أدب المناجم عبد القادر بنهار - هل الاجهاز على ذاكرة جرادة أمر مقصود؟

ذاكرة جرادة ثرية للغاية، وكل ذلك الثراء فيها كيفما كانت ألوانه ليس بالضرورة مصدرا للنقم على الماضي ولا مدعاة لرفضه. فأنا شخصيا أحصيت إلى اليوم ما لا يقل عن 26 موقعا يزخر بالصور والأحداث التي لن تكون سوى وثائق تاريخية على قدر عال من الأهمية العلمية والتوثيقية والسياحية. ومما لا ريب فيه أن مجتمعا بدون ذاكرة هو مجتمع أعرج يخشى على مستقبله، وحتى إن تقدم، فإن تقدمه لن يكون إلا بطيئا وغير ثابت الخطوات.
كان سؤال الفحم وإغلاق الشركة مقلقا للجميع في نهاية التسعينيات، ولكن الدولة المغربية مجبرة أو مقتنعة، تأكدت أن مدينة جرادة يجب أن تستمر وأن تشق طريقها إلى المستقبل بدون فحم وأن تعرف بنيات أساسية مهمة...
فما الذي يضر أن تستمر المدينة بدون «سيليكوز» وفي نفس الوقت أن تظل البنيات الصناعية والخدمية والإدارية للشركة قائمة مصونة عربونا على احترام المسؤولين لذاكرة العمال وأبنائهم وطلبا لحفظ هذه الذاكرة والاستفادة منها وتشغيلها.
لقد بدا الإهمال مقصودا على تلك الممتلكات، وقد ارتفعت عدة أصوات تفسر بأن سكوت المسؤولين على تخريب تلك المنشآت هو سكوت بقصد للقطع مع الذاكرة العمالية النقابية والسياسية، والقطع مع مرحلة من الاستغلال البشع للعمال. وهذا القصد مغرق في الخطأ إلى أبعد حد، ذلك أن الإبقاء على تلك الذاكرة وصيانتها هو إقرار بوضع غير صحي لمقارنته مع ما تبذله الدولة حاليا من جهود في ترقية المدينة. وهو وثيقة للتاريخ كما هو الأمر لدى كل شعوب الأرض. وهو في أقل حدوده وثيقة للكتابة الأدبية الصحيحة الروائية والشعرية والقصصية والمسرحية...
إن أي ربط للمستقبل بحالة من الفراغ وعدم ربطه بحقيقة الماضي يظل أمر مضرا بالمدينة اجتماعيا واقتصاديا على الخصوص.
وفي ظل الصراعات الحزبية الضيقة في عمومها في الواجهة الجماعية، وفي ظل الحياد السلبي بل في ظل الاستهزاء بمواقع الفحم كمداخل سياحية من طرف بعض المسؤولين، فإن المدينة لا تتوقع أن تشكل لها هوية متكاملة دقيقة باستراتيجية واضحة المعالم.
وعليه، فإن الذي يستطيع أن يبني مستشفى اقليميا، والذي يستطيع أن يشيد قرية رائعة للصناع التقليديين، ومقرا هائلا للعمالة وقصرا للبلدية ومسجدين ووو، يستطيع بدون شك أن يحدث «أرشيفا للمدينة» ويستطيع أن يعين له محافظا وموظفين وباحثين...
ويستطيع في أبسط من ذلك أن يعين حراسا يحمون ممتلكات الشركة إلى أن تتحول إلى متاحف ومواقع سياحية ما لم تنهب وتتحول إلى عقارات يتقاتل من أجلها..

عبد القادر بنهار


نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 02 - 2014



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى