عنفوان فؤاد - إضاءة على نص الهايبون: (هذا الكون لنا) للشاعر العراقي: علي القيسي

( هذا الكون لنا) بكل أنانية يستهل الهايجن (الهايكيست) نصه الهايبون، بحب التملك، والبقاء مع نصفه ضد جموعه، كيف لا، فهو على صواب العشق إذن لن يخيب ظن قلبه قط. كما نعلم القاعدة العشقية مفادها أن للعاشق ماليس لغيره.
لو بيده لاقتسم الكون مشاطرة بينه والمحبوب لينعما بسرمدية العشق.

"فالعشق هو تلك الرحلة التي تأخذك من نفسك إلى نفسك" وحسبنا أن العاشق نفسه ليست ملكه ولن تكون.

يستأنف الهايجن اعترافه موضحاً لنا اكتشافه -في لحظة استغراق- أن الحبيب مقدس بل على مقاس الآلهة..
بمن يا ترى قارن هذا الحبيب!؟
ومن غيرها! إنها (عشتار) آلهة الحب والحرب والخصب يقابلها لدى السومريين (إنانا) والهايجن كما نعلم عراقي سومري يقدم الولاء العشقي لآلهته إنانا.

ثم يأتي مرة أخرى ليتهم الإله (زيوس) بالغيرة إذ لا يتوقف عن تعطيل اللقاء، كيف لا وهو إله الأرض والسماء فهذا كفيل بتآمرهما ضد رغبته في الوصول وتحقيق مراد اللقاء.

إلا أنه لا يبالي بالمخاطر وهو على أتم الاستعداد لإتلاف روحه مقابل الفوز بلقاء آخر وأخير، فهو على نهج العشاق مغامر متبعا صوت الهلاك القائل:
(ألق نفسك في نهر العشق حتى وإن كان نهراً من الدماء).

ليس هذا فحسب فهو لم يستثني هادم اللذات من التهمة ويصفه كيف كان يتعقب أثرهما ويشم ريحهما من الإسفلت.

ثم يتساءل على مرأى من أذان المتحرك والثابت قائلاً:
(ماذا لو علم اللهُ أنني احتفظُ بكلّ مقاساتِ عناقك
وأن أثر شفاهِك ما يزالُ موشومًا
على ظهري)
أنى للهايجن قياس خصر العناق!
وأيّ جلد استحال إلى لوحة تحتفظ بعضة آخر لقاء!

لم يتوقف عند هذا الحد، بل يكشف لنا عن طراوة المسافة التي عجنتها خطواته جيئة وذهابا،
وأن الحبيبة هي مصدر الحياة والخصوبة والانبعاث، من بئرها تنفجر مياه الحياة ويسقى بوار الانتظار...
يا لتعداد قلب العاشق، يا لجشع لهفته التي تصبح بأذرع أخطبوط تود احتضان الهواء والماء كي تبلغ هالة الحبيب.

فالهايجن لم يختتم نص الهايبون بهايكو واحد كما هو معمول به، في ظاهره التنظيري، والتراتبي، بل جعله على شكل عقد أخضر، بل قل، عريشة ياسمين تنطلق من تربة القلب، لتتسلق تلك الجدران، إنه الحبيب الملتاع باللهفة والشوق، المزدحم بما يقال وما لا يقال.

هاهو يتفرغ لغربلة رمال الصحراء وضمها ليتذكر الحبيبة بكل حبة
إذ يقول:
(هذه الصحراءُ لي
أتذكركِ بكل
حبةٍ)

يأتي هنا أيضاً يفاجئنا بإمكانية طي وفرد السماء كملاءةِ سرير مستعينا بتقنية المقابلة بين ضدين
فيقول:
(هذا الأفق لي
افردي طرفكِ
كملاءةِ السرير)

في هذا النص نجد أنه استعان بكيمياء الخيال إذ يقول:
(هذا البحرُ لي
افتعلي اتسونامي
بإصبَعكِ)

يعود الهايجن مرة أخرى يدخلنا في مباهج ملكوته، مستعيناً بعصا سحرية تمكنه مما يشاء فيقول:
(هذه السماء لي
كوني الهندباءَ
وتعالي)

نعم وحدها الهندباء ببعثرتها نعرف جهة ووجهة الريح، لكن بعين العاشق تتجمع بعثرتها في سماء قلبه.

▪▪▪

(*) هنا نص الهايبون

.

((هذا الكون لنا
.
تبينَ لي أنكِ مقدّسَة جدًا .. على مقاسِ الآلهة .. وأن الربّ يغارُ عليك جدًا .. وأنّه يؤاخذني على نيّة اللقاء..
فكلما تواعدنا تختلطُ الأرض بالسماءِ ويموت الثلجُ في ألاسكا .. آخر مرة حينَ التقينا خلسةً عن عيون العسس جالَ الموت سبعةَ أيام في الطرقات .. يشمشمُ أثر خطواتِنا على الأسفلت ..
ماذا لو علم اللهُ أنني احتفظُ بكلّ مقاساتِ عناقك وأن أثر شفاهِك ما يزالُ موشومًا على ظهري وأن مسافة الولوج إليك ِ ما تزالُ نديةً عليَّ وأنا أجرّ الماء من بئركِ .. لأسقيَ جداولَ الربيع ..
هذه الصحراءُ لي
أتذكركِ بكل
حبةٍ

هذا الأفق لي
افردي طرفكِ
كملاءةِ السرير

هذا البحرُ لي
افتعلي اتسونامي
باصبَعكِ

هذه السماء لي
كوني الهندباءَ
وتعالي

هذا الشغفُ لي
أوزّعُه سلال َ
عشقٍ))

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى