يانيس ريتسوس - كلمة تصبح جسداً.. ترجمها عن المجرية: عامر كامل السامرّائي

لا أريدُ أن تمشي على دَرَجات المُستشفَى المرمريّ.
لا أريدُ أن تنتظري في باب غرفة العمليات نصف المفتوحة -
لحمٌ مُشَرَّحٌ، دمٌ، لكن هو ليسَ دمُ طمثكِ كلَّ سبعٌ وعشرين يوماً،
وإن كان حتى هذا يُبعدني عنكِ، يَعوقُني، يُقلقُني.
الدمُ يجبُ أن يسري في العروقِ، خفياً.
لنسمعهُ، في الليل قلباً قرب قلب،
كالموسيقى في الطابق أسفلنا،
حيثُ زوجان غريبان، يهيئان بالموسيقى لعلاقة حُبٍّ أعمق.
لا أريدُ، أن تتجولي في تلك الممرات،
التي تفوح فيها رائحة اليُود، والكافور والموت.
لا أريدُ أن تكوني ممرضةَ أحدٍ، ولا حتى ممرضتي.
لا أريدُ أن تعتني بالمُقعدينَ، ولا بالتماثيل الجذمة،
ولا بالحَمَامةِ التي هشَّمَ الخردق منبت جناحها الأيسر.
لا أريدُ ابتسامتكِ أن تُبَجِّلَ العُراة المقتولين، حتى وإن كانوا رفاقي.
ابقي أنتِ هكذا كما أنتِ يافعةً، أو قومي بِحُريكةٍ صغيرة،
تُسرِّحين بها تموجات السجادة المتراكمة أمام السرير،
أو ليكن جلَّ ما تفعلينه هو أن تُمشطي - أجملُ تسريحة شعرٍ ابتكرتِها لي - شعريَّ المُبتلّ،
و يُمكِنُ أن تُحضِري الشَّايَ بالصينية الكبيرة كلَّ صباح ٍ،
كما لو أنها قيثارة، رغم انكِ لا تنوين العزف عليها،
غير أن القيثارة ستُرَنِّمُ من تلقاء نفسها، حالما أنظر إليكِ.
فكما تعرفين، إن في فُصِّ الخاتم المتلألئ الذي حَظيتُ به منكِ مدينةٌ مضاءةٌ - تلمعُ بأضوائها الخضراء، ومصابيحها.
في شوارعها العريضة راقصات صبايا - يتجولّنَ بفوانيس ورقية قُرمزيّة وأزهار أقحوان،
وشابٌ، من الشرفة ينثرُ في شُعُرِهِنَّ قصاصات ورق ملونة من قصائدي الممزقة.
لأجل ذلك، أدرتُ فُصَّ الخاتم وأطبقتُ عليه راحتي،
لكيلا تُصيبُ عينُ حسودٍ أو حاقدٍ، هذه السعادة التي لا أريدُ أن تنضب مهما طال الزمن،
وغداً عند الفجر سنجد الغزلان الثلاثة نافقة في المصعد.


هذه القصيدة من مجموعته الشهيرة
"أيروتيكا" أو معزوفةٌ موسيقيةٌ صغيرةٌ على السُلَّم الأحمر "دو"

نبذة عن حياة الشاعر تجدونها في هذا الرابط:

  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

الأستاذ كامل السامرائي... أجمل التحيات
أحييك على هذه القصيدة الجميلة. حقًا من أين لنا من يطلعنا على الشعر المجري! القصيدة زاخرة بالصور الشعرية... قصيدة مشهدية بامتياز.
ثمة سهو هنا وهناك يتعلق بقواعد اللغة، لكنه لا يشتت انتباهنا عن جمال النص.

- لحمٌ مُشَرَّحٌ، دمٌ، لكن هو ليسَ دمُ طمثكِ كلَّ سبعٌ وعشرون يوماً. (الأولى أن نقول "سبع] وعشرين لأنها مجرورة بالإضافة)

- ابقِ أنتِ هكذا كما أنتِ يافعةً، أو قومي بِحُريكةٍ صغيرة، (الأولى أن نقول "ابقي" لأن المخاطبة أنثى)

- تُسرِّحي بها تموجات السجادة المتراكمة أمام السرير، (ألأولى "تسرّحين) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة)

أو ليكن جلَّ ما تفعليه هو أن تُمشطي - أجملُ تسريحة شعرٍ ابتكرتيها لي - شعريَّ المُبتلّ، (الأصح "تفعلينه" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، ,وأيضًا الأصح "ابتكرتِها" فلا نقول أنتِ ابتكرتي أو أتيتي أو أكلتي، ونكتفي بعلامة الكسرة) )

- وغداً عند الفجر سنجد الغزلان الثلاثة نافقات في المصعد. (رأيي أن نقول "نافقة". فلفظة الغزلان جمع غزال وهي مذكر. ومذكر غير العاقل يجمع على صيغة المفرد المؤنث. ولو كانت مؤنثة لكانت مقبوله كقولنا "ثلاث زهراتٍ جميلات" على سبيل الأنسنة.

لكن كما ذكرت فإن هذه الهنات لا تقلل أبدًا من روعة النص..

ألف شكر .


-
 
الأديب والمترجم القدير الأستاذ نزار سرطاوي

جزيل الشكر والامتنان على مرورك وتعليقك الجميل وأيضاً على تصويباتك وتقويم ما لم أدركه قواعدياً، وهذا ما أعاني منه في كثير من الأحيان، فلست قادراً على تصويب ما أترجمه لغوياً حتى وأن مررت عليه عشرات المرات، لأن معرفتي بقواعد العربية ليست على ما يرام..

كما تعلم أستاذي الفاضل فالشاعر يانيس ريتسوس يوناني ولكنني لا أستطيع كبح نفسي عندما أقرأ نصاً رائعاً كهذا مترجماً عن لغة ثانية، وأجلس مكتوف الأيدي، فأقوم بترجمته فوراً، وهذا يخالف كما ذكرت في إحدى تعليقاتك في المثقف قواعد الترجمة، "من أبجديات الترجمة أن نترجم عن اللغة الأم مباشرة لا عن لغة وسيطة". ولكنني أيضاً لا أحب التقيد بذلك، حالي كحال الرجل الذي تسلق قمة إفرست فسأله الصحفي لماذا قمت بذلك؟ فأجابه : لأن الجبل كان أمامي..
فكيف لي ترك ما أستمتع به لنفسي فقط، فالمترجم يجب أن يكون كريماً ويجود بما يستيطع لأجل إغناء القارئ..

هذه القصيدة كما أشرت واحدة من قصائد مجموعة إيروتيكا، والتي قمت بترجمتها عام 1985 مع مجموعة قصاصات لنفس الشاعر ولكن لم أتمكن من طباعتهما.. فبدأت بنشر بعض نصوصها على صفحات المواقع الرقمية هنا وهناك..

أرجو أن تنال رضاك ترجمات أخرى قمت بنشرها هنا على صفحات الأنطولوجيا الغراء. وأقصد ترجمات القصائد لشعراء من المجر عن اللغة المجرية مباشرة..

ودمت بخير وعطاء دائم أخي وأستاذي نزار
 
تحياتي أخي الأستاذ عامر - وعذرا فقد ناديتك أعلاه باسم عادل. وهكذا فنحن نصيب ونخطأ أو نغفل، ونعرف ونجهل. كلنا نفعل ذلك ونتعلم ممن هم أكبر منا وأصغر. وهذه هي الصفة الإنسانية الأروع: التعلم.

وفي رأيي الشخصي أنه لا يضيرنا أن نعمد قبل النشر إلى عرض النص على صديق نثق برأيه.

بقي أن أقول أنك على ما يبدو مررت بما كتبتُه في المثقف مرّ الكرام. ولو قرأت تعليق الشاعر كريم الأسدي وردي الكامل عليه لأدركت أنني أوافقك الرأي تماماً خلافًا لما تصورتَ من العبارة التي أخذتها. لذا تلاحظ أنني أثنيت على ترجمتك من الشعر المجري دون أن أعلم إن كانت مباشِرةً أو عبر لغة وسيطة.
احترامي وتقديري.
 
استاذي ومعلمي المحترم نزار
لقد قرأت بشغف كل التعليقات، وما نقلته من حوارك ما كان إلا تأكيدًا واقرارا لوجهة نظرك. أي نحن مشتركان في الخطيئة.
ربما لم يتضح ذلك في تعبيري فأرجو المعذرة.

أما عن عرض النصوص على أحد فهذا ما افتقره حقاً.

مع بالغ مودتي واحترامي
 
أعلى