مزمل الباقر - مجزرة الخرطوم ( 5)

تعرضت في الحلقة الرابعة من هذه المقالات – وبحسب التسلسل السردي لصاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) الأستاذ حسن الطاهر زروق – تعرضت بالكتابة عن ما انتهت إليه أرواح كل من الرائد/ محمد أحمد الزين ، النقيب/ معاوية عبد الحي و المقدم/ محجوب إبراهيم ( طلقة ). وأواصل في هذه الجزئية من المقالات استعراضي للكتاب محور الحديث وكنت قد ختمت المقال السابق بأني قد وعدت جمهور القراء بأن استأنف كتابتي عن الشخصية العاشرة والتي بادراها النميري فور وصولها لمعسكر الشجرة بالاستفزاز: ( يا جبان !!!).

أحمد جبارة مختار:

(( في معسكر الشجرة اقتادوا الشهيد أحمد جبارة إلى مكتب السفاح بادره بقوله: " يا جبان ". فلم يسكت الشهيد بل أجاب السفاح في شجاعة وسط الجنود المتحفزين: " اسكت يا بليد يا حمار. انت مجرد تور بس. وتأكد انك حتموت وحيجي يومك". وقام السفاح وصفع الشهيد. فهجم الشهيد علي أحد الجنود لينتزع منه مدفعاً رشاشاً يجيب به على السفاح فانقض عليه الجنود وهو مشتبك مع الرائد كمال خضر. فأوسعوه ضرباً وركلاً حتى لطخت دماءه جدران الغرفة)). (مجزرة الشجرة ص:29).
هكذا يبتدر الاستاذ حسن الطاهر زروق حكاية الملازم أول/ أحمد جبارة مختار مع الاستفزاز الحكومي ثم يسرد قصة استفزاز ثاني (( بعد التحقيق معه اقتيد إلى غرفة مجاورة لغرفة المعتقلين، ومن خلال الباب سألوه عن الحكم، فأجابهم بالإشارات انه الإعدام. وفي تلك اللحظة دخل خالد حسن عباس ومعه شرذمة من جنوده فاستفز الشهيد بقوله: "ايه يا بطل". فرد عليه الشهيد بما جعل جنود خالد يهجمون من جديد على الشهيد، وبدأ الملازم فضل شريف يوجه لكماته للشهيد الذي كانت يداه مقيدتين من الخلف)). (مجزرة الشجرة ص:29).

ثم يأتي لختام الحكاية . . لمشهد الإعدام (( عندما أخذ الشهيد لساحة الإعدام. ظل يهاجم ويفضح النقيب محمد ابراهيم ومجموعة المظلات المشرفة على تنفيذ الإعدام. واتجه نجوا الجنود وقال لهم"غشوكم وحتعرفوا الكلام ده في المستقبل. ونحن ما حاقدين علي أي واحد فيكم!" بدءوا يطلقون عليه مجموعة متصلة من الرصاص، ورغم ذلك ظل واقفاً لفترة من الزمن حتى ذهلوا وتوقفوا عن الضرب. ثم عادوا للضرب حتى سقط على الأرض وهو يهتف ويتكلم بأعلى صوته. وهنا تقدم منه أحمد محمد الحسن وأخرج مسدسه وأجهز عليه. وقد بدأ القلق يساور السفاح وزمرته بسبب تغيير الجو بين الجنود الذين تأثروا ببسالة الشهداء وصمودهم بعد إعدام أحمد جبارة مما أدى إلى الاستعجال ببقية المحاكم وتنفيذ أحكام الإعلام الصادرة مسبقاً)). (مجزرة الشجرة ص:30).

في حاشية نفس الصفحة ( الصفحة الثلاثين ) أورد المؤلف أن أحمد محمد الحسن هو رئيس المحكمة العسكرية التي انعقدت يومذاك لإعدام الملازم أول / أحمد جبارة مختار.


أحمد عثمان عبد الرحمن الحاردلو:

(( قدم للمحاكم وصدره ضده الحكم بالسجن ثلاثة سنوات. ولكن السفاح كان مصراً على إعادة محاكمته وإصدار حكم الإعلام بتهمة أنه اطلق النار على الضباط المعتقلين في بيت الضيافة)). (مجزرة الشجرة ص:31)

يحدثنا صاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) يحدثنا – نحن معشر القراء – هذه المرة عن الملازم أول/ أحمد عثمان عبد الرحمن الحاردلو، ثم يميط اللثام عن مزيدٍ من التفاصيل (( لهذا حشدوا عدداً من جنود المظلات والمدرعات الذين لم يكونوا أصلاً في بيت الضيافة وشهدوا زوراً أنه أطلق النيران على الضباط المعتقلين من قبل حركة هاشم العطا)). (مجزرة الشجرة ص:31)

ثم يدفع المؤلف بجمل أخرى تزيد من حيرتنا (( حدث كل هذا رغم ان ضابطين من الذي كانوا معتقلين في بيت الضيافة أكدا أنهما لم يشاهدا الحردلو في منطقة الضرب ولم يشاهداه يطلق النار على أي من الضباط المعتقلين)). (مجزرة الشجرة ص:31).

وتتصاعد الاحداث في رواية حسن الطاهر زروق لما جرى بحي الشجرة الخرطومي (( وعندما أعيدت محاكمته من جديد، قال لأعضاء المحكمة: "انتو عايزين تدينوني بأي طريقة وأنا زهجته من امشي وتعال. خلصونا بقى")). (مجزرة الشجرة ص:31).

غير أن أكثر المشاهد الميلودرامية التي طالعني في سيرة ملازم أول/ أحمد الحاردلو (( وعندما رجع للضباط المعتقلين، كان يسخر من المحكمة والمحاكمات. والتفت لأحد أصدقائه من الضباط وقال له: "بالله لو أي واحد منكم طلع، وده ما أظن يحصل، يمشي يزور الجماعة في البيت")). (مجزرة الشجرة ص:32).

يشير صاحب كتاب مجزرة الشجرة في حاشية ذات الصفحة ( ص 32 ) من كتابه إلى أن المقصود بالجماعة هم عائلة ملازم أول / أحمد عثمان عبد الرحمن الحردلو.

تستمر الشخصية الحادية عشرة في إشاعة جو من البهجة داخل زنزانة المرشحين للإعدام (( ثم سأل بقية المعتقلين ضاحكاً عن عدد الطلقات التي سيعدمونه بها فرد عليه أحد زملائه: "والله عاد انت وحظك، امكن يمشي معاك صف وأمكن تمشي معاك كتيبة كاملة وأي واحد حيفرغ فيك الخزنة". فضحك الشهيد ومعه بقية المعتقلين)). (مجزرة الشجرة ص:32).

وفي عشية اليوم الذي سبق إعدام ملازم أول / أحمد عثمان عبد الرحمن الحاردلو كان هذا المشهد (( تناول الشهيد عشاءه بشهية عادية مع زملائه ونام مبكراً وكان الشهيد ود الزين قد أخبر المعتقلين انه سيعدم ومعه الحردلو في الصباح الباكر)). (مجزرة الشجرة ص:32).

ثم يسدل المؤلف الستار على حكاية ملازم أول/ أحمد عثمان عبد الرحمن الحاردلو بعد أن يطلعنا – نحن معشر القراء – على المشهد الأخير في حكاية ضابط الجيش (( وفي صباح الأحد 26/7/1971م استيقظ الضباط المعتقلون على صوت وأزيز مجموعات الرصاص فعملوا أن الحردلو قد تم اعدامه. كما علموا انه عندما جاء الحرس لاستدعائه قال لأحد زملائه: "قول للجماعة لما يصحوا مع السلامة. خليهم نايمين وليأخذوا راحتهم وما تزعجهم")). (مجزرة الشجرة ص:32).


بشير عبد الرزاق:

(( دخل الشهيد بشير إلى غرفة المعتلقين بالقيادة العامة وهو مصاب بجروح في رأسه. كان ثابتاً متماسكاً. أعلن للمعتلقين انه سيتحمل مسئولية تحريك كتيبة المدرعات في القيادة العامة وطلب منه بحزم: " خليكم ثابتين. ما في زول يجيب سيرة زول. موتوا رجال. وكل زول يقول الحاجات العملها بس")). (مجزرة الشجرة ص:33).

يروي لنا المؤلف مشهد آخر يعكس جانب آخر من جوانب شخصية الرائد/ بشير عبد الرزاق (( بعد لحظات وصل بعض الجنود يسوقون الشهيد الحردلو وهو مكتوف بالحبال. فانفجر فيهم الشهيد بشير وقال بصوت حاد: "فكوه رابطينوا كده أصلوا حيوان؟")).(مجزرة الشجرة ص:33).

ثم يفرد صاحب الكتاب – محور هذه الحلقات – مساحة ليحكي لنا عن االجانب الثالث من جوانب شخصية الرائد/ بشير عبد الرزاق (( وعندما تم توصيله لمعسكر الشجرة، اشاع جواً من المرح في غرفة المعتقلين، وظل يردد "الجوه جوه والبره بره" ثم التفت لأحد زملائه وخاطبه مداعباً "انت ما بتسلم علي عمك ليه؟")). (مجزرة الشجرة ص:33).

وتنتهي الحكاية هكذا (( قبل أن يقاد لساحة الإعدام توضأ وأدى الصلاة لكنهم لم يمهلوه لكتابة وصيته)). (مجزرة الشجرة ص:33).


أحمد إبراهيم:

(( اعتقل مع عدد من جنود الحرس الجمهوري والذخيرة ومدرسة المشاة كانوا يحرسون منقطة بيت الضيافة وسلموا أسلحتهم بكامل ذخيرتها )). (مجزرة الشجرة ص:34).

وبشيء من التفصيل يحدثنا حسن الطاهر زروق عن محاكمة الجندي/ أحمد إبراهيم (( وخلال المحاكمات قضى فترة في معسكر الشجرة. وقد تعرض مع زملائه الجنود لضغط وتهديد من جنود المظلات ليشهدوا ضد الضابط مدني علي مدني بأنه أطلق النار على الضباط المعتقلين ببيت الضيافة. ولكنه في المحكمة وفي كل التحقيقات، أصر هو وزملائه على أن الدبابات المهاجمة هي التي أطلقت مدافعها على بيت الضيافة وأن ضباط يوليو لم يقتلوا المعتقلين)). (مجزرة الشجرة ص:34).

ويأخذنا – نحن معشر القراء – معه مصطحبين الجندي/ أحمد إبراهيم وقد احكم وثاقه وسط رهط من جنود نظام الرئيس المخلوع جعفر محمد نميري (( وبعد ذلك أرسل إلى كوبر حيث قضى قرابة الأسبوعين. ثم أعلن وأشيع أن أحد الضباط تعرف عليه وبدأ معه تحقيقاً لم يصل إلى نتيجة )). (مجزرة الشجرة ص:34).

ثم يسرد لنا مشهد لقاء النميري مع الجندي/ أحمد إبراهيم وكعادة الأول لابد أن يستفز خصومه (( وعندما زار السفاح سجن كوبر، سأل عنه وحاول تهديده وقال له: "انت سفاح بيت الضيافة". فغضب الشهيد وهاجم السفاح وقال له: "انت السفاح القاتل وتتحمل مسئولية كل ما حدث". فأمر السفاح بتقديمه للمحاكمة)). (مجزرة الشجرة ص:34).

وفي سبيل تقديم الجندي/ أحمد إبراهيم للمحاكمة (( ... تعرض الشهيد لتعذيب قاس وضغط ليعلن انه مع بقية الجنود تلقى أوامر بقتل الضباط أو شاهد أحد الضباط يطلق النار على المعتقلين ليضمن النجاة من حكم الإعدام، فرفض)). (مجزرة الشجرة ص:35).

ثم يأتي حسن الطاهر زروق ليحكي لنا عن صفحة مخزية في كتاب تاريخ النميري (( ومن أبشع صور الاستهتار التلفيق أن زمرة السفاح أخذت الشهيد لتعرضه على العقيد سعد بحر (قائد لواء المدرعات الثاني الذي نجا من بيت الضيافة وكان جريحاً في المستشفى العسكري) وعندما احضروا الشهيد أمامه قال له قول (ود الكلب). وكان القصد من ذلك ما ذكره سعد بحر من قبل انه خلال اطلاق النار على بيت الضيافة سمع احد الجنود ينطق هذه الفقرة بلهجة ابناء غرب السودان حيث يدغمون حرف اللام فتصبح (ود الكب). وبما ان الشهيد من ابناء الغرب فقد نطق هذه الكلمات وبكل براعة بلهجته. وهنا قال حكموا على الشهيد بالإعدام – وأعدموه شنقاً خلافاً للعرف والتقليد والقانون العسكري)). (مجزرة الشجرة ص:35).

وندرك مع صاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) اللحظات الأخيرة في حياة الجندي/ أحمد إبراهيم (( وعندما اقتيد الشهيد للمشنقة، ضرب على لوحتها الخشبية بقدمه وقال: "يا مشنقة جاك راجل. أنا ما قتلت زول وحقي ما بروح".)). (مجزرة الشجرة ص:36).

في الحلقة السادسة بإذن الله افتح الصفحة السادسة والثلاثين مرة أخرى لأقرأ لكم ما كتبه المؤلف عن الناجين من محاكم النميري فنتعرف – نحن معشر القراء – بدايةً على ذلك الجريح الذي احتمى بإحد منازل قشلاق المنطقة العسكرية فنالوه جراء ذلك طلقة في فخذه الأيمن، ضاعفت من جراحه الحسية والمعنوية.

- أواصل بإذن الله -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى