على مشارف المدينة، التي انتهت بنهاية حطام الإسمنت، بدأ الليل يلٌّف بعضا مما بقي من نور النهار في قراطيس سوداء، تبدو كفلقات تتخللها مُزُّن من صقيع وبرد، تتساقط تباعا كأمواج بحر متلاطم، بدوره كان سيلُّف آخر سيجارة لكنه تذّكر أن علبة الكبريت قد تبلّلت في ملابسه بالبركة بعد أن فُجر مخزن الماء بجوارهما، في محاولته إنقاذ ابنه بعد سقوطه بها، والتي كانت ستؤدي بحياته، في فرارهما من حرب إلى أخرى أكثر ألما.
البرد أصبح أكثر تماديا من قبل، ربما جدران المدينة كانت تٌحَنِن الرياح السامة الممتلئة بأخبار الموت، الآتية من الشمال فتلينها، كان السعال الدائم الذي داعب ابنه منذ غادرا بيتهما بعد القصف وفقد الأهل، ولون الطفل القاتم لا يبشرا بالخير، بل حتى صوته بدا واضحا أنه يغُّص في المجهول، أصبح المشي أكثر إيلاما والثياب الثقيلة بالماء تمتص البرودة من كل الجهات و التوقف يوحي بالموت، فالنيران من ورائهم كأنها ألعاب نارية ببداية الليل وهي تتقدم رويدا إليهم، في حفرة، يحضن ما بقي من أهله وينظر إلى السماء راجيا مستأنسا بها، ينتظر بزوغ النهار في لوعة.
تحسر على الكبريت فقد أصبح جُلّ همه في دخان يؤجج به مواجعه، وربما يحرق بعضا من نكباته في نفحات الليل البارد و قد يدفئ به بعض أحشائه الباردة برودة قلبه على وطن يرى في هجره متنفسا من حرب دمرت كل شيء.
في الكيس الذي كان يحمله ويسنده لابنه يضع بعضا من أحلامه ورغيف خبز كأنه مستحث من بقايا الأزل، بعد سكون ابنه ورجوع بعضا من روحه إليه، تفقده وأصبح يناوله منه ببعض الماء فقد كان مستعصي الأكل صعب التكسير على أسنان الطفل، أدرك الطفل جوع أبيه فأصبح يناوله بين الحين والحين لقمة علّها تسكت صفير بطنه الذي اختلط بصفير الرياح.
في مشهد مرعب بين الدمار، تلاقت فيه كل أنواع البؤس، حثيث مشي خافت يتداركهما ويقترب منهما، بعد أن ضم ابنه إليه ووضع يده على فاه.
استوضح الرؤية، كان مشي رجال مدججين بالأسلحة في صف منتظم، غير بعيد عن مخبئهم، يتسترون بجنح الظلام في تسللهم من المعركة، حمد الله كثيرا أن لم يشعل كعادته سيجارته، وإلاّ كان سيصيران من بين الأموات، همّ بالصعود قليلا ليرى مدى ابتعاد هؤلاء المارين، سقطت قذيفة غير بعيدة عنه ورمت بآلاف الشظايا في كل الاتجاهات، عاد إلى مخبئه احتضن طفله، أحس الطفل بسخونة كبيرة تفِّـر من أبيه، فنام.
في الصباح كان الطفل يتماثل للشفاء لكنه كان مكسوا بالدماء تلطخ جل ثيابه.
البرد أصبح أكثر تماديا من قبل، ربما جدران المدينة كانت تٌحَنِن الرياح السامة الممتلئة بأخبار الموت، الآتية من الشمال فتلينها، كان السعال الدائم الذي داعب ابنه منذ غادرا بيتهما بعد القصف وفقد الأهل، ولون الطفل القاتم لا يبشرا بالخير، بل حتى صوته بدا واضحا أنه يغُّص في المجهول، أصبح المشي أكثر إيلاما والثياب الثقيلة بالماء تمتص البرودة من كل الجهات و التوقف يوحي بالموت، فالنيران من ورائهم كأنها ألعاب نارية ببداية الليل وهي تتقدم رويدا إليهم، في حفرة، يحضن ما بقي من أهله وينظر إلى السماء راجيا مستأنسا بها، ينتظر بزوغ النهار في لوعة.
تحسر على الكبريت فقد أصبح جُلّ همه في دخان يؤجج به مواجعه، وربما يحرق بعضا من نكباته في نفحات الليل البارد و قد يدفئ به بعض أحشائه الباردة برودة قلبه على وطن يرى في هجره متنفسا من حرب دمرت كل شيء.
في الكيس الذي كان يحمله ويسنده لابنه يضع بعضا من أحلامه ورغيف خبز كأنه مستحث من بقايا الأزل، بعد سكون ابنه ورجوع بعضا من روحه إليه، تفقده وأصبح يناوله منه ببعض الماء فقد كان مستعصي الأكل صعب التكسير على أسنان الطفل، أدرك الطفل جوع أبيه فأصبح يناوله بين الحين والحين لقمة علّها تسكت صفير بطنه الذي اختلط بصفير الرياح.
في مشهد مرعب بين الدمار، تلاقت فيه كل أنواع البؤس، حثيث مشي خافت يتداركهما ويقترب منهما، بعد أن ضم ابنه إليه ووضع يده على فاه.
استوضح الرؤية، كان مشي رجال مدججين بالأسلحة في صف منتظم، غير بعيد عن مخبئهم، يتسترون بجنح الظلام في تسللهم من المعركة، حمد الله كثيرا أن لم يشعل كعادته سيجارته، وإلاّ كان سيصيران من بين الأموات، همّ بالصعود قليلا ليرى مدى ابتعاد هؤلاء المارين، سقطت قذيفة غير بعيدة عنه ورمت بآلاف الشظايا في كل الاتجاهات، عاد إلى مخبئه احتضن طفله، أحس الطفل بسخونة كبيرة تفِّـر من أبيه، فنام.
في الصباح كان الطفل يتماثل للشفاء لكنه كان مكسوا بالدماء تلطخ جل ثيابه.