(اتفاقيات إيفيان أعطت للأقلية الأوروبية ضمانات لبقائهم و انخراطهم في المجالس المنتخبة)
(فرنسا حولت الجزائر إلى بلد منتج للخمور لضرب سيادتها)
لقد سعى الجنرال ديغول منذ مجيئه إلى الجزائر، إلى خلق "قوّة ثالثة" قبل الإعلان عن توقيف القتال في 19 مارس 1962 و هيأ لها كل الشروط لتشكيلها و تجنيد عناصرها و دعمهم بكل الوسائل لإنجاح ما سمّاه بالاستعمار الجديد أو الحديث و هذا من أجل بقاء فرنسا إدارة و ثقافة و تكريس حضورها بقوة داخل الإدارة الجزائرية، فلجأ إلى طرق عديدة لتحقيق مشروعه، عن طريق التفاوض مع جبهة التحرير الوطني FLN و عن طريق ضبط اتفاقيات معها لضمان الشروط المساعدة لخلق القوة الثالثة داخل صفوف جبهة التحرير الوطني يكون مآلها: إما تغيير البينية الاجتماعية و الفكرية للجبهة و تحويلها إلى قوة ثالثة، و إما أن تنفصل هذه القوة عن الجبهة في حالة ما إذا تغلبت هذه القوة عن العناصر الثورية، و بالتالي تصبح القوة الثالثة بعد انفصالها عن الجبهة هي الأداة الجزائرية للاستعمار الحديث
(فرنسا حولت الجزائر إلى بلد منتج للخمور لضرب سيادتها)
لقد سعى الجنرال ديغول منذ مجيئه إلى الجزائر، إلى خلق "قوّة ثالثة" قبل الإعلان عن توقيف القتال في 19 مارس 1962 و هيأ لها كل الشروط لتشكيلها و تجنيد عناصرها و دعمهم بكل الوسائل لإنجاح ما سمّاه بالاستعمار الجديد أو الحديث و هذا من أجل بقاء فرنسا إدارة و ثقافة و تكريس حضورها بقوة داخل الإدارة الجزائرية، فلجأ إلى طرق عديدة لتحقيق مشروعه، عن طريق التفاوض مع جبهة التحرير الوطني FLN و عن طريق ضبط اتفاقيات معها لضمان الشروط المساعدة لخلق القوة الثالثة داخل صفوف جبهة التحرير الوطني يكون مآلها: إما تغيير البينية الاجتماعية و الفكرية للجبهة و تحويلها إلى قوة ثالثة، و إما أن تنفصل هذه القوة عن الجبهة في حالة ما إذا تغلبت هذه القوة عن العناصر الثورية، و بالتالي تصبح القوة الثالثة بعد انفصالها عن الجبهة هي الأداة الجزائرية للاستعمار الحديث
كانت هذه شهادات المؤرخ الجزائري محمد الميلي، قدم فيها حقائق تاريخية و شَخَّصَ فيها الوضع في الجزائر و ظروف توقيف القتال، هي عبارة عن تحليل تاريخي سياسي للكشف عن سياسة الجنرال ديغول الذي سعى إلى خلق "قوّة ثالثة"، و الطريقة التي تمت بها توقيع اتفاقيات إيفيان، فقد كانت هذه الأخيرة ( اتفاقيات إيفيان) في جانبها العملي بمثابة الإدارة النظرية التي صنعها الإستعمار الحديث بواسطة القوة الثالثة كي يضمن بها مصالحه، حيث تم توقيعها يوم 18 مارس ( آذار) 1962، أي قبل الإعلان عن وقف النار في 19 مارس 1962 ، و تضمنت اتفاقيات إيفيان بعض الضمانات للأقلية الأوروبية، تسمح لها بالاستقرار كأٌقلية و لها امتيازات خاصة منهم انخراطهم في المجالس المنتخبة و في الوظيف العمومي، و يكون لهم قانونهم الخاص يطبق في المحاكم الجزائرية مع احترام حقوقهم في الملكية دون تعرضهم لأي إجراء من شأنه أن ينزعها منهم، يقول محمد الميلي أنه هذه الضمانات التي أعطيت للأقلية الأوروبية تجعل منها "طابورا خامسا" للاستعمار الحديث و تكون مبررا لتدخله الدائم في شؤون الجزائر المستقلة، فمهمة القوة الثالثة هي أن تكون عينا لمسيري الإستعمار الحديث في باريس لإطلاعهم على كل ما يحدث في الجزائر و بخاصة المدن الكبرى ( مدينة الجزائر وهران و قسنطينة) بوصفها أكبر المدن يتواجد فيها الأوروبيون.
و لدعم القوة الثالثة تم إنشاء ما يسمى بـ: "الهيئة التنفيذية المؤقتة" و هي بمثابة حكومة مؤقتة تتولى شؤون الجزائر خلال المرحلة الانتقالية، و هذه المرحلة تفصل بين وقف القتال الذي دخل حيز التنفيذ ابتداءً من منتصف نهار 19 مارس 1962 و ين إجراء الاستفتاء و إعطاء السلطات الفرنسية الحق في ممارسة جميع الصلاحيات، أما "القوة المحلية" فهي قوة عسكرية أو بالأحرى جيش جزائري يحول مباشرة من الجيش الفرنسي مهمته الإشراف على الأمن طيلة المرحلة الانتقالية، كما نصت اتفاقيات إيفيان على احتفاظ الحكومة الفرنسية على قاعدة مرسى الكبير و عدد من المطارات العسكرية، و بقاء عدد من الجيش الفرنسي، كان عددهم في تلك الفترة حوالي 80 ألف جندي فرنسي، و هذا ما يؤكد على وجود مخطط استعماري حديث، يَحُدُّ من حرية تحرك الدولة الجزائرية الناشئة و تهديد مستمر للسيادة الجزائرية، هذا التحليل يعني أن فرنسا لم تخرج من الجزائر بل حافظت على بقائها عن طريق اتفاقات إيفيان، و فرضت سلطتها اقتصاديا عن طريق حرية انتقال و تحويل الأموال بين الجزائر و فرنسا، أما عن قضية التعويضات، فقد كانت تُحَوَّلُ سوى للفئات التي كانت أكثر احتكاكا بالإدارة الفرنسية و التي كانت تنتمي للقوة الثالثة.
و في تحليله للسياسة الديغولية يقول محمد الميلي أن فرنسا لم تقرأ حسابها بأنه يوما ما تنقلب الأقلية الأوروبية على الوضع و تعلن عن رفضها لاستقلال الجزائر، حيث وقعت أعمال إرهابية بطابع دموي خلال الفترة بين وقف القتال و بين الاستفتاء، و رغم الظروف الصعبة فقد تحرك جيش التحرير الوطني الذي كان يمثل القوة الأساسية للثورة، و استطاع كيف يُمِيُل أو يستقطبُ بعض من عناصر القوة المحلية إلى صفه و اكتساب صفة الانتماء إليه و لو في الساعة الأخيرة، و الجدير بالذكر أن اتفاقيات إيفيان مكنت من استمرار العلاقة بين الجزائر و فرنسا و الحفاظ عليها لاسيما في الجانب اقتصادي، بما فيها ميدان المحروقات و لضرب السيادة الجزائرية، حولت فرنسا الجزائر إلى بلد منتج للخمور، حسب التقرير كانت الخمور تمثل 26 بالمائة من نسبة الصادرات الجزائرية نحو فرنسا ، و كانت الخمور في الجزائر تأتي في المرتبة الثانية بعد البترول، و في جانفي (يناير) 1964 طلبت فرنسا من الجزائر تخفيض نسبة كميات الخمر الجزائرية المصدرة لها بنصف مليون هكتوليتر كل سنة، إلا أنها حافظت على الاستمرار في استيراد البترول من الجزائر، و أبرم في هذا الشأن اتفاق في صيف 1965 لاستغلال المحروقات الجزائرية و البحث عن البترول في الجزائر لمدة 15 سنة في إطار التعاون الفرنسي الجزائري، لكن هذا الاتفاق لم يستمر، حيث أصبح بعد ذلك عامل توتر و صدام خلق أزمة بترولية بين الجزائر وفرنسا، انفجرت عندما تفطنت الجزائر بأن استغلال فرنسا للمحروقات و تمركزها في حقول الجزائر البترولية يساعد في تحقيق الرفاهية الفرنسية، فبدأت تتحرك لتخليص قطاع المحروقات من الهيمنة الفرنسية و حماية أمنها الإقتصادي.
علجية عيش