قدم المترجم حسانين فهمي الأستاذ المساعد بقسم اللغة الصينية بكلية الألسنة جامعة أسيوط للمكتبة العربية عددا مهما من الأعمال الصينية الروائية والقصصية بالإضافة إلى دراسات مهمة حول العلاقات الثقافية العربية الصينية، استحق بها الحصول أخيرا على جائزة الإسهام المتميز في ترجمة الكتب الصينية في دورتها العاشرة 2016، وهي الجائزة التي تعد الأكبر التي تمنحها الصين للمترجمين الأجانب، وهو عضو الجمعية الدولية لدراسات الأديب الصيني لوشيون، والجمعية الدولية لدراسات أديب نوبل مويان، وفي هذا الحوار معه نتعرف على جوانب مهمة في المشهدين الثقافي والأدبي في الصين، وطبيعة العلاقات الثقافية العربية، وعلاقة المثقفين بالثقافة الصينية وغير ذلك من الجوانب الخاصة بالترجمة.
من مشهد الثقافة والأدب الصينيين كانت البداية حيث قال حسانين فهمي إن نقاد الأدب الصيني يميلون إلى تقسيمه إلى ثلاث مراحل تشمل الأدب القديم والتي تمتد منذ القدم حتى 1917 قبيل اندلاع الحركة الثقافية التي كان لها الأثر الكبير في تاريخ الأدب الصيني، ثم الأدب الحديث (1919-1949) وهي المرحلة الأهم في تاريخ الأدب الصيني التي شهدت ظهور تيارات أدبية وفكرية جديدة ورواد كبار في تاريخ الأدب والثقافة الصينية، على رأسهم الستة الكبار: لوشون، قوه مو روه، ماودون، باجين، لاوشه وتساويو، ثم المرحلة الثالثة الأدب الصيني المعاصر من 1949 عشية تأسيس جمهورية الصين الشعبية حتى يومنا الحالي. والتي يميل البعض أيضاً إلى تقسيمها إلى ثلاث فترات تشمل 1949-1966 (فترة السبعة عشر عاماً)، ومن 1966-1976 (سنوات الثورة الثقافية) ثم الفترة الثالثة (1978- حتى الآن) والتي يطلق عليها الفترة الجديدة، وهي الفترة التي شهدت تطورا كبيرا في تاريخ الأدب الصيني الحديث، وظهور عدد كبير من الأدباء الذين ولدوا بعد تأسيس الصين الجديدة وعاصروا انفتاح الصين على الآداب والثقافات العالمية واطلعوا على النظريات الأدبية الغربية في لغاتها الأصلية أو من خلال الترجمة.
ومن أهم كتّاب هذا الجيل جيا بينغ وا، وانغ شوا، مويان، يوهوا، آلاي، ليوجين يوين، سوتونغ، وانغ آن إي، تييه نينغ، تشه تزه جيان. وهناك أيضاً كتابات الشباب أو ما يعرف بظاهرة كتاب “جيل ما بعد الثمانينات” (في إشارة إلى تاريخ ميلادهم) والذين يعود ظهورهم على الساحة الأدبية الصينية إلى أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وأبرز كتاب هذا الجيل خان خان، شيوجيا، قوجينغ مينغ وجانغ يويه ران.
وأكد حسانين فهمي على أن العلاقات الثقافية العربية الصينية ظلت لفترة طويلة قاصرة على الفعاليات والأنشطة الرسمية التي يشارك فيها الجانبان سواء في معارض الكتاب وغيرها من الأحداث الثقافية وتبادل الوفود المعنية. وأضاف “ظل هذا الوضع حتى مطلع القرن الجديد تقريبا، وتماشيا مع التقدم الكبير الذي حققته الصين في شتى مناحي الحياة، بدأت الصين تولي اهتماما كبيراً بمدّ جسور التواصل الثقافي بينها وبين مختلف الشعوب، وكانت البداية بتأسيس معاهد كونفوشيوس لنشر اللغة والثقافة الصينية في العام 2004، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 1500 معهد وفصل كونفوشيوس في 130 دولة حول العالم، نصيب الدول العربية منها 9 معاهد (وفصول) في مصر والإمارات والبحرين والسودان وتونس والأردن.
ثم كانت مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ والتي أكّدت على أهمية التواصل الثقافي فيما بين الصين وبين الدول التي تشملها المبادرة ومن بينها دول عربية، وترجمة عدد كبير من الكتب الصينية إلى اللغة العربية وبالمثل ترجمة عدد من الكتب العربية إلى الصينية.
وما أشار إليه الرئيس الصيني في كلمته التاريخية بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في يناير2016 حول تشجيع حركة الترجمة والتواصل الثقافي بين الجانبين الصيني والعربي. واهتمام الحكومة الصينية بالتنسيق مع الحكومات العربية في تحديد الأعوام الثقافية الصينية العربية مثل العام الثقافي المصري الصيني الذي انطلقت فعالياته مطلع هذا العام من مدينة الأقصر التاريخية بحضور الرئيسين المصري والصيني. فالصين صاحبة حضارة وإرث ثقافي عريق، تؤمن بأهمية التواصل الثقافي والحضاري في مدّ وتعميق جسور الصداقة بينها وبين الأمم والشعوب الأخرى”.
أشار حسانين إلى أن سيطرة المركزية الأوروبية على المهتمين بالشأن الثقافي العربي لفترة طويلة، وعدم الاهتمام بالثقافة الشرقية ومن بينها الصينية لا يخفى على أحد، وأن هذا الوضع استمر حتى نهاية القرن العشرين تقريبا، حتى شهدت الساحة الثقافية العربية العديد من الأصوات التي نادت بالتوجه شرقاً والتعرف على الآخر الشرقي من خلال جسر الترجمة ومن بين هؤلاء الأديب الراحل جمال الغيطاني، وإن كان هذا التوجه تأخر كثيراً مقارنة بحال الثقافة الصينية في الغرب والكثير من بلدان العالم. مثال على ذلك ما شهدته الساحة الثقافية العربية في أكتوبر 2012 عقب إعلان فوز الصيني مويان بنوبل للآداب، وعدم وجود أيّ ترجمة له بل ولمجايليه إلى العربية، في الوقت الذي كانت أعمال مويان والكاتب الصيني المعاصر يوهوا مثلا قد ترجمت حتى 2012 إلى أكثر من خمس عشرة لغة أجنبية.. فلا يزال نصيب المكتبة العربية من الكتب الصينية الغنية بحكمة وفلسفة الصين ضئيلا جداً مقارنة بما يترجم منها إلى اللغات الأخرى.
وقال فهمي “الآن بعد هذا التقدم الكبير الذي حققته الصين، والتطور الذي شهدته العلاقات العربية الصينية، وافتتاح الكثير من أقسام اللغة الصينية في مصر ودول عربية أخرى، وتخريج عدد لا بأس به من المتخصصين في اللغة الصينية وآدابها والترجمة بين العربية والصينية، فإن الجهات الثقافية العربية يجب أن تعيد النظر في مستوى العلاقات الثقافية مع الصين، والعمل على سدّ الهوّة التي تعاني منها المكتبة العربية فيما يتعلق بالكتب الصينية المترجمة إلى العربية، بما يتناسب مع حجم ومكانة وعراقة الصين.
وذلك من خلال إعداد المترجمين المتخصصين والتعاون مع الجانب الصيني في تنظيم ورش الترجمة والعمل على حلّ المشكلات التي تواجه المترجمين عن الصينية. وتوجد مبادرات طيبة في هذا الشأن، بدأها المركز القومي للترجمة بمصر من خلال التواصل مع المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، ومناقشة إمكانية التعاون مع الجانب الصيني في تنظيم ورش ترجمة لشباب المترجمين عن الصينية -وإن كانت هذه المبادرة لم تر النور بعد، إلا أنها قد تكون خطوة على الطريق الصحيح- والسعي إلى حلّ مشكلة ندرة المترجمين المؤهلين للترجمة من الصينية إلى العربية. وكذلك الجهود الطيبة المبذولة من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب، مشروع كلمة بدولة الإمارات ومركز الترجمة بجامعة الملك سعود بالسعودية وبيت الحكمة للاستثمارات الثقافية وغيرها من الجهات الثقافية التي تهتم بترجمة ونشر الكتب الصينية”.
مشروع الترجمة عن الصينية
حول مشروع سلسلة للترجمة من الصينية للعربية بالتعاون مع دار صفصافة أكد حسانين فهمي على أن التعاون كان مع دار صفصافة للنشر والثقافة في إصدار سلسلة من الكتب الصينية والتي تغطي مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة الصينية. وقد صدر منها في يوليو 2016 الكتاب الأول بعنوان “التنين يحلق- دراسات حول الاستثمارات الصينية الخارجية” وهناك خمسة كتب قيد الإعداد تصدر جميعها مترجمة عن الصينية مباشرة.
والسلسلة ستغطي فجوة معرفية عميقة لدى المثقف والباحث العربي فيما يتعلق بالمجتمع والاقتصاد الصيني، حيث تكاد معرفة الكثيرين بالصين المعاصرة تتوقف على ما صدر من أعمال مترجمة لمويان والمجايلين له دون معرفة بما يجري داخل المجتمع الصيني أو السياسة الخارجية للصين، في الوقت الذي يتعاظم فيه الدور الصيني في الساحتين الاقتصادية والسياسية، والانفتاح الصيني الكبير على العالم من حولنا.
تحديات الترجمة
رأى حسانين أن هناك تحديات كثيرة تواجه حركة الترجمة العربية والمترجم المصري بوجه خاص، أبرزها عدم وجود قاعدة بيانات للأعمال التي تمت ترجمتها، كذلك عدم وجود خطط واضحة للأعمال قيد التّرجمة، وغياب التّنسيق بين الجهات المعنيّة بالترجمة في المنطقة العربية بشكل عام وبين جهات الترجمة المختلفة داخل مصر، وهذا ما يشكّل صعوبة كبيرة أمام المترجم الذي يُقدّم على ترجمة عمل ما ويجبره ذلك على أن ينفق الكثير من الوقت والجهد للوقوف على ترجمة هذا العمل إلى العربية من عدمه. وكذلك المشكلات الخاصة بالعلاقة بين المترجم ودور النشر الخاص والتي تفتقد بعضها إلى المصداقية في التعامل مع المترجمين وعدم الإيفاء بوعودها مع المترجم، والأمثلة في ذلك كثيرة.
وكذلك افتقاد بعض اللّغات إلى المعاجم المتخصّصة. وهو ما يجعلنا بحاجة إلى مزيد من التنسيق بين جهات التّرجمة في العالم العربي وبين الجهات المعنية في الخارج، ووضع خطط محدّدة لمشروعات الترجمة للّغات المختلفة، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في هذا الشأن، وفتح الباب أمام شباب المترجمين من خلال ورش الترجمة المتخصصة بإشراف نخبة من المترجمين ذوي الخبرة. واستشهد فهمي في ذلك بالصين وأشار إلى الاهتمام الكبير الذي توليه للترجمة من خلال المشروعات الثقافية بينها وبين مختلف الدول الأجنبية، وإطلاق مشروعات دعم الترجمة من الصينية إلى اللغات الأجنبية، وتشجيع الجامعات والمراكز البحثية على تنظيم المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا الترجمة، بدعوة المتخصصين في الترجمة من داخل الصين وخارجها، وكذلك الجوائز المحلية والدولية لتشجيع المترجمين.
معايير الترجمة
فيما يتعلق بشروط ترجمة عمل سياسي أو اقتصادي أو أدبي أو فكري والمعايير المطلوبة لاختيار عمل قصد ترجمته، أوضح حسانين أنه “يجب أن يكون العمل ذا أهمية في مجاله سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الأدبي، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق الاستفادة من نقله إلى العربية، خاصة إذا كان هناك اهتمام بنقل تجارب الأمم الأخرى في مجالات بعينها، للاستفادة من هذه التجارب، مثل اهتمام الكثير من البلدان في السنوات الأخيرة بترجمة الأعمال التي تتعلق بالتجربة الصينية. مع أهمية أن يكون المترجم على دراية بمهارات الترجمة، وتمكّنه من لغته الأم واللغة والثقافة التي يترجم عنها، وأن يكون واسع الاطّلاع. مع التأكيد على أن ترجمة الأعمال الأدبية تحتاج إلى مترجم مختلف يتمتع بسمات خاصة، يسعى إلى معرفة الأديب الذي يترجم له والتعمق في فهم الخلفية الثقافية لهذا الأديب”.
وشدد حسانين فهمي على حاجة المكتبة العربية الماسة إلى سد هوة كبيرة في مجال الترجمة، فلدينا الكثير من الأعمال الجديرة بالترجمة والتعريف بها للآخر، وبالمثل هناك الكثير من الأعمال الأجنبية التي تستحق الترجمة إلى العربية. وعلى المترجم أن يتحمل قدرا من المسؤولية لإثراء المكتبة العربية من خلال ترجمة الأعمال الجيدة التي تتمتع بأهمية في لغاتها الأصلية، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالآداب التي لا تزال المكتبة العربية تعاني من نقص كبير في الأعمال المترجمة عنها، وأن يساهم المترجم في هذا لتعزيز جسور التواصل الثقافي والحضاري بيننا وبين تلك الأمم والشعوب.
أزمة الثقافة والقراءة
يقول فهمي إن تراجع رواج الترجمات الأدبية سواء كانت سردية أو شعرية أو نقدية نظرية وتطبيقية مردّه إلى مشكلة عزوف الكثير من القراء وشريحة الشباب بوجه خاص عن قراءة مثل هذه الأعمال، وميلهم إلى قراءة أعمال أخرى بدعوى أنها تناقش قضايا أو موضوعات تقترب من واقعهم المعيش.
ولفت حسانين إلى أن الترجمة باعتبارها جزءا مهما من العملية الثقافية تأثرت إلى حد كبير بأزمة الثقافة.. وأضاف “هو ما انعكس في غياب الاهتمام بالترجمة وحلّ المشكلات التي تواجه المترجمين، والبحث في الأسباب التي أدّت إلى عزوف القراء عن الأعمال المترجمة، والتي من المفترض أنها نافذة مهمة على الآخر، وهذا ما يتّضح من الإحصاءات الخاصة بما يترجمه العالم العربي مقارنة بأحوال الترجمة في دول أخرى. فيجب أن تتضافر الجهود للبحث في أسباب عزوف القرّاء عن الأعمال المترجمة، مع الأخذ في الاعتبار توفير هذه الكتب بأسعار مناسبة تكون في متناول مختلف شرائح المجتمع وتنظيم المعارض للإصدارات المترجمة داخل الجامعات والتجمعات الشبابية”.
محمد الحمامصي
من مشهد الثقافة والأدب الصينيين كانت البداية حيث قال حسانين فهمي إن نقاد الأدب الصيني يميلون إلى تقسيمه إلى ثلاث مراحل تشمل الأدب القديم والتي تمتد منذ القدم حتى 1917 قبيل اندلاع الحركة الثقافية التي كان لها الأثر الكبير في تاريخ الأدب الصيني، ثم الأدب الحديث (1919-1949) وهي المرحلة الأهم في تاريخ الأدب الصيني التي شهدت ظهور تيارات أدبية وفكرية جديدة ورواد كبار في تاريخ الأدب والثقافة الصينية، على رأسهم الستة الكبار: لوشون، قوه مو روه، ماودون، باجين، لاوشه وتساويو، ثم المرحلة الثالثة الأدب الصيني المعاصر من 1949 عشية تأسيس جمهورية الصين الشعبية حتى يومنا الحالي. والتي يميل البعض أيضاً إلى تقسيمها إلى ثلاث فترات تشمل 1949-1966 (فترة السبعة عشر عاماً)، ومن 1966-1976 (سنوات الثورة الثقافية) ثم الفترة الثالثة (1978- حتى الآن) والتي يطلق عليها الفترة الجديدة، وهي الفترة التي شهدت تطورا كبيرا في تاريخ الأدب الصيني الحديث، وظهور عدد كبير من الأدباء الذين ولدوا بعد تأسيس الصين الجديدة وعاصروا انفتاح الصين على الآداب والثقافات العالمية واطلعوا على النظريات الأدبية الغربية في لغاتها الأصلية أو من خلال الترجمة.
ومن أهم كتّاب هذا الجيل جيا بينغ وا، وانغ شوا، مويان، يوهوا، آلاي، ليوجين يوين، سوتونغ، وانغ آن إي، تييه نينغ، تشه تزه جيان. وهناك أيضاً كتابات الشباب أو ما يعرف بظاهرة كتاب “جيل ما بعد الثمانينات” (في إشارة إلى تاريخ ميلادهم) والذين يعود ظهورهم على الساحة الأدبية الصينية إلى أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وأبرز كتاب هذا الجيل خان خان، شيوجيا، قوجينغ مينغ وجانغ يويه ران.
وأكد حسانين فهمي على أن العلاقات الثقافية العربية الصينية ظلت لفترة طويلة قاصرة على الفعاليات والأنشطة الرسمية التي يشارك فيها الجانبان سواء في معارض الكتاب وغيرها من الأحداث الثقافية وتبادل الوفود المعنية. وأضاف “ظل هذا الوضع حتى مطلع القرن الجديد تقريبا، وتماشيا مع التقدم الكبير الذي حققته الصين في شتى مناحي الحياة، بدأت الصين تولي اهتماما كبيراً بمدّ جسور التواصل الثقافي بينها وبين مختلف الشعوب، وكانت البداية بتأسيس معاهد كونفوشيوس لنشر اللغة والثقافة الصينية في العام 2004، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 1500 معهد وفصل كونفوشيوس في 130 دولة حول العالم، نصيب الدول العربية منها 9 معاهد (وفصول) في مصر والإمارات والبحرين والسودان وتونس والأردن.
ثم كانت مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ والتي أكّدت على أهمية التواصل الثقافي فيما بين الصين وبين الدول التي تشملها المبادرة ومن بينها دول عربية، وترجمة عدد كبير من الكتب الصينية إلى اللغة العربية وبالمثل ترجمة عدد من الكتب العربية إلى الصينية.
وما أشار إليه الرئيس الصيني في كلمته التاريخية بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في يناير2016 حول تشجيع حركة الترجمة والتواصل الثقافي بين الجانبين الصيني والعربي. واهتمام الحكومة الصينية بالتنسيق مع الحكومات العربية في تحديد الأعوام الثقافية الصينية العربية مثل العام الثقافي المصري الصيني الذي انطلقت فعالياته مطلع هذا العام من مدينة الأقصر التاريخية بحضور الرئيسين المصري والصيني. فالصين صاحبة حضارة وإرث ثقافي عريق، تؤمن بأهمية التواصل الثقافي والحضاري في مدّ وتعميق جسور الصداقة بينها وبين الأمم والشعوب الأخرى”.
أشار حسانين إلى أن سيطرة المركزية الأوروبية على المهتمين بالشأن الثقافي العربي لفترة طويلة، وعدم الاهتمام بالثقافة الشرقية ومن بينها الصينية لا يخفى على أحد، وأن هذا الوضع استمر حتى نهاية القرن العشرين تقريبا، حتى شهدت الساحة الثقافية العربية العديد من الأصوات التي نادت بالتوجه شرقاً والتعرف على الآخر الشرقي من خلال جسر الترجمة ومن بين هؤلاء الأديب الراحل جمال الغيطاني، وإن كان هذا التوجه تأخر كثيراً مقارنة بحال الثقافة الصينية في الغرب والكثير من بلدان العالم. مثال على ذلك ما شهدته الساحة الثقافية العربية في أكتوبر 2012 عقب إعلان فوز الصيني مويان بنوبل للآداب، وعدم وجود أيّ ترجمة له بل ولمجايليه إلى العربية، في الوقت الذي كانت أعمال مويان والكاتب الصيني المعاصر يوهوا مثلا قد ترجمت حتى 2012 إلى أكثر من خمس عشرة لغة أجنبية.. فلا يزال نصيب المكتبة العربية من الكتب الصينية الغنية بحكمة وفلسفة الصين ضئيلا جداً مقارنة بما يترجم منها إلى اللغات الأخرى.
وقال فهمي “الآن بعد هذا التقدم الكبير الذي حققته الصين، والتطور الذي شهدته العلاقات العربية الصينية، وافتتاح الكثير من أقسام اللغة الصينية في مصر ودول عربية أخرى، وتخريج عدد لا بأس به من المتخصصين في اللغة الصينية وآدابها والترجمة بين العربية والصينية، فإن الجهات الثقافية العربية يجب أن تعيد النظر في مستوى العلاقات الثقافية مع الصين، والعمل على سدّ الهوّة التي تعاني منها المكتبة العربية فيما يتعلق بالكتب الصينية المترجمة إلى العربية، بما يتناسب مع حجم ومكانة وعراقة الصين.
وذلك من خلال إعداد المترجمين المتخصصين والتعاون مع الجانب الصيني في تنظيم ورش الترجمة والعمل على حلّ المشكلات التي تواجه المترجمين عن الصينية. وتوجد مبادرات طيبة في هذا الشأن، بدأها المركز القومي للترجمة بمصر من خلال التواصل مع المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، ومناقشة إمكانية التعاون مع الجانب الصيني في تنظيم ورش ترجمة لشباب المترجمين عن الصينية -وإن كانت هذه المبادرة لم تر النور بعد، إلا أنها قد تكون خطوة على الطريق الصحيح- والسعي إلى حلّ مشكلة ندرة المترجمين المؤهلين للترجمة من الصينية إلى العربية. وكذلك الجهود الطيبة المبذولة من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب، مشروع كلمة بدولة الإمارات ومركز الترجمة بجامعة الملك سعود بالسعودية وبيت الحكمة للاستثمارات الثقافية وغيرها من الجهات الثقافية التي تهتم بترجمة ونشر الكتب الصينية”.
مشروع الترجمة عن الصينية
حول مشروع سلسلة للترجمة من الصينية للعربية بالتعاون مع دار صفصافة أكد حسانين فهمي على أن التعاون كان مع دار صفصافة للنشر والثقافة في إصدار سلسلة من الكتب الصينية والتي تغطي مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة الصينية. وقد صدر منها في يوليو 2016 الكتاب الأول بعنوان “التنين يحلق- دراسات حول الاستثمارات الصينية الخارجية” وهناك خمسة كتب قيد الإعداد تصدر جميعها مترجمة عن الصينية مباشرة.
والسلسلة ستغطي فجوة معرفية عميقة لدى المثقف والباحث العربي فيما يتعلق بالمجتمع والاقتصاد الصيني، حيث تكاد معرفة الكثيرين بالصين المعاصرة تتوقف على ما صدر من أعمال مترجمة لمويان والمجايلين له دون معرفة بما يجري داخل المجتمع الصيني أو السياسة الخارجية للصين، في الوقت الذي يتعاظم فيه الدور الصيني في الساحتين الاقتصادية والسياسية، والانفتاح الصيني الكبير على العالم من حولنا.
تحديات الترجمة
رأى حسانين أن هناك تحديات كثيرة تواجه حركة الترجمة العربية والمترجم المصري بوجه خاص، أبرزها عدم وجود قاعدة بيانات للأعمال التي تمت ترجمتها، كذلك عدم وجود خطط واضحة للأعمال قيد التّرجمة، وغياب التّنسيق بين الجهات المعنيّة بالترجمة في المنطقة العربية بشكل عام وبين جهات الترجمة المختلفة داخل مصر، وهذا ما يشكّل صعوبة كبيرة أمام المترجم الذي يُقدّم على ترجمة عمل ما ويجبره ذلك على أن ينفق الكثير من الوقت والجهد للوقوف على ترجمة هذا العمل إلى العربية من عدمه. وكذلك المشكلات الخاصة بالعلاقة بين المترجم ودور النشر الخاص والتي تفتقد بعضها إلى المصداقية في التعامل مع المترجمين وعدم الإيفاء بوعودها مع المترجم، والأمثلة في ذلك كثيرة.
وكذلك افتقاد بعض اللّغات إلى المعاجم المتخصّصة. وهو ما يجعلنا بحاجة إلى مزيد من التنسيق بين جهات التّرجمة في العالم العربي وبين الجهات المعنية في الخارج، ووضع خطط محدّدة لمشروعات الترجمة للّغات المختلفة، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في هذا الشأن، وفتح الباب أمام شباب المترجمين من خلال ورش الترجمة المتخصصة بإشراف نخبة من المترجمين ذوي الخبرة. واستشهد فهمي في ذلك بالصين وأشار إلى الاهتمام الكبير الذي توليه للترجمة من خلال المشروعات الثقافية بينها وبين مختلف الدول الأجنبية، وإطلاق مشروعات دعم الترجمة من الصينية إلى اللغات الأجنبية، وتشجيع الجامعات والمراكز البحثية على تنظيم المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا الترجمة، بدعوة المتخصصين في الترجمة من داخل الصين وخارجها، وكذلك الجوائز المحلية والدولية لتشجيع المترجمين.
معايير الترجمة
فيما يتعلق بشروط ترجمة عمل سياسي أو اقتصادي أو أدبي أو فكري والمعايير المطلوبة لاختيار عمل قصد ترجمته، أوضح حسانين أنه “يجب أن يكون العمل ذا أهمية في مجاله سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الأدبي، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق الاستفادة من نقله إلى العربية، خاصة إذا كان هناك اهتمام بنقل تجارب الأمم الأخرى في مجالات بعينها، للاستفادة من هذه التجارب، مثل اهتمام الكثير من البلدان في السنوات الأخيرة بترجمة الأعمال التي تتعلق بالتجربة الصينية. مع أهمية أن يكون المترجم على دراية بمهارات الترجمة، وتمكّنه من لغته الأم واللغة والثقافة التي يترجم عنها، وأن يكون واسع الاطّلاع. مع التأكيد على أن ترجمة الأعمال الأدبية تحتاج إلى مترجم مختلف يتمتع بسمات خاصة، يسعى إلى معرفة الأديب الذي يترجم له والتعمق في فهم الخلفية الثقافية لهذا الأديب”.
وشدد حسانين فهمي على حاجة المكتبة العربية الماسة إلى سد هوة كبيرة في مجال الترجمة، فلدينا الكثير من الأعمال الجديرة بالترجمة والتعريف بها للآخر، وبالمثل هناك الكثير من الأعمال الأجنبية التي تستحق الترجمة إلى العربية. وعلى المترجم أن يتحمل قدرا من المسؤولية لإثراء المكتبة العربية من خلال ترجمة الأعمال الجيدة التي تتمتع بأهمية في لغاتها الأصلية، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالآداب التي لا تزال المكتبة العربية تعاني من نقص كبير في الأعمال المترجمة عنها، وأن يساهم المترجم في هذا لتعزيز جسور التواصل الثقافي والحضاري بيننا وبين تلك الأمم والشعوب.
أزمة الثقافة والقراءة
يقول فهمي إن تراجع رواج الترجمات الأدبية سواء كانت سردية أو شعرية أو نقدية نظرية وتطبيقية مردّه إلى مشكلة عزوف الكثير من القراء وشريحة الشباب بوجه خاص عن قراءة مثل هذه الأعمال، وميلهم إلى قراءة أعمال أخرى بدعوى أنها تناقش قضايا أو موضوعات تقترب من واقعهم المعيش.
ولفت حسانين إلى أن الترجمة باعتبارها جزءا مهما من العملية الثقافية تأثرت إلى حد كبير بأزمة الثقافة.. وأضاف “هو ما انعكس في غياب الاهتمام بالترجمة وحلّ المشكلات التي تواجه المترجمين، والبحث في الأسباب التي أدّت إلى عزوف القراء عن الأعمال المترجمة، والتي من المفترض أنها نافذة مهمة على الآخر، وهذا ما يتّضح من الإحصاءات الخاصة بما يترجمه العالم العربي مقارنة بأحوال الترجمة في دول أخرى. فيجب أن تتضافر الجهود للبحث في أسباب عزوف القرّاء عن الأعمال المترجمة، مع الأخذ في الاعتبار توفير هذه الكتب بأسعار مناسبة تكون في متناول مختلف شرائح المجتمع وتنظيم المعارض للإصدارات المترجمة داخل الجامعات والتجمعات الشبابية”.
محمد الحمامصي