أ. د. عادل الأسطة - الطاهر وطار وأدب المقاومة

لا أدري لماذا استبدت بي الرغبة لقراءة المجموعة القصصية للروائي الجزائري " الطاهر وطار": " الطعنات".
الطاهر وطار روائي قرأته منذ العام 1977 إذ التفتت إليه دور النشر الفلسطينية في القدس وعكا ورام الله. أعادت دار نشر صلاح الدين طباعة " اللاز" و" عرس بغل" و" الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وطبعت له دار الأسوار " الزلزال" أما دار الكاتب فأعادت طباعة " الطعنات". وفيما بعد، في 90 ق20، ستعاد طباعة بقية أعماله ومنها تجربة في العشق".
في 70 ق20 كنت أدرس في مدرسة العقربانية في الغور وكان من زملائي الكاتب المسرحي محمد كمال جبر، وغالباً ما كنا نتأخر في المدرسة لنناقش عملاً أدبياً ما، وكان من الأعمال التي ناقشناها قصة " رمانة" من مجموعة " الطعنات". راقت لنا القصة التي تندرج تحت "أدب المقاومة" بكل معنى الكلمة، وربما أسهمت القصة في حياة محمد كمال الذي كان شجاعاً في حياته الخاصة.
بين فترة وفترة أعود إلى " الطعنات" وقصة " رمانة" وحين يسألني الناس في شأن خاص، عن امرأة ارتبطت بها وانفصلنا.
أتذكر إحدى عبارات " الطعنات": " لا تسأل عن امرأة طلقتها"، وهذا ما أفعله، فلم أسأل ابنتي "إطلاقاً عن أمهما وحياتها. هل هذا كله بتأثير العبارة التي وردت في قصة وطار أم أنه بتأثير رواية روسية هي " شجيرتي ذات منديل أحمر" لـ (جنكيز ايتماتوف)؟
أيا كان الأمر فإن الأدب الذي قرأناه في 70 ق20 ترك أثراً فنياً، وربما تقليداً لبعض شخصيات الروايات والقصص تعرفنا أحياناً. مؤخراً نصحت الكاتبة الأردنية لانا المجالي بقراءة رواية ( ايتماتوف). كانت لانا أعجبت برواية " جميلة" للكاتب نفسه، فأخبرتها أنني قرأتها قبل 40 عاماً، واقترحت عليها أن تقرأ " شجيرتي ذات...".
من معطف الأدب المقاوم خرجنا، وما زلت أحتفظ بكتب كثيرة منه.
مرة زارني القاص زياد خداش، فعرضت عليه أن يقرأ مجموعة الكاتبة الألمانية ( آنا زيغرز) " المخربون"، وهي تنتمي أيضاً لأدب المقاومة. سألني زياد: هل هذه من الأدب إياه؟ ـ أي الذي أنا معجب به، فأجبته: نعم، فأعرض عنها.
الآن أنظر في كتابات كتّاب كثر، من الجيل الجديد، فأرى إعراضهم عن أدب المقاومة، وازورارهم عنه. إنهم يكتبون ذاتهم.
وأنا أكتب عن "جريمة في رام الله" تذكرت قصائد محمود درويش، ومنها "سجّل أنا عربي" و"عابرون في كلام عابر" و"نزل على بحر". ولاحظت الفرق بين أدب المقاومة وأدب الثورة وبين الأدب الذي يكتب حالياً. كان درويش ينطق باسم شعبه، لا باسمه الشخصي، وكان يعبر عن معاناة الفلسطينيين، وهو واحد منهم. كانت الذات تندمج في المجموع: اخرجوا من برنا، لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد... إلخ، أما أبطال "جريمة في رام الله" فيعبرون عن تجارب ذاتية فردية، وهي تجارب تتشابه مع تجارب كثيرين في مدن العالم وعواصمه، تتفقد خصوصيتها الفلسطينية.
حتى الشعر الذي يكتبه شعراء حازوا على جائزة محمود درويش يفتقد إلى الخصوصية الفلسطينية، وغالباً ما يبدو شعراً هلامياً لا تستطيع القبض عليه.
هل تعكس نصوص أدباء ما بعد 2007 ما صرنا إليه؟ هل هي التعبير الحقيقي عن المرحلة؟ وهل غدا أدب المقاومة ضرباً من الماضي؟ هل غدا أدباً لا يقرأ لأن المقاومة ما عادت كما كانت؟
وأنا أقرأ أدب الطاهر وطار أتذكر أدب المقاومة وأحيانا ينتابني حنين إليه، أعود فأقرؤه. لعلّه الحنين أو أنني غير قادر على الخروج من الماضي. لعلّني!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى