في الحقيقة ، منذ أن أعلن الرئيس عن زيارة مدينتنا ، والدنيا في انتظار وترقب ، فقد كان اختياره لها دون غيرها موضع فخر وتباه ، الاستعدادات جادة ، الأشجار نبتت فجأة ، ونمت وكبرت في أوقات خرافية ، تخيلت بأنني أعيش في إحدى الصفحات لكتب الخيال العلمي ، منذ زمن لم نرَ المدينة بهذا الجمال ، اختفت أكوام الزبالة في الشوارع الرئيسة ، اختفى الذباب والبعوض ، وإن كانت هناك واحدة ، ذبابة ، استطاعت الهروب ، لكن لا يهم ، كلها أشياء بسيطة وكما نقول ( مقدور عليها ) ، أو ( إن كانت على قد ذبابة سهلة ) ، وإن كانت جثث الأطفال لا تزال بين أكوام الزبالة في الشوارع الفرعية ، وتحت الكباري . أطفال الشوارع يحاربون بعضهم على التسول وأعقاب السجائر والكلا والمخدرات ، بيع ( الكلينكس ) أمام السيارات غير مهتمين بحوادث الطرق ، بعضهم يذاكر دروسه فوق الأرصفة في شوارع وسط البلد . قضايا الأزواج أمام محكمة الأسرة نظرا لحالات الاكتئاب والشخير والفقر وعدم القدرة على شراء ملابس العيد أو دفع الدروس الخصوصية ، التأخر في طوابير الأنسولين ، عدم إمكانية الحصول على لبن للأطفال . لكن ، بالرغم من كل هذا ، محاولات المسئولين مستمرة ، وجهودهم في تجميل المدينة لا يستطيع أن ينكرها إلا حاقد أو جاحد من الأحزاب المعارضة ، حتى المباني المتهدمة في الطرق الرئيسة لموكب الرئيس انضمت فجأة لمشاريع ترميم الآثار الإسلامية ، واختفت تحت الخيام الكبيرة .
اختفت المدينة . الشوارع نظيفة . الخضرة كثيرة ، وإن كانت هذه الأشجار عهدة ، وإن كانت ستعود حتما للمخازن بعد الزيارة مباشرة ، وإلا سيتعرض أمين المخزن للجزاءات ، لكن كل هذا لا يهم ، من حقنا أن نستمتع ولو بيوم واحد بمدينتنا وهى جميلة ، أنا شخصيا انتهزت الفرصة ووعدت زوجتي وابنتي الصغريين ، بخروجة ، سوف نزور حديقة الحيوانات والقلعة ، وربما استطعنا أن نكمل الخروجة بسعادة ونتناول ( الآيس كريم ) في شوارع وسط البلد ، ونحن نستمتع بالفرجة على ( الفتارين ) ، والشوارع النظيفة ، والتى من الممكن أيضا أن نجدها مرشوشة بالماء ، ستكون هادئة بالتأكيد ، خاصة بعد إشاعة أن الهيئات والشركات أعطت إجازة للعاملين ، وانتهز العاملون الفرصة ، وأنا واحد منهم ، وصدقنا الإشاعة دون محاولة للتأكد ، ولم يذهب الكثير منِّا للعمل ، ولذلك وعدت زوجتي بالخروجة في هذا اليوم الهادئ .
استيقظنا مبكرين ، وأخذتْ زوجتي تعد الفطار الذي كان عبارة عن ( ساندويتشات ) فليس هناك وقت للفطار في البيت ، ورحت أنا أساعدها ، فمن أجمل الأوقات التي تمر عليَّ مع زوجتي عندما أساعدها في المطبخ ، فتكون هي في قمة السعادة ، وأنا بصراحة أكون سعيدا جدا عندما تكون هي سعيدة ، خاصة وأن البنات كانوا لايزالون في نومهم ، ملائكة في الفراش .
أعددنا الفطار . استيقظت البنات ، ورحنا جميعا نتجهز للخروجة المنتظرة ونرتدي ملابسنا ، ولم أنس أن أداعب زوجتي ببعض كلمات الغزل والتي ، وأنا أعترف بذلك ، كانت قليلة جدا مني في الأيام الأخيرة ، نزلنا تحتضن أيادينا بعضها ، وعلينا تسيطر علامات البهجة والفرح .
استقلينا التاكسي ، فنحن لازلنا في أول الشهر ، فالمتبقي من المرتب يساعد على ذلك ، خاصة وأننا قليلي الخروج ، فلا داعي للتعب والمعاناة في المواصلات ، استقلينا التاكسي الذي ثـبَّت سائقه مؤشر الراديو على إذاعة الأخبار.
تعليمات المرور تقودنا مع السائق ، المتجه إلى كذا يلتزم الطريق الفلاني ، والمتجه إلى كذا يلتزم الطريق الفلاني ، أحسست بالدوار ، وأحسست بحالة توهان تسيطر على السائق الذي استمر ينفخ ويتنرفز وينظر للخارج في قرف ، حاولت التهدئة ووعدته بأني سأزيد الأجر ، فلا داعي لكل هذا ، فالرئيس اليوم في ضيافتنا ، وهذا واجبنا جميعا لحمايته أولا ، وحتى تخرج الزيارة أمام وسائل الإعلام بالصورة المطلوبة.
وصلنا أخيرا حديقة الحيوانات ، قابلنا رجل الشرطة : ممنوع يا أستاذ ، يوم ثاني إن شاء الله . تعجبت من الموقف وحاولت استفهم عن الأسباب ، خاصة وأن الرئيس ليس من برنامجه زيارة حديقة الحيوان ، لاحظت أن صوت الشرطي بدأ في الارتفاع ، وإشارات يديه بدأت في التزايد ، وبدأت المناقشة تأخذ صورة أكثر شراسة ، وأحسست بأنني في الطريق لفقدان كرامتي أمام زوجتي والبنات ، فحاولت التهدئة ، وتظاهرت بنسيان زيارة الرئيس ، وتعمدت أن أظهر تعجبي واستغرابي من خلو الحديقة من الجماهير.
كان لايزال سائق التاكسي موجودا ، يراقب الموقف بنظرات الاشمئزاز ، بسرعة ركبنا ، اتحشرنا في نفس الأماكن ، وطلبت التوجه إلى القلعة . قالت ( سلمى ) ، ابنتي الصغرى ، أن ما حدث هنا سنجده في القلعة ، فلا داعي ، نأكل ( الآيس كريم ) ونروَّح . يوم ثاني ، وعلي أن أسمع الكلام . أقنعتني ( سلمى ) برأيها ، وآثرت أن أسمع الكلام ، خاصة وأن النقاش مع رجل الشرطة أنهكني ، ولم يعد لدي الرغبة في أي شيء.
نظرت لزوجتي طالبا رأيها ، قالت : البيت . وأخذتْ تحدث نفسها بصوت مسموع بأننا كان من الواجب عدم النزول ، فنحن نعرف أن هذه ليست بلدنا ، حتى عندما نظفوها ، لم تكن لنا ، وعندما أعطوني إجازة – كما تعتقد – وخرجنا فيه للفسحة والاستمتاع ، لم نستطع ، حتى حديقة الحيوانات لم نستطع دخولها ، ثم نظرت لي وقالت مصممة : البيت . البيت . اعتذرت لعلياء وسلمى ، ووعدتهم بخروجة أخرى في يوم ثانٍ كما نصحني رجل الشرطة .
وصلْنا ، شكرت السائق ، الذي أكَّد على العودة إلى منزله هو الآخر ، ولن يخرج إلا بعد خروج الرئيس أوباما من البلد ، وضاعفت له الأجر . نظرت لي زوجتي ، وطلبت أن أمرَّ على بائع الفول الموجود على ناصية الشارع وأشتري فولا جاهزا ، وأكَّدتْ على أن يكون الفول جاهزا ، وصعدت هي والبنات . ذهبت لبائع الفول وطلبت ما أريد ، وعندما أعطاني الشنطة البلاستيك سألته متأكدا : الفول جاهز ؟! فقال :
وغلاوة أوباما حطيت الزيت والطحينة .
اختفت المدينة . الشوارع نظيفة . الخضرة كثيرة ، وإن كانت هذه الأشجار عهدة ، وإن كانت ستعود حتما للمخازن بعد الزيارة مباشرة ، وإلا سيتعرض أمين المخزن للجزاءات ، لكن كل هذا لا يهم ، من حقنا أن نستمتع ولو بيوم واحد بمدينتنا وهى جميلة ، أنا شخصيا انتهزت الفرصة ووعدت زوجتي وابنتي الصغريين ، بخروجة ، سوف نزور حديقة الحيوانات والقلعة ، وربما استطعنا أن نكمل الخروجة بسعادة ونتناول ( الآيس كريم ) في شوارع وسط البلد ، ونحن نستمتع بالفرجة على ( الفتارين ) ، والشوارع النظيفة ، والتى من الممكن أيضا أن نجدها مرشوشة بالماء ، ستكون هادئة بالتأكيد ، خاصة بعد إشاعة أن الهيئات والشركات أعطت إجازة للعاملين ، وانتهز العاملون الفرصة ، وأنا واحد منهم ، وصدقنا الإشاعة دون محاولة للتأكد ، ولم يذهب الكثير منِّا للعمل ، ولذلك وعدت زوجتي بالخروجة في هذا اليوم الهادئ .
