ككل صباح أعود من موتي مبكرا، أفتح عيني وأحرص ألاّ أفركهما كما كنت أفعل وأنا طفل، أخاف أن أصدر صوتا فأبعثر ببلاهة لوحاتي، ولن تلهيني أيضا قطتي الشقية حين تلبد تترقب حركة يدي، ولن تجذبني قرون الشمس المتسللة من نوافذ الشباك، ولن يهزني تغريد العصفورة الحمراء على حافة الجدران المقابلة، حتى أزيز أبواب شقق الجيران لن ينال من انتباهي مثقال لفتة، من الضروري جدا أن أهمل كل شيء، هكذا تعودت وأنا أستعد كي أقرأ موناليزتي وأتغلغل في كل لوحة من تشكلاتها.!
ما أبدعك أيها النوم حين تحطك أجنحة الظلام في غرفتي، تسرق مني فرشاتي وألواني، وبما تتقن من عفوية تطرح موضوعا جديدا ثم تمضي قبل أن تُؤذن الشمس لحياة أخرى.. ينجلي الليل ككل صباح باكر فأغنم ما أشاء من لوحات لا تشبه لوحات صباح البارحة ولا لوحات الصباح الذي قبله، ولا كل الصباحات التي سبقت منذ أن وضعتُها وحدها تملأ غرفتي معرضا بديعا ما أتى به زمان.!!
اللوحة الأولى:
شَعرها حكاية طويلة وضعتني في لعبة سحرية، هل أقرأ شَعرها الذي انتشر كالحبر على الوسادة البيضاء ثم انساب عبر حواشيها أم أقرأ الشكل الذي تبقى من بياضها.؟
اللوحة الثانية:
خصلة الشعر على بياض جبهتها فاصلة منحتني فرصة لأسترد أنفاسي، وأحالت إلي نصا جميلا لا يقرؤه إلا من له قدرة على تحمل النظر إلى الشمس، وله قدرة أيضا على استنباط اللوحات الكامنة في مجرد البياض.
اللوحة الثالثة:
اتخذت عينها مكانا لائقا أسفل قوس حاجبها، أهدابها استقامت وعندما اصطدمت بحرارة خدها التوت إلى الأعلى، يبدو لي أن قطرة الندى إذا انحدرت ثم وجدت محيطا فلا يتركها تنساب إلى أيّة جهة أخرى، فما عليها إلا أن تجف وسط السواد القاتم كي تتحول بخارا ثم تعود من حيث جاءت.! الجديد أن عينها لوحة مكررة بجميع التفاصيل في سابقة لم تعهدها تقاليد المعارض الفنية، تكرار يشحنني صبرا خرافيا كي أستكمل ما تبقى من اللوحات في شراهة عجيبة.!
اللوحة الرابعة:
قُبلتي كالفراشة تلعب بين شفتيها وبصيص الضوء، تود لو تحط على شفتيها لتأكل شيئا من رحيقها، لكنني حبستها تحت الغطاء حتى لا تُفسد متاع اللوحة، فظلت تتخبط حتى جفت على شفتي وماتت في لعابي، أما قلبي فقد ازداد خفقا لأنها لوحة لا تكتفي بمجرد المشاهدة.!
اللوحة الخامسة:
وقفت عند هذه اللوحة فوجدت نفسي أميا، أو أن سحرا ما عبث بوعيي، فمن المفروض أن جيدها يحجب عن رؤيتي الجزء الأوسط من الضلع الرابع للوسادة، لكنني رأيت الضلع مكتملا لا ينقصه شيء، رأيت ذلك عندما جمعت في بصري كل العناصر البيضاء جملة واحدة: الوسادة وجيدها والرداء الذي تفترشه، عندما حددت موضوعي قلت لو أن قطرة الندى تلك تدحرجت إلى فمها لما وجدتُ صعوبة في تتبع مسارها حتى يضيفها البلور إلى بهو صدرها.
دق المنبه اللعين فقفزت قطتي إلى يدي، وانتشر أزيز أبواب الجيران، واكتسحت الشمس كل مساحة الغرفة فوجدت نفسي مجبرا على المرور سريعا إلى اللوحة الأخيرة:
اللوحة الأخيرة:
وهي تسير ناحية المطبخ لمحت في مقدمة قدميها عشرة عصافير، كانوا يسيرون أماها بخيلاء في مجموعتين خمسة خمسة، وكل عصفور يحمل في منقاره واحدة من فاكهة حَبّ الملوك، أغلقت المعرض وسلّيت سيف يقظتي وقتلت الملوك جميعا، استغنيت عن قهوة الصباح وعدت إلى فراشي.. بعثرت كل اللوحات وعندما بدت لي كالحلوى عاودت فأغلقت الشباك وأكلت الحلوى وكل ما تحمله عصافيرها من فاكهة.
