تقابلنا.. اختلفت الملامح، عيناها الجميلتان كانت فيهما نظرة حزن. تقابلنا. بنظراتها كانت تبحث عني، تراجع ملامحي، تقاطيع وجهي، تحد النظر وتبتسم، شعرت بأنها مليئة بالكلام والحياة فتموت في الصمت.
قالت: لقد تغيرت، ظننت بأني سأجدُك كما أنتَ. كنتُ أنا الآخر أبحث عنها و لم أرِدْ أن تلحظ هذا، وعندما سألتني: وأنا .. هل تغيرتُ؟ قلت: لازلت كما أنت .. قمرا. ابتسمت بخجل. ثم قالت: لكنك تغيرت، اختلفت ملامحك. وعندما سألتها عن الذي تغير فيَّ بالضبط، قالت: لا أدري، ثم أكملت معللة: نحن لم نتقابل سوى مرتين، ثم ابتعدنا أكثر من عامين.
كانت الدنيا في منظرها الأول شديدة البرد ، رياح ، تراب ، ثم قليل من المطر . قالت بأنها تشعر بالبرد ، قلت بأني أريد أن أشرب شيئا ساخنا ، ثم قلت : نأكل أولا ثم نشرب الساخن، رفضت هي فكرة الأكل ، بحثنا عن مكان دافئ ، واختبأنا .
دخلنا ، في المقهى جلسنا ، اختارت هي أنسب مكان في أبعد الأركان ، اخترت مشروبي الساخن ، واختارت هي مشروبا باردا ، بالرغم من أنها تشكو شدة البرد ، تلاقت عينانا ، داعبتها بكلمة غزل فلمعت عيناها كجوهرتين ، تذكرنا معا الكلمات الأولى . وطريقة التعارف التي تمت بيننا في اللقاء الأول ، متى وأين ، ثم أخذنا نردد العبارات التي أهديتها في تلك المرة البعيدة . قلت بأن أمان الدنيا كنت أعيشه في تلك اللحظات ، أمان الغار والدير والكهف . قلت بأني أريد أن أسكن عينيها ، واستدركتُ ، الأفضل أن تسكن هي عيني ، ستكونين أنت ملء الدنيا ، ستكونين أنت لي الحياة..
سألتْ كيف اتصلت بي صديقتها ، وكيف أعطتني رقم هاتفها ، أخبرتها . أريد أن أسمع صوتها ، قلت : تحدثي ، احكي لي ماذا فعلت طوال هذه الفترة ، بدأت تحكي : أكملت الدراسات العليا ، عامان ، وأنا الآن أجهز للماجستير ، وأخرجت شهاداتها ، أخذت أتأمل بإعجاب شديد صورها الشخصية المثبتة على الأوراق الرسمية ، ثم سألتها عن واحدة ، صورة ، ابتسمتْ ، وأخذتْ تلملم الأوراق مرة أخرى ، توقفتْ فجأة عن الكلام ثم سألتْ : هل توقفت فعلا عن الدراسة ؟! قلت : نعم .. عدم الاستقرار في مكان لا يحقق حلما ، ولا يصنع مستقبلا ، عملي في القاهرة وبيتي في الزقازيق ، لا أستطيع الحياة في زحام القاهرة ، ولا يوجد لي عمل في الزقازيق . قالت : لماذا لا تسافر ؟ قلت بأن البنيان هنا أفضل من البنيان في الخارج وأعود مرة أخرى لا شيء ، حتى ولو كنت أملك مالا كثيرا . قالت : إنك غريب .. قلت : وأنت . قالت : لا ، مثلي يوجد الكثيرات . قلت بأني أعيش في هذه الدنيا منذ زمن بعيد ، قابلت الكثيرات لم تأخذني واحدة مثلما أخذتيني أنت ... ماذا بعد ؟
أكملت : خطبت ولم أكمل معه ، كان مدخنا ، وعندما طلبت منه الامتناع عن التدخين ، بعد مناقشات عدة، استجاب ، ثم بعد ذلك اكتشفت بأنه يكذب علي ، لم استرح معه ، وعندما سألتها ألم يقدم هو شيئا يشفع له ، قالت : لم يفعل شيئا ، كان يأتي للزيارة في أوقات غير مناسبة ، وكنت أنا مشغولة بالدراسة والامتحانات، ولم يراع هو ذلك ..
تمنيت أن تعود بي حياتي للوراء وأبدأها من جديد على يديها ، أولد وأنمو وأزحف على يديها ، وعلى يديها أتعلم المشي وأتعلم الحب ، لكن للأسف كان الوقت متأخرا جدا للتمنيات، حتى المرة الأولى منذ أكثر من عامين كان الوقت متأخرا ..
في صباح أحد الأيام .. كنت ارتدي ملابسي ، لاحظت شيئا غريبا في جانب عنقي .. لم أكن أشعر بتعب ، لكن المنظر مقلق . ذهبت للدكتور، طلب إجراء جراحة فورية ، كانت الغدة الدرقية ، أو بالأدق الفص الشمال من الغدة الدرقية ، ثم جراحة تجميلية أخرى في مكان الجراحة الأولى .. حتى الآن .. أنا الآن أتناول دواء بصورة دورية ..
كنت أسمع ، من داخلي كنت أتقطع ، كنت أتخيل .. تعبت . حزنت ، أخذتني في ناحية أخرى من عالمي ، وأردت أنا أن آخذها وأهرب بها بعيدا بعيدا ، أبعد بها عن كل هذه الهموم والأوجاع ، أردت أن يتحول الحديث ، سماع صوتها يغريني . حرَّكت حاجبها حركة جميلة أشبه برقصة هندية .. ابتسمتُ .. وطلبت منها أن تكررها ، فاستجابت مبتسمة .
من الخارج ، وعبر زجاج المقهى ، كان منظر جديد للدنيا ، بدأت الشمس تظهر ، توقف قليل المطر ، تقريبا الأتربة ، قلت : تغيرت الدنيا ، وأنا معك رأيت لها أشكالا جميعها مختلفة ، تكلمي .. صوتك بالنسبة لي حياة ، عيونك حياة ، ضحكاتك حياة ، رقصة حاجبك الفرحان حياة . قالت : مللت الحياة ، حتى أنت ، ليس لي الحق في الجلوس معك ، لست ملكي ، قلت : ليس شرطا لكي تستمتعي بالدنيا امتلاكها.. استمتعي بالحياة .. ابتسمت بألم وقالت : أريد الخروج ، السفر ، تمنيت السفر للسعودية ، وأبقى هناك طوال شهر رمضان ، رفضت أمي ، قالت بعد الزواج . أحلم بالسفر إلى دبي ، جميلة دبي ، لبنان .. قاطعتها : جميلة لبنان لكنها مقلقة ، قالت : ٍهذا صحيح ، أسافر دبي ، وأنت أيضا تسافر ، وأتصل بك هناك ، لن يكون لي غيرك هناك ، وأنت أيضا ، ونكون معا ... فجأة توقفت عن الكلام وقالت : وأنت ؟! حدثني عنك ، ماذا فعلت ؟ قلت : لاشيء ، توقفت أحلامي ، فقط تزوجت .
كانت الدنيا تغير ألوانها ، بدأت الشمس تغيم ، وبدأ الليل يتسرب إلينا ، ظلمته ، وبرودته ، قلت : لقد بدأ منظر جديد للدنيا ، قالت : لقد تأخرنا . غادرنا المقهى الدافئ ، فاجأَنا الشارع البارد ، استقلينا ( التاكسي ) ، تمنيت أن يكون طريقنا بلا نهاية .. سريعا وصلنا ، ودعتها ، افترقنا ، سارت هي ، وبقيت أنا ، كان المنظر الأخير للدنيا ، كنت وحيدا ، وكان المطر شديدا .
شحتة سليم
قالت: لقد تغيرت، ظننت بأني سأجدُك كما أنتَ. كنتُ أنا الآخر أبحث عنها و لم أرِدْ أن تلحظ هذا، وعندما سألتني: وأنا .. هل تغيرتُ؟ قلت: لازلت كما أنت .. قمرا. ابتسمت بخجل. ثم قالت: لكنك تغيرت، اختلفت ملامحك. وعندما سألتها عن الذي تغير فيَّ بالضبط، قالت: لا أدري، ثم أكملت معللة: نحن لم نتقابل سوى مرتين، ثم ابتعدنا أكثر من عامين.
كانت الدنيا في منظرها الأول شديدة البرد ، رياح ، تراب ، ثم قليل من المطر . قالت بأنها تشعر بالبرد ، قلت بأني أريد أن أشرب شيئا ساخنا ، ثم قلت : نأكل أولا ثم نشرب الساخن، رفضت هي فكرة الأكل ، بحثنا عن مكان دافئ ، واختبأنا .
دخلنا ، في المقهى جلسنا ، اختارت هي أنسب مكان في أبعد الأركان ، اخترت مشروبي الساخن ، واختارت هي مشروبا باردا ، بالرغم من أنها تشكو شدة البرد ، تلاقت عينانا ، داعبتها بكلمة غزل فلمعت عيناها كجوهرتين ، تذكرنا معا الكلمات الأولى . وطريقة التعارف التي تمت بيننا في اللقاء الأول ، متى وأين ، ثم أخذنا نردد العبارات التي أهديتها في تلك المرة البعيدة . قلت بأن أمان الدنيا كنت أعيشه في تلك اللحظات ، أمان الغار والدير والكهف . قلت بأني أريد أن أسكن عينيها ، واستدركتُ ، الأفضل أن تسكن هي عيني ، ستكونين أنت ملء الدنيا ، ستكونين أنت لي الحياة..
سألتْ كيف اتصلت بي صديقتها ، وكيف أعطتني رقم هاتفها ، أخبرتها . أريد أن أسمع صوتها ، قلت : تحدثي ، احكي لي ماذا فعلت طوال هذه الفترة ، بدأت تحكي : أكملت الدراسات العليا ، عامان ، وأنا الآن أجهز للماجستير ، وأخرجت شهاداتها ، أخذت أتأمل بإعجاب شديد صورها الشخصية المثبتة على الأوراق الرسمية ، ثم سألتها عن واحدة ، صورة ، ابتسمتْ ، وأخذتْ تلملم الأوراق مرة أخرى ، توقفتْ فجأة عن الكلام ثم سألتْ : هل توقفت فعلا عن الدراسة ؟! قلت : نعم .. عدم الاستقرار في مكان لا يحقق حلما ، ولا يصنع مستقبلا ، عملي في القاهرة وبيتي في الزقازيق ، لا أستطيع الحياة في زحام القاهرة ، ولا يوجد لي عمل في الزقازيق . قالت : لماذا لا تسافر ؟ قلت بأن البنيان هنا أفضل من البنيان في الخارج وأعود مرة أخرى لا شيء ، حتى ولو كنت أملك مالا كثيرا . قالت : إنك غريب .. قلت : وأنت . قالت : لا ، مثلي يوجد الكثيرات . قلت بأني أعيش في هذه الدنيا منذ زمن بعيد ، قابلت الكثيرات لم تأخذني واحدة مثلما أخذتيني أنت ... ماذا بعد ؟
أكملت : خطبت ولم أكمل معه ، كان مدخنا ، وعندما طلبت منه الامتناع عن التدخين ، بعد مناقشات عدة، استجاب ، ثم بعد ذلك اكتشفت بأنه يكذب علي ، لم استرح معه ، وعندما سألتها ألم يقدم هو شيئا يشفع له ، قالت : لم يفعل شيئا ، كان يأتي للزيارة في أوقات غير مناسبة ، وكنت أنا مشغولة بالدراسة والامتحانات، ولم يراع هو ذلك ..
تمنيت أن تعود بي حياتي للوراء وأبدأها من جديد على يديها ، أولد وأنمو وأزحف على يديها ، وعلى يديها أتعلم المشي وأتعلم الحب ، لكن للأسف كان الوقت متأخرا جدا للتمنيات، حتى المرة الأولى منذ أكثر من عامين كان الوقت متأخرا ..
في صباح أحد الأيام .. كنت ارتدي ملابسي ، لاحظت شيئا غريبا في جانب عنقي .. لم أكن أشعر بتعب ، لكن المنظر مقلق . ذهبت للدكتور، طلب إجراء جراحة فورية ، كانت الغدة الدرقية ، أو بالأدق الفص الشمال من الغدة الدرقية ، ثم جراحة تجميلية أخرى في مكان الجراحة الأولى .. حتى الآن .. أنا الآن أتناول دواء بصورة دورية ..
كنت أسمع ، من داخلي كنت أتقطع ، كنت أتخيل .. تعبت . حزنت ، أخذتني في ناحية أخرى من عالمي ، وأردت أنا أن آخذها وأهرب بها بعيدا بعيدا ، أبعد بها عن كل هذه الهموم والأوجاع ، أردت أن يتحول الحديث ، سماع صوتها يغريني . حرَّكت حاجبها حركة جميلة أشبه برقصة هندية .. ابتسمتُ .. وطلبت منها أن تكررها ، فاستجابت مبتسمة .
من الخارج ، وعبر زجاج المقهى ، كان منظر جديد للدنيا ، بدأت الشمس تظهر ، توقف قليل المطر ، تقريبا الأتربة ، قلت : تغيرت الدنيا ، وأنا معك رأيت لها أشكالا جميعها مختلفة ، تكلمي .. صوتك بالنسبة لي حياة ، عيونك حياة ، ضحكاتك حياة ، رقصة حاجبك الفرحان حياة . قالت : مللت الحياة ، حتى أنت ، ليس لي الحق في الجلوس معك ، لست ملكي ، قلت : ليس شرطا لكي تستمتعي بالدنيا امتلاكها.. استمتعي بالحياة .. ابتسمت بألم وقالت : أريد الخروج ، السفر ، تمنيت السفر للسعودية ، وأبقى هناك طوال شهر رمضان ، رفضت أمي ، قالت بعد الزواج . أحلم بالسفر إلى دبي ، جميلة دبي ، لبنان .. قاطعتها : جميلة لبنان لكنها مقلقة ، قالت : ٍهذا صحيح ، أسافر دبي ، وأنت أيضا تسافر ، وأتصل بك هناك ، لن يكون لي غيرك هناك ، وأنت أيضا ، ونكون معا ... فجأة توقفت عن الكلام وقالت : وأنت ؟! حدثني عنك ، ماذا فعلت ؟ قلت : لاشيء ، توقفت أحلامي ، فقط تزوجت .
كانت الدنيا تغير ألوانها ، بدأت الشمس تغيم ، وبدأ الليل يتسرب إلينا ، ظلمته ، وبرودته ، قلت : لقد بدأ منظر جديد للدنيا ، قالت : لقد تأخرنا . غادرنا المقهى الدافئ ، فاجأَنا الشارع البارد ، استقلينا ( التاكسي ) ، تمنيت أن يكون طريقنا بلا نهاية .. سريعا وصلنا ، ودعتها ، افترقنا ، سارت هي ، وبقيت أنا ، كان المنظر الأخير للدنيا ، كنت وحيدا ، وكان المطر شديدا .
شحتة سليم