نشأت مدن منجمية بشمال إفريقيا أثناء فترة الاستعمار، وظلت تحت سيطرته العسكرية والرأسمالية الامبريالية ناهبة ثروات الشعوب، وبعد بروز الكفاح الشعبي المسلح وحركات التحرر الوطني الذي تزعمته الحركة الليبرالية والقوى المحافظة ببلدنا، حيث أجريت معاهدات واتفاقيات حول الاستقلال السياسي، ما أطلق عليه الشكلي في ما بعد، وعندما غادر الاستعمار المباشر ماذا تحقق لسكان هذه المدن؟ ولماذا انتفضت المناطق المنجمية بجهتي قفصة بتونس ومدينة جرادة بالمغرب؟
ألم تتفاقم الأزمة مع العولمة الرأسمالية؟ ألم تكمل ما تبقى، ألم تستمر المأساة بعد الاستعمار المباشر؟؟ وذلك نتيجة تطبيق سياسة المؤسسات المالية الدولية، سياسات ظالمة تنفذها حكومات متعاقبة لا تملك السلطة الحقيقية، بتعاون مع بيروقراطية المركزيات النقابية. ألم تفرض الدولة على الأغلبية الشعبية الفقيرة سياسات التقشف والخصخصة والتفويض، وتغرق البلد بالديون غير الشرعية بالقوة والقمع الشديدين في انعدام ديمقراطية فعلية؟
مدينة جرادة نموذجا
إن عمال مناجم الفحم بجرادة وأبنائهم يعيشون وضعا صعب جدا بالبحث عن توفير الغذاء لأسرهم، فقد ورثوا الخراب والأمراض المزمنة والفقر المدقع بسبب سياسات الدولة حديثة الاستقلال الخاضعة لبرامج المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية.
الفحم الحجري(الشربون)
يعد صخر الفحم الحجري طاقة أحفورية، يتكون أساسا من مادة “الكاربون”ونسب متفاوتة من (الهيدروجين – كبريت – أكسيجين – النيتر وجين – ويوجد في طبقات أرضية، وقد أستخدمه البشر في التطور الصناعي، فهو مصدر للطاقة الحرارية والتدفئة ووقود للقاطرات، وكان مادة ثمينة في عصر الآلات البخارية، وعنصر مهم في إنتاج جزء من الكهرباء، ومصدر رئيسي للطاقة بجل البلدان الصناعية التي استعملت محركات بخارية اشتغلت بالفحم الحجري حتى تم اكتشاف الغاز الطبيعي والنفط، وقد شكل( 28.1) بالمائة من حاجيات الطاقة بالعالم سنة(2015) و يعد اليوم ثاني مصدر للطاقة الكهربائية في العالم.(1)
النظام الرأسمالي يهلك عمال المناجم
إن تاريخ العمل بمناجم الفحم الحجري، والنزول إلى أعماق الأرض يعد شقاء، وكان الاشتغال فيها نادر جدا، ولم يلتجئ إليه الفلاحين والرعاة الفقراء إلا اضطراريا، بحثا عن معيشة مضمونة بعد أن قضت الرأسمالية على حياتهم المرتبطة بالأرض والفلاحة والرعي،أي القطاع الإنتاجي والاقتصادي الأول، ففي نحو منتصف القرن التاسع عشر(19) كان عمال المناجم يكدحون ساعات طوال يوميا، وبأدوات بدائية مثل الفؤوس والمعاول المعتمدة على قوة عضلات البشر، ومدة الكدح.
هذا الاستغلال المفرط لعمال المناجم من طرف الرأسماليين والامبرياليين الجشعين الذين استغلوا حتى الأطفال والنساء في نقل الفحم الحجري المستخرج بالعربات المجرورة الأكثر شقاء، مع وقوع الحوادث يوميا تقريبا، متسببة بذلك بفقدان حياة العديد منهم/هن، وقد مات الآلاف من كادحي المناجم بسبب الأمراض العويصة الناتجة عن مكونات وعناصر الفحم الحجري، والتي تقضي على الأعضاء الرئيسية بجسم الإنسان، خصوصا الجهاز التنفسي والرئتين نتيجة استنشاق غباره، وبذلك تنتهي حياة العمال في ظروف مفجعة، بينما الرأسماليين راكموا الأموال وبذلك وغيره استطاعوا التحكم في جهاز الدولة والسلطة السياسية، وفرضوا اختياراتهم بالقوة ضد إرادة الشعوب.
نضال الحركة النقابية المنظمة ينتزع مكاسب
جزء قليل من ذاك الشقاء سيتقلص نسبيا بعد الكفاح العمالي المنظم في النقابات عندما ظهرت بميدان الصراع الاجتماعي، حيث استطاعت بوحدة الطبقة العاملة ونضالها تحسين ظروف الاستغلال، وقد تم حظر تشغيل الأطفال دون سن معين، يتحكم في تحديده أرباب العمل والشركات، ورغم كل المكتسبات التي استطاع عمال المناجم المنظمين بالحركة النقابية انتزاعها من الرأسماليين بالنضال، وتنظيم الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات طويلة النفس، والمساهمة الفعالة في إنجاح الإضرابات العامة الوطنية، والتضحيات الجسيمة فعلا بالمقاومة والكفاح من اجل الاستقلال والتحرر الوطني، وتحقيق ديمقراطية فعلية، فقد بقيت حياتهم دائما مهددة، وعرفت وتعرف كثير من المهالك إلى يومنا هذا.
نشوء مدينة جرادة وتطورها
كانت المنطقة التي نشأت عليها جرادة، أراضي شاسعة متنوعة : امتداد شبه صحراوي صرف، وغابة أشجار البلوط، ومساحات كبيرة يصعب فيها الاستقرار، معروفة لدى السكان باسم ” فدان الجمل” وهي أراضي لرعي المواشي من طرف عدة قبائل من المنطقة الشرقية وقبائل أخرى محيطة بها.
اكتشاف الفحم وبروز طبقة عاملة
الفحم الحجري ثروة وطنية سيطرة عليه الامبريالية الفرنسية، قبل نظام الحماية سنة 1912 حيث بعثت مجموعة من المتخصصين بالدراسات الجيولوجيا للبحث عن المعادن لاستغلالها لفائدة الرأسمالية الفرنسية، وقد استطاع الجيولوجي الفرنسي “لويس جانتيل” أن يكتشف علامات وجود الفحم الحجري بمنطقة جرادة سنة 1908، وفي 1927 اكتشف الجيولوجي البلجيكي “اورجي” الحوض المنجمي للفحم الحجري في جرادة، واستغله الرأسماليين البلجيكيين لمدة أربع سنوات تقريبا، وفي 1936 بدأ استغلال هذه الثروة من طرف الامبريالية الفرنسية، التي هيمنت على المنطقة الشرقية بالحدود مع الشقيقة الجزائر، التي احتلتها فرنسا منذ 1830، و رسمت الحدود بين شعوب المنطقة المغاربية، وهكذا استطاع العدو أن يفرق بين شعبين شقيقين، فالقوى الاستعمارية والامبريالية يفرقا بين الشعوب والأمم ويخلقان العداوة والحروب لضمان السيطرة وديمومتها.
بعد احتلاله لمدينة وجدة سنة 1907، وسيطرته على الأراضي، واكتشاف عدة مناجم بكل من : تويسيت، وسيدي بوبكر، وبوعرفة، أنشاء الاستعمار سكك حديدية سنتي 1910 -1911، واستخدمها لترسيخ احتلاله العسكري واستيطانه الرأسمالي، و نهب الثروات الوطنية ونقلها إلى موانئ الدار البيضاء والقنيطرة، المشيدة لذلك، ثم يتم نقلها إلى المراكز الامبريالية،.يقول لينين بكتاب الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية:
“.. وتعتبر السكك الحديدية حاصل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية، وصناعة الفحم الحجري والتعدين هي حاصل وأجلى مقاييس تطور التجارة العالمية والحضارة البورجوازية..”وهذا ما حصل بالمغرب.
فالشركة التي استغلت مناجم جرادة حملت اسم” الشركة الشريفة لمفاحم جرادة” منذ 1929، وأطلقت السلطات الاستعمارية على إدارة البريد سنة 1932 اسم جرادة على مكتبها المحلي هناك، وفي سنة 1936 قام السلطان محمد الخامس بزيارة رسمية لجرادة. وتحت هذا الاسم تم استغلال المناجم من عام 1929 إلى 1947 حيث تحولت إلى اسم شركة”مفاحم شمال إفريقيا”من طرف الرأسماليين المغاربة والفرنسيين والبلجيكيين، وفي سنة 1982 أصبحت تحمل اسم “مفاحم المغرب”.
ومنذ 1936 أصبحت جرادة مركز منجمي، وبذلك استقبلت الكثير من الفلاحين والرعاة الفقراء الذين توجهوا صوبها اضطراريا، قادمين إليها من عدة جهات بالمغرب، بحثا عن العمل في المناجم، وقد استغلت الامبريالية الفرنسية بقوتها العسكرية والمدنية وحلفائها المحليين أوضاع حياة الفقراء وحولتهم بسرعة فائقة إلى قوة عاملة غير مؤهلة ورخيصة، بروليتاريا مغربية.
وهكذا وقعت تغيرات جذرية بالمنطقة، وبرزت مدينة جرادة حيث شيدت بها أحياء عمالية، وظهر نشاط اقتصادي بهامش الأحياء السكنية المشيدة للفرنسيين والأجانب المشتغلين والموظفين بالمنجم، أحياء من صنف الحداثة العمرانية الأوروبية تتوفر على كل شروط السكن اللائق بالبشر، منها وسائل الراحة والترفيه والرياضة…، بينما المغاربة سكان المنطقة وأصحاب الأرض وأهلها، وأولئك الذين هجروا إليها من مناطق مختلفة قريبة وبعيدة عاشوا بالهامش ومحرومين من ابسط ضروريات الحياة، وقد استمر ذلك الإقصاء إلى اليوم للأسف الشديد. (2)(3)(4) (5)
الكفاح البطولي من اجل السيادة
الامبريالية الفرنسية لم تسيطر على المنطقة بسهولة، ولم تبدأ بتشغيل المناجم إلا بعد أن استطاعت هزم الكفاح الشعبي المسلح، ومن بين أشهر المعارك القتالية البطولية والمصيرية التاريخية لسكان المنطقة الشرقية هي معركة”اسلي”سنة1844، التي التهب فيه كفاح السكان عن أراضيهم ضد غزو الفرنسيين، ومعروف بأن الامبرياليات تنهج سياسة متعاونة ما بينها ومتفاهمة على نهب ثروات الشعوب وتملك الأجهزة والوسائل الحربية المتطورة مما زاد من قوتها على سحق مقاومة سكان الجهة الشرقية الذين حاربوا بقتالية شديدة بوسائلهم البسيطة، لكنهم في الأخير لم يستطيعوا دحر العدو عن أراضيهم.
وبعد نهاية الحرب الامبريالية العالمية الأولى (1914-1918) هيمنت انجلترا وفرنسا على”عصبة الأمم” ووظفاها لمصالحهما، حيث وقفتا بشكل عنيد ضد حق الشعوب في تقرير مصيرها، المبدأ الذي دفعت عنه الثورة العمالية الاشتراكية الروسية سنة 1917.
هذه الفترة نتجت عنها وقائع سياسية واقتصادية واجتماعية تاريخية عالمية، منها اندلاع الثورة العمالية بروسيا وإسقاط نظام القيصر، وتشكيل الاتحاد السوفيتي على أساس بناء نظام اشتراكي، وفي ألمانيا سقوط نظام الرايخ الثالث والإمبراطورية النمساوية – الهنغارية، وبروز الولايات المتحدة كقوة رأسمالية امبريالية ليبرالية عالمية.
وهي الحرب العالمية التي جندت فيها فرنسا الاستعمارية نحو 413 ألف جندي (413000) من المنطقة المغاربية (291 ألف(291000 جندي من الجزائر) و121 ألف جندي(121000) من المغرب وتونس) فالقوى الاستعمارية الامبريالية استغلت شباب المنطقة وجندتهم في حروبها ضد الشعوب.(6)(7)(8)
الاستعمار أنجز وسائل وخلق وظائف لمصالحه
أنشأت الإدارة الاستعمارية سنة1947 جماعة مكونة من الملاكين والإقطاعيين ذوي النفوذ على قبائل المنطقة بظهير سلطاني” ظهير21/11/1916″وخلق الفرنسيين وظيفة المراقب المدني، مكلف بشؤون السكان مدعوم من القوة العسكرية الاستعمارية.
جرادة، المدينة والموقع
تقع مدينة جرادة بالجهة الشرقية جنوب وجدة – أنكاد، وتمتد على مساحة بنحو 9300 كيلومتر مربع، أغلبها ذات طابع جبلي، ومناخ قار، وبارد جداً بالشتاء، وحرارة جافة بالصيف، تحدها شرقا الشقيقة الجزائر، وغربا مدينة تاوريرت، وشمالا مدينة وجدة وجنوبا فيجيج.
بلغ سكان إقليم جرادة نحو 108.727 نسمة، منهم 43490 نسمة بمركز جرادة المدينة ( إحصاء2014). ويضم الإقليم بلديات: جرادة، وعين بني مطهر، وتويست. وعدة جماعات قروية من بينها: سيدي بوبكر، وكنفودة، وكفايت، ولمريجة، ولعوينات….)
وقد ساهم الإنتاج الكثيف للفحم الحجري بشكل رئيسي في إنشاء مدينة جرادة، واستغلت شركة المناجم أوضاع الفلاحين والرعاة الفقراء بالعمل الشاق ، ففي فترة الاستعمار سنة 1947 رفعت من عدد العمال، حيث بلغوا نحو6000 عامل (5300 مغاربة و700 من الأوروبيين)، هؤلاء الأجانب هم من جهزت لهم تلك الأحياء السكنية المتوفرة على الضروريات الأساسية للسكن المحترم، وعاشوا فيها منعمين مع التحفيز الاستعماري الاستيطاني، وفي سنة1953 بلغ إنتاج منجم جرادة نحو(350000 طن) من الفحم، وتحولت جرادة إلى واحدة من بين المدن العمالية الجديدة بشمال إفريقيا التي ساهم في خلقها بشكل كبير الاستعمار الفرنسي والرأسماليين الامبرياليين، والمتعاونين معهم من المحليين ذوي النفوذ والإقطاعيين.(9) (10)
جرادة قلعة عمالية كبرى
شكلت جرادة ومدن أخرى قلاع عمالية مناضلة ومكافحة ضد الاستعمار الأجنبي والاستغلال الرأسمالي، ويعد عمالها من بين المؤسسين الأوائل للحركة النقابية بالمغرب وقوتها، لكن عمل الليبراليين بالنقابات، والمسك بزمامها وقيادتها للنضال جعلت الطبقة العاملة المغربية تتعرض للهزائم الكبرى المتتالية، من خلال الاتفاقيات مثل السلم الاجتماعي لمصلحة أرباب العمل والدولة، وهو الحيف الكبير بحق العمال والأجراء، ورغم كل ذلك فقد استطاعت الطبقة العاملة أن تحقق انتصارات جزئية بسيطة بقوة كفاحها البطولي وانتزعت بعض المكاسب، التي أجهز على جلها اليوم، حيث بدأت الدولة تشرع بالقوانين الظالمة والمجحفة بحقهم/ن، وكذا منظماتهم.
كان بجرادة بعد الاستقلال الشكلي نحو(10250) عامل منهم: 6350 بالعمل الشاق، و902 من الأطر المشتغلين بمناصب مختلفة، و100عامل(باجر يومي) و127 مهندس. وكانت نسبة العمال بباطن الأرض تبلغ نحو87.7 بالمائة، وبذلك كان تاريخ نضال الجامعة الوطنية لعمال المناجم مجيدا، وقد تكون وتخرج في معاركها مناضلين نقابيين كفاحيين صادقين كثر، أبرزهم: الطيب بن بوعزة احد مؤسسي الحركة النقابية بالمغرب، اشتغل بالمصلحة الإدارية لشركة المفاحم بجرادة سنة 1944، وانضم لنقابة عمال المناجم.
ففي صيف 1946 أسس عمال المناجم نقابة وطنية، وضموها لكنفدرالية حيث يناضل نقابيين فرنسيين، وقد اختاروا اتحاد النقابات التابع للاتحاد العام للشغل، واستمروا بنضالهم حتى سنة 1948، فترة اعتقال النقابي الطيب بن بوعزة، وإبعاده تعسفيا عن جرادة والمنطقة الشرقية، وأعتقل لعدة مرات لنضاله السياسي الوطني التحرري، وفي سنة 1955 تحمل الطيب بن بوعزة مسؤولية نائب الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، ثم في ما بعد بأواخر الخمسينيات من القرن الماضي عين سفيرا للمغرب بيوغوسلافيا.
إن نشاط الحركة النقابية الكفاحية بجرادة أنجب كذلك المناضل النقابي الكبير بوحميدة الذي حكمت عليه السلطات الاستعمارية الفرنسية بالمؤبد والأعمال الشاقة. فمدينة جرادة معقل النضال العمالي والحركة النقابية حيث أنجبت من أمثال هؤلاء النقابيين المناضلين المكافحين الكثير.(11)( 12)
فاجعة المنطقة الشرقية بسنة 1948
في يونيو1948 تعرض بعض المغاربة اليهود المتواجدين بمدينتي جرادة ووجدة لمجزرة إجرامية بشعة، كان ضحيتها نحو 43 قتيل اغلبهم من جرادة، وقعت هذه الفاجعة الإنسانية تحت سياسة الرأسمالية الامبريالية العسكرية الفرنسية الاستعمارية التي هيمنت على المنطقة، ونهبت ثرواتها المعدنية وبطشت بسكانها، وقد وقف ضد هذه الجريمة النكراء المناضلين النقابيين المكافحين من بينهم الطيب بن بوعزة وبوحميدة ورفاقهما، لكن كما هو معلوم بالسياسات الاستعمارية، فقد استغلت الحدث ولفقته للمناضلين الوطنيين النقابيين، وبذلك حكم على بوحميدة بالأعمال الشاقة المؤبدة، وطردت الطيب بن بوعزة من المنطقة، وكان لهذه الجريمة انعكاسات كبيرة على الحركة النقابية والنضال الوطني التحرري، ووظفها الاستعمار بخبث، وقام باجتثاث الحركة النقابية المكافحة بالمنطقة من الجذور، وطبق متابعات لصيقة على مناهضي الاستعمار والاستغلال، واستغلتها كذلك بشكل كبير الامبرياليات وشبكات الحركة الصهيونية بالعالم المشرفة على تهجير اليهود من كل مكان إلى فلسطين من اجل احتلالها، وقتل وتشريد شعبها، وتأسيس قاعدة عسكرية امبريالية عدوة بالأراضي العربية، وتم توظيف فاجعة 1948 لهذا الغرض.(13)
اغلب واهم أراضي الإقليم بيد الرأسماليين والدولة
بعد الاستقلال سيطرت الدولة المغربية على نحو 1547.0639هكتار، بنسبة 84.54 بالمائة، بينما شركة المفاحم سيطرت على نحو73.4557هكتار، مما ضيق المجال على الفلاحين الفقراء وأصحاب المواشي الرعاة الرحل، وصعبت عليهم الحياة والمعيشة، أما العمال فإنهم يعدون مفاحم جرادة بمثابة مكان للموت، وحسب عدد من الخبراء والمهتمين بالموضوع فإنها كذلك، لأن طبيعتها الجيولوجية معقدة، وتتكون طبقاتها الرقيقة ما بين (0.3 و 0.8 متر) تحت عمق يصل نحو (600 متر) وهشاشة الأرض التي تعرف انهيارات الأتربة، مما يهدد حياة العمال بكل لحظة، وهذا جعلهم يزحفون مستعملين مناكبهم أثناء المشي، مع ضعف التهوية وكثافة الغبار، والحرارة المرتفعة والإنارة الضعيفة، وغياب الإشارات المنبهة للأخطار مما يتسبب للكادحين في الاختناق والموت المحقق.
ماذا تحقق لسكان جرادة؟
منذ سنة1956 بعد مغادرة الاستعمار المباشر وحلول الاستقلال الوطني وإنشاء الدولة الحديثة وسياسة المغربة، لازال أغلبية سكان جرادة يعيشون من الحفر بأعماق الأرض من اجل استخراج الفحم الحجري، ولم يتحقق لهم ما يضمن الحياة الكريمة والحرية وتحسين الأوضاع الاجتماعية في ظل سياسة “مغربة الشركات” فقد هلكوا بالعمل الشاق بالآبار العميقة حيث الحوادث المميتة بشكل شبه يومي، والإصابات الخطيرة للرئة والمرض العضال (السيلكيوز). هذا ما تسبب فيه الرأسماليين للعمال الذين كافحوا من اجل الاستقلال والحرية والعيش الكريم في بلدهم ووطنهم، لكن الدولة الجديدة زادت جوعتهم وعطشتهم وفقرتهم بسب نهجها سياسة التبعية وتنفيذ مخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية بالتمام والكمال.
سلسلة موت عمال مناجم الفحم والعاملين باستخراجه من اجل تحصيل المعيشة لم تتوقف، واستمرت منذ زمن، ففي سنة 1976 توفي نحو 14 عامل وفي1977 توفي 11 عامل وفي 1981 توفى 10 عمال وفي 1982 توفى 18 عامل وفي 1983 توفي 3 عمال وفي 1985 توفى 11 عامل، أما الكسور والإصابات الخطيرة والجروح فهي كثيرة جداً.(14)
ففي سنة 1982 تزايد عدد سكان جرادة بوجود”شركة المفاحم”التي شيدت مساكن للعمال، وتوسعت المدينة مما جعل السلطات المركزية تعلن سنة 1994عن خلق عمالة جرادة، وبناء مقرها بموقع استراتيجي بتكلفة مالية باهظة وواجهة هندسية رائعة، بينما اغلب المنازل الموجودة بالمدينة شيدت ما بين سنتي (1955- 1974) عندما كانت جرادة مقصد ووجهة العمال، ومكان مصدر عيشهم، حيث انتشرت الأحياء السكنية الشعبية الفقيرة والمحرومة من التجهيزات والوسائل الضرورية، وهكذا أصبح مقر العمالة ذو التصميم الرفيع دليل على بذخ السلطات وتبذيرها للمال العمومي بمدينة شبه مخربة، واغلب سكانها فقراء وشبابها معطلين/ات، بحاجة للشغل وللكثير من المؤسسات الاجتماعية الأساسية.
استغلال مفرط وحوادث شغل وأمراض مزمنة
ظلت الأمراض الناتجة عن العمل بالمناجم تحصد الأرواح، ففي الفترة ما بين (1970-1982) أصيب نحو 2024 عامل بمناجم جرادة بمرض (السيليكوز ) وكانت الإدارة المشرفة على المناجم أبرمت مع المركزيات النقابية سنة (1974) اتفاقية جماعية يتم بمقتضاها إعفاء كل عامل بلغت نسبة عجزه 30 بالمائة، والأطر 40 بالمائة، مع عرض كل الحالات على لجنة القانون الأساسي، والتي تتكون من ممثلي العمال والإدارة، والسؤال الذي يطرحه المناضلين/ات مناهضي العولمة الرأسمالية: هل الشركات الرأسمالية احترمت يوما ما حقوق ومطالب العمال والعاملات ؟ أما إذا كانت النقابات لا تقوم بدورها فتلك مصيبة كبرى، وهل المجالس التشريعية الشكلية ذات الأغلبية الليبرالية واليمينية في غياب ديمقراطية حقيقية ستفكر بالعمال وتسن قوانين تجيب على مطالبهم/ن وتخدم مصالحهم/ن ؟ وحسب ما نشرته الصحافة الوطنية فان عدد الإصابات بالأمراض الصدرية بلغت أحيانا نحو 155 حالة في السنة، سجلت هذه النسبة ما بين (1988-1989).(15)
بلغ عدد ضحايا حوادث الشغل سنة 1988 أكثر من 240 حالة، جلها تقريبا خطيرة، وقد رفضت إدارة المناجم قبولها، وكانت الصحافة المغربية نشرت الكثير عن القضية، لكن الحكام الفعليين بالبلد خاضعين لشروط المؤسسات المالية الدولية، ويعملون ضد مصالح العمال المغاربة، وقد كثفت الرأسمالية المسيطرة على كل مراحل الإنتاج في استغلالهم بشكل مفرط، وبأجور هزيلة ربطتها بكمية الفحم المستخرج، وهي كمية كثيرة مقابل المبلغ المالي المحصل عليه، مما جعل العامل يشتغل لمدة طويلة من اجل 900 درهم، وهذا في أقصى حالات كدحه تحت مراقبة شديدة، وأي خطوة نضالية للاحتجاج والانضمام لمنظمة نقابية من اجل صون حقوقه، عرضته وتعرضه للظلم والعقوبات، منها: التسجيل في حالات الغياب والحرمان من منحة الإنتاج، ونقله إلى أماكن الشغل الأكثر شقاء، وخفض راتبه الأساسي…، وحسب ما نشرتها الصحافة فان نسبة الإصابات بأمراض الصدر الفتاكة بصحة العمال كانت كثيرة.
نضال موحد يفرض حوارات بدون نتيجة
نظم العمال إضراب عام في منتصف دجنبر1985 بمنطقة حاسي بلال، رغم الإنزال الكبير لقوات القمع وانتشارها بالمدينة، وأمام المناجم، تحت هذا التهديد والتخويف صمد العمال، والتزموا بقرارهم، وخاضوا معركة النضال من اجل تحقيق مطالبهم المشروعة، وتوالى نضالهم.
ففي يوم 1 ابريل 1987 نظموا عدة أشكال نضالية من اجل تحقيق مطالبهم، وفي دجنبر1988 نظموا معركة، إن مسيرة النضال هذه جاءت بعد استنفاذ مسلسل الانتظار الطويل، وعدم تجاوب الإدارة والمسؤولين بجهازي الشركة والدولة محليا ومركزيا، وبدل الاستماع لصوت العمال، أقدمت على القمع، فان السلطات دائما تكون حاضرة بالميدان لمساندة الرأسماليين وأرباب العمل والإدارات المسؤولة بالشركات، وقد استعدت شركة مفاحم جرادة لمواجهة مطالب وحقوق العمال المهضومة بحماية الشرطة والدرك وأعوان السلطات المحلية (شيوخ أحياء ومقدمين) وتعزيزات من مدينة وجدة، لكن الاستجابة لنداء الإضراب العمالي بلغت نحو 80/90 بالمئة، رغم شدة التهديد واعتقال عدد من المناضلين النقابيين وعمال ميدانيين، بسبب توزيعهم لتلك النداءات الداعية للإضراب، وظلت السلطات المحلية تتدخل بمحاولات التخويف ضد العمال والسكان المتضامنين معهم، وقامت باقتحام منازل العمال بمنتصف الليل بعدة أحياء سكنية بالمدينة، بلغوا نحو 800 عامل.(16)
سياسات الليبرالية الجديدة المتتالية خربت المنطقة
سنة 1992 وضع الملك الحسن الثاني مشروع تعديلات على دستور البلاد، وفي سبتمبر بالسنة نسفها بدأ العمل بها، وفي 1 مايو 1992 شكلت أحزاب الحركة الوطنية “الكتلة الديمقراطية” وهي تنسيق سياسي جمع كل من:حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وكان هدفها الأساسي، هو فتح حوار مع أعلى سلطة فعلية في البلاد من اجل إصلاحات سياسية طفيفة، محورها تعديلات دستورية شكلية، لا تمس عمق الحكم الحقيقي.( 17)
سياق التعديلات بالدستور، وتشكيل “الكتلة الديمقراطية” جاء ذلك نتيجة عدة مستجدات من أهمها: تفكك الاتحاد السوفيتي سنتي 1989- 1991، وإزالة حائط برلين الذي شيد بين الألمانيتين الشرقية والغربية أثناء الحرب الباردة بالسنة نفسها، وتعدد الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالبلد منها: قضية الصحراء الغربية، والاتفاق حول تنظيم الاستفتاء، ووقف إطلاق النار سنة 1991 وتوفير الأجواء لتحقيق ذلك، هذه القضية التي مرت عليها عقود وكلفت سكان المنطقة وشعوبها الكثير، في غياب حل نهائي يطوي ملفها، لان الرأسمالية والامبريالية العسكرية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات لا يهمهم مصير الشعوب، وكل ما يفكرون فيه هو نهب الثروات.
وهكذا، إضافة للنتائج المدمرة لحكم الاستبداد بالبلد و فرض سياسة التقويم الهيكلي وتطبيقها استجابة لشروط ومخططات المؤسسات المالية الدولية على الشعب المغربي، بتجميد الأجور ورفع أسعار المواد الأساسية، مما خلق نضال عمالي قوي، وبطالة واسعة، وبروز حركة المعطلين حاملي الشهادات وتأسيس الجمعية الوطنية، والانعكاسات على شغل النساء بالنسيج والمصبرات والتعليب حيث برزت الحركة النسائية المطالبة بالمساواة من اجل حقوقهن المهضومة تحت نظام رأسمالي وذكوري وأبوي(بطريركي) تحكمه قوانين أكثر رجعية، وكذا نضال الحركة الثقافية الامازيغية، ثم قضايا الاعتقال السياسي والمنفيين وسنوات الجمر والرصاص … و الحريات العامة: التنظيم والتعبير، الغ.
وكانت مطالب الأحزاب الليبرالية من اجل الديمقراطية تتجلى في : إصلاح دستوري، تحديث أجهزة الدولة، فصل السلط عن بعضها واستقلالها (القضائية والتشريعية، والتنفيذية، والإعلامية ..) قيام حكومة ممثلة لأغلبية الشعب، لتحمل المسؤولية أمام مجلس النواب، وجاء في إحدى نقط برنامج الكتلة الديمقراطية : ” ..إقرار مشروع وطني للتنمية والتحرر والتقدم، وإرساء سياسة بديلة والإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي تستهدف بالأساس: أ – تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين وضمان حقوقهم في الشغل والتعليم والتكوين والصحة والسكن والنقل والعيش الكريم. ب – وضع خطة متكاملة لمحاربة البطالة، وتشغيل الشباب، وتوظيف كل الطاقات البشرية في إطار توسيع مجالات الاستثمار والإنتاج والتجهيز وتنشيط مختلف القطاعات…ج – جعل حد للفوارق الاجتماعية والجهوية وتحقيق المساواة بين المواطنين والمواطنات وضع سياسة تحد من نهب الثروات ..الخ. هل تحقق هذا؟
في 8 يوليوز1994أعلن الحسن الثاني عن عفو استفاد منه عدد من المعتقلين السياسيين/ات، وسمح لعدد من المنفيين/ات المغاربة بالعودة إلى بلدهم، وفي سنتي (1995-1996عرف البلد أحداث سياسية من بينها: توقيع”ميثاق” في بداية غشت 1996بين أرباب الشركات والرأسماليين الكبار والقيادات النقابية على أساس تنفيذ سياسة “السلم الاجتماعي”،وفي 20 غشت 1996أعلن الملك عن استفتاء حول تعديلات على الدستور لتدبير المرحلة، وكانت أحزاب الكتلة الوطنية رفضت مجمل التعديلات على دستور سنة 1992 باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي صوت لصالحها، وبدأت الخلافات بين أعلى سلطة بالبلد وأحزاب الحركة الوطنية الليبرالية حول تدبير المرحلة من جهة وبين مكونات الأحزاب المشكلة للكتلة، ولذلك أجريت تعديلات على الدستور من جديد، قبلتها ورحبت بها القوى الليبرالية المغربية في سنة 1996، وتم فتح باب الحوار، وترك هامش جد ضيق للنشاط السياسي، مهدد من حين لآخر،(18)
وفي 13شتنبر1996صادقت أحزب الكتلة، بمقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد المعارضة لعقود على تلك التعديلات الدستورية التي ركزت على بقاء كل السلطة السياسية الفعلية لدى الملك، وبقاء جوهر حكمه الذي لا يخضع للنقاش، مما جعل حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي يرفض المصادقة على تلك التعديلات، التي تضمنت نظام المجلسين، أي مجلسي النواب والمستشارين، هذا الأخير الذي كانت ترفضه المعارضة الليبرالية، وفي 28 اكتوبر1997 وقعت الأحزاب السياسية والدولة الرأسمالية والنظام على”ميثاق” تحييد الإدارة وتنظيم الانتخابات.(19)(20)(21)
الإجهاز على المكتسبات الشعبية
نتج عن عملية التحضير لحكومة ” التناوب التوافقي”مجموعة من التحولات والوقائع والأحداث من بينها: ظهور أحزاب سياسية جديدة بواجهة المشهد بشكل كبير، بينما أحزاب الحركة الوطنية الليبرالية عرفت مجموعة من التطورات، فحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي انشق عنه عدد من أعضائه الأساسيين بعد مساندتهم للتعديلات الدستورية، وأسسوا في سبتمبر1996 حزب سياسي جديد “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”وفي 27 يوليو1997 انشق عن حزب التقدم والاشتراكية مجموعة من أعضائه الرئيسيين وأسسوا حزب جبهة القوى الديمقراطية.(22)
في 14 نوفمبر1997 أجريت الانتخابات التشريعية، وحصلت الأحزاب الليبرالية المتحدرة من الحركة الوطنية على عدد من المقاعد، وكانت كما يلي: حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد المعارضة 57 مقعد، حزب الاستقلال 32 مقعد، حزب التقدم والاشتراكية 9 مقاعد، حزب جبهة القوة الديمقراطية 9 مقاعد، حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي 4 مقاعد، الحزب الاشتراكي الديمقراطي 5 مقاعد.
في 4 دجنبر1997 جرت انتخابات مجلس المستشارين المتشكل من 270 مقعد، ويجمع كل من : منتخبي الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية وأعضاء الغرف المهنية وممثلي المأجورين، وحصلت أحزاب الكتلة الديمقراطية على 44 مقعد (حزب الاستقلال 21 مقعد الاتحاد الاشتراكي 16 مقعد وحزب التقدم والاشتراكية 7 مقاعد) جبهة القوى 12 مقعدا، والحزب الاشتراكي الديمقراطي 4 مقاعد.
أما مقاعد النقابات كانت كما يلي: الكنفدرالية الديمقراطية للشغل حصلت على 11 مقعد، والاتحاد المغربي للشغل 8 مقاعد، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب 3 مقاعد، وحصل كل من: اللجان العمالية المغربية، واتحاد النقابات الشعبية، والنقابة الوطنية الديمقراطية، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على مقعد 1 لكل منهما. (23)
لجنة التحقيق، وقرار إغلاق المناجم
قبل تشكيل حكومة “التناوب التوافقي” قامت لجنة بزيارة ميدانية لمدينة جرادة يوم 12 دجنبر1997 وعقدت مجموعة من الاجتماعات مع السلطات المحلية وقيادات المركزيات النقابية والمنتخبين المحليين، وكانت من بين مقررات هذه الاجتماعات تشكيل لجان تشرف وتهتم بالقضايا الأساسية لحل المشكلات، أهمها: القضيتين الكبيرتين الاجتماعية والاقتصادية، نتج عنها توقيع اتفاق يوم17 فبراير1998.
شكلت اللجنة من:عبد العزيز مزيان بلفقيه وزير الفلاحة والبيئة، وإدريس بنهيمة وزير النقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن، وأمينة بنخضراء كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن، وكان من بين مهام اللجنة: التفاوض والحوار مع المركزيات النقابية، والإدارة العامة لوكالة الإنعاش الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بأقاليم الشمال الشرقي لإيجاد حلول، لكن السؤال لفائدة من؟ إنها طبعا للرأسماليين والدولة بالأساس، وقد كان ذلك عن التزام النقابات، ونواب ورؤساء جماعات محلية، هؤلاء الذين ينتمي اغلبهم للأحزاب اليمينية والليبرالية التي ليست سوى واجهة للديمقراطية، وتعمل ضد مصالح الفقراء والكادحين، وأسفرت فعلا بالتوقيع على “اتفاقية 17 فبراير 1998″وتنفيذ قرار إغلاق شركة مفاحم المغرب، وفي سنة 1999 سرحت الشركة عدد من عمالها الذين ساهموا في رأسمالها بكدهم وعرقهم، مما جعلهم يخوضون معارك نضالية ضد الظلم الذي تعرضوا له من طرف الرأسماليين، ونظموا إضرابات بطولية، كان لها أصداء كبيرة بالمغرب وكل مكان، وعرفت تضامن أممي من زملائهم عمال المناجم بالعالم، لكن الشركة المحمية والمحصنة بقوة من الدولة استطاعت الخروج من الأزمة مؤقتا بعد خلق” لجنة تحقيق” تلك التي نسبت كل المشكلات إلى”سوء التسيير الإداري للمنجم” بدل الاعتراف بالاستغلال المفرط للعمال مع هضم حقوقهم والتسبب لهم في الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية خاصة وتكاليف العلاج الباهظة وترك مدينتهم للمصير المجهول، وعدم تحقيق البديل الاقتصادي، وان الأسباب الحقيقية هي السياسات الليبرالية المتبعة بالبلد.
وقبل توقيع هذا الاتفاق بأقل من أسبوعين، ففي يوم 4 فبراير 1998 كان الملك الحسن الثاني كلف عبد الرحمن اليوسفي الكاتب العام الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي بتشكيل حكومة جديدة، عدها الليبراليين بمثابة مدخل إلى” الانتقال الديمقراطي” مبني على اتفاق جرى بين الملك واليوسفي، أطلق عليه” التوافق”وفي 14 مارس 1998 تشكلت حكومة مكونة من عدة أحزاب يمينية وليبرالية مدافعة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة الرأسمالية التي جوعت وعطشت الفقراء المغاربة، ترأسها اليوسفي وقادها حزبه ضمت وزراء من نظام الحسن الثاني عينوا بأهم مراكز السلطة السياسة بالدولة (إدريس البصري وزير الداخلية، وعبد اللطيف الفيلالي وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، وعبد الكبير العلوي المدغري وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، وعمر عزيمان وزير العدل..) وفي 23 يوليو1999توفى الملك الحسن الثاني، وانتقل الحكم لولي عهده محمد السادس، وأجريت مراسم بيعته في نفس اليوم، وفي 9 نونبر1999تمت إقالة وزير الداخلية إدريس البصري من طرف الملك الجديد محمد السادس، هذه بعض الأحداث التي عرفها البلد في ظروف الإعلان عن تشكيل لجنة التحقيق حول مناجم جرادة وإغلاقها، الذي كانت نتائجه كارثية على المنطقة بعد تسريح نحو 5000 عامل، فقد انعكست على حياة السكان بشكل كبير، وانقلبت أوضاع المدينة بدرجة فائقة، كان لا بد من التذكير بها، لوضع قضية جرادة وإغلاق المناجم في سياقها التاريخي.(24)
نضال عمالي وتضامن شعبي وأممي
لقد طبقت سياسة إغلاق شركة مناجم الفحم بجرادة تدريجيا استمرت حتى سنة 2001، وقد نتجت عنه التسريحات الجماعية للعمال والمستخدمين، مع الالتزام بضمان حقوقهم كاملة، منها : مستحقات الضمان الاجتماعي، والتعويضات عن الأمراض المهنية، والصناديق الاجتماعية، ومدة العمل الطويلة، وقضية البديل الاقتصادي والاجتماعي والتنمية الحقيقية للمنطقة والمدينة.
هذه السياسة التي ساهمت فيها أحزاب الحركة الوطنية الليبرالية المسيطرة على جزء كبير من العمل النقابي، إن لم نقل جله، انعكست عليها، وعلى المركزيات النقابية، بعد أن أدت مهمتها للأقلية الرأسمالية والنظام. ففي أكتوبر 2001 عرف حزب الاتحاد الاشتراكي انشقاق قاده مجموعة من أعضاءه البارزين، وأسسوا حزب المؤتمر الاتحادي، وفي سنة 2002 انسحب عدد من مناضلي الحزب وشبيبته، وأسسوا تيار الوفاء للديمقراطية، وفي ابريل2003 تم تأسيس نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل التابعة عمليا للاتحاد الاشتراكي، بعد انشقاق عن الكنفدرالية، وتوالت الانشقاقات عنها حيث تم تأسيس المنظمة الديمقراطية للشغل سنة 2006، بالإضافة إلى الالتحاق الكبير لعدد من اطر حزب الاتحاد الاشتراكي للمؤسسات والهيئات و المجالس واللجان التي تشكلها الدولة، وترك الحزب الذي تكونوا فيه (25)
فأحزاب الحركة الوطنية الليبرالية والمحافظة استطاعت السيطرة على منظمات النضال الاقتصادي والاجتماعي للعمال، فنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي تأسست بتاريخ 20 مارس 1960، ظلت دائما تابعة لحزب الاستقلال، احد مكونات “الكتلة الديمقراطية”. ونقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي تأسست في نونبر1978، ظلت بدورها تحت سيطرة حزب الاتحاد الاشتراكية للقوات الشعبية إلى يوم الانشقاق، وتأسيس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي.
وينشط مناضلي/ات أحزاب الكتلة بعدة قطاعات داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل القريب من السياسة الرسمية للدولة منذ تأسيسه سنة 1955، وهذه السيطرة الليبرالية تعد من إحدى الأسباب الرئيسة المساهمة في تفكيك الشركات الكبرى الوطنية، وقطاع المناجم وتسريح العمال، وتخريب المدن والمناطق والجهات، وانعدام تحقيق بدائل اقتصادية واجتماعية وتنموية حقيقية بها.
وهكذا تظهر مشكلة ضعف القوى الجذرية المناهضة للعولمة الرأسمالية، وحلفاء جمعيتنا اطاك المغرب بمنظمات النضال، مما ترك ويترك الفرصة لليبراليين والمحافظين والرجعيين يفعلون ما يريدون بمكتسبات الشعب المغربي، الذي تعيش أغلبيته بالفقر المدقع، وآخرون كثر مهددين بالنزول إليه.(26)(27)
تشريد العمال وأسرهم، وتخريب المنطقة
كانت ولا زالت تعليمات ومخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية والمنظمات والمعاهدات والاتفاقيات التجارية، وتطبيقها بالبلد على الشعب بالقوة، من الأسباب الأولى التي أفقدته سيادته على ثرواته، وقراراته المصيرية، وجعلته تابعا لها بشكل كبير، وخاضعا لسياستها الاستعمارية الجديدة، من بينها طبعا:إغلاق شركة مفاحم المغرب سنة 2001، التي كانت تعد ثاني أهم شركة مشغلة بالمغرب بعد المكتب الشريف للفوسفاط، وقد تم تسريح نحو 5000 عامل رسمي بمناجم الفحم بجرادة كما سبق ذكره، بعد تلك المفاوضات والحوارات واللقاءات الطويلة التي أدت إلى اتخاذ قرار إغلاق الشركة الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، وبذلك أصبحت مدينة جرادة منكوبة وغارقة في المشاكل والأزمات على جميع المستويات أكبرها البطالة الواسعة والأمراض المزمنة.
كانت مناجم جرادة حتى سنة 1983 تتوفر على احتياطي 100 مليون طن من الفحم حسب دراسة أنجزتها الشركة نفسها، التي اقترضت من البنك الدولي أموال طائلة مضمونة من الدولة المغربية، على أساس تطوير الإنتاج، فلماذا لم تدفع أجور ومستحقات العمال إذن؟ وكيف يصدق العمال بأنها وصلت حالة العجز المالي، ولم تعد قادرة على أداء ديونها المستحقة للبنك الدولي سنة 1997؟ هذه المؤسسة الدولية التي تعد أداة استعمارية بيد الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى ناهبة ثروات الشعوب، إن الشركة قطعت أرزاق العمال ثم أدعت أنها لم تستطيع دفع واجبات الصناديق الاجتماعية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي…) هذه سياسات ليبرالية جديدة ظالمة تسببت للعمال ببيع ما يملكونه من أثاث بسيطة، لإعالة أسرهم من الجوع، بينما الرأسماليين مسيطرين على مصير البلد ومستمرين بتنفيذ سياستهم وجشعهم واستحواذهم، إن تفقير وتجويع الناس، واضطهادهم وقهرهم هو الذي جعل النساء والأمهات برفقة أطفالهن في مقدمة الاحتجاج والمظاهرات والمسيرات نحو أماكن اعتصام عمال المناجم في تضامن شعبي واسع.
فإغلاق مناجم الفحم، كان من أهم أسباب الهجرة المتتالية من جرادة صوب مناطق أخرى داخلية وخارجية، وكشفت الإحصاءات، بأن مجموع سكان الإقليم عرف انخفاض عكس باقي الأقاليم، فقد انخفض العدد من (117 ألف و696 نسمة) في سنة 1994 إلى نحو (105 ألف و840 نسمة) في سنة 2004. اغلبهم/ن من فئة شباب.(28)
20 فبراير 2011 حراك شعبي واسع، انتزع مكاسب طفيفة
مع الموجة الثورية بالمنطقة المغاربية والعربية أواخر 2010 وبداية 2011، هبت رياح التغيير بالمغرب وحملت مطالبها حركة 20 فبراير، وظلت الجماهير تنزل للساحات والشوارع تناضل من اجل تحقيقها، واستطاعت انتزاع بعض المكاسب البسيطة، منها : إعلان انتخابات قبل وقتها، وإجراء تعديلات صغيرة جدا على الدستور، وخلق مجالس وطنية ودسترتها، وتوظيف وتشغيل ألاف من حاملي/ات الشهادات العليا، وزيادة 600 درهم بالأجور للموظفين، ودسترة اللغة الامازيغية وإطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين…الخ.
الإسلام السياسي يتمم السياسات النيوليبرالية
يوم 9 مارس 2011 خطب الملك محمد السادس وأعلن عن تنقيحات دستورية، وشكلت لجان لهذا الغرض، وفي 1 يوليو نظم الاستفتاء على الدستور، الذي دعت حركة 20 فبراير لمقاطعته، وفعلا قاطعته نسبة كبيرة من المواطنين/ات، وفي 25 نونبر2011 جرت انتخابات تشريعية مبكرة، شارك فيها 45 بالمئة حسب الإعلان الرسمي، ودعت الحركة لمقاطعتها كذلك، وحصل حزب العدالة والتنمية اليميني من المعارضة البرلمانية والمنتمي للإسلام السياسي على الرتبة الأولى، حيث حصل على 107 مقاعد من مجموع 395 مقعد.(29)
في يوم 3 يناير2012 عين الملك حكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بمشاركة كل من : حزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال، عن “الكتلة الديمقراطية” على برنامج من بينه: حصر نسبة العجز 3 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ومعدل النمو في 5.5 بالمئة، ضبط التضخم في 2 بالمئة، وتخفيض معدل البطالة بنسبة 8 بالمئة، تكريس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الصفقات العمومية والتدبير المفوض، وهذه النقطة الأخيرة هي الأهم للرأسماليين وأرباب الشركات، وفي يوم 16 مايو 2013 سينسحب حزب الاستقلال من الحكومة.(30)
وبعد خفوت ثم انطفاء حركة 20 فبراير، ومرور ما يكفي من الزمن، والسيطرة على الشارع وقمع الاحتجاجات حتى ولو كانت لقلة من الأفراد وبمنطقة نائية، أعلنت الدولة على الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات، والوفاء بالاستمرار على تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة، ومخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية، البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية وغيرهم، بقوة شديدة.
وضد هذه السياسات انطلقت احتجاجات جرادة على اثر ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء، بعدما بلغت مستوى لم يستطع السكان الفقراء توفيره، ودفعه بالآجال المحددة، مما جعلهم يعبرون عن معاناتهم/ن بالاحتجاج في شوارع المدينة، ردا على السياسات التي كلفتهم الكثير من مصاعب الحياة، وأوضاعا لم تعد تطاق، أما السلطات المحلية بدل الإصغاء بإمعان إلى أصوات السكان المفقرين، وتلبية مطالبهم وحقوقهم/ن، قامت بقمعهم واعتقلت المناضلين/ات، واستدعت آخرين لمراكزها.
وفي21 دجنبر2017 نظم السكان مسيرة شعبية جماهيرية احتجاجية توجهت صوب مركز السلطات المحلية، ردا على تعامل المسؤولين المتناقض مع شعاراتهم حول حقوق الإنسان والحريات العامة والمساواة، وتحقيق التنمية البشرية والمستدامة…الخ. لقد سخط السكان على سياسة الغلاء ورفع الأسعار، ونظموا وقفة احتجاجية بمكان المنطقة الأمنية مطالبين بالإفراج عن المعتقلين، وقد استمرت حتى التاسعة ليلا (21:00) لكن السلطات طوقتها بقوة، وفي اليوم الموالي أفرج عن المعتقلين بعد نجاح التضامن الشعبي الواسع لسكان جرادة على ارض الميدان، وصمودهم/ن ضد الظلم.
هذا الاحتجاج ضد رفع أسعار الماء والكهرباء، توازى مع فاجعة وفاة الشابين الشقيقين الدعيوي حسين23 وجدوان 30 سنة، من سكان جرادة، بسبب انهيار بئر يستخرج منها الفحم الحجري حينما غمرته المياه، مما زاد من غضب الجماهير الشعبية على حجم الأوضاع المأساوية التي يعيشون فيها.
وقع الحدث الأليم يوم 22 دجنبر2017، فوجد الناس عدة صعوبات أثناء عملية انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وطيلة مدة الانتشال كان السكان يتوافدون صوب البئر المنهار، فشكلوا حشداً جماهيريا واسعا، وبدأت تساؤلاتهم واستفساراتهم/ن عن أسباب غياب وانعدام وسائل الإنقاذ بمثل هذه الحوادث المستمرة بالمدينة والمميتة للبشر، وتعامل الدولة مع أبناء الفقراء، حيث استغرقت العملية وقتا طويلا. ابتدأت من يوم الجمعة 22 حتى يوم السبت 23 دجنبر2017، وقام كادحي أبار الفحم الحجري أثناءها بمجهود كبير، وبعد انتشال الجثتين انطلقت الجماهير التي احتشدت حول مكان الحدث في مسيرة شعبية رهيبة نتيجة الفاجعة الأليمة صوب مركز السلطات المحلية المتمثلة في عمالة إقليم جرادة، ونظموا وقفة نضالية احتجاجية، معبرين عن أوضاعهم المزرية والمأساة المتكررة ساخطين على سياسة الدولة المتسببة لهم بذلك.
وأثناء المسيرة الكبيرة لجنازتي الضحايا، انبثقت من عمق الحشد الجماهيري أشكال تنظيمية ديمقراطية من الأسفل، وفتح النقاش والرأي العام المحلي وبدأت الأفكار تدور، وطورها الحضور الشعبي إلى حالة المدينة المنجمية بعد الإغلاق النهائي سنة 2001، وانعكاسات ذلك على حياة السكان، وبدأ التفكير في آليات النضال، التي من بينها : الاعتصامات والوقفات والمسيرات، وتعميق النقاش واتخاذ القرارات الجماعية بالساحات العامة، مما أتاح الفرصة للجميع وجعله يشارك في مصير جرادة ، وبرز من هذا النقاش الشعبي الديمقراطي المباشر شعار”البديل الاقتصادي”الذي التزمت الدولة بانجازه وتحقيقه لسكان إقليم جرادة، قبل تنفيذ الإغلاق.
يوم الاثنين 25 دجنبر2017 نظم إضراب بالمدينة استجاب له سكان جل الأحياء، وتوسع الاهتمام بجرادة والمشاركة في حراكها الشعبي المطالب بتنمية حقيقية، ومناهضة سياسات التقشف للدولة وغلاء الأسعار، وانعدام الشغل والبطالة والأمراض …، وكل ما وصلت إليه المنطقة، وانطلقت الأشكال النضالية بإنجاح المسيرات والوقفات أمام عمالة جرادة ومجلس بلديتها، وتم إلقاء الكلمات من طرف المتضررين والضحايا من جميع الفئات والشرائح الاجتماعية والشعبية.(31)
قمع واعتقالات بحق مطالب شعبية
تمثلت بعض المطالب للسكان في:حوار مسؤول وجدي مع السلطات حول : توقيف العنف، والقمع ضد المحتجين/ت، والتأكيد على تراكم المشاكل اثر إغلاق المنجم، والتنديد بتلوث المدينة. فحالة ووضعية العمل بالآبار(السندريات) شاقة جداً، حيث الهبوط لعمق يتراوح بين 20 و 45 متر تحت الأرض، لاستخراج مادة الفحم بوسائل تقليدية، مع انعدام الوقاية الصحية، وقد بلغ عدد الآبار نحو 3000 بئر تقريبا، ويتم الاشتغال فيها بشكل تعاوني مكون من طرف اثنين آو ثلاثة أشخاص على الأقل، حيث ينزل الأول لعمق “الحاسي” والثاني يرفع الفحم المستخرج، والثالث يقوم بعملية الغربلة، ويتم هذا العمل الشاق بدون دراسة علمية للخرائط الجيولوجية بالمنطقة، لكن الفقر الشديد هو الدافع للبحث عن المعيشة بواسطة استخراج الفحم الحجري، معتمدين على فأس وإناء لنقل الفحم، غالبا تكون عبارة عن “قفة” وحبال متينة، ثم يوضع بأكياس من حجم 100 كيلوغرام، أما عملية بيعها فإنها تتم حسب الظروف، غالبا لا تتعدى 80 درهم، ولهذا فإن كادحي الفحم يعيشون دائما تحت سطوة التجار الرأسماليين، وبعض المستفيدين من هذه المادة، مجموعة مالكي الرخص الممنوحة لهم من الدولة، وبذلك يتحكموا في تسويقه ويحددوا أثمانه لإعادة بيعه لأرباب الشركات، والضحايا دائما هم الفقراء.(32)
البطالة والفقر ومرض السيليكوز
ظل عمال مفاحم جرادة المصابون بهذا المرض الخطير، المهدد للحياة في كل لحظة، يبعثون بالرسائل المتتالية للمسؤولين، وممثلي السلطات، منذ إبرام تلك الاتفاقية الاجتماعية في 17 فبراير1998 بين إدارة مفاحم المغرب ووزارة الصحة العمومية، الموقعة على اثر إغلاق المناجم، وبعثوا برسائل للوزارات المعنية بقضيتهم منذ مدة طويلة، وطالبوا بالزيادة في إيرادات مستحقاتهم وتسوية جميع الملفات المتعلقة بوضعيتهم، لكي تكون لهم القدرة على تلبية متطلبات العيش مع مرض مزمن، في بلد يدعي انه يحترم حقوق العمال، ومصادق على المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بذلك، ويلبي كل مطالبهم المشروعة.
جرادة ونواحيها منطقة تم نهبها، وتلويثها
جرادة ونواحيها يعدان منطقة الحرارة المنعكسة على كل الكائنات الحية، والمتضررين بالأساس هم البشر، فقد شيد المركب الحراري بمكان غير ملائم، ويبعث غازات ودخان ملوث، يهبط على سكان حاسي بلال وجرادة.
ويلفظ المعمل الكهربائي الفحمي نحو 1570 ميغاوط من النفايات الحرارية و330 ألف طن من الرماد المتطاير، وكمية هائلة من جسيمات متطايرة و24 ألف طن من ثاني أكسيد الكاربون، و6 ملايين طن من ثاني أكسيد الفحم، و700 طن من أحادي أكسيد الفحم و20 ألف طن من أكسيد الازوت، و5 أطنان من الزئبق، و5 أطنان من الزرنيخ، و0.2 طن من الرصاص. أما المركب الحراري الذي يشغل عدد من العمال عن طريق الشركات الخاصة من الباطن، بعد ما كان يعتمد على الإنتاج المحلي لمادة الفحم الحجري، تحول منذ تنفيذ قرار الإغلاق يستورده من الخارج.
إن السكان خائفين على حياتهم من المواد المنبعثة من(المشتقات البترولية ) المحتمل أنها تتوفر على نسب كبيرة من مادة “مونوكسيد الكربون” التي تؤثر على الجهاز التنفسي، وقد ظهرت بعض الأعراض على النبتات بالمدينة، وكذا عدد الإصابات بأمراض الجلد وصداع الرأس والتهاب الحنجرة والعيون والأنف والكبد، وظهور مشاكل صحية بالأمعاء والرئة وفقر الدم.
ينتج غاز”أول أكسيد الكربون”عن كل عمليات الحرق المباشر، فالمركب الحراري بجرادة، يساهم بنحو 8.6 بالمائة من الإنتاج الوطني للكهرباء، يستفيد منه بشكل كبير الأغنياء والرأسماليين، وتنبعث منه جزئيات كثيرة، مثل: اوكسيد الازوت والغاز الكبريتي، وتشكل خطر على الحياة الطبيعية وصحة الناس.(33)
وحسب المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء: إدريس بنهيمة الذي كان مسؤول عليه بفترة من 1994 حتى 2001، حيث قال”..أن المكتب يعتبر الزبون الوحيد لشركة مفاحم المغرب..” ومنذ 1929 إلى غاية سنة 1992 قامت الشركة بتصدير الفحم الحجري الخام للخارج، وبعد انهيار الأسعار العالمية أصبح المكتب الوطني للكهرباء هو الزبون الوحيد لمنجم جرادة، وكانت إحدى مهام وزير الطاقة والمعادن هي الإشراف على إغلاق المنجم، مما تسبب لعدد من سكان جرادة بالهجرة الاضطرارية بشكل كبير داخليا وخارجيا، حيث كان عدد السكان إلى حدود سنوات متأخرة نحو 70000 نسمة وأصبحت 43000 نسمة، ومنذ إنشاء هذه المدينة المنجمية، فلم ينجز أي نشاط اقتصادي أساسي أخر، من اجل تنمية المنطقة وخلق بدائل اقتصادية لتحقيق مطالب السكان المتعددة(34)
بدأ العمل باستخراج فحم جرادة منذ أزيد من 80 سنة تقريبا، ولذلك طرح السكان سؤال على الدولة والمستفيدين من هذه الثروة الوطنية، ماذا فعلوا لمعالجة بقايا الفحم المتناثرة بنواحي المدينة؟ وما الفائدة من هذه القوانين المتعلقة بالاستغلال المنجمي وحماية البيئة، وتلوث الهواء والماء؟ وما دور وكالة الأحواض المائية بهذه القضايا المتعلقة بحياة الناس؟.
علما أن الأملاك التابعة للمياه والغابات بجرادة تغطي مساحة تقدر بنحو 294.407 هكتار من مروج نبات الحلفة ،و68.800 هكتار من الغابات الطبيعية، و11.667 هكتارا من الغابات غير الطبيعية، ومن أهما غابات : عين الكرمة، بني علي، العياط ..) التي تقوم بدور مهم من عدة جوانب: اقتصادية واجتماعية وبيئية. وتوجد بالمغرب تشكيلات غابوية تمتد على مساحة تبلغ نحو 9631896 هكتارا، من بينها أزيد من مليوني (2ملايين) هكتار من فرشات الحلفاء.(35)(36)(37)
من يدفع للعمل في”السندريات” أليس الفقر الشديد ؟؟
نزول الناس لعمق الأرض من اجل توفير بعض النقود لشراء ضروريات الحياة، وأداء فواتير استهلاك الكهرباء والماء، كان اضطراريا وليس اختيارا، هذا النشاط المنتشر بجرادة ومحيطها يعد من احد الوسائل الضامنة لمعيشة عدد كبير من السكان، ولذلك تكاثرت الآبار التي يستخرج منها الفحم، رغم خطورتها بصحة وحياة الكادحين، فالهبوط لبئر عمقه ما بين 20 و45 متر ليس سهلا، وستتكاثر الآبار ويتزايد النازلون لعمقها إذا لم تقم الدولة بالتزاماتها وتحقق للسكان المفقرين مطالبهم/ن.
فقد أصبحت الحياة عسيرة جداً، فبعد سلسلة من العمل الشاق تصل أحيانا 10 ساعات تقريبا للحصول على مبلغ لا يتجاوز 70 درهما، بينما حراسة “الحاسي” يتكلف بها شخص مقابل مبلغ مالي يتم التفاوض حوله والاتفاق عليه، وقد خلق هذا العمل الإنتاجي فئة مالكي المعدات المخصصة للحفر واستخراج الفحم، يعدونها للاستئجار بسعر مرتفع، مما يجعل عمال الآبار يكدحون مدة طويلة لتوفير المال الكافي، ثم ظهر تجار وسطاء يشترون الفحم من الكادحين بسعر منخفض جدا، لإعادة بيعه بمبالغ يتحكمون فيها، بعيدين عن مخاطر الأمراض، وانهيار الآبار وإزهاق الأرواح.
إن الفقر الشديد والأوضاع الاجتماعية الصعبة، وموت الأزواج وترك الأبناء والبنات الصغار للأمهات…الخ) أسباب كثيرة ومتعددة دفعت بالنساء للشغل الشاق المرتبط بآبار استخراج الفحم بأجر جد زهيد، ولا يوجد بديل لذلك بجرادة ونواحيها لحد الآن لضمان معيشتهن، ومع كثرة مهامهن داخل وخارج البيت جعلتهن يصحبن معهن أطفالهن لمساعدتهن في التعب الشديد لتحقيق المعيشة بعزة النفس.(38)
بعض المطالب لسكان جرادة
الإعفاء من أداء فواتير الماء والكهرباء.
خلق نحو 5000 منصب شغل لحاملي الشهادات المعطلين بإقليم جرادة.
تعويض وجبر الضرر لعائلات ضحايا” السندريات” ومناجم الفحم.
تشغيل الشباب بالمحطات الحرارية بدون وسطاء.
تعويض المتضررين عن مخلفات المركب الحراري.
التسريع بانجاز المشاريع المصادق عليها والمبرمجة.
تسوية قضية مرضى” السيليكوز”وملفات الأرامل وحوادث الشغل والمطرودين من العمل.
التحقيق في قضايا ممتلكات “شركة مفاحم المغرب”والشركة المعدنية بمنطقة تويست..
رفع المتابعات عن مناضلي ومناضلات الحراك الشعبي بجرادة.
خلق ظروف الاستقرار بالمدينة بتوفير السكن الاجتماعي بأثمان مناسبة.
توفير المستلزمات والوسائل الضرورية بالمستشفى الإقليمي بتخصصات: علاج أمراض القلب و”الروماتيزم”وطب الأطفال، وطب العيون، والسرطان وتوفير الأطر الطبية الكافية..الخ
إنشاء ملحق جامعيا متعدد التخصصات، وإضافة غير المتوفر منها بمعهد التكنولوجيا مسايرة لتطورات العصر. إنشاء مدرسة جهوية للهندسة والتكنولوجيا الحديثة.
دعم الفلاحين الصغار ومربي المواشي، منع وتوقيف الترامي على الأراضي والماء والغابات من طرف ذوي النفوذ. هذه بعض النقط من اللائحة المطلبية لسكان جرادة.
ردود الحكومة وتجاوبها مع جرادة
” …إيمانا منها بضرورة معالجة الإشكالات المطروحة على مستوى إقليم جرادة، حرصت الحكومة على إبداء تفاعلها الإيجابي مع كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها من طرف كل الفاعلين المحليين، من ساكنة ومنتخبين وفعاليات سياسية ونقابية ومجتمع مدني، وفق مقاربة تشاركية تم الإعلان خلالها عن إجراءات عملية وملموسة تهم العديد من القطاعات ذات الأولوية، والتي أفصح عن خطوطها العريضة السيد رئيس الحكومة في زيارته رفقة وفد وزاري هام للجهة الشرقية بتاريخ 10 فبراير 2018.
ونظرا لأهمية وجدية هذه الإجراءات، فقد أصدرت الهيئات السياسية والنقابية وفعاليات المجتمع المدني بالإقليم، فضلا عن رؤساء الجماعات الترابية، بيانات تم التعبير من خلالها عن ارتياحهم الكبير للتفاعل الإيجابي للسلطات العمومية مع انتظارات وتطلعات الساكنة، معتبرين أن المقاربة المعتمدة من شأنها أن تعطي دفعة قوية لتنمية الإقليم
بالرغم من كل ذلك، تأبى بعض الفئات إلا أن تضع مجهودات الدولة على الهامش من خلال سعيها بكل الوسائل إلى استغلال المطالب المشروعة المعبر عنها، وتحريض الساكنة بشكل متواصل على الاحتجاج بدون احترام المقتضيات القانونية، مما يربك الحياة العادية بالمنطقة.
إن وزارة الداخلية، وانطلاقا من صلاحياتها القانونية، تؤكد على أحقيتها في إعمال القانون من خلال منع التظاهر غير القانوني بالشارع العام والتعامل بكل حزم مع التصرفات و السلوكات غير المسؤولة، حفاظا على استتباب الأمن وضمانا للسير العادي للحياة العامة وحماية لمصالح المواطنات والمواطنين..”)
هكذا ردت الدولة والحكومة التي جاءت بعد حركة 20 فبراير على مطالب السكان الفقراء بمدينة جرادة المنجمية، ضحية السياسات المتبعة بالبلد المخربة والمدمرة، فالدولة تدعي أنها تحترم حقوق الإنسان وملتزمة بحمايتها، وموقعة على المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بها، وبأنها تسهر على انجاز تنمية بشرية مستديمة، لكن ردودها وتعاملها مع مطالب المواطنين والمواطنات تفند تصريحاتها، ماذا تحقق لأغلبية الفقراء المغاربة منذ نحو عقدين عما أطلق عليه “حكومة التناوب” والانتقال الديمقراطي” ؟ ثم ماذا تحقق بعد الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد حركة 20 فبراير 2011؟ هل البرامج التنموية المتتالية في ظل الديون غير الشرعية حققت وستحقق تنمية حقيقية تضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
فالاعتقالات الواسعة والتخويف، بدل تحقيق مطالب السكان هي سياسة الدولة، لقد بينت السلطات في البداية على نية إيجاد الحلول لسكان جرادة، وقامت بعدة إجراءات منها : تنظيم حوارات، وعدد من الزيارة الرسمية للمدينة، وفي الأخير فضلت تنفيذ سياستها المعهودة، واستعملت القوة والتدخل العنيف، كما هي طبيعتها التي تنبني على قمع المواطنين والمواطنات المفقرين دون الاستماع لهم/ن والتمعن بحالهم وتحقيق مطالبهم بسرعة، وكما كانت ردودها على مطالب اقتصادية واجتماعية لسكان مناطق كثيرة بالبلد، أخرها الريف ومدني الحسيمة وزاكورة وتالسينت…) وتدخلت أجهزتها في جرادة وقمعت الأشكال النضالية للسكان واعتقلت المناضلين/ات من وسط التجمعات الشعبية الجماهيرية المنظمة بكل ديمقراطية، حيث كانت تسطر البرامج وتتخذ الخطوات النضالية وتقترح المطالب، واعتقلت الشباب من وسطها، ونقلتهم إلى مدينة وجدة.
هذا بعد مرور حوالي شهرين ونصف على الاحتجاجات الشعبية، والزيارات المتتالية للمسؤولين وحوارات لا حصر لها، وقد بينت السلطات فائدتها فعلا، وعلى اثر قمعها الشديد تعرض الكثيرون للجروح، ونقل عدد منهم إلى المستشفى الذي يفتقر لأبسط الوسائل والتجهيزات الأساسية التي بدونها لا يمكن ضمان علاج صحي وجيد.
وكان البرنامج النضالي للسكان مستمر حتى يوم 10 مارس2018، ولذلك أرادت الدولة أن تنسف التجمعات الشعبية الديمقراطية، وتضع حد للحراك من اجل مطالب اجتماعية حقيقية مشروعة التزمت بها الدولة للسكان، بإمكانها أن تقلص من نسبة المشاكل والأوضاع الصعبة للحياة ومعاناة المعيشة، كانت نتيجة التدخل أكثر من 70 معتقل من فئات عمرية واجتماعية مختلفة.(39)(40)(41)
سلسلة الموت بآبار الفحم لم تتوقف
يوم الأحد 3 يونيو2018 انهار نفق ارضي لاستخراج معدن الرصاص والزنك على مواطنين من سكان جماعة سيدي بوبكر، وهكذا استمرت الفواجع على سكان المنطقة الشرقية بالإقليم، وتم إخراجهما من تحت الأنقاض من طرف زملائهم الكادحين كما العادة، حيث توفي احدهم في الحين ونقل زميله في حالة خطيرة للمركز ألاستشفائي الجامعي بوجدة، ووضع تحت العناية الطبية المركزة، لكنه توفى نتيجة الإصابات البليغة، الضحيتان يبلغا (33 سنة ) و(42 سنة) الأخير متزوج وله ثلاثة أبناء.(41)
إن إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي بجرادة والحسيمة، وكل مناطق المغرب، وتوقيف كل المتابعات بحق المناضلين /ات، وتحقيق كافة المطالب الشرعية للسكان بكل المناطق بالبلد، هذه المهام تتطلب مزيد من النضال والصمود، وستظل جمعيتنا اطاك المغرب تناضل من اجل تحقيق تنمية حقيقية وتكثيف الجهد لذلك، تحت شعار ” لا تنمية بدون تدقيق وفحص الديون غير الشرعية بشكل مواطني وشعبي وديمقراطي وإلغاءها” والنضال من اجل السيادة الغذائية، ووقف مسلسل الخصخصة والتفويض والتفويت ، والاستحواذ على الأراضي والمياه، وبناء جبهات شعبية ديمقراطية للتصدي للعولمة الرأسمالية وبناء مغرب أخر ممكن وضروري.
بالنضال والنضال ثم النضال تتحقق المطالب.
محمد الحيحي – عضو جمعية اطاك المغرب.
احالات
(1)مكونات الفحم - موضوع
)
(3)جرادة (مدينة) - ويكيبيديا
(4)جرادة.. قصة صعود وأفول 'عاصمة الفحم'
(5)تعريف الإقليم
(6) من ذاكرة النضال العمالي: نضالات عمال مفاحم جرادة 1985-1989 وقائع وملاحظات
(7)الضغوط الاستعمارية على المغرب خلال القرن 19 ومحاولات الإصلاح
(8 ) – كتاب مقرر مادة التاريخ السنة الثالثة الثانوية طبعة 2003 صفحة 62.
(9)Province de Jerada — Wikipédia
(10)نبذة عن اقليم جـــــــرادة
(11)(12)الطيب بن بوعزة: نبذة عن حياته
(13)أحداث شغب وجدة وجرادة - ويكيبيديا
(14) (15)من ذاكرة النضال العمالي: نضالات عمال مفاحم جرادة 1985-1989 وقائع وملاحظات
(16) اشغال ووثائق المؤتمر الوطني الثامن – حزب التقدم والاشتراكية – ماي 2010.
(17) – سعيد خمري – روح الدستور – منشورات دفاتر سياسية – طبعة 2012 – مطبعة النجاح الجديدة.
(22)الحزب الاشتراكي الديمقراطي – الطريق الى الديمقراطية والتنمية والتقدم المجتمعي – وثائق المؤتمر الوطني الاول- منشورات حشد – سلسلة وثائق سياسية (1).
(23)كواليس ولادة حكومة التناوب قبل 16 سنة.
(24)عبد العزيز بلحسن : يوم بمدينة جرادة ....قصة منجم تم اقباره ( الحلقة 3 )
(25) -المنظمة الديمقراطية للشغل – الحصيلة الاجتماعية 2009.
(26) الحركة النقابية بالمغرب وسبل بناء يسار نقابي ديمقراطي كفاحي – منشورات المناضلة – ماي 2012.
(27) الكنفدرالية الديمقراطية للشغل – الهوية والبناء النقابي – طبعة ماي 1999.
(28)"بارونات" الفحم بجرادة.. الحقيقة كاملة بالوثائق والشهادات – تيل كيل عربي
29)الانتخابات التشريعية المغربية 2011 - ويكيبيديا
(30)حكومة المغرب 2012 - ويكيبيديا
(31)وفاة عاملين تطلق شرارة حراك شعبي في جرادة
(32)جحيم التنقيب عن الفحم الحجري ـ بساندريات ـ جرادة - OujdaCity
(33)إدريس بنهيمة يشرح أسباب ونتائج إقدام الدولة على إغلاق منجم جرادة - الأول
(34)جرادة : تلوث مداخن المعمل الحراري يقتل الحياة بمدينة الفحم الحجري المنجمية - OujdaCity
(35)التشكيلات الغابوية
(36)تقرير حول الوضع البيئي بمدينة جرادة - أطاك المغرب
(37)مخاطر غاز أول أكسيد الكربون على صحة الإنسان وسلامته
(38)https://www.hcp.ma/region-oriental/docs/Monographies2017/__MonographieJerada2018.pdf
39)اعتقالات تؤجج الاوضاع بجرادة وسط انزال امني وحضور جماهيري مكثف - Anwalpress - أنوال بريس
(40)جواب الدولة لسكان جرادة المحتجين: لا بديل اقتصادي، فقط القمع وتلقي عنف السياسات النيوليبرالية
(41)https://anfaspress.com/news/voir/36895-2018-03-26-05-04-44
(42)http://www.alittihad.info/الموت-يحصد-المزيد-من-الأرواح-بإقليم-جر/
ألم تتفاقم الأزمة مع العولمة الرأسمالية؟ ألم تكمل ما تبقى، ألم تستمر المأساة بعد الاستعمار المباشر؟؟ وذلك نتيجة تطبيق سياسة المؤسسات المالية الدولية، سياسات ظالمة تنفذها حكومات متعاقبة لا تملك السلطة الحقيقية، بتعاون مع بيروقراطية المركزيات النقابية. ألم تفرض الدولة على الأغلبية الشعبية الفقيرة سياسات التقشف والخصخصة والتفويض، وتغرق البلد بالديون غير الشرعية بالقوة والقمع الشديدين في انعدام ديمقراطية فعلية؟
مدينة جرادة نموذجا
إن عمال مناجم الفحم بجرادة وأبنائهم يعيشون وضعا صعب جدا بالبحث عن توفير الغذاء لأسرهم، فقد ورثوا الخراب والأمراض المزمنة والفقر المدقع بسبب سياسات الدولة حديثة الاستقلال الخاضعة لبرامج المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية.
الفحم الحجري(الشربون)
يعد صخر الفحم الحجري طاقة أحفورية، يتكون أساسا من مادة “الكاربون”ونسب متفاوتة من (الهيدروجين – كبريت – أكسيجين – النيتر وجين – ويوجد في طبقات أرضية، وقد أستخدمه البشر في التطور الصناعي، فهو مصدر للطاقة الحرارية والتدفئة ووقود للقاطرات، وكان مادة ثمينة في عصر الآلات البخارية، وعنصر مهم في إنتاج جزء من الكهرباء، ومصدر رئيسي للطاقة بجل البلدان الصناعية التي استعملت محركات بخارية اشتغلت بالفحم الحجري حتى تم اكتشاف الغاز الطبيعي والنفط، وقد شكل( 28.1) بالمائة من حاجيات الطاقة بالعالم سنة(2015) و يعد اليوم ثاني مصدر للطاقة الكهربائية في العالم.(1)
النظام الرأسمالي يهلك عمال المناجم
إن تاريخ العمل بمناجم الفحم الحجري، والنزول إلى أعماق الأرض يعد شقاء، وكان الاشتغال فيها نادر جدا، ولم يلتجئ إليه الفلاحين والرعاة الفقراء إلا اضطراريا، بحثا عن معيشة مضمونة بعد أن قضت الرأسمالية على حياتهم المرتبطة بالأرض والفلاحة والرعي،أي القطاع الإنتاجي والاقتصادي الأول، ففي نحو منتصف القرن التاسع عشر(19) كان عمال المناجم يكدحون ساعات طوال يوميا، وبأدوات بدائية مثل الفؤوس والمعاول المعتمدة على قوة عضلات البشر، ومدة الكدح.
هذا الاستغلال المفرط لعمال المناجم من طرف الرأسماليين والامبرياليين الجشعين الذين استغلوا حتى الأطفال والنساء في نقل الفحم الحجري المستخرج بالعربات المجرورة الأكثر شقاء، مع وقوع الحوادث يوميا تقريبا، متسببة بذلك بفقدان حياة العديد منهم/هن، وقد مات الآلاف من كادحي المناجم بسبب الأمراض العويصة الناتجة عن مكونات وعناصر الفحم الحجري، والتي تقضي على الأعضاء الرئيسية بجسم الإنسان، خصوصا الجهاز التنفسي والرئتين نتيجة استنشاق غباره، وبذلك تنتهي حياة العمال في ظروف مفجعة، بينما الرأسماليين راكموا الأموال وبذلك وغيره استطاعوا التحكم في جهاز الدولة والسلطة السياسية، وفرضوا اختياراتهم بالقوة ضد إرادة الشعوب.
نضال الحركة النقابية المنظمة ينتزع مكاسب
جزء قليل من ذاك الشقاء سيتقلص نسبيا بعد الكفاح العمالي المنظم في النقابات عندما ظهرت بميدان الصراع الاجتماعي، حيث استطاعت بوحدة الطبقة العاملة ونضالها تحسين ظروف الاستغلال، وقد تم حظر تشغيل الأطفال دون سن معين، يتحكم في تحديده أرباب العمل والشركات، ورغم كل المكتسبات التي استطاع عمال المناجم المنظمين بالحركة النقابية انتزاعها من الرأسماليين بالنضال، وتنظيم الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات طويلة النفس، والمساهمة الفعالة في إنجاح الإضرابات العامة الوطنية، والتضحيات الجسيمة فعلا بالمقاومة والكفاح من اجل الاستقلال والتحرر الوطني، وتحقيق ديمقراطية فعلية، فقد بقيت حياتهم دائما مهددة، وعرفت وتعرف كثير من المهالك إلى يومنا هذا.
نشوء مدينة جرادة وتطورها
كانت المنطقة التي نشأت عليها جرادة، أراضي شاسعة متنوعة : امتداد شبه صحراوي صرف، وغابة أشجار البلوط، ومساحات كبيرة يصعب فيها الاستقرار، معروفة لدى السكان باسم ” فدان الجمل” وهي أراضي لرعي المواشي من طرف عدة قبائل من المنطقة الشرقية وقبائل أخرى محيطة بها.
اكتشاف الفحم وبروز طبقة عاملة
الفحم الحجري ثروة وطنية سيطرة عليه الامبريالية الفرنسية، قبل نظام الحماية سنة 1912 حيث بعثت مجموعة من المتخصصين بالدراسات الجيولوجيا للبحث عن المعادن لاستغلالها لفائدة الرأسمالية الفرنسية، وقد استطاع الجيولوجي الفرنسي “لويس جانتيل” أن يكتشف علامات وجود الفحم الحجري بمنطقة جرادة سنة 1908، وفي 1927 اكتشف الجيولوجي البلجيكي “اورجي” الحوض المنجمي للفحم الحجري في جرادة، واستغله الرأسماليين البلجيكيين لمدة أربع سنوات تقريبا، وفي 1936 بدأ استغلال هذه الثروة من طرف الامبريالية الفرنسية، التي هيمنت على المنطقة الشرقية بالحدود مع الشقيقة الجزائر، التي احتلتها فرنسا منذ 1830، و رسمت الحدود بين شعوب المنطقة المغاربية، وهكذا استطاع العدو أن يفرق بين شعبين شقيقين، فالقوى الاستعمارية والامبريالية يفرقا بين الشعوب والأمم ويخلقان العداوة والحروب لضمان السيطرة وديمومتها.
بعد احتلاله لمدينة وجدة سنة 1907، وسيطرته على الأراضي، واكتشاف عدة مناجم بكل من : تويسيت، وسيدي بوبكر، وبوعرفة، أنشاء الاستعمار سكك حديدية سنتي 1910 -1911، واستخدمها لترسيخ احتلاله العسكري واستيطانه الرأسمالي، و نهب الثروات الوطنية ونقلها إلى موانئ الدار البيضاء والقنيطرة، المشيدة لذلك، ثم يتم نقلها إلى المراكز الامبريالية،.يقول لينين بكتاب الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية:
“.. وتعتبر السكك الحديدية حاصل جميع الفروع الرئيسية في الصناعة الرأسمالية، وصناعة الفحم الحجري والتعدين هي حاصل وأجلى مقاييس تطور التجارة العالمية والحضارة البورجوازية..”وهذا ما حصل بالمغرب.
فالشركة التي استغلت مناجم جرادة حملت اسم” الشركة الشريفة لمفاحم جرادة” منذ 1929، وأطلقت السلطات الاستعمارية على إدارة البريد سنة 1932 اسم جرادة على مكتبها المحلي هناك، وفي سنة 1936 قام السلطان محمد الخامس بزيارة رسمية لجرادة. وتحت هذا الاسم تم استغلال المناجم من عام 1929 إلى 1947 حيث تحولت إلى اسم شركة”مفاحم شمال إفريقيا”من طرف الرأسماليين المغاربة والفرنسيين والبلجيكيين، وفي سنة 1982 أصبحت تحمل اسم “مفاحم المغرب”.
ومنذ 1936 أصبحت جرادة مركز منجمي، وبذلك استقبلت الكثير من الفلاحين والرعاة الفقراء الذين توجهوا صوبها اضطراريا، قادمين إليها من عدة جهات بالمغرب، بحثا عن العمل في المناجم، وقد استغلت الامبريالية الفرنسية بقوتها العسكرية والمدنية وحلفائها المحليين أوضاع حياة الفقراء وحولتهم بسرعة فائقة إلى قوة عاملة غير مؤهلة ورخيصة، بروليتاريا مغربية.
وهكذا وقعت تغيرات جذرية بالمنطقة، وبرزت مدينة جرادة حيث شيدت بها أحياء عمالية، وظهر نشاط اقتصادي بهامش الأحياء السكنية المشيدة للفرنسيين والأجانب المشتغلين والموظفين بالمنجم، أحياء من صنف الحداثة العمرانية الأوروبية تتوفر على كل شروط السكن اللائق بالبشر، منها وسائل الراحة والترفيه والرياضة…، بينما المغاربة سكان المنطقة وأصحاب الأرض وأهلها، وأولئك الذين هجروا إليها من مناطق مختلفة قريبة وبعيدة عاشوا بالهامش ومحرومين من ابسط ضروريات الحياة، وقد استمر ذلك الإقصاء إلى اليوم للأسف الشديد. (2)(3)(4) (5)
الكفاح البطولي من اجل السيادة
الامبريالية الفرنسية لم تسيطر على المنطقة بسهولة، ولم تبدأ بتشغيل المناجم إلا بعد أن استطاعت هزم الكفاح الشعبي المسلح، ومن بين أشهر المعارك القتالية البطولية والمصيرية التاريخية لسكان المنطقة الشرقية هي معركة”اسلي”سنة1844، التي التهب فيه كفاح السكان عن أراضيهم ضد غزو الفرنسيين، ومعروف بأن الامبرياليات تنهج سياسة متعاونة ما بينها ومتفاهمة على نهب ثروات الشعوب وتملك الأجهزة والوسائل الحربية المتطورة مما زاد من قوتها على سحق مقاومة سكان الجهة الشرقية الذين حاربوا بقتالية شديدة بوسائلهم البسيطة، لكنهم في الأخير لم يستطيعوا دحر العدو عن أراضيهم.
وبعد نهاية الحرب الامبريالية العالمية الأولى (1914-1918) هيمنت انجلترا وفرنسا على”عصبة الأمم” ووظفاها لمصالحهما، حيث وقفتا بشكل عنيد ضد حق الشعوب في تقرير مصيرها، المبدأ الذي دفعت عنه الثورة العمالية الاشتراكية الروسية سنة 1917.
هذه الفترة نتجت عنها وقائع سياسية واقتصادية واجتماعية تاريخية عالمية، منها اندلاع الثورة العمالية بروسيا وإسقاط نظام القيصر، وتشكيل الاتحاد السوفيتي على أساس بناء نظام اشتراكي، وفي ألمانيا سقوط نظام الرايخ الثالث والإمبراطورية النمساوية – الهنغارية، وبروز الولايات المتحدة كقوة رأسمالية امبريالية ليبرالية عالمية.
وهي الحرب العالمية التي جندت فيها فرنسا الاستعمارية نحو 413 ألف جندي (413000) من المنطقة المغاربية (291 ألف(291000 جندي من الجزائر) و121 ألف جندي(121000) من المغرب وتونس) فالقوى الاستعمارية الامبريالية استغلت شباب المنطقة وجندتهم في حروبها ضد الشعوب.(6)(7)(8)
الاستعمار أنجز وسائل وخلق وظائف لمصالحه
أنشأت الإدارة الاستعمارية سنة1947 جماعة مكونة من الملاكين والإقطاعيين ذوي النفوذ على قبائل المنطقة بظهير سلطاني” ظهير21/11/1916″وخلق الفرنسيين وظيفة المراقب المدني، مكلف بشؤون السكان مدعوم من القوة العسكرية الاستعمارية.
جرادة، المدينة والموقع
تقع مدينة جرادة بالجهة الشرقية جنوب وجدة – أنكاد، وتمتد على مساحة بنحو 9300 كيلومتر مربع، أغلبها ذات طابع جبلي، ومناخ قار، وبارد جداً بالشتاء، وحرارة جافة بالصيف، تحدها شرقا الشقيقة الجزائر، وغربا مدينة تاوريرت، وشمالا مدينة وجدة وجنوبا فيجيج.
بلغ سكان إقليم جرادة نحو 108.727 نسمة، منهم 43490 نسمة بمركز جرادة المدينة ( إحصاء2014). ويضم الإقليم بلديات: جرادة، وعين بني مطهر، وتويست. وعدة جماعات قروية من بينها: سيدي بوبكر، وكنفودة، وكفايت، ولمريجة، ولعوينات….)
وقد ساهم الإنتاج الكثيف للفحم الحجري بشكل رئيسي في إنشاء مدينة جرادة، واستغلت شركة المناجم أوضاع الفلاحين والرعاة الفقراء بالعمل الشاق ، ففي فترة الاستعمار سنة 1947 رفعت من عدد العمال، حيث بلغوا نحو6000 عامل (5300 مغاربة و700 من الأوروبيين)، هؤلاء الأجانب هم من جهزت لهم تلك الأحياء السكنية المتوفرة على الضروريات الأساسية للسكن المحترم، وعاشوا فيها منعمين مع التحفيز الاستعماري الاستيطاني، وفي سنة1953 بلغ إنتاج منجم جرادة نحو(350000 طن) من الفحم، وتحولت جرادة إلى واحدة من بين المدن العمالية الجديدة بشمال إفريقيا التي ساهم في خلقها بشكل كبير الاستعمار الفرنسي والرأسماليين الامبرياليين، والمتعاونين معهم من المحليين ذوي النفوذ والإقطاعيين.(9) (10)
جرادة قلعة عمالية كبرى
شكلت جرادة ومدن أخرى قلاع عمالية مناضلة ومكافحة ضد الاستعمار الأجنبي والاستغلال الرأسمالي، ويعد عمالها من بين المؤسسين الأوائل للحركة النقابية بالمغرب وقوتها، لكن عمل الليبراليين بالنقابات، والمسك بزمامها وقيادتها للنضال جعلت الطبقة العاملة المغربية تتعرض للهزائم الكبرى المتتالية، من خلال الاتفاقيات مثل السلم الاجتماعي لمصلحة أرباب العمل والدولة، وهو الحيف الكبير بحق العمال والأجراء، ورغم كل ذلك فقد استطاعت الطبقة العاملة أن تحقق انتصارات جزئية بسيطة بقوة كفاحها البطولي وانتزعت بعض المكاسب، التي أجهز على جلها اليوم، حيث بدأت الدولة تشرع بالقوانين الظالمة والمجحفة بحقهم/ن، وكذا منظماتهم.
كان بجرادة بعد الاستقلال الشكلي نحو(10250) عامل منهم: 6350 بالعمل الشاق، و902 من الأطر المشتغلين بمناصب مختلفة، و100عامل(باجر يومي) و127 مهندس. وكانت نسبة العمال بباطن الأرض تبلغ نحو87.7 بالمائة، وبذلك كان تاريخ نضال الجامعة الوطنية لعمال المناجم مجيدا، وقد تكون وتخرج في معاركها مناضلين نقابيين كفاحيين صادقين كثر، أبرزهم: الطيب بن بوعزة احد مؤسسي الحركة النقابية بالمغرب، اشتغل بالمصلحة الإدارية لشركة المفاحم بجرادة سنة 1944، وانضم لنقابة عمال المناجم.
ففي صيف 1946 أسس عمال المناجم نقابة وطنية، وضموها لكنفدرالية حيث يناضل نقابيين فرنسيين، وقد اختاروا اتحاد النقابات التابع للاتحاد العام للشغل، واستمروا بنضالهم حتى سنة 1948، فترة اعتقال النقابي الطيب بن بوعزة، وإبعاده تعسفيا عن جرادة والمنطقة الشرقية، وأعتقل لعدة مرات لنضاله السياسي الوطني التحرري، وفي سنة 1955 تحمل الطيب بن بوعزة مسؤولية نائب الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، ثم في ما بعد بأواخر الخمسينيات من القرن الماضي عين سفيرا للمغرب بيوغوسلافيا.
إن نشاط الحركة النقابية الكفاحية بجرادة أنجب كذلك المناضل النقابي الكبير بوحميدة الذي حكمت عليه السلطات الاستعمارية الفرنسية بالمؤبد والأعمال الشاقة. فمدينة جرادة معقل النضال العمالي والحركة النقابية حيث أنجبت من أمثال هؤلاء النقابيين المناضلين المكافحين الكثير.(11)( 12)
فاجعة المنطقة الشرقية بسنة 1948
في يونيو1948 تعرض بعض المغاربة اليهود المتواجدين بمدينتي جرادة ووجدة لمجزرة إجرامية بشعة، كان ضحيتها نحو 43 قتيل اغلبهم من جرادة، وقعت هذه الفاجعة الإنسانية تحت سياسة الرأسمالية الامبريالية العسكرية الفرنسية الاستعمارية التي هيمنت على المنطقة، ونهبت ثرواتها المعدنية وبطشت بسكانها، وقد وقف ضد هذه الجريمة النكراء المناضلين النقابيين المكافحين من بينهم الطيب بن بوعزة وبوحميدة ورفاقهما، لكن كما هو معلوم بالسياسات الاستعمارية، فقد استغلت الحدث ولفقته للمناضلين الوطنيين النقابيين، وبذلك حكم على بوحميدة بالأعمال الشاقة المؤبدة، وطردت الطيب بن بوعزة من المنطقة، وكان لهذه الجريمة انعكاسات كبيرة على الحركة النقابية والنضال الوطني التحرري، ووظفها الاستعمار بخبث، وقام باجتثاث الحركة النقابية المكافحة بالمنطقة من الجذور، وطبق متابعات لصيقة على مناهضي الاستعمار والاستغلال، واستغلتها كذلك بشكل كبير الامبرياليات وشبكات الحركة الصهيونية بالعالم المشرفة على تهجير اليهود من كل مكان إلى فلسطين من اجل احتلالها، وقتل وتشريد شعبها، وتأسيس قاعدة عسكرية امبريالية عدوة بالأراضي العربية، وتم توظيف فاجعة 1948 لهذا الغرض.(13)
اغلب واهم أراضي الإقليم بيد الرأسماليين والدولة
بعد الاستقلال سيطرت الدولة المغربية على نحو 1547.0639هكتار، بنسبة 84.54 بالمائة، بينما شركة المفاحم سيطرت على نحو73.4557هكتار، مما ضيق المجال على الفلاحين الفقراء وأصحاب المواشي الرعاة الرحل، وصعبت عليهم الحياة والمعيشة، أما العمال فإنهم يعدون مفاحم جرادة بمثابة مكان للموت، وحسب عدد من الخبراء والمهتمين بالموضوع فإنها كذلك، لأن طبيعتها الجيولوجية معقدة، وتتكون طبقاتها الرقيقة ما بين (0.3 و 0.8 متر) تحت عمق يصل نحو (600 متر) وهشاشة الأرض التي تعرف انهيارات الأتربة، مما يهدد حياة العمال بكل لحظة، وهذا جعلهم يزحفون مستعملين مناكبهم أثناء المشي، مع ضعف التهوية وكثافة الغبار، والحرارة المرتفعة والإنارة الضعيفة، وغياب الإشارات المنبهة للأخطار مما يتسبب للكادحين في الاختناق والموت المحقق.
ماذا تحقق لسكان جرادة؟
منذ سنة1956 بعد مغادرة الاستعمار المباشر وحلول الاستقلال الوطني وإنشاء الدولة الحديثة وسياسة المغربة، لازال أغلبية سكان جرادة يعيشون من الحفر بأعماق الأرض من اجل استخراج الفحم الحجري، ولم يتحقق لهم ما يضمن الحياة الكريمة والحرية وتحسين الأوضاع الاجتماعية في ظل سياسة “مغربة الشركات” فقد هلكوا بالعمل الشاق بالآبار العميقة حيث الحوادث المميتة بشكل شبه يومي، والإصابات الخطيرة للرئة والمرض العضال (السيلكيوز). هذا ما تسبب فيه الرأسماليين للعمال الذين كافحوا من اجل الاستقلال والحرية والعيش الكريم في بلدهم ووطنهم، لكن الدولة الجديدة زادت جوعتهم وعطشتهم وفقرتهم بسب نهجها سياسة التبعية وتنفيذ مخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية بالتمام والكمال.
سلسلة موت عمال مناجم الفحم والعاملين باستخراجه من اجل تحصيل المعيشة لم تتوقف، واستمرت منذ زمن، ففي سنة 1976 توفي نحو 14 عامل وفي1977 توفي 11 عامل وفي 1981 توفى 10 عمال وفي 1982 توفى 18 عامل وفي 1983 توفي 3 عمال وفي 1985 توفى 11 عامل، أما الكسور والإصابات الخطيرة والجروح فهي كثيرة جداً.(14)
ففي سنة 1982 تزايد عدد سكان جرادة بوجود”شركة المفاحم”التي شيدت مساكن للعمال، وتوسعت المدينة مما جعل السلطات المركزية تعلن سنة 1994عن خلق عمالة جرادة، وبناء مقرها بموقع استراتيجي بتكلفة مالية باهظة وواجهة هندسية رائعة، بينما اغلب المنازل الموجودة بالمدينة شيدت ما بين سنتي (1955- 1974) عندما كانت جرادة مقصد ووجهة العمال، ومكان مصدر عيشهم، حيث انتشرت الأحياء السكنية الشعبية الفقيرة والمحرومة من التجهيزات والوسائل الضرورية، وهكذا أصبح مقر العمالة ذو التصميم الرفيع دليل على بذخ السلطات وتبذيرها للمال العمومي بمدينة شبه مخربة، واغلب سكانها فقراء وشبابها معطلين/ات، بحاجة للشغل وللكثير من المؤسسات الاجتماعية الأساسية.
استغلال مفرط وحوادث شغل وأمراض مزمنة
ظلت الأمراض الناتجة عن العمل بالمناجم تحصد الأرواح، ففي الفترة ما بين (1970-1982) أصيب نحو 2024 عامل بمناجم جرادة بمرض (السيليكوز ) وكانت الإدارة المشرفة على المناجم أبرمت مع المركزيات النقابية سنة (1974) اتفاقية جماعية يتم بمقتضاها إعفاء كل عامل بلغت نسبة عجزه 30 بالمائة، والأطر 40 بالمائة، مع عرض كل الحالات على لجنة القانون الأساسي، والتي تتكون من ممثلي العمال والإدارة، والسؤال الذي يطرحه المناضلين/ات مناهضي العولمة الرأسمالية: هل الشركات الرأسمالية احترمت يوما ما حقوق ومطالب العمال والعاملات ؟ أما إذا كانت النقابات لا تقوم بدورها فتلك مصيبة كبرى، وهل المجالس التشريعية الشكلية ذات الأغلبية الليبرالية واليمينية في غياب ديمقراطية حقيقية ستفكر بالعمال وتسن قوانين تجيب على مطالبهم/ن وتخدم مصالحهم/ن ؟ وحسب ما نشرته الصحافة الوطنية فان عدد الإصابات بالأمراض الصدرية بلغت أحيانا نحو 155 حالة في السنة، سجلت هذه النسبة ما بين (1988-1989).(15)
بلغ عدد ضحايا حوادث الشغل سنة 1988 أكثر من 240 حالة، جلها تقريبا خطيرة، وقد رفضت إدارة المناجم قبولها، وكانت الصحافة المغربية نشرت الكثير عن القضية، لكن الحكام الفعليين بالبلد خاضعين لشروط المؤسسات المالية الدولية، ويعملون ضد مصالح العمال المغاربة، وقد كثفت الرأسمالية المسيطرة على كل مراحل الإنتاج في استغلالهم بشكل مفرط، وبأجور هزيلة ربطتها بكمية الفحم المستخرج، وهي كمية كثيرة مقابل المبلغ المالي المحصل عليه، مما جعل العامل يشتغل لمدة طويلة من اجل 900 درهم، وهذا في أقصى حالات كدحه تحت مراقبة شديدة، وأي خطوة نضالية للاحتجاج والانضمام لمنظمة نقابية من اجل صون حقوقه، عرضته وتعرضه للظلم والعقوبات، منها: التسجيل في حالات الغياب والحرمان من منحة الإنتاج، ونقله إلى أماكن الشغل الأكثر شقاء، وخفض راتبه الأساسي…، وحسب ما نشرتها الصحافة فان نسبة الإصابات بأمراض الصدر الفتاكة بصحة العمال كانت كثيرة.
نضال موحد يفرض حوارات بدون نتيجة
نظم العمال إضراب عام في منتصف دجنبر1985 بمنطقة حاسي بلال، رغم الإنزال الكبير لقوات القمع وانتشارها بالمدينة، وأمام المناجم، تحت هذا التهديد والتخويف صمد العمال، والتزموا بقرارهم، وخاضوا معركة النضال من اجل تحقيق مطالبهم المشروعة، وتوالى نضالهم.
ففي يوم 1 ابريل 1987 نظموا عدة أشكال نضالية من اجل تحقيق مطالبهم، وفي دجنبر1988 نظموا معركة، إن مسيرة النضال هذه جاءت بعد استنفاذ مسلسل الانتظار الطويل، وعدم تجاوب الإدارة والمسؤولين بجهازي الشركة والدولة محليا ومركزيا، وبدل الاستماع لصوت العمال، أقدمت على القمع، فان السلطات دائما تكون حاضرة بالميدان لمساندة الرأسماليين وأرباب العمل والإدارات المسؤولة بالشركات، وقد استعدت شركة مفاحم جرادة لمواجهة مطالب وحقوق العمال المهضومة بحماية الشرطة والدرك وأعوان السلطات المحلية (شيوخ أحياء ومقدمين) وتعزيزات من مدينة وجدة، لكن الاستجابة لنداء الإضراب العمالي بلغت نحو 80/90 بالمئة، رغم شدة التهديد واعتقال عدد من المناضلين النقابيين وعمال ميدانيين، بسبب توزيعهم لتلك النداءات الداعية للإضراب، وظلت السلطات المحلية تتدخل بمحاولات التخويف ضد العمال والسكان المتضامنين معهم، وقامت باقتحام منازل العمال بمنتصف الليل بعدة أحياء سكنية بالمدينة، بلغوا نحو 800 عامل.(16)
سياسات الليبرالية الجديدة المتتالية خربت المنطقة
سنة 1992 وضع الملك الحسن الثاني مشروع تعديلات على دستور البلاد، وفي سبتمبر بالسنة نسفها بدأ العمل بها، وفي 1 مايو 1992 شكلت أحزاب الحركة الوطنية “الكتلة الديمقراطية” وهي تنسيق سياسي جمع كل من:حزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وكان هدفها الأساسي، هو فتح حوار مع أعلى سلطة فعلية في البلاد من اجل إصلاحات سياسية طفيفة، محورها تعديلات دستورية شكلية، لا تمس عمق الحكم الحقيقي.( 17)
سياق التعديلات بالدستور، وتشكيل “الكتلة الديمقراطية” جاء ذلك نتيجة عدة مستجدات من أهمها: تفكك الاتحاد السوفيتي سنتي 1989- 1991، وإزالة حائط برلين الذي شيد بين الألمانيتين الشرقية والغربية أثناء الحرب الباردة بالسنة نفسها، وتعدد الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالبلد منها: قضية الصحراء الغربية، والاتفاق حول تنظيم الاستفتاء، ووقف إطلاق النار سنة 1991 وتوفير الأجواء لتحقيق ذلك، هذه القضية التي مرت عليها عقود وكلفت سكان المنطقة وشعوبها الكثير، في غياب حل نهائي يطوي ملفها، لان الرأسمالية والامبريالية العسكرية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات لا يهمهم مصير الشعوب، وكل ما يفكرون فيه هو نهب الثروات.
وهكذا، إضافة للنتائج المدمرة لحكم الاستبداد بالبلد و فرض سياسة التقويم الهيكلي وتطبيقها استجابة لشروط ومخططات المؤسسات المالية الدولية على الشعب المغربي، بتجميد الأجور ورفع أسعار المواد الأساسية، مما خلق نضال عمالي قوي، وبطالة واسعة، وبروز حركة المعطلين حاملي الشهادات وتأسيس الجمعية الوطنية، والانعكاسات على شغل النساء بالنسيج والمصبرات والتعليب حيث برزت الحركة النسائية المطالبة بالمساواة من اجل حقوقهن المهضومة تحت نظام رأسمالي وذكوري وأبوي(بطريركي) تحكمه قوانين أكثر رجعية، وكذا نضال الحركة الثقافية الامازيغية، ثم قضايا الاعتقال السياسي والمنفيين وسنوات الجمر والرصاص … و الحريات العامة: التنظيم والتعبير، الغ.
وكانت مطالب الأحزاب الليبرالية من اجل الديمقراطية تتجلى في : إصلاح دستوري، تحديث أجهزة الدولة، فصل السلط عن بعضها واستقلالها (القضائية والتشريعية، والتنفيذية، والإعلامية ..) قيام حكومة ممثلة لأغلبية الشعب، لتحمل المسؤولية أمام مجلس النواب، وجاء في إحدى نقط برنامج الكتلة الديمقراطية : ” ..إقرار مشروع وطني للتنمية والتحرر والتقدم، وإرساء سياسة بديلة والإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي تستهدف بالأساس: أ – تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين وضمان حقوقهم في الشغل والتعليم والتكوين والصحة والسكن والنقل والعيش الكريم. ب – وضع خطة متكاملة لمحاربة البطالة، وتشغيل الشباب، وتوظيف كل الطاقات البشرية في إطار توسيع مجالات الاستثمار والإنتاج والتجهيز وتنشيط مختلف القطاعات…ج – جعل حد للفوارق الاجتماعية والجهوية وتحقيق المساواة بين المواطنين والمواطنات وضع سياسة تحد من نهب الثروات ..الخ. هل تحقق هذا؟
في 8 يوليوز1994أعلن الحسن الثاني عن عفو استفاد منه عدد من المعتقلين السياسيين/ات، وسمح لعدد من المنفيين/ات المغاربة بالعودة إلى بلدهم، وفي سنتي (1995-1996عرف البلد أحداث سياسية من بينها: توقيع”ميثاق” في بداية غشت 1996بين أرباب الشركات والرأسماليين الكبار والقيادات النقابية على أساس تنفيذ سياسة “السلم الاجتماعي”،وفي 20 غشت 1996أعلن الملك عن استفتاء حول تعديلات على الدستور لتدبير المرحلة، وكانت أحزاب الكتلة الوطنية رفضت مجمل التعديلات على دستور سنة 1992 باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي صوت لصالحها، وبدأت الخلافات بين أعلى سلطة بالبلد وأحزاب الحركة الوطنية الليبرالية حول تدبير المرحلة من جهة وبين مكونات الأحزاب المشكلة للكتلة، ولذلك أجريت تعديلات على الدستور من جديد، قبلتها ورحبت بها القوى الليبرالية المغربية في سنة 1996، وتم فتح باب الحوار، وترك هامش جد ضيق للنشاط السياسي، مهدد من حين لآخر،(18)
وفي 13شتنبر1996صادقت أحزب الكتلة، بمقدمتها حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد المعارضة لعقود على تلك التعديلات الدستورية التي ركزت على بقاء كل السلطة السياسية الفعلية لدى الملك، وبقاء جوهر حكمه الذي لا يخضع للنقاش، مما جعل حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي يرفض المصادقة على تلك التعديلات، التي تضمنت نظام المجلسين، أي مجلسي النواب والمستشارين، هذا الأخير الذي كانت ترفضه المعارضة الليبرالية، وفي 28 اكتوبر1997 وقعت الأحزاب السياسية والدولة الرأسمالية والنظام على”ميثاق” تحييد الإدارة وتنظيم الانتخابات.(19)(20)(21)
الإجهاز على المكتسبات الشعبية
نتج عن عملية التحضير لحكومة ” التناوب التوافقي”مجموعة من التحولات والوقائع والأحداث من بينها: ظهور أحزاب سياسية جديدة بواجهة المشهد بشكل كبير، بينما أحزاب الحركة الوطنية الليبرالية عرفت مجموعة من التطورات، فحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي انشق عنه عدد من أعضائه الأساسيين بعد مساندتهم للتعديلات الدستورية، وأسسوا في سبتمبر1996 حزب سياسي جديد “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”وفي 27 يوليو1997 انشق عن حزب التقدم والاشتراكية مجموعة من أعضائه الرئيسيين وأسسوا حزب جبهة القوى الديمقراطية.(22)
في 14 نوفمبر1997 أجريت الانتخابات التشريعية، وحصلت الأحزاب الليبرالية المتحدرة من الحركة الوطنية على عدد من المقاعد، وكانت كما يلي: حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد المعارضة 57 مقعد، حزب الاستقلال 32 مقعد، حزب التقدم والاشتراكية 9 مقاعد، حزب جبهة القوة الديمقراطية 9 مقاعد، حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي 4 مقاعد، الحزب الاشتراكي الديمقراطي 5 مقاعد.
في 4 دجنبر1997 جرت انتخابات مجلس المستشارين المتشكل من 270 مقعد، ويجمع كل من : منتخبي الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية وأعضاء الغرف المهنية وممثلي المأجورين، وحصلت أحزاب الكتلة الديمقراطية على 44 مقعد (حزب الاستقلال 21 مقعد الاتحاد الاشتراكي 16 مقعد وحزب التقدم والاشتراكية 7 مقاعد) جبهة القوى 12 مقعدا، والحزب الاشتراكي الديمقراطي 4 مقاعد.
أما مقاعد النقابات كانت كما يلي: الكنفدرالية الديمقراطية للشغل حصلت على 11 مقعد، والاتحاد المغربي للشغل 8 مقاعد، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب 3 مقاعد، وحصل كل من: اللجان العمالية المغربية، واتحاد النقابات الشعبية، والنقابة الوطنية الديمقراطية، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على مقعد 1 لكل منهما. (23)
لجنة التحقيق، وقرار إغلاق المناجم
قبل تشكيل حكومة “التناوب التوافقي” قامت لجنة بزيارة ميدانية لمدينة جرادة يوم 12 دجنبر1997 وعقدت مجموعة من الاجتماعات مع السلطات المحلية وقيادات المركزيات النقابية والمنتخبين المحليين، وكانت من بين مقررات هذه الاجتماعات تشكيل لجان تشرف وتهتم بالقضايا الأساسية لحل المشكلات، أهمها: القضيتين الكبيرتين الاجتماعية والاقتصادية، نتج عنها توقيع اتفاق يوم17 فبراير1998.
شكلت اللجنة من:عبد العزيز مزيان بلفقيه وزير الفلاحة والبيئة، وإدريس بنهيمة وزير النقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن، وأمينة بنخضراء كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن، وكان من بين مهام اللجنة: التفاوض والحوار مع المركزيات النقابية، والإدارة العامة لوكالة الإنعاش الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بأقاليم الشمال الشرقي لإيجاد حلول، لكن السؤال لفائدة من؟ إنها طبعا للرأسماليين والدولة بالأساس، وقد كان ذلك عن التزام النقابات، ونواب ورؤساء جماعات محلية، هؤلاء الذين ينتمي اغلبهم للأحزاب اليمينية والليبرالية التي ليست سوى واجهة للديمقراطية، وتعمل ضد مصالح الفقراء والكادحين، وأسفرت فعلا بالتوقيع على “اتفاقية 17 فبراير 1998″وتنفيذ قرار إغلاق شركة مفاحم المغرب، وفي سنة 1999 سرحت الشركة عدد من عمالها الذين ساهموا في رأسمالها بكدهم وعرقهم، مما جعلهم يخوضون معارك نضالية ضد الظلم الذي تعرضوا له من طرف الرأسماليين، ونظموا إضرابات بطولية، كان لها أصداء كبيرة بالمغرب وكل مكان، وعرفت تضامن أممي من زملائهم عمال المناجم بالعالم، لكن الشركة المحمية والمحصنة بقوة من الدولة استطاعت الخروج من الأزمة مؤقتا بعد خلق” لجنة تحقيق” تلك التي نسبت كل المشكلات إلى”سوء التسيير الإداري للمنجم” بدل الاعتراف بالاستغلال المفرط للعمال مع هضم حقوقهم والتسبب لهم في الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية خاصة وتكاليف العلاج الباهظة وترك مدينتهم للمصير المجهول، وعدم تحقيق البديل الاقتصادي، وان الأسباب الحقيقية هي السياسات الليبرالية المتبعة بالبلد.
وقبل توقيع هذا الاتفاق بأقل من أسبوعين، ففي يوم 4 فبراير 1998 كان الملك الحسن الثاني كلف عبد الرحمن اليوسفي الكاتب العام الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي بتشكيل حكومة جديدة، عدها الليبراليين بمثابة مدخل إلى” الانتقال الديمقراطي” مبني على اتفاق جرى بين الملك واليوسفي، أطلق عليه” التوافق”وفي 14 مارس 1998 تشكلت حكومة مكونة من عدة أحزاب يمينية وليبرالية مدافعة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة الرأسمالية التي جوعت وعطشت الفقراء المغاربة، ترأسها اليوسفي وقادها حزبه ضمت وزراء من نظام الحسن الثاني عينوا بأهم مراكز السلطة السياسة بالدولة (إدريس البصري وزير الداخلية، وعبد اللطيف الفيلالي وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، وعبد الكبير العلوي المدغري وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، وعمر عزيمان وزير العدل..) وفي 23 يوليو1999توفى الملك الحسن الثاني، وانتقل الحكم لولي عهده محمد السادس، وأجريت مراسم بيعته في نفس اليوم، وفي 9 نونبر1999تمت إقالة وزير الداخلية إدريس البصري من طرف الملك الجديد محمد السادس، هذه بعض الأحداث التي عرفها البلد في ظروف الإعلان عن تشكيل لجنة التحقيق حول مناجم جرادة وإغلاقها، الذي كانت نتائجه كارثية على المنطقة بعد تسريح نحو 5000 عامل، فقد انعكست على حياة السكان بشكل كبير، وانقلبت أوضاع المدينة بدرجة فائقة، كان لا بد من التذكير بها، لوضع قضية جرادة وإغلاق المناجم في سياقها التاريخي.(24)
نضال عمالي وتضامن شعبي وأممي
لقد طبقت سياسة إغلاق شركة مناجم الفحم بجرادة تدريجيا استمرت حتى سنة 2001، وقد نتجت عنه التسريحات الجماعية للعمال والمستخدمين، مع الالتزام بضمان حقوقهم كاملة، منها : مستحقات الضمان الاجتماعي، والتعويضات عن الأمراض المهنية، والصناديق الاجتماعية، ومدة العمل الطويلة، وقضية البديل الاقتصادي والاجتماعي والتنمية الحقيقية للمنطقة والمدينة.
هذه السياسة التي ساهمت فيها أحزاب الحركة الوطنية الليبرالية المسيطرة على جزء كبير من العمل النقابي، إن لم نقل جله، انعكست عليها، وعلى المركزيات النقابية، بعد أن أدت مهمتها للأقلية الرأسمالية والنظام. ففي أكتوبر 2001 عرف حزب الاتحاد الاشتراكي انشقاق قاده مجموعة من أعضاءه البارزين، وأسسوا حزب المؤتمر الاتحادي، وفي سنة 2002 انسحب عدد من مناضلي الحزب وشبيبته، وأسسوا تيار الوفاء للديمقراطية، وفي ابريل2003 تم تأسيس نقابة الفدرالية الديمقراطية للشغل التابعة عمليا للاتحاد الاشتراكي، بعد انشقاق عن الكنفدرالية، وتوالت الانشقاقات عنها حيث تم تأسيس المنظمة الديمقراطية للشغل سنة 2006، بالإضافة إلى الالتحاق الكبير لعدد من اطر حزب الاتحاد الاشتراكي للمؤسسات والهيئات و المجالس واللجان التي تشكلها الدولة، وترك الحزب الذي تكونوا فيه (25)
فأحزاب الحركة الوطنية الليبرالية والمحافظة استطاعت السيطرة على منظمات النضال الاقتصادي والاجتماعي للعمال، فنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي تأسست بتاريخ 20 مارس 1960، ظلت دائما تابعة لحزب الاستقلال، احد مكونات “الكتلة الديمقراطية”. ونقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل التي تأسست في نونبر1978، ظلت بدورها تحت سيطرة حزب الاتحاد الاشتراكية للقوات الشعبية إلى يوم الانشقاق، وتأسيس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي.
وينشط مناضلي/ات أحزاب الكتلة بعدة قطاعات داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل القريب من السياسة الرسمية للدولة منذ تأسيسه سنة 1955، وهذه السيطرة الليبرالية تعد من إحدى الأسباب الرئيسة المساهمة في تفكيك الشركات الكبرى الوطنية، وقطاع المناجم وتسريح العمال، وتخريب المدن والمناطق والجهات، وانعدام تحقيق بدائل اقتصادية واجتماعية وتنموية حقيقية بها.
وهكذا تظهر مشكلة ضعف القوى الجذرية المناهضة للعولمة الرأسمالية، وحلفاء جمعيتنا اطاك المغرب بمنظمات النضال، مما ترك ويترك الفرصة لليبراليين والمحافظين والرجعيين يفعلون ما يريدون بمكتسبات الشعب المغربي، الذي تعيش أغلبيته بالفقر المدقع، وآخرون كثر مهددين بالنزول إليه.(26)(27)
تشريد العمال وأسرهم، وتخريب المنطقة
كانت ولا زالت تعليمات ومخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية والمنظمات والمعاهدات والاتفاقيات التجارية، وتطبيقها بالبلد على الشعب بالقوة، من الأسباب الأولى التي أفقدته سيادته على ثرواته، وقراراته المصيرية، وجعلته تابعا لها بشكل كبير، وخاضعا لسياستها الاستعمارية الجديدة، من بينها طبعا:إغلاق شركة مفاحم المغرب سنة 2001، التي كانت تعد ثاني أهم شركة مشغلة بالمغرب بعد المكتب الشريف للفوسفاط، وقد تم تسريح نحو 5000 عامل رسمي بمناجم الفحم بجرادة كما سبق ذكره، بعد تلك المفاوضات والحوارات واللقاءات الطويلة التي أدت إلى اتخاذ قرار إغلاق الشركة الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، وبذلك أصبحت مدينة جرادة منكوبة وغارقة في المشاكل والأزمات على جميع المستويات أكبرها البطالة الواسعة والأمراض المزمنة.
كانت مناجم جرادة حتى سنة 1983 تتوفر على احتياطي 100 مليون طن من الفحم حسب دراسة أنجزتها الشركة نفسها، التي اقترضت من البنك الدولي أموال طائلة مضمونة من الدولة المغربية، على أساس تطوير الإنتاج، فلماذا لم تدفع أجور ومستحقات العمال إذن؟ وكيف يصدق العمال بأنها وصلت حالة العجز المالي، ولم تعد قادرة على أداء ديونها المستحقة للبنك الدولي سنة 1997؟ هذه المؤسسة الدولية التي تعد أداة استعمارية بيد الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى ناهبة ثروات الشعوب، إن الشركة قطعت أرزاق العمال ثم أدعت أنها لم تستطيع دفع واجبات الصناديق الاجتماعية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي…) هذه سياسات ليبرالية جديدة ظالمة تسببت للعمال ببيع ما يملكونه من أثاث بسيطة، لإعالة أسرهم من الجوع، بينما الرأسماليين مسيطرين على مصير البلد ومستمرين بتنفيذ سياستهم وجشعهم واستحواذهم، إن تفقير وتجويع الناس، واضطهادهم وقهرهم هو الذي جعل النساء والأمهات برفقة أطفالهن في مقدمة الاحتجاج والمظاهرات والمسيرات نحو أماكن اعتصام عمال المناجم في تضامن شعبي واسع.
فإغلاق مناجم الفحم، كان من أهم أسباب الهجرة المتتالية من جرادة صوب مناطق أخرى داخلية وخارجية، وكشفت الإحصاءات، بأن مجموع سكان الإقليم عرف انخفاض عكس باقي الأقاليم، فقد انخفض العدد من (117 ألف و696 نسمة) في سنة 1994 إلى نحو (105 ألف و840 نسمة) في سنة 2004. اغلبهم/ن من فئة شباب.(28)
20 فبراير 2011 حراك شعبي واسع، انتزع مكاسب طفيفة
مع الموجة الثورية بالمنطقة المغاربية والعربية أواخر 2010 وبداية 2011، هبت رياح التغيير بالمغرب وحملت مطالبها حركة 20 فبراير، وظلت الجماهير تنزل للساحات والشوارع تناضل من اجل تحقيقها، واستطاعت انتزاع بعض المكاسب البسيطة، منها : إعلان انتخابات قبل وقتها، وإجراء تعديلات صغيرة جدا على الدستور، وخلق مجالس وطنية ودسترتها، وتوظيف وتشغيل ألاف من حاملي/ات الشهادات العليا، وزيادة 600 درهم بالأجور للموظفين، ودسترة اللغة الامازيغية وإطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين…الخ.
الإسلام السياسي يتمم السياسات النيوليبرالية
يوم 9 مارس 2011 خطب الملك محمد السادس وأعلن عن تنقيحات دستورية، وشكلت لجان لهذا الغرض، وفي 1 يوليو نظم الاستفتاء على الدستور، الذي دعت حركة 20 فبراير لمقاطعته، وفعلا قاطعته نسبة كبيرة من المواطنين/ات، وفي 25 نونبر2011 جرت انتخابات تشريعية مبكرة، شارك فيها 45 بالمئة حسب الإعلان الرسمي، ودعت الحركة لمقاطعتها كذلك، وحصل حزب العدالة والتنمية اليميني من المعارضة البرلمانية والمنتمي للإسلام السياسي على الرتبة الأولى، حيث حصل على 107 مقاعد من مجموع 395 مقعد.(29)
في يوم 3 يناير2012 عين الملك حكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران بمشاركة كل من : حزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال، عن “الكتلة الديمقراطية” على برنامج من بينه: حصر نسبة العجز 3 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، ومعدل النمو في 5.5 بالمئة، ضبط التضخم في 2 بالمئة، وتخفيض معدل البطالة بنسبة 8 بالمئة، تكريس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الصفقات العمومية والتدبير المفوض، وهذه النقطة الأخيرة هي الأهم للرأسماليين وأرباب الشركات، وفي يوم 16 مايو 2013 سينسحب حزب الاستقلال من الحكومة.(30)
وبعد خفوت ثم انطفاء حركة 20 فبراير، ومرور ما يكفي من الزمن، والسيطرة على الشارع وقمع الاحتجاجات حتى ولو كانت لقلة من الأفراد وبمنطقة نائية، أعلنت الدولة على الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات، والوفاء بالاستمرار على تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة، ومخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية، البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية وغيرهم، بقوة شديدة.
وضد هذه السياسات انطلقت احتجاجات جرادة على اثر ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء، بعدما بلغت مستوى لم يستطع السكان الفقراء توفيره، ودفعه بالآجال المحددة، مما جعلهم يعبرون عن معاناتهم/ن بالاحتجاج في شوارع المدينة، ردا على السياسات التي كلفتهم الكثير من مصاعب الحياة، وأوضاعا لم تعد تطاق، أما السلطات المحلية بدل الإصغاء بإمعان إلى أصوات السكان المفقرين، وتلبية مطالبهم وحقوقهم/ن، قامت بقمعهم واعتقلت المناضلين/ات، واستدعت آخرين لمراكزها.
وفي21 دجنبر2017 نظم السكان مسيرة شعبية جماهيرية احتجاجية توجهت صوب مركز السلطات المحلية، ردا على تعامل المسؤولين المتناقض مع شعاراتهم حول حقوق الإنسان والحريات العامة والمساواة، وتحقيق التنمية البشرية والمستدامة…الخ. لقد سخط السكان على سياسة الغلاء ورفع الأسعار، ونظموا وقفة احتجاجية بمكان المنطقة الأمنية مطالبين بالإفراج عن المعتقلين، وقد استمرت حتى التاسعة ليلا (21:00) لكن السلطات طوقتها بقوة، وفي اليوم الموالي أفرج عن المعتقلين بعد نجاح التضامن الشعبي الواسع لسكان جرادة على ارض الميدان، وصمودهم/ن ضد الظلم.
هذا الاحتجاج ضد رفع أسعار الماء والكهرباء، توازى مع فاجعة وفاة الشابين الشقيقين الدعيوي حسين23 وجدوان 30 سنة، من سكان جرادة، بسبب انهيار بئر يستخرج منها الفحم الحجري حينما غمرته المياه، مما زاد من غضب الجماهير الشعبية على حجم الأوضاع المأساوية التي يعيشون فيها.
وقع الحدث الأليم يوم 22 دجنبر2017، فوجد الناس عدة صعوبات أثناء عملية انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وطيلة مدة الانتشال كان السكان يتوافدون صوب البئر المنهار، فشكلوا حشداً جماهيريا واسعا، وبدأت تساؤلاتهم واستفساراتهم/ن عن أسباب غياب وانعدام وسائل الإنقاذ بمثل هذه الحوادث المستمرة بالمدينة والمميتة للبشر، وتعامل الدولة مع أبناء الفقراء، حيث استغرقت العملية وقتا طويلا. ابتدأت من يوم الجمعة 22 حتى يوم السبت 23 دجنبر2017، وقام كادحي أبار الفحم الحجري أثناءها بمجهود كبير، وبعد انتشال الجثتين انطلقت الجماهير التي احتشدت حول مكان الحدث في مسيرة شعبية رهيبة نتيجة الفاجعة الأليمة صوب مركز السلطات المحلية المتمثلة في عمالة إقليم جرادة، ونظموا وقفة نضالية احتجاجية، معبرين عن أوضاعهم المزرية والمأساة المتكررة ساخطين على سياسة الدولة المتسببة لهم بذلك.
وأثناء المسيرة الكبيرة لجنازتي الضحايا، انبثقت من عمق الحشد الجماهيري أشكال تنظيمية ديمقراطية من الأسفل، وفتح النقاش والرأي العام المحلي وبدأت الأفكار تدور، وطورها الحضور الشعبي إلى حالة المدينة المنجمية بعد الإغلاق النهائي سنة 2001، وانعكاسات ذلك على حياة السكان، وبدأ التفكير في آليات النضال، التي من بينها : الاعتصامات والوقفات والمسيرات، وتعميق النقاش واتخاذ القرارات الجماعية بالساحات العامة، مما أتاح الفرصة للجميع وجعله يشارك في مصير جرادة ، وبرز من هذا النقاش الشعبي الديمقراطي المباشر شعار”البديل الاقتصادي”الذي التزمت الدولة بانجازه وتحقيقه لسكان إقليم جرادة، قبل تنفيذ الإغلاق.
يوم الاثنين 25 دجنبر2017 نظم إضراب بالمدينة استجاب له سكان جل الأحياء، وتوسع الاهتمام بجرادة والمشاركة في حراكها الشعبي المطالب بتنمية حقيقية، ومناهضة سياسات التقشف للدولة وغلاء الأسعار، وانعدام الشغل والبطالة والأمراض …، وكل ما وصلت إليه المنطقة، وانطلقت الأشكال النضالية بإنجاح المسيرات والوقفات أمام عمالة جرادة ومجلس بلديتها، وتم إلقاء الكلمات من طرف المتضررين والضحايا من جميع الفئات والشرائح الاجتماعية والشعبية.(31)
قمع واعتقالات بحق مطالب شعبية
تمثلت بعض المطالب للسكان في:حوار مسؤول وجدي مع السلطات حول : توقيف العنف، والقمع ضد المحتجين/ت، والتأكيد على تراكم المشاكل اثر إغلاق المنجم، والتنديد بتلوث المدينة. فحالة ووضعية العمل بالآبار(السندريات) شاقة جداً، حيث الهبوط لعمق يتراوح بين 20 و 45 متر تحت الأرض، لاستخراج مادة الفحم بوسائل تقليدية، مع انعدام الوقاية الصحية، وقد بلغ عدد الآبار نحو 3000 بئر تقريبا، ويتم الاشتغال فيها بشكل تعاوني مكون من طرف اثنين آو ثلاثة أشخاص على الأقل، حيث ينزل الأول لعمق “الحاسي” والثاني يرفع الفحم المستخرج، والثالث يقوم بعملية الغربلة، ويتم هذا العمل الشاق بدون دراسة علمية للخرائط الجيولوجية بالمنطقة، لكن الفقر الشديد هو الدافع للبحث عن المعيشة بواسطة استخراج الفحم الحجري، معتمدين على فأس وإناء لنقل الفحم، غالبا تكون عبارة عن “قفة” وحبال متينة، ثم يوضع بأكياس من حجم 100 كيلوغرام، أما عملية بيعها فإنها تتم حسب الظروف، غالبا لا تتعدى 80 درهم، ولهذا فإن كادحي الفحم يعيشون دائما تحت سطوة التجار الرأسماليين، وبعض المستفيدين من هذه المادة، مجموعة مالكي الرخص الممنوحة لهم من الدولة، وبذلك يتحكموا في تسويقه ويحددوا أثمانه لإعادة بيعه لأرباب الشركات، والضحايا دائما هم الفقراء.(32)
البطالة والفقر ومرض السيليكوز
ظل عمال مفاحم جرادة المصابون بهذا المرض الخطير، المهدد للحياة في كل لحظة، يبعثون بالرسائل المتتالية للمسؤولين، وممثلي السلطات، منذ إبرام تلك الاتفاقية الاجتماعية في 17 فبراير1998 بين إدارة مفاحم المغرب ووزارة الصحة العمومية، الموقعة على اثر إغلاق المناجم، وبعثوا برسائل للوزارات المعنية بقضيتهم منذ مدة طويلة، وطالبوا بالزيادة في إيرادات مستحقاتهم وتسوية جميع الملفات المتعلقة بوضعيتهم، لكي تكون لهم القدرة على تلبية متطلبات العيش مع مرض مزمن، في بلد يدعي انه يحترم حقوق العمال، ومصادق على المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بذلك، ويلبي كل مطالبهم المشروعة.
جرادة ونواحيها منطقة تم نهبها، وتلويثها
جرادة ونواحيها يعدان منطقة الحرارة المنعكسة على كل الكائنات الحية، والمتضررين بالأساس هم البشر، فقد شيد المركب الحراري بمكان غير ملائم، ويبعث غازات ودخان ملوث، يهبط على سكان حاسي بلال وجرادة.
ويلفظ المعمل الكهربائي الفحمي نحو 1570 ميغاوط من النفايات الحرارية و330 ألف طن من الرماد المتطاير، وكمية هائلة من جسيمات متطايرة و24 ألف طن من ثاني أكسيد الكاربون، و6 ملايين طن من ثاني أكسيد الفحم، و700 طن من أحادي أكسيد الفحم و20 ألف طن من أكسيد الازوت، و5 أطنان من الزئبق، و5 أطنان من الزرنيخ، و0.2 طن من الرصاص. أما المركب الحراري الذي يشغل عدد من العمال عن طريق الشركات الخاصة من الباطن، بعد ما كان يعتمد على الإنتاج المحلي لمادة الفحم الحجري، تحول منذ تنفيذ قرار الإغلاق يستورده من الخارج.
إن السكان خائفين على حياتهم من المواد المنبعثة من(المشتقات البترولية ) المحتمل أنها تتوفر على نسب كبيرة من مادة “مونوكسيد الكربون” التي تؤثر على الجهاز التنفسي، وقد ظهرت بعض الأعراض على النبتات بالمدينة، وكذا عدد الإصابات بأمراض الجلد وصداع الرأس والتهاب الحنجرة والعيون والأنف والكبد، وظهور مشاكل صحية بالأمعاء والرئة وفقر الدم.
ينتج غاز”أول أكسيد الكربون”عن كل عمليات الحرق المباشر، فالمركب الحراري بجرادة، يساهم بنحو 8.6 بالمائة من الإنتاج الوطني للكهرباء، يستفيد منه بشكل كبير الأغنياء والرأسماليين، وتنبعث منه جزئيات كثيرة، مثل: اوكسيد الازوت والغاز الكبريتي، وتشكل خطر على الحياة الطبيعية وصحة الناس.(33)
وحسب المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء: إدريس بنهيمة الذي كان مسؤول عليه بفترة من 1994 حتى 2001، حيث قال”..أن المكتب يعتبر الزبون الوحيد لشركة مفاحم المغرب..” ومنذ 1929 إلى غاية سنة 1992 قامت الشركة بتصدير الفحم الحجري الخام للخارج، وبعد انهيار الأسعار العالمية أصبح المكتب الوطني للكهرباء هو الزبون الوحيد لمنجم جرادة، وكانت إحدى مهام وزير الطاقة والمعادن هي الإشراف على إغلاق المنجم، مما تسبب لعدد من سكان جرادة بالهجرة الاضطرارية بشكل كبير داخليا وخارجيا، حيث كان عدد السكان إلى حدود سنوات متأخرة نحو 70000 نسمة وأصبحت 43000 نسمة، ومنذ إنشاء هذه المدينة المنجمية، فلم ينجز أي نشاط اقتصادي أساسي أخر، من اجل تنمية المنطقة وخلق بدائل اقتصادية لتحقيق مطالب السكان المتعددة(34)
بدأ العمل باستخراج فحم جرادة منذ أزيد من 80 سنة تقريبا، ولذلك طرح السكان سؤال على الدولة والمستفيدين من هذه الثروة الوطنية، ماذا فعلوا لمعالجة بقايا الفحم المتناثرة بنواحي المدينة؟ وما الفائدة من هذه القوانين المتعلقة بالاستغلال المنجمي وحماية البيئة، وتلوث الهواء والماء؟ وما دور وكالة الأحواض المائية بهذه القضايا المتعلقة بحياة الناس؟.
علما أن الأملاك التابعة للمياه والغابات بجرادة تغطي مساحة تقدر بنحو 294.407 هكتار من مروج نبات الحلفة ،و68.800 هكتار من الغابات الطبيعية، و11.667 هكتارا من الغابات غير الطبيعية، ومن أهما غابات : عين الكرمة، بني علي، العياط ..) التي تقوم بدور مهم من عدة جوانب: اقتصادية واجتماعية وبيئية. وتوجد بالمغرب تشكيلات غابوية تمتد على مساحة تبلغ نحو 9631896 هكتارا، من بينها أزيد من مليوني (2ملايين) هكتار من فرشات الحلفاء.(35)(36)(37)
من يدفع للعمل في”السندريات” أليس الفقر الشديد ؟؟
نزول الناس لعمق الأرض من اجل توفير بعض النقود لشراء ضروريات الحياة، وأداء فواتير استهلاك الكهرباء والماء، كان اضطراريا وليس اختيارا، هذا النشاط المنتشر بجرادة ومحيطها يعد من احد الوسائل الضامنة لمعيشة عدد كبير من السكان، ولذلك تكاثرت الآبار التي يستخرج منها الفحم، رغم خطورتها بصحة وحياة الكادحين، فالهبوط لبئر عمقه ما بين 20 و45 متر ليس سهلا، وستتكاثر الآبار ويتزايد النازلون لعمقها إذا لم تقم الدولة بالتزاماتها وتحقق للسكان المفقرين مطالبهم/ن.
فقد أصبحت الحياة عسيرة جداً، فبعد سلسلة من العمل الشاق تصل أحيانا 10 ساعات تقريبا للحصول على مبلغ لا يتجاوز 70 درهما، بينما حراسة “الحاسي” يتكلف بها شخص مقابل مبلغ مالي يتم التفاوض حوله والاتفاق عليه، وقد خلق هذا العمل الإنتاجي فئة مالكي المعدات المخصصة للحفر واستخراج الفحم، يعدونها للاستئجار بسعر مرتفع، مما يجعل عمال الآبار يكدحون مدة طويلة لتوفير المال الكافي، ثم ظهر تجار وسطاء يشترون الفحم من الكادحين بسعر منخفض جدا، لإعادة بيعه بمبالغ يتحكمون فيها، بعيدين عن مخاطر الأمراض، وانهيار الآبار وإزهاق الأرواح.
إن الفقر الشديد والأوضاع الاجتماعية الصعبة، وموت الأزواج وترك الأبناء والبنات الصغار للأمهات…الخ) أسباب كثيرة ومتعددة دفعت بالنساء للشغل الشاق المرتبط بآبار استخراج الفحم بأجر جد زهيد، ولا يوجد بديل لذلك بجرادة ونواحيها لحد الآن لضمان معيشتهن، ومع كثرة مهامهن داخل وخارج البيت جعلتهن يصحبن معهن أطفالهن لمساعدتهن في التعب الشديد لتحقيق المعيشة بعزة النفس.(38)
بعض المطالب لسكان جرادة
الإعفاء من أداء فواتير الماء والكهرباء.
خلق نحو 5000 منصب شغل لحاملي الشهادات المعطلين بإقليم جرادة.
تعويض وجبر الضرر لعائلات ضحايا” السندريات” ومناجم الفحم.
تشغيل الشباب بالمحطات الحرارية بدون وسطاء.
تعويض المتضررين عن مخلفات المركب الحراري.
التسريع بانجاز المشاريع المصادق عليها والمبرمجة.
تسوية قضية مرضى” السيليكوز”وملفات الأرامل وحوادث الشغل والمطرودين من العمل.
التحقيق في قضايا ممتلكات “شركة مفاحم المغرب”والشركة المعدنية بمنطقة تويست..
رفع المتابعات عن مناضلي ومناضلات الحراك الشعبي بجرادة.
خلق ظروف الاستقرار بالمدينة بتوفير السكن الاجتماعي بأثمان مناسبة.
توفير المستلزمات والوسائل الضرورية بالمستشفى الإقليمي بتخصصات: علاج أمراض القلب و”الروماتيزم”وطب الأطفال، وطب العيون، والسرطان وتوفير الأطر الطبية الكافية..الخ
إنشاء ملحق جامعيا متعدد التخصصات، وإضافة غير المتوفر منها بمعهد التكنولوجيا مسايرة لتطورات العصر. إنشاء مدرسة جهوية للهندسة والتكنولوجيا الحديثة.
دعم الفلاحين الصغار ومربي المواشي، منع وتوقيف الترامي على الأراضي والماء والغابات من طرف ذوي النفوذ. هذه بعض النقط من اللائحة المطلبية لسكان جرادة.
ردود الحكومة وتجاوبها مع جرادة
” …إيمانا منها بضرورة معالجة الإشكالات المطروحة على مستوى إقليم جرادة، حرصت الحكومة على إبداء تفاعلها الإيجابي مع كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها من طرف كل الفاعلين المحليين، من ساكنة ومنتخبين وفعاليات سياسية ونقابية ومجتمع مدني، وفق مقاربة تشاركية تم الإعلان خلالها عن إجراءات عملية وملموسة تهم العديد من القطاعات ذات الأولوية، والتي أفصح عن خطوطها العريضة السيد رئيس الحكومة في زيارته رفقة وفد وزاري هام للجهة الشرقية بتاريخ 10 فبراير 2018.
ونظرا لأهمية وجدية هذه الإجراءات، فقد أصدرت الهيئات السياسية والنقابية وفعاليات المجتمع المدني بالإقليم، فضلا عن رؤساء الجماعات الترابية، بيانات تم التعبير من خلالها عن ارتياحهم الكبير للتفاعل الإيجابي للسلطات العمومية مع انتظارات وتطلعات الساكنة، معتبرين أن المقاربة المعتمدة من شأنها أن تعطي دفعة قوية لتنمية الإقليم
بالرغم من كل ذلك، تأبى بعض الفئات إلا أن تضع مجهودات الدولة على الهامش من خلال سعيها بكل الوسائل إلى استغلال المطالب المشروعة المعبر عنها، وتحريض الساكنة بشكل متواصل على الاحتجاج بدون احترام المقتضيات القانونية، مما يربك الحياة العادية بالمنطقة.
إن وزارة الداخلية، وانطلاقا من صلاحياتها القانونية، تؤكد على أحقيتها في إعمال القانون من خلال منع التظاهر غير القانوني بالشارع العام والتعامل بكل حزم مع التصرفات و السلوكات غير المسؤولة، حفاظا على استتباب الأمن وضمانا للسير العادي للحياة العامة وحماية لمصالح المواطنات والمواطنين..”)
هكذا ردت الدولة والحكومة التي جاءت بعد حركة 20 فبراير على مطالب السكان الفقراء بمدينة جرادة المنجمية، ضحية السياسات المتبعة بالبلد المخربة والمدمرة، فالدولة تدعي أنها تحترم حقوق الإنسان وملتزمة بحمايتها، وموقعة على المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بها، وبأنها تسهر على انجاز تنمية بشرية مستديمة، لكن ردودها وتعاملها مع مطالب المواطنين والمواطنات تفند تصريحاتها، ماذا تحقق لأغلبية الفقراء المغاربة منذ نحو عقدين عما أطلق عليه “حكومة التناوب” والانتقال الديمقراطي” ؟ ثم ماذا تحقق بعد الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد حركة 20 فبراير 2011؟ هل البرامج التنموية المتتالية في ظل الديون غير الشرعية حققت وستحقق تنمية حقيقية تضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
فالاعتقالات الواسعة والتخويف، بدل تحقيق مطالب السكان هي سياسة الدولة، لقد بينت السلطات في البداية على نية إيجاد الحلول لسكان جرادة، وقامت بعدة إجراءات منها : تنظيم حوارات، وعدد من الزيارة الرسمية للمدينة، وفي الأخير فضلت تنفيذ سياستها المعهودة، واستعملت القوة والتدخل العنيف، كما هي طبيعتها التي تنبني على قمع المواطنين والمواطنات المفقرين دون الاستماع لهم/ن والتمعن بحالهم وتحقيق مطالبهم بسرعة، وكما كانت ردودها على مطالب اقتصادية واجتماعية لسكان مناطق كثيرة بالبلد، أخرها الريف ومدني الحسيمة وزاكورة وتالسينت…) وتدخلت أجهزتها في جرادة وقمعت الأشكال النضالية للسكان واعتقلت المناضلين/ات من وسط التجمعات الشعبية الجماهيرية المنظمة بكل ديمقراطية، حيث كانت تسطر البرامج وتتخذ الخطوات النضالية وتقترح المطالب، واعتقلت الشباب من وسطها، ونقلتهم إلى مدينة وجدة.
هذا بعد مرور حوالي شهرين ونصف على الاحتجاجات الشعبية، والزيارات المتتالية للمسؤولين وحوارات لا حصر لها، وقد بينت السلطات فائدتها فعلا، وعلى اثر قمعها الشديد تعرض الكثيرون للجروح، ونقل عدد منهم إلى المستشفى الذي يفتقر لأبسط الوسائل والتجهيزات الأساسية التي بدونها لا يمكن ضمان علاج صحي وجيد.
وكان البرنامج النضالي للسكان مستمر حتى يوم 10 مارس2018، ولذلك أرادت الدولة أن تنسف التجمعات الشعبية الديمقراطية، وتضع حد للحراك من اجل مطالب اجتماعية حقيقية مشروعة التزمت بها الدولة للسكان، بإمكانها أن تقلص من نسبة المشاكل والأوضاع الصعبة للحياة ومعاناة المعيشة، كانت نتيجة التدخل أكثر من 70 معتقل من فئات عمرية واجتماعية مختلفة.(39)(40)(41)
سلسلة الموت بآبار الفحم لم تتوقف
يوم الأحد 3 يونيو2018 انهار نفق ارضي لاستخراج معدن الرصاص والزنك على مواطنين من سكان جماعة سيدي بوبكر، وهكذا استمرت الفواجع على سكان المنطقة الشرقية بالإقليم، وتم إخراجهما من تحت الأنقاض من طرف زملائهم الكادحين كما العادة، حيث توفي احدهم في الحين ونقل زميله في حالة خطيرة للمركز ألاستشفائي الجامعي بوجدة، ووضع تحت العناية الطبية المركزة، لكنه توفى نتيجة الإصابات البليغة، الضحيتان يبلغا (33 سنة ) و(42 سنة) الأخير متزوج وله ثلاثة أبناء.(41)
إن إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي بجرادة والحسيمة، وكل مناطق المغرب، وتوقيف كل المتابعات بحق المناضلين /ات، وتحقيق كافة المطالب الشرعية للسكان بكل المناطق بالبلد، هذه المهام تتطلب مزيد من النضال والصمود، وستظل جمعيتنا اطاك المغرب تناضل من اجل تحقيق تنمية حقيقية وتكثيف الجهد لذلك، تحت شعار ” لا تنمية بدون تدقيق وفحص الديون غير الشرعية بشكل مواطني وشعبي وديمقراطي وإلغاءها” والنضال من اجل السيادة الغذائية، ووقف مسلسل الخصخصة والتفويض والتفويت ، والاستحواذ على الأراضي والمياه، وبناء جبهات شعبية ديمقراطية للتصدي للعولمة الرأسمالية وبناء مغرب أخر ممكن وضروري.
بالنضال والنضال ثم النضال تتحقق المطالب.
محمد الحيحي – عضو جمعية اطاك المغرب.
احالات
(1)مكونات الفحم - موضوع
)
(3)جرادة (مدينة) - ويكيبيديا
(4)جرادة.. قصة صعود وأفول 'عاصمة الفحم'
(5)تعريف الإقليم
(6) من ذاكرة النضال العمالي: نضالات عمال مفاحم جرادة 1985-1989 وقائع وملاحظات
(7)الضغوط الاستعمارية على المغرب خلال القرن 19 ومحاولات الإصلاح
(8 ) – كتاب مقرر مادة التاريخ السنة الثالثة الثانوية طبعة 2003 صفحة 62.
(9)Province de Jerada — Wikipédia
(10)نبذة عن اقليم جـــــــرادة
(11)(12)الطيب بن بوعزة: نبذة عن حياته
(13)أحداث شغب وجدة وجرادة - ويكيبيديا
(14) (15)من ذاكرة النضال العمالي: نضالات عمال مفاحم جرادة 1985-1989 وقائع وملاحظات
(16) اشغال ووثائق المؤتمر الوطني الثامن – حزب التقدم والاشتراكية – ماي 2010.
(17) – سعيد خمري – روح الدستور – منشورات دفاتر سياسية – طبعة 2012 – مطبعة النجاح الجديدة.
18 سنة على تأسيس الكتلة الديمقراطية.. ماذا بعد؟
حلت يوم الثلاثاء 17 ماي الذكرى 18 لتأسيس الكتلة الديمقراطية، وهي مناسبة توقف عندها الجميع
www.hespress.com
(22)الحزب الاشتراكي الديمقراطي – الطريق الى الديمقراطية والتنمية والتقدم المجتمعي – وثائق المؤتمر الوطني الاول- منشورات حشد – سلسلة وثائق سياسية (1).
(23)كواليس ولادة حكومة التناوب قبل 16 سنة.
(24)عبد العزيز بلحسن : يوم بمدينة جرادة ....قصة منجم تم اقباره ( الحلقة 3 )
(25) -المنظمة الديمقراطية للشغل – الحصيلة الاجتماعية 2009.
(26) الحركة النقابية بالمغرب وسبل بناء يسار نقابي ديمقراطي كفاحي – منشورات المناضلة – ماي 2012.
(27) الكنفدرالية الديمقراطية للشغل – الهوية والبناء النقابي – طبعة ماي 1999.
(28)"بارونات" الفحم بجرادة.. الحقيقة كاملة بالوثائق والشهادات – تيل كيل عربي
29)الانتخابات التشريعية المغربية 2011 - ويكيبيديا
(30)حكومة المغرب 2012 - ويكيبيديا
(31)وفاة عاملين تطلق شرارة حراك شعبي في جرادة
(32)جحيم التنقيب عن الفحم الحجري ـ بساندريات ـ جرادة - OujdaCity
(33)إدريس بنهيمة يشرح أسباب ونتائج إقدام الدولة على إغلاق منجم جرادة - الأول
(34)جرادة : تلوث مداخن المعمل الحراري يقتل الحياة بمدينة الفحم الحجري المنجمية - OujdaCity
(35)التشكيلات الغابوية
(36)تقرير حول الوضع البيئي بمدينة جرادة - أطاك المغرب
(37)مخاطر غاز أول أكسيد الكربون على صحة الإنسان وسلامته
(38)https://www.hcp.ma/region-oriental/docs/Monographies2017/__MonographieJerada2018.pdf
39)اعتقالات تؤجج الاوضاع بجرادة وسط انزال امني وحضور جماهيري مكثف - Anwalpress - أنوال بريس
(40)جواب الدولة لسكان جرادة المحتجين: لا بديل اقتصادي، فقط القمع وتلقي عنف السياسات النيوليبرالية
(41)https://anfaspress.com/news/voir/36895-2018-03-26-05-04-44
(42)http://www.alittihad.info/الموت-يحصد-المزيد-من-الأرواح-بإقليم-جر/
جرادة المدينة المنجمية، سياق النشوء،وأسباب الخراب، ونضال السكان من اجل تنمية حقيقية وبديل اقتصادي - أطاك المغرب
جرادة المدينة المنجمية، سياق النشوء،وأسباب الخراب، ونضال السكان من اجل تنمية حقيقية وبديل اقتصادي ن
attacmaroc.org