د. الضاوي خوالدية - فسفاط مناجم قفصة نعمة على الأغيار ونقمة من أهل الدار

كان الفسفاط وما يزال منذ اكتشافه 1885 نقمة على أهل الأرض (ذات المدخرات الهائلة من الفسفاط) من ذلك ذكرا لا حصرا اغتصاب أراضي أجدادي وتدمير مراعيها تجريدا من النبات وتلويثا ما فتئ يستفحل حتى أصبح الآن نوعا من الإبادة الجماعية المتعمدة لكل حيّ، وقد كانت العلاقة بين أجدادي وشركة المستعمر الفسفاطية متوترة إذ قاوم أهل المستعمر فدائيا منذ 1881 على كل الجبهات لذلك جاء هذا المستعمر الفرنسي بعمّال جزائريين ومغربيين وليبيين لكن أزمة الثلاثينيات الاقتصادية وسنوات الجدب والأوبئة بمنطقتنا أجبرت فرنسا على دعوة أهل الأرض الفسفاطية إلى العمل بالمنجم فقبلوا باقين بداية متشبثين بفلاحتهم ومواشيهم ثم تمنجموا (لا تمدنوا) تاركين أرضهم الفلاحية تدمر بمياه مغاسل الفسفاط المشبعة حامضا فسفوريا ومواد كيمياوية أخرى فتاكة. كان أجدادي وآبائي عمّال المنجم – كما أتذكر منذ الستينيات – يسكنون أحياء قصديرية تتخللها خيام وضعوها على الثنيات الموصلة إلى أرضهم وكانت حالتهم الاجتماعية والاقتصادية مزرية نتيجة للعمل الشاق جدا والحوادث اليومية القاتلة ووضاعة المرتبات حتى كانت طفرة ارتفاع ثمن الفسفاط بدءا من السبعينيات مغدقا على النظام وأهله المليارات فتحسنت قليلا المرتبات وازدادت أهمية الفسفاط لدى النظام الفاسد وأهله من عصابات حزب الدستور والتجمع فسنّ لعمّال المناجم سياسة خاصة أقل ما يقال فيها إنها تتسم بعداء سافر للحوض المنجمي وأنانية مفرطة وعنصرية بغيضة هدفها تدجين المناجم وجعلها بقرة درها الغزير غير قابل للنضب وصومها لا إفطار بعده، من مقومات هذه السياسة:
- إشعال الصراعات القبلية والعروشية لإلهاء السكان عن التفكير في وضعهم المأساوي.
- منع أي محاولة لإقامة مشاريع فلاحية رغم خصوبة الأرض ووفرة المياه الجوفية (التي نضبتها شركة فسفاط النظام بعد ذلك) خوفا من توجه عمّال المنجم إلى الفلاحة وترك العمل في الداموس الفسفاطي.
- تشجيع الآباء الأميين الفقراء على دعوة أبنائهم التلاميذ إلى ترك مقاعد الدراسة والتوجه إلى العمل بالمنجم (السبعينيات خاصة).
- الصرامة المفرطة في اختيار نوع المسؤول الحزبي الدستوري التجمعي والنقابي كذلك محليا وجهويا ووطنيا التي من سماتها: أمية هذا المسؤول المختار أو شبه الأمية والتبعية والوفاء للأسياد والطمع وضعف الشخصية.
- تلويث الأراضي الخصبة بمنطقة المتلوي خاصة (16 كلم في 16كلم) بمياه المغاسل الفسفورية وغيرها من الكيمياويات السامة للأرض والنبات تلويثا لا أمل في شفاء الأرض منه ابدا.
- تجفيف المائدة المائية السطحية والعميقة لمنطقة المتلوي بفعل آبار ارتوازية لمغاسل الفسفاط في المتلوي والمظيلة خاصة.
التلوث والتجفيف المار ذكرهما استفاد منهما بعض المسؤولين المتواطئين طبعا المشار إليهم بمئات الآلاف من الدنانير مقابل غش أصحاب الأرض والتدليس عليهم.
- الإيهام المستمر بانتداب شباب من عروش المنجم بشركة الفسفاط بشرط اتفاق هذه العروش على نسبة كل عرش من مواطن الشغل المعروضة فتندلع الصراعات العروشية والأسرية سنوات.
- إفراغ المناجم من كل أبنائها الواعين المثقفين وذلك بجبرهم على الانتقال إلى أماكن أخرى أو تلفيق تهم لهم.
- إكساب شركة الفسفاط صفتين متضادتين الكرم الحاتمي مع جهات معينة ووزراء وولاة وجمعيات رياضية والبخل المروزي مع عمّال المناجم ومدنهم.
- مياه الصرف الصحي نهر خرار قاذورات سائحة تدك الأراضي الفلاحية وتسمم الناس والحيوان والنبات وتنشر الروائح الكريهة (في المتلوي خاصة).
لذلك وللعناصر المذكورة أعلاه يُلاحظ على سكان المناجم سمات نفسية وصحية وذهنية منها:
- أن الشخصية المنجمية تتعايش فيها متناقضات شتى فالشخصية الواحدة تكون في نفس الوقت عضوا في الشعبة الدستورية وعضوا في النقابة وعضوا في حزب قومي وعضوا في حزب ماركسي وعضوا في مجلس القبيلة...
- السرطان المتفشي تفشيا لا مثيل له في العالم.
- سقوط الأسنان والشيخوخة المبكرة.
- كثرة ذوي الحاجات الخاصة من ضحايا حوادث المناجم.
- لا تخلو أسرة من عدد ممن قضوا بفعل حوادث الداموس.
- شباب المناجم المتسرب جله من المدارس فقد الأمل في المستقبل فخارت قواه وانشل تفكيره وانحسر مفهوم المغامرة لدية في ال"الحرقة" (الغنى السريع جدا دون بذل جهد).
- إني أدعو في خاتمة هذا المقال جمعيات المجتمع المدني التونسي النزيهة الوطنية وHuman Rights Watch وهيئة الحقيقة والكرامة التونسية "المستهدفة" واليونسكو وأطباء بلا حدود ومنظمات حقوق الإنسان العالمية... إلى إرسال لجان تحقيق وخبراء يكشفون عمّا ألحقه نظام بورقيبة وبن علي خاصة من دمار متعمد لمنطقة بأكملها يصل إلى حد: الإبادة الجماعية.


د. الضاوي خوالدية
https://m.facebook.com/MetlaouiNews/posts/362556677281983

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى