مزمل الباقر - مجزرة الخرطوم ( 7)

تعرضت في الحلقة السادسة من هذه المقالات – وبحسب التسلسل السردي لصاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) الأستاذ حسن الطاهر زروق – تعرضت بالكتابة عن ما انتهت إليه اعتقال كل من الملازم / صلاح بشير عبد الرحمن ، الدكتور مصطفى خوجلي و الرائد/ مبارك حسن فريجون. وأواصل في هذه الجزئية من المقالات استعراضي للكتاب محور الحديث وكنت قد ختمت المقال السابق بأني قد وعدت جمهور القراء في هذه الحلقة بأن نصحي لصاحب ( مجزرة الشجرة ) وقد حدثنا عن المعتقل الذي تم نقله في حراسةٍ مشددةٍ من ولاية الخرطوم لولاية شمال دارفور. وبشيء من التحديد نقل من سجن كوبر بمدينة الخرطوم بحري إلى سجن شالا بمدينة الفاشر ( حاضرة ولاية شمال دارفور ) ليقضي فترة عقوبته هناك.


النقيب/ عبد الرحمن مصطفى خليل:

(( تم اعتقاله بعد 22 يوليو في مكاتب لواء المدرعات الأول بواسطة مجموعة من الجنود يتقدمها الرقيب اسماعيل سعيد في دبابة )). (مجزرة الشجرة ص:53).

هكذا تبدأ الحكاية ولكنها لم تنتهي (( بدأ الجنود يطلقون الرصاص حول قدميه ويهددون بقتله ويضربونه من الخلف بمؤخرة رشاشاتهم حتى أوصلوه إلى مدرسة المدرعات وأدخلوه مع بقية الضباط المعتقلين وعددهم عشرون في مخزن مهجور للسلاح مساحته أربعة أمتار مربعة، ثم نقلوهم إلى أحد مكاتب سلاح المدرعات)). (مجزرة الشجرة ص:53).

وتواصلت المشاهد الحزينة (( .. وطيلة الليل ظل الجنود يحيطون بالمكتب ويتفوهون بعبارات نابية واستفزازية ويتوعدونه بالإعدام في الصباح. بقي عبد الرحمن في غرفة المعتقلين وهناك تأكد لهم أن المحكمة الفعلية التي تصدر الأحكام مكونة من مجلس الثورة وأحمد عبد الحليم قائد سلاح المدرعات، وأحمد محمد الحسن قائد فروع القضاء العسكري، وأن المجالس التي يقف بها المتهمون صورية )). (مجزرة الشجرة ص:53 – 54 ).

وتعرض النقيب/ عبد الرحمن لما تعرض له الاسكندر الأكبر من بروتس وما تعرض له ( والاس ) ميل غيبسون في الفيلم الرائع ( قلب شجاع Brave Heart ) من ابن الحاكم أو لعله رئيس الوزراء (( ... وعندما حاول الاتصال بالعقيد علي صالح قائد مدرسة المدرعات كشاهد دفاع قال له: " لو حضرت كشاهد دفاع سوف أعجل بإعدامك ". بعد ذلك حضر المقدم عبد القادر أحمد محمد ومعه بعض جنود المظلات ووقف خارج الغرفة يكيل السباب والاستفزاز لعبد الرحمن وحاول أن يطلق عليه النار من مدفع صغير يحمله. ثم توعده بالإعدام في الصباح الباكر. وعلم بعض الضباط العاملين آنذاك أن القائمة التي حدد فيها السفاح أحكام الإعدام تحوي اسم عبد الرحمن )). (مجزرة الشجرة ص:54).

(( وفي يوم 26/7 أعلنت المحكمة أنها حكمت عليه بالسجن 7 سنوات. وعلم فيما بعد أن أحمد عبد الحليم أخذ ورقة الحكم وقدمها للسفاح وأحمد محمد الحسن وأعاد الحكم مرة أخرى إلى المحكمة لإعادة المحاكمة ووصفهم بالجبن واتجه من جديد لأحمد محمد الحسن والسفاح. وبقيت أوراق الحكم في مكتب أحمد عبد الحليم حتى 30/7 حتى حضر أحد الضباط برتبة ملازم وأعلن عبد الرحمن أن الحكم 14 سنة سجناً وأن ضباط المحكمة رفضوا الانصياع لضغط أحمد عبد الحليم بإصدار الحكم بالإعدام ( كانت المحكمة مكونة من العقيد محمد ميرغني قائد جناح المقاتلات، يعاونه الرائد فاروق خوجلي والرائد عثمان السيد. وكان ممثل الاتهام بابكر عبد المجيد الذي رفض دخول أي شاهد اتهام احضرته قوات المظلات والمدرعات )). (مجزرة الشجرة ص:55)

(( بعد ذلك اقتاد الحرس عبد الرحمن إلى مكتب أحمد محمد الحسن الذي أعلنه بالحكم النهائي وتم نقله لسجن كوبر بحراسة مشددة ومنها نقل إلى سجن شالا )). (مجزرة الشجرة ص:56)


النقيب/ محمد أحمد محجوب:

(( اعتقل بالقصر الجمهوري مساء 22 يوليو مع عدد من الجنود والضباط بينهم الشهيد أحمد جبارة ونقل إلى معسكر الشجرة. ووضع في غرفة القرقول الرئيسية حتى الثانية صباحاً ، حيث انضم إليه عدد من ثورا يوليو منهم الشهيد محمد أحمد الزين، ثم نقلوا جميعاً إلى الغرفة رقم (1) التي كان بها الشهيد محجوب إبراهيم وبقية المعتقلين )). (مجزرة الشجرة ص:56)

الشخصية الثانية في هذا المقال اعتقلت ضمن مرشحين للإعدام ولعل صاحبها كان يعد نفسه في زمرة الذين سيعدمون عاجلاً أم آجلاً. يواصل صاحب (مجررة الشجرة) فيكتب (( بقي محمد أحمد محجوب في هذه الغرفة أسبوعاً وشهد كل الاحداث لحظة بلحظة. وكان آخر من ودع الشهيد الشفيع عندما أحضروه بعد التعذيب مضرجاً بدمائه متورم الوجه وعلى عينه اليمنى فوق الحاجب جرح غائر وسال الدم على وجهه وعنقه وبلل ملابسه. فلما انزعج محمد أحمد محجوب من هذا المنظر جمع الشفيع كل قواه وقال له: " ولا يهمك، نتقابل في كوبر " فساعده محمد أحمد محجوب على حمل حقيبته الصغيرة التي تحوي بعض الملابس وفرشاة الأسنان ومعدات الحلاقة )). (مجزرة الشجرة ص:57)

الشيء الملاحظ أن زبانية الرئيس المخلوع جعفر محمد نميري كانوا مثل قواعد الأحزاب العقائدية تحسبهم كالمنومين مغنطيسياً فهم يتعاملون مع المعتقلين بشيء من الفظاظة لعل مردها لإحساسهم الداخلي بأنهم – أي زبانية النظام – بأنهم على حق (( بدأ التحقيق بعد أربعة أيام وكان ممثل الاتهام العقيد عبد الوهاب البكري الذي لم يخف حماسه لإنزال حكم رادع على المتهم. لم يكن هنالك شاهد اتهام سوى الرائد يعقوب إسماعيل الذي اعتقل محمد أحمد بالقصر. ولما تضاربت أقواله طلب ممثل الاتهام تحويله إلى شاهد عدائي أو شاهد دفاع. وعندما فشلت المحكمة في تحديد أي جريمة حسب الاتهامات. اصر أحمد محمد الحسن على إصدار الحكم بأي شكل )). (مجزرة الشجرة ص:57)

غير أن محاولات النميري بات بالفشل حينما حاول أن يستخلص بعض المعلومات من النقيب/ محمد أحمد محجوب (( وقال محمد أحمد محجوب لأعضاء المحكمة: " أنا عارف العقوبة وأقدر للمحكمة موقفها " وبعد ذلك أعلن محمد أحمد بأن الحكم عامان سجناً وفي المساء وصله إعلان آخر بأن الحكم هو عشرة سنوات سجناً. وكانت الإذاعة قد أذاعت أن الحكم هو خمس سنوات وكذلك الصحف ولم يبلغ بالحكم الحقيق إلا في سجن كوبر. وخلال فترة النطق بالحكم استدعاه السفاح وحاول أن يستخلص منه معلومات عن معامتله للشهيد عبد الخالق محجوب ودكتور عز الدين علي عامر عندما كانا تحت حراسته في السجن الحربي )). (مجزرة الشجرة ص:58)

ومما يأكد زعمي في الفقرة قبل السابقة بشأن اعتقاد زبانية نظام نميري وبالتحديد من يواليه في الجيش السوداني بأنه على حق حينما يتبعون خطوات الرئيس المخلوع - الذي صار إماماً للمسلمين بعد إعلانه لقوانين سبتمبر الإسلامية فور التحاق جبهة الميثاق الإسلامي أو الجبهة القومية الإسلامية بزعامة دكتور حسن الترابي بنظامه وذاك حديث آخر كما يقول صاحب ( القمر جالس في فناء دارنا ) بروفسير علي المك – مما يؤكد زعمي حديثه يسوقه لنا الاستاذ حسن الطاهر زروق في كتابه محورهذه المقالات فيكتب (( وعندما انتهى السفاح من حديثه مع محمد أحمد تدخل الرائد عمر علي محقر سكرتير السفاح وقال إن محمد أحمد محجوب شتم مجلس الثورة المنحل بعد 19 يوليو وشتم السفاح وسعى لضم القوات الخاصة بحراسة السفاح لقواته يوم 20/7 فأعيدت المحكمة من جديد وسالته الحكمة عن الصور التي التقطت له في قاعة الاجتماعات بالقيادة العامة مع وفد الهيئات النقابية التي أبدت سلطة 19 يوليو وكذلك الصور التي التقطت له في موكب 22 يوليو وأخيراً حكمت المحكمة ببراءته ولكن أحمد محمد الحسن أصر على إصدار حكم السجن )). (مجزرة الشجرة ص:58)


النقيب/ محي الدين ساتي:

تم إيقاف واعتقال النقيب محي الدين ساتي من نفس المكان الذي تلقى فيه كاتب المقال تدريبه العسكري الذي يشكل جزء من برنامج الخدمة الوطنية ( الإلزامية ) لنظام الإنقاذ والتي كنت مضطر كغيري من السودانيين لتاديتها حتى أتمكن من دخول الجامعة أو ربما من مغادرة البلاد. فقد (( أوقف في قاعدة ناصر الجوية مساء 22 يوليو، ثم أعتقل بالكلية الحربية ووصل لمعسكر الشجرة صباح 23 يوليو )). (مجزرة الشجرة ص:59)

وبعد الإجراءات الروتينية من شاكلة (( أخذ خلاصة البيانات العقيد صديق البنا ومثل الاتهام أمام المحكمة التي ترأسها العقيد محمد حسن طاهر قال ممثل الاتهام أنه لديه إدعاءات ولا يوجد شهود اتهام )). (مجزرة الشجرة ص:59).
حدثت سابقة – في اعتقادي الشخصي – هي سابقة في تاريخ القضاء السوداني الذي اشتهر على مر العصور منذ العهود الاستعمارية بنزاهته حتى حدثت هذه السابقة (( ولكن رئيس المحكمة قرر أدانته فثار محي الدين وطلب من رئيس المحكمة أن يحدد له كيف توصل للإدانة دون تهمة مثبته ودون الاستماع لشهود اتهام )). (مجزرة الشجرة ص:59)

غير أن ثورة النقيب ذهبت أدراج الرياح لأن رئيس المحكمة أفاده (( ... بأن الموضوع ليس في يده. وطلب منه أن يدلي بأي أشياء تخفف عليه الحك والعقوبة. فرفض محي الدين الإدلاء بأي شيء )). (مجزرة الشجرة ص:59)

ولازال الادهاش حاضراً حتى في لحظة استدال الستار على مسرحية محاكمة النقيب/ محي الدين ساتي (( وفي مساء نفس اليوم أعلنت الإذاعة أن محي الدين حكم بالسجن 6 سنوات وفي صباح اليوم التالي أعلن رسمياً أن الحكم 10 سنوات )). (مجزرة الشجرة ص:59)

في الحلقة الثامنة - بإذن الله - نتعرف على الذي جعل الرئيس المخلوع النميري يصيح كالمجنون ويهدد ويضرب المكتب بقبضته ويرغي ويزبد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى