اللحظة الأخيرة هي التي جعلته يمزق مقاله الطارئ. ارتفعت الزغاريد ترافقها دقات الطبلة، فأدرك السبب. ثمة فرح ما لدى الجيران إذن، ولعله أخطأ حين لم يقرأ البطاقة التي أحضرت لعائلته. لو كان قرأها لعرف السبب مبكراً.
في العاشرة صباحاً، صباح الجمعة كان الجيران، على غير العادة، أداروا المذياع أو المسجل أو الستيريو، وطربوا وأطربوا. كان الصوت مرتفعاً عالياً، كأن جهاز البث في منزلك لا في منزل الجيران. لم يثر ولم يصرخ على الجيران يطلب منهم أن يخفضوا صوت الجهاز، فإذا أرادوا أن يطربوا، فهو لا يريد أن يطرب. وإذا كانت نانسي عجرم تروق لهم ويروق لهم صوتها، فإنها تروق له ولا يروق له صوتها: كل الأحبة اتنين اتنين. وهو جالس وحده. لم يعرف أن الثاني جاء إلى ابنتهم، وأنهما سيغدوان اثنين، وبعد سنوات سيغدون ستة أو سبعة أو ثمانية وربما أكثر. ما الذي جعله يصمت ولا يصرخ على الجيران؟
يوم الجمعة صباحاً يصحو مبكراً. إن لم يكن كتب مقاله الأسبوعي مساء الخميس، فإنه يكتبه صباح الجمعة. كان انتهى من كتابة مقاله في السابعة صباحاً، ولهذا لم يغضب، ولم تغضبه حركات الجيران ولم يغضبه ارتفاع صوت جهاز البث، ولكنه أخذ يتساءل: ماذا جرى للجيران هذا النهار. هل يعرفون أنه يكتب مقاله بعد العاشرة صباحاً. أحياناً يفعل هذا. أحياناً يكتب مقاله في منتصف النهار، وأحياناً يكتبه عصراً، ليرسله من ثم إلى الجريدة مساءً أو صباح السبت.
لو أراد أن يكتب ما يقوله الجيران لفعل. أحياناً يجلس على شرفة منزله، فيما يجلس الجيران غالباً على عتبة منزلهم أو في ممر مدخل بنايتهم، وحين يجلس على شرفة منزله يصغي إلى كل ما يقولون. وما يقولون يدور حول الطعام والأسعار والإنجاب والزيارات، وهكذا لا أسرار خطيرة. هل أخطأ المستشرقون الإسرائيليون حين درسوا المجتمع المصري من روايات نجيب محفوظ، قبل أن يخوضوا حرب الأيام الستة؟ لا يتنصت ولا يتلصص ولا يترك آلة بث تسجل ما يدور بينهم من حديث.ماذا يعنيه هذا، فهو ليس مخبراً ولا تابعاً لفتح أو لحماس أو للمخابرات الإسرائيلية؟ هل ذائقة الجيران ومأكلهم وملبسهم يهمه؟
ماذا جرى للجيران يوم الجمعة. سيدون رأيه فيما يجري ليكتب مقالة لزاويته. مقالة أضافية، وسينجز المقالة، وما إن ينتهي من كتابتها حتى يصغي إلى الزغاريد مرتفعة ترافقها دقات الطبلة. إنها حكمة اللحظة الأخيرة، وسيمزق الصيغة الأولى لمقاله. سيمزقها. إنها حكمة اللحظة الأخيرة.
.
في العاشرة صباحاً، صباح الجمعة كان الجيران، على غير العادة، أداروا المذياع أو المسجل أو الستيريو، وطربوا وأطربوا. كان الصوت مرتفعاً عالياً، كأن جهاز البث في منزلك لا في منزل الجيران. لم يثر ولم يصرخ على الجيران يطلب منهم أن يخفضوا صوت الجهاز، فإذا أرادوا أن يطربوا، فهو لا يريد أن يطرب. وإذا كانت نانسي عجرم تروق لهم ويروق لهم صوتها، فإنها تروق له ولا يروق له صوتها: كل الأحبة اتنين اتنين. وهو جالس وحده. لم يعرف أن الثاني جاء إلى ابنتهم، وأنهما سيغدوان اثنين، وبعد سنوات سيغدون ستة أو سبعة أو ثمانية وربما أكثر. ما الذي جعله يصمت ولا يصرخ على الجيران؟
يوم الجمعة صباحاً يصحو مبكراً. إن لم يكن كتب مقاله الأسبوعي مساء الخميس، فإنه يكتبه صباح الجمعة. كان انتهى من كتابة مقاله في السابعة صباحاً، ولهذا لم يغضب، ولم تغضبه حركات الجيران ولم يغضبه ارتفاع صوت جهاز البث، ولكنه أخذ يتساءل: ماذا جرى للجيران هذا النهار. هل يعرفون أنه يكتب مقاله بعد العاشرة صباحاً. أحياناً يفعل هذا. أحياناً يكتب مقاله في منتصف النهار، وأحياناً يكتبه عصراً، ليرسله من ثم إلى الجريدة مساءً أو صباح السبت.
لو أراد أن يكتب ما يقوله الجيران لفعل. أحياناً يجلس على شرفة منزله، فيما يجلس الجيران غالباً على عتبة منزلهم أو في ممر مدخل بنايتهم، وحين يجلس على شرفة منزله يصغي إلى كل ما يقولون. وما يقولون يدور حول الطعام والأسعار والإنجاب والزيارات، وهكذا لا أسرار خطيرة. هل أخطأ المستشرقون الإسرائيليون حين درسوا المجتمع المصري من روايات نجيب محفوظ، قبل أن يخوضوا حرب الأيام الستة؟ لا يتنصت ولا يتلصص ولا يترك آلة بث تسجل ما يدور بينهم من حديث.ماذا يعنيه هذا، فهو ليس مخبراً ولا تابعاً لفتح أو لحماس أو للمخابرات الإسرائيلية؟ هل ذائقة الجيران ومأكلهم وملبسهم يهمه؟
ماذا جرى للجيران يوم الجمعة. سيدون رأيه فيما يجري ليكتب مقالة لزاويته. مقالة أضافية، وسينجز المقالة، وما إن ينتهي من كتابتها حتى يصغي إلى الزغاريد مرتفعة ترافقها دقات الطبلة. إنها حكمة اللحظة الأخيرة، وسيمزق الصيغة الأولى لمقاله. سيمزقها. إنها حكمة اللحظة الأخيرة.
.