مساء كلّ خميس لي موعد مع أجواء تل - أبيب أحرصُ ألاّ يفوتني. أسلك الشوارع ذاتها من يافا إلى مركز الفنون في مركز المدينة، أقود السيّارة وأمارس أمومتي العصريّة، يبدأ الحديث مع ابني سلسا جميلا وغالبا ما ينزلق إلى نقاش حادّ فأعود لأمارس أمومة أمّي. سألته عن يومه، قال إنّه وفي طريق عودته من المدرسة سأله أحد الطلاّب مستفزّا: مع من أنتَ؟ فأجاب: مع فلسطين، فثار الطالب وشتم غزّة وأهلها بشتائم لا أستطيعُ تكرارها، هذا ما قاله أو أنّه خجل أن يكرّرها أمامي.
سألته: وماذا قلتَ أنتَ؟
تعجّب: ماذا أجيبُ؟ قلتُ له هذا رأيك وأنت حرٌّ فيه! (مُسالما كعادته).
فثرتُ كعادتي: حرّ؟ يلعن أبوه على أبو رايو... قله يروح يتعلّم يقرا ويكتب وبعدين يحكي عن رايو! كان صوتي عاليا لفت انتباه السائقين حولي عند الإشارة الضوئيّة. تضجّر ابني وقال: شايفة ليش بحبّش أحكيلك إشي؟
تأسّفت وتداركت الأمر قبل أنْ أخسر صراحة ابني...المنقوصة أحيانا، ولكنّها تترك لي نافذة مواربة إلى عالم المراهقة الأولى أطلّ منها، أصلح ما تيسّر لي وأفسد من حيث لا أدري.
لا أعرف إذا كانت الصُدف هي التي تصنع المواقف، أم أنّني أجيدُ ربط الخيوط ببعضها لأجعل منها موقفا استثنائيّا. لقد ابتعدتُ هذه المرّة عن المقهى البرجوازيّ المعتاد لأجلس في مقهى آخر، وأكتشف أنّه أكثر برجوازيّة من السابق...أو أنّ المقاهي في تل أبيب كلّها كذلك! تقدّم القهوة بحليب الصويا وعيّنات من مأكولات هجينة في صحون عملاقة سعر الواحدة منها يساوي يوميّة عامل سوداني.
طلبت القهوة وعيّنة من فطيرة "عيد الأنوار" اليهوديّ التي يروج إعدادها وبيعها في هذا الشهر من العام، وعكفت على إعداد أسئلة لطلاّبي المشاركين في مسابقة القصّة التي تنظّمها جمعية الثقافة العربيّة...قصص وسير من فلسطين عن فلسطين، كان أسبوعا حافلا قضيته مع طلاّبي اختلطت فيه النكبة بالهزيمة واللجوء والفداء والمقاومة...حفظنا عن ظهر قلب الزمان والمكان..48 و67 و73 قبل وبعد وقُبيل...
- كيفَ يوظّف غسّان كنفاني مأساة اللجوء في نسيجه القصصيّ؟
- ما هي الرسالة الوطنيّة التي ينقلها سليمان ناطور في قصّته؟
- بماذا ارتبط مفهوم البيت عند فدوى طوقان؟
....
رفعت رأسي عن الورق أبحثُ عن أسئلة أخرى، لأوّل مرّة أتبيّن اسم المبنى أمامي ...
" بيت صهيونيّ أمريكا"... مبنى من طابق أرضي يبدو أنّه مركز ثقافيّ "بنكهة صهيونيّة أمريكيّة"، تُحاك المؤامرات في مكان آخر وهنا تغلّف بورق السلوفان الملوّن البرّاق!
التهمتُ الفطيرة. لم أنجح مرّة في أكلها دون أن " تشرشر" منها حشوة المربّى الغنيّة، وهذه المرّة سالت الحشوة على كرسيّ الخيزران ذي الطراز العربيّ المميّز، مسحته بعناية فائقة والنادلة تنظر نحوي مستغربة، بدوت غريبة عن المشهد البرجوازي أنا... وكرسيّ الخيزران ذي الطابع العربيّ!
- تتبّع رموز القمع والاحتلال في كلّ قصّة من القصص التي قرأتها، واشرح تلك الرموز.