أغلقت الباب خلفي وانصرفت .. مشيت في الاتجاه الآخر أمد الخطى منتصبة القامة كما لم تكن قامتي منتصبة يوما.. استنشقت الهواء النقي الذي مضى زمن لم يملأ صدري ، ورحت استضئي بنور الشمس التي غابت عن وجهي أمدا سرت في جسدي قشعريرة أشعرتني انني مازلت أحيا وتسللت رغبة البقاء إلى روحي التي أتعبتها الأعوام والسنون التي جثمت فيها على صدري ، وأنا أقف عند قدميك أقدم لك ولائم الطاعة ، وأرتب لك مواعد الاشتهاء تحترق حدائق عمري كل مرة تلجها ، وتذبل الزهرات التي تستنشقها ..كانت أنفاسك فتيل حريق يذيب الشمعة في ، وأنا هناك استظل بركن الزاوية أحلم بزهرة تتفتح في صدري يوما تكون
بداية عمر جديد تمضي السنوات وتمضي قطارا يمخر عباب حياتي التي فرغت الامن صوتك الذي يأتي من مساء إلى مساء ، يزمجر في وجهي وأنت تبتسم ، وأنت تنتقي أرق الكلمات لتهدهدني وأنام دهرا ، وقد نسيت الحلم الذي في صدري صباحا عندما أنظر في المرآة ينكسر وجهي أمامي ، وتتفتت ابتسامتي التي ظللت أرسمها على وجهي لأخبئ الحزن الذي تعرش أشجاره في صدري حتى تكاد أغصانها تخنق صوتي ، ولا أعود استطيع الكلام فأنكفيء على ذاتي المتعبة .. أسبح بنظراتي الشاردة في هذا البيت الواسع ، أخالني كما ذلك الشاعر الواقف على الطلل أقبل الجدار ، وذا الجدار ، وأهيم في ساحة الدار أنقر بعيوني الأشياء ، والأمكنة ..أناجي الحلم المبعثر في أعماقي ، فتدمع عيني ، عندها ألملم ذاتي المتشظية ، استجمع أنفاسي الضائعة بين سحب ما
مضى وما سيأتي وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار
إيه يا قيس ! مضت القرون ، ومازال شعرك النابض فينا نعيشه ..
أراك وأنت تهيم على وجهك في تلك الفيافي ولا من يسمع صوتك إلا صوتك ، ورجع صدى الصحراء يملأ صدرك .. فحيح الرمل يحاصر سمعك ، وأنت تشكوها حبك وهيامك ، ورحلة الفقدان فيك كنت وحدك تقاوم ريح الصحراء .. تحاول أن تستدرجها إليك لتأخذك بعيدا عن الزمان ، والمكان لعلك تنسى الحب الذي سكن الفؤاد ، وما أراد إلا أن يكون فيه أو لعلها ترق لشعرك ، وتأتي بحبيبتك إليك فتهدأ روحك وتستكين ذات فتنقطع عن الهجير.. كنت تحلم ، وتحلم … وأنا حلمت طويلا في هذا البيت الواسع المؤثث بأفخر الأثاث وأفخم الأفرشة .. أقلب نظراتي في قطعة البهية التي
انتقيتها بعناية كماهي عادتك لكل قطعة ذكرى تسكنني .. تمثل أمامي .. آراها .. أحدثها عن لحظة اللقاء بها .. أحكي لها عن مدينتها .. عن موطنها عن تاريخها .. أصف لها اليد التي صنعتها وأقص لها شغفي بها فجئت بها لتكون بقربي تزين عالمي الصغير تمضي السنون .. أراك تمد الخطى نحوي ، تضع حلمي في كفك ، وتخبئه بعيدا عن بصري حتى لا أرى سوى هذه القطع التي صرت منها.
أقلب بصري في السقف .. في الجدران.. أسمع صوت أمي .
أحرصي على بيتك ، كوني العين الساهرة لزوجك ، إنه لا ينقصه شيئ ، وهو يحبك .. ستعيشين كما الملكات وأنا يا أمي سحرني كلامه، وهمت به فلم أعد أرى سواه آه يا أمي كم كانت وصاياك غالية ! أين أنت الآن لتسمعي أنين روحي ؟ آه يا أمي !كم كنت طفلة مطيعة لك وله ! أين أنت الآن لترينني تحفة في هذا البيت الواسع ، وحده ذلك العصفور الذي احضرته من مدينة العشاق فنيسيا يؤنسني .. يذكرني أنني أسمع ، وأرى ، ولي قلب يرق وقد يقسو ، ولست قطعة أثرية تزين المكان ، وتبعث
السعادة في نفس هواء مالكها هذا الصباح يا أمي أطلقت سراح العصفور الذي رافقني أعواما ، دمعت عيني وأنا أفتح له القفص ، والنافذة لكن قلبي غمرته الفرحة وأنا أراه يحلق بعيدا يستنشق هواء الحرية ليتني كنت امتلك هبة الرسم لشكلته في لوحة خالدة وهو يرفرف عاليا مبتهجا بنور الشمس ، فرحا بالفضاء الفسيح أشعر الآن بالسعادة التي كانت تملأ قلب دافنشي ، وهو يطلق سراح طيوره .. يرقب حركاتها ، ويستشعر فرحها ألوانا لا تموت في لوحاته التي كتب لها البقاء لأنها كانت طالعة من.
القلب ألوانها دم الروح كم مرة يا أمي كنت انتبه للخادمة ، وهي ترمقني بنظراتها الحزينة في صمت لا يكاد يغادرها ، كنت أحس وهي التي فقدت زوجها ، وتسعى في الأرض لتطعم أولادها من عرقها النازف أنها تشفق علي أنا الغارقة في الرفاه. قبل عام حركني كلامها ، وهي تغادر البيت ذات مساء شتوي بارد.. نظرت إلي مليا وبصوت أجش تكاد الدموع تخنقه قالت لي :
- انتبهي إلى نفسك ، لاتتركي العمر يضيع من بين يديك ، ولا تصدقي كل ما يقال
ما سألتها ماذا تعني ، وماذا تريد أن تفهمني وكأني كنت خائفة من الإجابة ، وما عادت هي لمثل ذلك الكلام مرة أخرى.
الآن أدركت أنها هي المرأة البسيطة المطوقة بالتعب كانت تعرف ما لا أعرف ، وتدرك ما غاب عني سنينا عددا ، وأنا مدثرة بحلو الكلام ، أحادث أيقونات المكان كان يقول : انتظري .. اصبري ، ما حان الوقت بعد ، أمامي مشاريع سأنجزها ، وبعدها سأتفرغ لك ، وللأولاد .. ونكون معا . لا أريد أن أنجب أولادا يكبرون على الشوق إلي ، ولهفتي إليهم ، لا أريد أن أتركك تشقين وتتعبين وحدك كنت التف بعباءة كلامه الحلو ، واستغرق في الحلم اوحدي مرتشفة سنوات الإنتظار تلك العباءة تمزقت ، وانكسرت الأحلام في صدري وأنا أراك تمد الخطى نحوي .. اقترب نحوك .. لا تراني كما الظل كنت .. كما الغمام .. استدرت وما رأيتني .. كنت مزهوا بما تمسك يدك .. لا ترى إلا ما في يدك ، ولا تسمع إلا صوتا يطلع من بين يديك يناديك : أبي !
ابتعدت خطوات وأنا أتعثر بقدمي اللذين أتعبهما المسار .. ضجيج الشارع اختفى ، واختفى كلامك من صدري ، ما عدت أسمع إلا صوتا قادما من الأعماق صارخا في : أمي !
َ
َ
* قاصة من الجزائر
بداية عمر جديد تمضي السنوات وتمضي قطارا يمخر عباب حياتي التي فرغت الامن صوتك الذي يأتي من مساء إلى مساء ، يزمجر في وجهي وأنت تبتسم ، وأنت تنتقي أرق الكلمات لتهدهدني وأنام دهرا ، وقد نسيت الحلم الذي في صدري صباحا عندما أنظر في المرآة ينكسر وجهي أمامي ، وتتفتت ابتسامتي التي ظللت أرسمها على وجهي لأخبئ الحزن الذي تعرش أشجاره في صدري حتى تكاد أغصانها تخنق صوتي ، ولا أعود استطيع الكلام فأنكفيء على ذاتي المتعبة .. أسبح بنظراتي الشاردة في هذا البيت الواسع ، أخالني كما ذلك الشاعر الواقف على الطلل أقبل الجدار ، وذا الجدار ، وأهيم في ساحة الدار أنقر بعيوني الأشياء ، والأمكنة ..أناجي الحلم المبعثر في أعماقي ، فتدمع عيني ، عندها ألملم ذاتي المتشظية ، استجمع أنفاسي الضائعة بين سحب ما
مضى وما سيأتي وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار
إيه يا قيس ! مضت القرون ، ومازال شعرك النابض فينا نعيشه ..
أراك وأنت تهيم على وجهك في تلك الفيافي ولا من يسمع صوتك إلا صوتك ، ورجع صدى الصحراء يملأ صدرك .. فحيح الرمل يحاصر سمعك ، وأنت تشكوها حبك وهيامك ، ورحلة الفقدان فيك كنت وحدك تقاوم ريح الصحراء .. تحاول أن تستدرجها إليك لتأخذك بعيدا عن الزمان ، والمكان لعلك تنسى الحب الذي سكن الفؤاد ، وما أراد إلا أن يكون فيه أو لعلها ترق لشعرك ، وتأتي بحبيبتك إليك فتهدأ روحك وتستكين ذات فتنقطع عن الهجير.. كنت تحلم ، وتحلم … وأنا حلمت طويلا في هذا البيت الواسع المؤثث بأفخر الأثاث وأفخم الأفرشة .. أقلب نظراتي في قطعة البهية التي
انتقيتها بعناية كماهي عادتك لكل قطعة ذكرى تسكنني .. تمثل أمامي .. آراها .. أحدثها عن لحظة اللقاء بها .. أحكي لها عن مدينتها .. عن موطنها عن تاريخها .. أصف لها اليد التي صنعتها وأقص لها شغفي بها فجئت بها لتكون بقربي تزين عالمي الصغير تمضي السنون .. أراك تمد الخطى نحوي ، تضع حلمي في كفك ، وتخبئه بعيدا عن بصري حتى لا أرى سوى هذه القطع التي صرت منها.
أقلب بصري في السقف .. في الجدران.. أسمع صوت أمي .
أحرصي على بيتك ، كوني العين الساهرة لزوجك ، إنه لا ينقصه شيئ ، وهو يحبك .. ستعيشين كما الملكات وأنا يا أمي سحرني كلامه، وهمت به فلم أعد أرى سواه آه يا أمي كم كانت وصاياك غالية ! أين أنت الآن لتسمعي أنين روحي ؟ آه يا أمي !كم كنت طفلة مطيعة لك وله ! أين أنت الآن لترينني تحفة في هذا البيت الواسع ، وحده ذلك العصفور الذي احضرته من مدينة العشاق فنيسيا يؤنسني .. يذكرني أنني أسمع ، وأرى ، ولي قلب يرق وقد يقسو ، ولست قطعة أثرية تزين المكان ، وتبعث
السعادة في نفس هواء مالكها هذا الصباح يا أمي أطلقت سراح العصفور الذي رافقني أعواما ، دمعت عيني وأنا أفتح له القفص ، والنافذة لكن قلبي غمرته الفرحة وأنا أراه يحلق بعيدا يستنشق هواء الحرية ليتني كنت امتلك هبة الرسم لشكلته في لوحة خالدة وهو يرفرف عاليا مبتهجا بنور الشمس ، فرحا بالفضاء الفسيح أشعر الآن بالسعادة التي كانت تملأ قلب دافنشي ، وهو يطلق سراح طيوره .. يرقب حركاتها ، ويستشعر فرحها ألوانا لا تموت في لوحاته التي كتب لها البقاء لأنها كانت طالعة من.
القلب ألوانها دم الروح كم مرة يا أمي كنت انتبه للخادمة ، وهي ترمقني بنظراتها الحزينة في صمت لا يكاد يغادرها ، كنت أحس وهي التي فقدت زوجها ، وتسعى في الأرض لتطعم أولادها من عرقها النازف أنها تشفق علي أنا الغارقة في الرفاه. قبل عام حركني كلامها ، وهي تغادر البيت ذات مساء شتوي بارد.. نظرت إلي مليا وبصوت أجش تكاد الدموع تخنقه قالت لي :
- انتبهي إلى نفسك ، لاتتركي العمر يضيع من بين يديك ، ولا تصدقي كل ما يقال
ما سألتها ماذا تعني ، وماذا تريد أن تفهمني وكأني كنت خائفة من الإجابة ، وما عادت هي لمثل ذلك الكلام مرة أخرى.
الآن أدركت أنها هي المرأة البسيطة المطوقة بالتعب كانت تعرف ما لا أعرف ، وتدرك ما غاب عني سنينا عددا ، وأنا مدثرة بحلو الكلام ، أحادث أيقونات المكان كان يقول : انتظري .. اصبري ، ما حان الوقت بعد ، أمامي مشاريع سأنجزها ، وبعدها سأتفرغ لك ، وللأولاد .. ونكون معا . لا أريد أن أنجب أولادا يكبرون على الشوق إلي ، ولهفتي إليهم ، لا أريد أن أتركك تشقين وتتعبين وحدك كنت التف بعباءة كلامه الحلو ، واستغرق في الحلم اوحدي مرتشفة سنوات الإنتظار تلك العباءة تمزقت ، وانكسرت الأحلام في صدري وأنا أراك تمد الخطى نحوي .. اقترب نحوك .. لا تراني كما الظل كنت .. كما الغمام .. استدرت وما رأيتني .. كنت مزهوا بما تمسك يدك .. لا ترى إلا ما في يدك ، ولا تسمع إلا صوتا يطلع من بين يديك يناديك : أبي !
ابتعدت خطوات وأنا أتعثر بقدمي اللذين أتعبهما المسار .. ضجيج الشارع اختفى ، واختفى كلامك من صدري ، ما عدت أسمع إلا صوتا قادما من الأعماق صارخا في : أمي !
َ
َ
* قاصة من الجزائر