختلاف بشأن مفهوم الحداثة، فهناك مفهوم للحداثة على أنها هيمنة، فنحن داخلون بتجليات مختلفة بشأن الثابت والمتحرك، والتراث والتجديد».

موسيقى بيتهوفن

ثم ضرب العالِم مجموعة من الأمثلة الحداثية «لضرب أمثلة للحداثة في مجالي الأدب والفن أقول ان موسيقى بيتهوفن نقلة حداثية ما زالت باقية على رغم ارتباطها بالقديم، وكذلك أشعار امرؤ القيس وابن الرومي وفلسفة الغزالي وابن رشد، وفلسفة ماركس وهيجل، فالحداثة باقية على رغم اختلاف المكان والزمان، فالحداثة في سجلها الابداعي هي ثمرة واقع اجتماعي ثابت ومحدد ولعلها أن تكون البنية الفوقية للمجتمع وان لم تتضح هذه الفكرة بشكل مباشر، ولهذا فالتحديث هو تجسيد الموضوع العيني للحداثة من دون أن يكون متطابقا معها بالضرورة، على أنه وعلى رغم الاختلاف والتنوع فهناك ما هو مشترك عام، ولهذا يتواصل مفهوم الحداثة ومفهوم التحديث على أنهما يتداخلان ولا يتفاعلان، على أن مفهوم الحداثة تغلب عليه دلالة التفكير العلمي».

اختلاف بشع في البنية

ثم انتقل للحديث عن التحديث «على أننا لو انتقلنا الى التحديث فانه على رغم وجود مظاهر الحداثة والتحديث فان هناك اختلافا بشعا في بنية هذه الحداثة والتحديث لأنها في البلاد العربية بنية متخلفة، فهي حداثة وافدة أو مأخوذة عن السيطرة الاستعمارية، ولكن للحق وللتاريخ أقول ان كانت هناك ارهاصات واعدة للحداثة في مصر وبلاد الشام بل في مراحل متأخرة من الحضارة الاسلامية، وكان من الطبيعي أن يتم الربط بين الاستعمار وهذه الحداثة، لذلك ارتبطت مقاومة الاستعمار بمقاومة الحداثة وان اتخذت هذه المقاومة شكلا توفيقيا سعى الى التوازن بين الوافد والموروث وضاعف من ذلك أن مشروعات التحديث المطلوب أخذت تعنى بها شرائح أخرى، ولكن على رغم اندلاع الكثير من الثورات فانه لم تنجح ثورة واحدة الى اليوم، فلا تزال بيئتنا متخلفة حداثيا، ولكن هناك الكثير من التحركات وبعض التوجهات الذاتية، على أن الحداثة الحقيقية اما أن تكون حداثة نابعة من المصالح الأساسية للشعوب العربية أو تكون جزرا مضيئة متناثرة، فالحداثة والتحديث صيرورة تتجاوز ذاتها الى ما هو أكثر عدلا، ولكن الحداثة لا تعني اهدار الخاص بل استثماره بحيث يضيف اليها مزيدا من الوعي والابداع».
ثم أرفق محاضرته بالحديث عن العولمة الرأسمالية «في تقديري أن هذه العولمة الرأسمالية هي ظاهرة تاريخية موضوعية لا سبيل الى تفاديها لأنها تمثل أعلى مراحل التطور الانساني الا أنها تعتبر أخطر المفاهيم، ويصبح بذلك دعم الخطوات القومية ضرورة تحررية تاريخية اذ انها المعركة الحاسمة في عصرنا الراهن ضد الخطوة الأميركية التي تحققت أولى خطواتها فعلا ولعلها أخذت بالتجسد بشكل ملموس من قبل «اسرائيل» بالعمل على اضفاء شرعية دولية، ذلك أن الكثير من عناصر هذا المشروع المشترك تجسدت في مجال السياسة والاقتصاد والتعليم، فالمشروع يمثل هيمنة على البلاد العربية، وأستطيع القول ان مشروع الشرق أوسط في توجهاته الحداثية والتحديث يكاد ينطبق عليه مفهوم الحداثة باعتبارها فخا.
ثم تسأل اخيرا حول حسم هذا الالتباس الى محاولة تغييره وقال:«لا يتحقق لنا ذلك الا بتوافر مجموعة من الشروط، أول هذه الشروط هو الحرص على التركيز النقدي والعمل النقدي والبناء من أسفل، مع السعي الى تمييز الهوية العربية في تناول القضايا المصيرية من دون أن يكون في ذلك حجر على العقائد الدينية بالممارسة الواعية الفاعلة على اختلاف هذا الواقع، وهو الأمر الذي يفرض احترام التنوع في معالجة أنماط التنمية المختلفة. وكذلك توافر العامل الانساني اذ لا سبيل الى هذه التنمية الا بالانفتاح على هذه العولمة، وإذا كانت هذه هي بعض الشروط فما السبيل لتحويلها الى لبنة حضارية؟! لا سبيل الى ذلك الا بالاستناد الى كينونة دولية عربية، والامساك بسلطة الوعي التي تضعنا في بداية القاعدة الشعبية وتشكيل جبهة للمثقفين العرب، وقد تأسست في القاهرة أخيرا جماعة تسعى الى العولمة البديلة فحبذا لو تم جمع هذا العمل الشعبي وتشكيل جبهة عربية، بهذا تتحقق وحدة العمل الشعبي مع العمل الجماهيري العربي».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى