فنون بصرية إسلام الشرنوبي - صور نادرة.. في ذكرى ميلاده.. «جيفارا» الذي ألهم العالم

لم يكن ألبيرتو كوردا يعلم وهو يستيقظ من نومه ويُحضِر كاميرته الشخصية، أن هذا اليوم سيكتب له تاريخًا عظيمًا، سيحفر اسمه بين كبار المصورين في التاريخ، فالصورة التي تعتبر أيقونة النضال والحرية في التاريخ التي التقطها في إحدى الحفلات، كان هو الوحيد الذي أعجب بها في البداية ورآها عظيمة.

أرسل كوردا الصورة لصاحبها "تشي جيفارا" منتظرًا المدح والثناء على لقطته العظيمة، ولكن الأخير ما رآها حتى أكد أنها لم تعجبه وأنها نمطية دون إبداع.. الصورة التي حققت نجاحًا مبهرًا فيما بعد لتعبر عن الثورة والحرية وعدم السكوت عن الظلم.

هل صَمد كوردا أمام كلمات صاحبها طويلًا أم فكر مليًّا في مسحها وعدم إرسالها إلى مؤسسته التي يعمل فيها؟ هل أطال الله في عمره ليرى صورته تُزين قمصانًا وملصقاتٍ وتتحول فيما بعد إلى أكثر الصور المسلّعة والمتاجر بها.
تشي جيفارا كما رأه كوردا، لم يكن رجلًا عاديًا، صورته التي التقطها وهو حاد النظر حالم بمستقبل أفضل يغيره طالما "يؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لأولئك الناس الذي يقاتلون لتحرير أنفسهم" كما قالها "تشي" ذات مرة.
جيفارا الذي كان اسمه الحقيقي "أرنستو لينش" ولكنه غيّره ليدلّ على شيء قويّ أو نافذ، ولد في الأرجنتين في الرابع عشر من شهر يونيو لعام 1928، طبيب وكاتب وزعيم حرب العصابات وقائد عسكري ورجل دولة عالمي وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية.
سافر عندما كان طالبًا في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس الذي تخرج منها عام 1953، إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع إحدى أصدقائه على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية، لتكوّن تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المُزارع اللاتيني البسيط.
ذكر الموقع الأمريكي «ليستيكلز»، أنه لم يكن يستحم كثيرًا وكان وبكل فخر يُبدّل قميصه مرة في الأسبوع خلال حياته، استهجنه الناس لهذه العادات إلا أنه لم يتغير أبدًا، ويبدو أن أحدا لم يستطع مواجهته في ذلك كونه امتلك القوة على إعدام أي كائن بحركة من إصبعه.
مارس الكتابة شعرًا ونثرًا، ومن أعماله قصيدة "ماريا العجوز" التي تكشف عن جانب من شخصيته، قال فيها: "ماريا العجوز ستموتي أحدثك بجدية.. كانت حياتك مسبحة من الصعاب.. اسمعي أيتها الجدة البروليتارية.. فلتؤمني بالإنسان الآتي.. فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترين.. لا تصلي لرب قاسي.. أنكر عليك حياة الأمل.. لا تطلبي الموت رحمة.. لتشاهدي غزلانك الهجين تكبر.. لا تفعليها لا تفعليها".
كان مولعًا بلعبة الشطرنج، واشترك في مبارزات احترافية، عرفه الجميع كوبيًا بسبب أفعاله في كوبا، لكن الحقيقة أنه أرجنتينيًا ولم يكن مواطنا كوبيًا قط.
من بين كتبه التي ألفها، "حرب العصابات"، و"الإنسان والاشتراكية في كوبا"، و"ذكريات الحرب الثورية الكوبية"، و"الإنسان الجديد"، و"لم أنسى".
سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة واحدة ليلقي خطبة على الأمم المتحدة في نيويورك، في عام 1964، وأدانها فيما يخص سياساتها حول الفصل العنصري.
نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاءهفي ظروف غامضة، ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيدل كاسترو، مما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه، قائلًا "لدي هنا رسالة كُتبت بخط اليد، من الرفيق إرنستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي.. أتقدم رسميًا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية.. لم يعد يربطني شيء قانونيًا بكوبا".
أرسل رسالة في أكتوبر 1965 إلى كاسترو تخلى فيها نهائيًا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، معبرًا عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.
قبل لحظات من إعدمه سُئل عما إذا كان يفكر في حياته والخلود، أجاب: "لا.. أنا أفكر في خلود الثورة"، ثم قال للجلاد "أنا أعلم أنك جئت لقتلي.. أطلق النار يا جبان، إنك لن تقتل سوى رجل" لتطلق النار ويصاب في زراعيه وساقيه، قبل أن يسقط على الأرض إثر إصابته بأعيرة أخرى في صدره وحلقه.
بعد إعدامه قام طبيب عسكري ببتر يديه وإرسالها إلى بيونيس آيريس ليتم مقارنة البصمات بتلك التي تحتفظ بها الشرطة الأرجنتينية في ملفه الخاص، وفيما بعد نُقلت يداه إلى كوبا.
ألقى كاسترو خطابًا أمام حشد هائل تكون من مليون شخص من المُعزين في هافانا في ساحة الثورة بعد إعدام تشي، قائلًا: "إذا كُنا نود أن نفصح عن ما نريده من رجال الأجيال القادمة أن يكونوا عليه، فعلينا أن نقول: دعهم يكونوا مثل تشي.. إذا أردنا أن نقول كيف نريد لأطفالنا أن يتعلموا، فعلينا أن نقول بلا تردد: نريد منهم أن يتعلموا بروح تشي.. إذا أردنا نموذجًا للرجل الذي لا ينتمي إلى عصرنا بل إلى المستقبل، فأقول من أعماق قلبي أن هذا النموذج، من دون أي مأخذ على سلوكه ومن دون أي مأخذ على عمله، هو تشي".
يقسم العديد من الأطفال كل صباح في كوبا أن يكونوا مثل جيفارا، ويصلي بعض الفلاحون البوليفيون إليه من أجل المساعدة باعتباره قديسًا، وفي عام 2008 كشف النقاب عن تمثال برونزي يبلغ طوله اثني عشر قدمًا في روزاريو مسقط رأسه في الأرجنتين.
في عام 1968، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين أنهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم، وقد تحول جيفارا شهيد لقضاياهم، أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره، علمًا بأنه كان يمثل أيضًا مجموعة من التناقضات، وكأن الموت حول ملامحه، ما يوحي بأنه لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى العالمي الذي تنعم به اليوم.
من بين أقواله التي حفرت في ذاكرة الشعوب، "أحس على وجهي بألم كل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا.. فأينما وجد الظلم فهذا هو وطني"، "كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقًا، لكنني لم أكن أتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنًا نسكنه ونتكلم لغته ونحمل جنسيته".
وقال، "لن يكون لدينا ما نحيا من أجله إذا لم نكن على استعداد أن نموت من أجله"، و"الثوار يملأون العالم ضجيجًا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء"، "الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينيره".
رثاه الكثير من الشعراء، من بينهم الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي كتب قصيدة معنونة ب"جيفارا مات"، قال فيها: "عيني عليه ساعة القضا من غير رفاقه تودعه، يطلع أنينه للفضا يزعق ولا مين يسمعه، يمكن صرخ من الألم من لسعة النار ف الحشا، يمكن ضحك أو ابتسم أو ارتعش أو انتشى، يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع لجل الجياع، يمكن وصية للي حاضنين القضية بالصراع، صور كتير ملو الخيال، وألف مليون احتمال، لكن أكيد ولا جدال.. جيفارا مات مُوتة رجال".



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى