ويبتعد الشيخ- أدام الله تمكينه- عن قصْر عَمِيرة، فلا يمشي إلا قليلا حتى تظهر له ناقة عظيمة كأنها فَدَن، ترعى أعشاب الجنة، فيسألها الشيخ عمن تكون، فيُنْطقُها الباري جلَّتْ قدرته بلسان عربي فصيح، فتقول:
-أنا ناقة الشاعر المُثَقِّب العبديّ، ولقد وصفني كأحسن ما يَكُون الوصف في قصيدته المفضلية النونية، التي يقول في أولها:
أفاطمَُ قبْلَ بَيْنكِ متِّعيني = ومَنْعُكِ ما سألتُ كأنْ تَبِيني
ويسألها الشيخ:
-فأخبريني أيتها الناقة المباركة، كيف كان المثقب العبدي يقول، في مطلع نونيته هذه؟ هل كان ينطق (أفاطمَ) بفتح الميم، أم (أفاطمُ) بضمِّها؟
فتجيبه الناقة:
- ما سمعتُه ينطقها إلا بالفتح، على أنه لو قال (أفاطمُ) بضم الميم، لجازَ له ذلك. وللشيخ الفَرّاء الكوفي، الذي جاء بعدي بزمن طويل، قولٌ سديد في هذا الباب، فإن أنتَ لقيتَه في جنة النحويين الكوفيين فاسألْه، فد كان بعض الناس يسمونه،في الدار الفانية، " أمير المؤمنين في النحو"!
فيقول الشيخ، كتبَ الله له الخلود في النعيم:
- فأخبريني عن قول المثقب في نونيته، متحدثاً عنك:
تَقول إذا دَرَأْتُ لها وَضِيني
أهذا دِينُهُ أبداً ودِيني؟
فلَشَدَّ ما اختلفَ أهلُ زمني في معناه.
فتقول الناقة:
- الوَضِين في زمننا هو بمنزلة الحزام للناقة، ودرأْتُه بمعنى مدَدْتُه لأشدَّ به رَحْلَها، وأما الدِّين، فمن معانيه في ذلك الزمن البعيد: العادة والديدن والدَّأَب. ويشهد الله، أيها الشيخ، أنني كنتُ أشفق على نفسي، كلما رأيت المثقب يشد رَحْلي، لكثرة ما كان يُحَمّلني من مشاقّ السير في الفلوات، ولهذا يقول على لساني، في البيت الذي يليه:
أكلَّ الدهرِ حَلٌّ وارتحالٌ = أمَا يُبْقي عليَّ ولا يَقِيني؟
وتطلب الناقة الإذن بالانصراف، ثم تنصرف، فيتذكر الشيخ- ذكّره الله بكل نافعة- أنه لم يسألها عن أمر كان في خاطره، فيلحق بها ويناديها:
-تريثي أيتها الناقة المباركة، فإني نسيت أن أسألك عن قول المثقب العبدي في الأبيات الأخيرة من نونيته:
فإمّا أنْ تَكون أخي بحقٍّ = فأعرفَ منكَ غثِّي منْ سميني
وإلّا فاطَّرحْني واتّخذْني = عدُوّاً أتّقيكَ وتَتَّقِيني
فما أدري إذا يمَّمْتُ أرضاً = أريدُ الخيرَ أيُّهما يَلِيني
أَأَلخَيْرُ الذي أنا أبتغيه = أمِ الشرُّ الذي هو يبتغيني
فهل كان يتوجه بهذه الأبيات إلى الملك عمرو بن هند؟ فالأصمعي يزعم أن الملوك لا تخاطَب هكذا، وغيره يرى غيرَ ذلك.
فتقول له الناقة:
-والله ما لي علم بهذا، وإن قصر المثقب غير بعيد، فليتك تمضي إليه لتسأله.
(يُتبع)
-أنا ناقة الشاعر المُثَقِّب العبديّ، ولقد وصفني كأحسن ما يَكُون الوصف في قصيدته المفضلية النونية، التي يقول في أولها:
أفاطمَُ قبْلَ بَيْنكِ متِّعيني = ومَنْعُكِ ما سألتُ كأنْ تَبِيني
ويسألها الشيخ:
-فأخبريني أيتها الناقة المباركة، كيف كان المثقب العبدي يقول، في مطلع نونيته هذه؟ هل كان ينطق (أفاطمَ) بفتح الميم، أم (أفاطمُ) بضمِّها؟
فتجيبه الناقة:
- ما سمعتُه ينطقها إلا بالفتح، على أنه لو قال (أفاطمُ) بضم الميم، لجازَ له ذلك. وللشيخ الفَرّاء الكوفي، الذي جاء بعدي بزمن طويل، قولٌ سديد في هذا الباب، فإن أنتَ لقيتَه في جنة النحويين الكوفيين فاسألْه، فد كان بعض الناس يسمونه،في الدار الفانية، " أمير المؤمنين في النحو"!
فيقول الشيخ، كتبَ الله له الخلود في النعيم:
- فأخبريني عن قول المثقب في نونيته، متحدثاً عنك:
تَقول إذا دَرَأْتُ لها وَضِيني
أهذا دِينُهُ أبداً ودِيني؟
فلَشَدَّ ما اختلفَ أهلُ زمني في معناه.
فتقول الناقة:
- الوَضِين في زمننا هو بمنزلة الحزام للناقة، ودرأْتُه بمعنى مدَدْتُه لأشدَّ به رَحْلَها، وأما الدِّين، فمن معانيه في ذلك الزمن البعيد: العادة والديدن والدَّأَب. ويشهد الله، أيها الشيخ، أنني كنتُ أشفق على نفسي، كلما رأيت المثقب يشد رَحْلي، لكثرة ما كان يُحَمّلني من مشاقّ السير في الفلوات، ولهذا يقول على لساني، في البيت الذي يليه:
أكلَّ الدهرِ حَلٌّ وارتحالٌ = أمَا يُبْقي عليَّ ولا يَقِيني؟
وتطلب الناقة الإذن بالانصراف، ثم تنصرف، فيتذكر الشيخ- ذكّره الله بكل نافعة- أنه لم يسألها عن أمر كان في خاطره، فيلحق بها ويناديها:
-تريثي أيتها الناقة المباركة، فإني نسيت أن أسألك عن قول المثقب العبدي في الأبيات الأخيرة من نونيته:
فإمّا أنْ تَكون أخي بحقٍّ = فأعرفَ منكَ غثِّي منْ سميني
وإلّا فاطَّرحْني واتّخذْني = عدُوّاً أتّقيكَ وتَتَّقِيني
فما أدري إذا يمَّمْتُ أرضاً = أريدُ الخيرَ أيُّهما يَلِيني
أَأَلخَيْرُ الذي أنا أبتغيه = أمِ الشرُّ الذي هو يبتغيني
فهل كان يتوجه بهذه الأبيات إلى الملك عمرو بن هند؟ فالأصمعي يزعم أن الملوك لا تخاطَب هكذا، وغيره يرى غيرَ ذلك.
فتقول له الناقة:
-والله ما لي علم بهذا، وإن قصر المثقب غير بعيد، فليتك تمضي إليه لتسأله.
(يُتبع)