[SIZE=6]عبد الباقي قربوعه[/SIZE]
ما أبدعك أيها النوم حين تحطك أجنحة الظلام في غرفتي، تسرق مني فرشاتي وألواني، وبما تتقن من عفوية تطرح موضوعا جديدا ثم تمضي قبل أن تُؤذن الشمس لحياة أخرى.. ينجلي الليل ككل صباح باكر فأغنم ما أشاء من لوحات لا تشبه لوحات صباح البارحة ولا لوحات الصباح الذي قبله، ولا كل الصباحات التي سبقت منذ أن وضعتُها وحدها تملأ غرفتي معرضا بديعا ما أتى به زمان.!!
اللوحة الأولى:
شَعرها حكاية طويلة وضعتني في لعبة سحرية، هل أقرأ شَعرها الذي انتشر كالحبر على الوسادة البيضاء ثم انساب عبر حواشيها أم أقرأ الشكل الذي تبقى من بياضها.؟
اللوحة الثانية:
خصلة الشعر على بياض جبهتها فاصلة منحتني فرصة لأسترد أنفاسي، وأحالت إلي نصا جميلا لا يقرؤه إلا من له قدرة على تحمل النظر إلى الشمس، وله قدرة أيضا على استنباط اللوحات الكامنة في مجرد البياض.
اللوحة الثالثة:
اتخذت عينها مكانا لائقا أسفل قوس حاجبها، أهدابها استقامت وعندما اصطدمت بحرارة خدها التوت إلى الأعلى، يبدو لي أن قطرة الندى إذا انحدرت ثم وجدت محيطا فلا يتركها تنساب إلى أيّة جهة أخرى، فما عليها إلا أن تجف وسط السواد القاتم كي تتحول بخارا ثم تعود من حيث جاءت.! الجديد أن عينها لوحة مكررة بجميع التفاصيل في سابقة لم تعهدها تقاليد المعارض الفنية، تكرار يشحنني صبرا خرافيا كي أستكمل ما تبقى من اللوحات في شراهة عجيبة.!
اللوحة الرابعة:
قُبلتي كالفراشة تلعب بين شفتيها وبصيص الضوء، تود لو تحط على شفتيها لتأكل شيئا من رحيقها، لكنني حبستها تحت الغطاء حتى لا تُفسد متاع اللوحة، فظلت تتخبط حتى جفت على شفتي وماتت في لعابي، أما قلبي فقد ازداد خفقا لأنها لوحة لا تكتفي بمجرد المشاهدة.!
اللوحة الخامسة:
وقفت عند هذه اللوحة فوجدت نفسي أميا، أو أن سحرا ما عبث بوعيي، فمن المفروض أن جيدها يحجب عن رؤيتي الجزء الأوسط من الضلع الرابع للوسادة، لكنني رأيت الضلع مكتملا لا ينقصه شيء، رأيت ذلك عندما جمعت في بصري كل العناصر البيضاء جملة واحدة: الوسادة وجيدها والرداء الذي تفترشه، عندما حددت موضوعي قلت لو أن قطرة الندى تلك تدحرجت إلى فمها لما وجدتُ صعوبة في تتبع مسارها حتى يضيفها البلور إلى بهو صدرها.
دق المنبه اللعين فقفزت قطتي إلى يدي، وانتشر أزيز أبواب الجيران، واكتسحت الشمس كل مساحة الغرفة فوجدت نفسي مجبرا على المرور سريعا إلى اللوحة الأخيرة:
اللوحة الأخيرة:
وهي تسير ناحية المطبخ لمحت في مقدمة قدميها عشرة عصافير، كانوا يسيرون أماها بخيلاء في مجموعتين خمسة خمسة، وكل عصفور يحمل في منقاره واحدة من فاكهة حَبّ الملوك، أغلقت المعرض وسلّيت سيف يقظتي وقتلت الملوك جميعا، استغنيت عن قهوة الصباح وعدت إلى فراشي.. بعثرت كل اللوحات وعندما بدت لي كالحلوى عاودت فأغلقت الشباك وأكلت الحلوى وكل ما تحمله عصافيرها من فاكهة.
[SIZE=6]عبد الباقي قربوعه[/SIZE]