استيقظنا مبكرين ، وأخذتْ زوجتي تعد الفطار الذي كان عبارة عن ( ساندويتشات ) فليس هناك وقت للفطار في البيت ، ورحت أنا أساعدها ، فمن أجمل الأوقات التي تمر عليَّ مع زوجتي عندما أساعدها في المطبخ ، فتكون هي في قمة السعادة ، وأنا بصراحة أكون سعيدا جدا عندما تكون هي سعيدة ، خاصة وأن البنات كانوا لايزالون في نومهم ، ملائكة في الفراش .
أعددنا الفطار . استيقظت البنات ، ورحنا جميعا نتجهز للخروجة المنتظرة ونرتدي ملابسنا ، ولم أنس أن أداعب زوجتي ببعض كلمات الغزل والتي ، وأنا أعترف بذلك ، كانت قليلة جدا مني في الأيام الأخيرة ، نزلنا تحتضن أيادينا بعضها ، وعلينا تسيطر علامات البهجة والفرح .
استقلينا التاكسي ، فنحن لازلنا في أول الشهر ، فالمتبقي من المرتب يساعد على ذلك ، خاصة وأننا قليلي الخروج ، فلا داعي للتعب والمعاناة في المواصلات ، استقلينا التاكسي الذي ثـبَّت سائقه مؤشر الراديو على إذاعة الأخبار.
تعليمات المرور تقودنا مع السائق ، المتجه إلى كذا يلتزم الطريق الفلاني ، والمتجه إلى كذا يلتزم الطريق الفلاني ، أحسست بالدوار ، وأحسست بحالة توهان تسيطر على السائق الذي استمر ينفخ ويتنرفز وينظر للخارج في قرف ، حاولت التهدئة ووعدته بأني سأزيد الأجر ، فلا داعي لكل هذا ، فالرئيس اليوم في ضيافتنا ، وهذا واجبنا جميعا لحمايته أولا ، وحتى تخرج الزيارة أمام وسائل الإعلام بالصورة المطلوبة.
وصلنا أخيرا حديقة الحيوانات ، قابلنا رجل الشرطة : ممنوع يا أستاذ ، يوم ثاني إن شاء الله . تعجبت من الموقف وحاولت استفهم عن الأسباب ، خاصة وأن الرئيس ليس من برنامجه زيارة حديقة الحيوان ، لاحظت أن صوت الشرطي بدأ في الارتفاع ، وإشارات يديه بدأت في التزايد ، وبدأت المناقشة تأخذ صورة أكثر شراسة ، وأحسست بأنني في الطريق لفقدان كرامتي أمام زوجتي والبنات ، فحاولت التهدئة ، وتظاهرت بنسيان زيارة الرئيس ، وتعمدت أن أظهر تعجبي واستغرابي من خلو الحديقة من الجماهير.
كان لايزال سائق التاكسي موجودا ، يراقب الموقف بنظرات الاشمئزاز ، بسرعة ركبنا ، اتحشرنا في نفس الأماكن ، وطلبت التوجه إلى القلعة . قالت ( سلمى ) ، ابنتي الصغرى ، أن ما حدث هنا سنجده في القلعة ، فلا داعي ، نأكل ( الآيس كريم ) ونروَّح . يوم ثاني ، وعلي أن أسمع الكلام . أقنعتني ( سلمى ) برأيها ، وآثرت أن أسمع الكلام ، خاصة وأن النقاش مع رجل الشرطة أنهكني ، ولم يعد لدي الرغبة في أي شيء.
نظرت لزوجتي طالبا رأيها ، قالت : البيت . وأخذتْ تحدث نفسها بصوت مسموع بأننا كان من الواجب عدم النزول ، فنحن نعرف أن هذه ليست بلدنا ، حتى عندما نظفوها ، لم تكن لنا ، وعندما أعطوني إجازة – كما تعتقد – وخرجنا فيه للفسحة والاستمتاع ، لم نستطع ، حتى حديقة الحيوانات لم نستطع دخولها ، ثم نظرت لي وقالت مصممة : البيت . البيت . اعتذرت لعلياء وسلمى ، ووعدتهم بخروجة أخرى في يوم ثانٍ كما نصحني رجل الشرطة .
وصلْنا ، شكرت السائق ، الذي أكَّد على العودة إلى منزله هو الآخر ، ولن يخرج إلا بعد خروج الرئيس أوباما من البلد ، وضاعفت له الأجر . نظرت لي زوجتي ، وطلبت أن أمرَّ على بائع الفول الموجود على ناصية الشارع وأشتري فولا جاهزا ، وأكَّدتْ على أن يكون الفول جاهزا ، وصعدت هي والبنات . ذهبت لبائع الفول وطلبت ما أريد ، وعندما أعطاني الشنطة البلاستيك سألته متأكدا : الفول جاهز ؟! فقال :
وغلاوة أوباما حطيت الزيت والطحينة .