عدي المختار - دراما (السكجات) نفخ في رماد الوطن والمواطن

بعد انتهاء عصر الفوازير التي كنا نتابعها بشغف مذ كنا صغارا عبر الشاشة المصرية وتبهرنا خفة الاداء والتعدد الصوري في اللغة البصرية للمشاهد التي كانت تظهر فيها نجمات الزمن الجميل كل من ( نيلي – شريهان – ليلى علوي – لوسي – شيرين وجدي – جيهان نصر ) وانتهاء بالنجمات ( دينا – غادة عبد الرازق – نيلي كريم – ياسمين عبد العزيز – مريام فارس – حليمة بولند- دالي ) , كان لابد من ايجاد بديل لبرامج درامية تحمل الطرفة وخفة الايقاع فظهر لنا في السنوات الاخيرة نمط جديد لم يكتسب شرعيته او تسميته بعد الا ان المختصين في هذا المجال يطلقون عليه ( دراما السكجات) , ولعل اكثر من اشتغل على هذا النوع وابدع فيه اخراجيا وبصريا هو المخرج اوس الشرقي في عدد من القنوات الخليجية ومن ثم فضائية الشرقية ,ليلقى هذا النوع في السنوات الاخيرة رواجاً في القنوات الاخرى ليكون مادة مابعد الافطار رمضانيا من كل عام كونها تقدم طبقا دراميا يحمل الطرافة وخفة الايقاع الدرامي .
قدمت في رمضان 2020 العديد من الفضائيات العراقية برامج درامية من هذا النوع , ولان مايبث هو ملك المتلقي وهو وحده من يضع خطوطا حمراء تحت مالا يرغب وبالمقابل يطلق العنان للاستمتاع بمايرغب , لذا اضع بعض الملاحظات حول ماشاهدت.
• #( كما مات وطن ) موت الكوميديا
لا احد يختلف على ان النجم الكوميدي اياد راضي بات خلال السنوات الاخيرة نجم البرامج الدرامية هذه وعمادها لما يتمتع به من اداء كوميدي محبب لدى المتفرج فضلا عن اجتهاده هو في تقديم نفسه كسوبر ستار الدراما الكوميدية في العراق واستطاع تحقيق ذلك وبجدارة فهو يحترم موهبته ويشتغل عليها كثيرا .
في برنامجه الدرامي هذا العام ( كما مات وطن ) الذي كتبه مجموعة من الكتاب العراقيين واخرجه المخرج سامر حكمت لصالح قناة الشرقية ,كان فيه كعادته يجتهد في تقديم مايلبي طموح المتفرج العراقي بدءًا من العنونة ( كمامات وطن ) والتي توثق للبرنامج زمنه في وسط تظاهرات العراق، فضلا عن رمزية العنوان العالية في ان ثمة من يكمم الوطن او ثمة كمامات اخرى خارج مساحة البوح تكمم افواهنا .
قدم شركاؤه في العمل من ممثلين ساندين اداء مقبولا وفق مالديهم من مساحة للكاركترات التي جسدوها , الا ان الفنان اياد راضي بقي هو المهيمن على مساحة البرنامج الذي استطاع المخرج ان يقدم فيه لغة بصرية مميزة تتناسب معه .
الا ان مايعيب العمل انه افتقد الى مساحة الكوميدية المفترضة لمثل هكذا اعمال, كما انه غيب دور الفنان سعد خليفة كفاعل كوميدي كان بالامكان ان يكون الابتسامة الوحيدة وسط هذا البؤس.
العمل رغم موضوعاته المهمة الا انه قتل الكوميديا بالمطلق ونزح نحو الكوميديا السوداء وفق المضحك المبكي في تقديم قصص تشكل علامات تنبيهية في ذهنية المتفرج فيما يجب او لا يجب

#( بنج عام ) وخز في تاريخ مات!!
واحد من اهم دراما ( السكجات ) التي حرصت على مشاهدتها , هو البرنامج الدرامي ( بنج عام) للكاتب احمد وحيد واخراج علي فاضل والذي انتج لصالح فضائية( utv ) .
يعد اكثر البرامج الدرامية في رمضان الذي تمت صناعته بصريا بحرفية عالية فقد ابدع المخرج في اخراج صورة بصرية كشف عن قدراته الاخراجية عين مخرج تعرف ماذا تريد .
في البرنامج الدرامي هناك متعة ملفتة للنظر هي اداء الممثلين الذين ظهرا بكاركترات مغايرة غير تلك التي اعتاد عليها المتفرج في ( ولاية بطيخ ) مما كشف اداءهم المميز عن مواهبهم الحقيقية التي تستحق الاهتمام والاشادة على الرغم من ان الفنان غسان اسماعيل وحده من بقي محافظا على كاركتره السابق ولم يلتحق بركب المغايرة لزملائه، الا ان الاداء الجماعي كان منسجماً جداً .
فيما يخص النص فأن القصص التي طرحها الكاتب احمد وحيد الذي عرفناه دوما مجتهدا في مايقدم , ففي ( بنج عام ) قصصه لا تعدو ان تكون الا وخزات في تاريخ قد مات ومر على العراقيين وجاء البرنامج هنا للتذكير بها لا غير , وكأن الكاتب يوثق تلك القصص التي مرت للتاريخ ويدين بلا مباشر افعال مرتكبيها وهو المواطن نفسه , وبالتأكيد مهمة الدراما ليس فقط توثيق التاريخ بل توثيق واستشراف وطرح رؤية بديلة مفترضة يجب ان يكون عليها المستقبل .

#( غائب في بلاد العجائب ) فنتازيا نقد الواقع بتقديم متواضع
دخول الفنان كاظم القريشي المعروف بكاركتراته الدرامية الجادة على خط دراما ( السكجات ) كان مثار فضول الجميع لمشاهدة ماذا يستطيع ان يقدم هذا الفنان ذو الكاريزما الحادة من دراما كوميدية في رمضان .
فأن عمل ( غائب في بلاد العجائب ) تأليف محمد حنش و عماد وناس و حسين النجار بطولة كاظم القريشي ، أخراج أسامة الشرقي ، وأنتاج أوس الشوقي لصالح قناة MPC عراق .
من ناحية النص وخطاب البرنامج الدرامي لا يختلف عن سياسة وخطاب اقرانه من البرامج الدرامية الاخرى في رمضان وهو نقد الواقع وتقديم قصص من واقعنا اليومي المعاش بلغة الدراما التي تضع اكثر من خط تحت هذه القصص المنتقاة واعتقد وفق كتاب العمل بشكل كبير في تقديم قصص واقعية باتزان وطرح يحترم عقلية المتفرج في نقد اوضاعه عبر فنتازية غير متكلفة .
وبعيدا عن احتجاج الكاتب سعدي عبد الكريم حول عائدية الاسم والخطاب له من جانب ملكية فكرية قد قدمها سابقا الا اني وجدت ان الفنان كاظم القريشي وفق ان يكون احد اهم الكاركترات الجاذبة لدراما ( السكجات) هذا العام , باداء متزن بلا تكلف بل كان الاداء منسجما مع ايقاع العمل لا بل اجتهد القريشي كثيرا في تقديم نفسه بشكل مغاير هذه المرة فاستحق المشاهدة والثناء , كما كان هو وكل الممثلين معه في انسجام تام في الاداء واستطاعوا قراءة الشخصيات بشكل حقيقي وتجسيدها .
فيما يخص الاخراج فقد اعتدنا على المخرج اوس الشرقي في تقديم مادة بصرية مبهرة واخراج ينسجم مع مضامين واهداف البرامج التي تناط له مهمة اخراجها وعلى الرغم من انه حاول كثيرا ان يجتهد الا انه وقع في الكثير من الاخطاء التي تشعرك بأنك بعض الحلقات اخرجت على عجلة دون رؤية اخراجية اعتدنا عليها من الشرقي ولربما كان السبب كثرة الاعمال التي كان يشرف عليها او يتولى اخراجها لم تتح له فرصة تقديم الافضل في هذا البرنامج حتى بات بسيطا ومتواضعا من الناحية الاخراجية .

#( جوه الموس) غياب منهجية النص اطاح بروح العمل
انتمي حد الانتماء الروحي لتجارب الشباب وخطواتهم الاولى مهما كان وقع هذه الخطوات سلبا ام ايجابا, لذلك تابعت بجد تجربة مجموعة من الشباب كان قد قدم محافظتي ( السماوة – النجف ) ليضع له موطأ قدم في خارطة الدراما التلفزيونية , ممثلون مبهرون على الخشبة الا ان الخشبة غير الشاشة الفضية فالاخيرة لها تقاليدها مثلما للمسرح تقليد اخرى.
برنامج ( جوه الموس ) الذي يعده ويقدمه دراميا الشباب ( مصطفى الخالدي – دنيا عزيز – حسن كامل – مرتضى اركان- ياسر الخزرجي) واخراج محمد الشمري لصالح قناة الفرات الفضائية , لم يختلف عن غيره من برامج درامية في النقد الا ان النقد هنا اجتماعي بحت خارج حدود النقد السياسي .
على مستوى الصورة البصرية والرؤية الاخراجية فقد كان العمل كل احداثه داخل اروقة الاستوديوهات بلا مشاهد خارجية الامر الذي اتاح للمخرج محمد الشمري السيطرة على كل تفاصيل الصورة البصرية ومسك زمام العمل بلغة بصرية جيدة على الرغم من انه حرم العمل من حيويته عبر تصويره داخليا , لكن يبقى ماقدم لا بأس به اخراجيا مع ماكتب .
يمتلك العمل ممثلين اعرفهم جيدا يمتلكون طاقة كبيرة ومهارات حقيقية الا ان سلطة المخرج على الممثلين غائبة تماما وترك المخرج الحبل على غارب الممثلين دون تفجير طاقاتهم , فجاء التمثيل متكلفاً انفعاليا باستثناء الممثلة دنيا عزيز التي كانت تمثل بأريحية محاولة الخروج بالعمل من رتابته للكوميديا المرجوة .
استحضار شخصية عالقة في اذهان العراقيين بمحبة كبيرة الا وهي شخصية ( حجي راضي) دراميا اليوم هي مخاطرة كبيرة لانك اما ان تقدم شيئا يليق بهذه الشخصية او ان تقع في مأزق كبير وهذا ماوقع فيه البرنامج , كما ان منهجية النص غائبة تماما وللاسف لم يكن خلف العمل كاتب محترف يستثمر طاقات الشباب لتقديم عمل درامي حقيقي وعلى ماعتقد اعتمد العمل على مايكتبه الشباب فقط وغياب منهجية النص اطاحت بروح العمل , الا انها تبقى تجربة شبابية تستحق الاحترام.

#( ولاية بطيخ) موت سريري يحتاج لإنعاش
لاربعة مواسم تابع المتفرج العراقي البرنامج الدرامي ( ولاية بطيخ ) من قناة الى اخرى حتى جاء الموسم الخامس الذي كنا ننتظر فيه مغايرة بعد جاء الموسم الرابع بتكرارية ملها المشاهد .
الموسم الخامس من برنامج ( ولاية بطيخ )، تقديم واخراج علي فاضل مع مجموعته الشابة المبدعة كان لصالح قناة ( UTV) فضائية لم يأت بجديد على مستوى الخطاب والمضمون باستثناء اللغة البصرية التي تطورت كثيرا في هذا الموسم , فالممثلون هم ذاتهم بأدائهم المميز المعهود الا ان محنة هذا البرنامج هي في ديمومة الاستمرار في تقديم مضامين جديدة تبهر المتفرج وتحفر بعمق في مخيلة المتلقي وتستفز رضاه , الموسم جاء بسيطاً متواضعاً يدور حول نفسه وكانه يلفظ انفاسه الاخيرة واعتقد يحتاج صناع هذا البرنامج لضمان الاستمرارية بذات الوهج لاستكتاب كتاب جدد لديهم افكار جديدة مغايرة لانعاشه من هذا الموت السريري .
ختاما
مايجب ان يشار له ان البرامج الدرامية ( السكجات ) التي قدمت في رمضان 2020 هي افضل بكثير مما انتج من مسلسلات رمضانية عراقية من ناحية الاخراج والاداء والمضامين فعلى اقل تقدير على الرغم من كل الملاحظات التي ذكرناها هي دراما تنحاز للمواطن وتحترم عقله.


عدي المختار
*كاتب ومخرج عراقي



p_1593ls3d11.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى