يوم قائظ على البلاج . مئات العراة من الجنسين ومن مختلف الطبقات والأعمار ، فى لهو ولعب وسباحة وغرام والتحام ، تحت الماء وفوق الماء أو داخل الكبائن المغلقة ، ومنهم من ينهمكون بداخل هذه الكبائن فى عقد صفقات مريبة ، أو يمارسون خيانات زوجية ، ومن وراء البلاج سور حجرى شاهق الارتفاع يفصلهم عن المدينة المكتظة بالبشر وما يحملونه من صراعات وهموم ، ولا يمكن لمرتادى البلاج الغارقين فى شئونهم وملذاتهم أن يطلوا على المدينة إلا من فتحات صغيرة كشقوق طولية قرب حافة السور ، لكن هيهات الوصول إليها.
فجأة يظهر فى السماء ضوء مبهر يخطف الأبصار من مسافات شاهقة، يتكشف تدريجيا عن جسم صغير جدا يلمع وينطفئ ثم يعاود الظهور .. فى البداية حسبوه طائرة بعيدة ، وعندما بدأ يقترب ببطء وغموض من الأرض والبحر، بغير صوت وبلا ملامح واضحة تدل على كنهه ، بدأت الحركة على الشاطئ تتوقف ، والعيون تصوٌَب إلى السماء، مدفوعة بحب الاستطلاع وهى تقاوم وهج ضوء الشمس مع قليل من الدهشة ، لكن عندما اختفى "الشىء" المجهول عن أنظارهم عادوا إلى ما كانوا فيه ونسوا أمره ، وما هى الا دقائق حتى عاد إلى الظهور وتجلى أكثر قربا ولمعانا ، وبملامح أكثر وضوحا ، حتى أمكنهم رؤية زوائد معدنية كالنصال الحادة تحيط بجسمه بلمعان مخيف كأسلحة مسنونة لم يروا مثلها فى حياتهم، والجسم الغريب يدور حول نفسه كالبرٌِيمة الخرافية.
هذه المرة تجمدوا فى أماكنهم مثل كادر سينمائى توقف عند مشهد معين ، ثم دبت فيه الحركة محمومة ، وتعالت الأصوات ملتاثة وتصاعدت تباعا متدرجة من الخوف الى الفزع الى الرعب إلى الهلع كلما اقترب " الشىء" من الأرض ، حتى بدا جسمه شديد القرب منهم كهدف لا يحيد عنه ، تفرقوا فى جنون باحثين عن ملجأ يحميهم ، او مندفعين الى البحر ليغطسوا فيه ، أو نحو الكبائن المغلقة يقتحمونها على من ينغمسون بداخلها فى شهواتهم ، فيخرج هؤلاء مصعوقين بالعار يلملمون قطع ملابسهم الداخلية ويسترون بها عوراتهم ، لكن الملأ المتزاحم لا تعنيه فضيحتهم بل كان كل همهم النجاة بأنفسهم... وتتعالى الصرخات و تتعثر الأقدام وتسقط الأجساد فوق بعضها البعض ، يختلط فيها الرجال والنساء والأطفال وتدوسهم الأقدام بغير اكتراث ، حيث لا يعنيهم إلا اتقاء لحظة الهول العظيم عند هبوط"الشىء" حاملا الموت اليهم بدون استثناء ، وقد تجلى أمامهم أسود قبيحا بشعا شديد الضخامة حتى احتجب ضوء الشمس وعم الظلام ، فتراءى ككائن انفلت من الجحيم . ومن لم يستطع الفرار الى البحر او الاختباء داخل الكبائن دفن رأسه فى الرمال متوهما النجاة.
وفجأة يعم صمت رهيب ويعود ضوء الشمس، فيتسلل المختبئون بالكبائن الى الشاطئ ، أو يرفعون رؤوسهم من تحت الرمال او من موج البحر رويدا رويدا ، وتدب الحياة فيهم من جديد فرحين بالنجاة مع كثير من الحذر والتوجس ...وفى محاولة لمعرفة حقيقة ما حدث بالمدينة خلف السور الشاهق ، يشكلون بأجسامهم سلالم عمودية ، بوقوف شخص فوق كتفى الآخر ، ويتزايدون صاعدين فى طوابق حتى يبلغ آخرهم إحدى فتحات السور الضيقة كمزاغل الرماةفى قلعة عتيقة ، ومن هناك يرى جثثا لأشخاص متناثرين فى المتنزه المقابل للسور، فى أوضاع لا يتضح منها ما إذا كانوا قتلى او نائمين فى غفوة الظهيرة ، وعندما يتأكد أفراد السلالم البشرية المتصاعدة - بعد إبلاغ بعضهم البعض بما قاله الناضورجى فى القمة ، يطمئنون الى أنهم لم يكونوا المستهدفين من ذلك "الشىء" ، بل المستهدفون هم سكان المدينة خلف السور ، عندئذ تهدأ نفوسهم وتتراخى عضلاتهم وقبضاتهم التى تمسك بأرجل من يقفون فوق أكتافهم، فتتفكك السلالم البشرية تباعا ويقفز كل واحد منهم الى الارض مهللا وسعيدا بانقشاع الغمة ، وسرعان ما يعود كل شخص إلى ما كان يمارسه قبل "الجائحة" التى لم يجدوا إسما يطلقونه عليها، ففضلوا أن ينسوا أمرها وكأنها لم تكن!
تلك كانت - باختصار - أحداث قصة قصيرة كتبتها عام ١٩٧١ ونشرتها باسم " مشهد من وراء السور" ضمن مجموعتى القصصية الثالثة التى نُشرت بعد ذلك بعنوان " أغنية الدمية" ... واليوم تذكرتها واستعدت أجواءها وأنا حبيس البيت تحت تهديد " شىء" آخر.. إسمه كورونا ! .. فقلت لنفسى: دعونا نتسلى معا!
فجأة يظهر فى السماء ضوء مبهر يخطف الأبصار من مسافات شاهقة، يتكشف تدريجيا عن جسم صغير جدا يلمع وينطفئ ثم يعاود الظهور .. فى البداية حسبوه طائرة بعيدة ، وعندما بدأ يقترب ببطء وغموض من الأرض والبحر، بغير صوت وبلا ملامح واضحة تدل على كنهه ، بدأت الحركة على الشاطئ تتوقف ، والعيون تصوٌَب إلى السماء، مدفوعة بحب الاستطلاع وهى تقاوم وهج ضوء الشمس مع قليل من الدهشة ، لكن عندما اختفى "الشىء" المجهول عن أنظارهم عادوا إلى ما كانوا فيه ونسوا أمره ، وما هى الا دقائق حتى عاد إلى الظهور وتجلى أكثر قربا ولمعانا ، وبملامح أكثر وضوحا ، حتى أمكنهم رؤية زوائد معدنية كالنصال الحادة تحيط بجسمه بلمعان مخيف كأسلحة مسنونة لم يروا مثلها فى حياتهم، والجسم الغريب يدور حول نفسه كالبرٌِيمة الخرافية.
هذه المرة تجمدوا فى أماكنهم مثل كادر سينمائى توقف عند مشهد معين ، ثم دبت فيه الحركة محمومة ، وتعالت الأصوات ملتاثة وتصاعدت تباعا متدرجة من الخوف الى الفزع الى الرعب إلى الهلع كلما اقترب " الشىء" من الأرض ، حتى بدا جسمه شديد القرب منهم كهدف لا يحيد عنه ، تفرقوا فى جنون باحثين عن ملجأ يحميهم ، او مندفعين الى البحر ليغطسوا فيه ، أو نحو الكبائن المغلقة يقتحمونها على من ينغمسون بداخلها فى شهواتهم ، فيخرج هؤلاء مصعوقين بالعار يلملمون قطع ملابسهم الداخلية ويسترون بها عوراتهم ، لكن الملأ المتزاحم لا تعنيه فضيحتهم بل كان كل همهم النجاة بأنفسهم... وتتعالى الصرخات و تتعثر الأقدام وتسقط الأجساد فوق بعضها البعض ، يختلط فيها الرجال والنساء والأطفال وتدوسهم الأقدام بغير اكتراث ، حيث لا يعنيهم إلا اتقاء لحظة الهول العظيم عند هبوط"الشىء" حاملا الموت اليهم بدون استثناء ، وقد تجلى أمامهم أسود قبيحا بشعا شديد الضخامة حتى احتجب ضوء الشمس وعم الظلام ، فتراءى ككائن انفلت من الجحيم . ومن لم يستطع الفرار الى البحر او الاختباء داخل الكبائن دفن رأسه فى الرمال متوهما النجاة.
وفجأة يعم صمت رهيب ويعود ضوء الشمس، فيتسلل المختبئون بالكبائن الى الشاطئ ، أو يرفعون رؤوسهم من تحت الرمال او من موج البحر رويدا رويدا ، وتدب الحياة فيهم من جديد فرحين بالنجاة مع كثير من الحذر والتوجس ...وفى محاولة لمعرفة حقيقة ما حدث بالمدينة خلف السور الشاهق ، يشكلون بأجسامهم سلالم عمودية ، بوقوف شخص فوق كتفى الآخر ، ويتزايدون صاعدين فى طوابق حتى يبلغ آخرهم إحدى فتحات السور الضيقة كمزاغل الرماةفى قلعة عتيقة ، ومن هناك يرى جثثا لأشخاص متناثرين فى المتنزه المقابل للسور، فى أوضاع لا يتضح منها ما إذا كانوا قتلى او نائمين فى غفوة الظهيرة ، وعندما يتأكد أفراد السلالم البشرية المتصاعدة - بعد إبلاغ بعضهم البعض بما قاله الناضورجى فى القمة ، يطمئنون الى أنهم لم يكونوا المستهدفين من ذلك "الشىء" ، بل المستهدفون هم سكان المدينة خلف السور ، عندئذ تهدأ نفوسهم وتتراخى عضلاتهم وقبضاتهم التى تمسك بأرجل من يقفون فوق أكتافهم، فتتفكك السلالم البشرية تباعا ويقفز كل واحد منهم الى الارض مهللا وسعيدا بانقشاع الغمة ، وسرعان ما يعود كل شخص إلى ما كان يمارسه قبل "الجائحة" التى لم يجدوا إسما يطلقونه عليها، ففضلوا أن ينسوا أمرها وكأنها لم تكن!
تلك كانت - باختصار - أحداث قصة قصيرة كتبتها عام ١٩٧١ ونشرتها باسم " مشهد من وراء السور" ضمن مجموعتى القصصية الثالثة التى نُشرت بعد ذلك بعنوان " أغنية الدمية" ... واليوم تذكرتها واستعدت أجواءها وأنا حبيس البيت تحت تهديد " شىء" آخر.. إسمه كورونا ! .. فقلت لنفسى: دعونا نتسلى معا!