أحقًا، كنتُ أرتدي الرُّعب، وأحملُ قيدًا، لعلّني أفتحُ أرواحًا، أو أُغلِق فضاءات، حينها ربّما أصفعُ الدّهشةَ، لأرسمُ مصائر، حينها سأختمُ نهايات التدريب، وألبس الزي، دون أن أتأمّلُ.
-"يا جلف". هذا ما قالهُ، ثمّ تخيّلتُ أنّي أُمسكهُ، ألوي عنقه، أخنقه، أصفعه، ألكمه، أدوسه، أقيّده، أعلِّقُه، أصعقه، أعصر خصيتيه، أقرص ثدييه، ألتذُّ، أخمدتُ سيجارة فيه، "ألم تنطفئ روحك!"
اصطاخ، يصخني نهيز الجرذ، أبحلقُ، أحملُ الهراوة، حدّقتُ، أطلقتُها، تناثر الغبارُ، يزكمني العفن، أسعلُ. أجلسُ فوق الطّاولة، يخترقني مسمار، يغوص، أصرخ، يرتجُّ بطني، يرتطم رأسي.
أسمعُ همهمة، يخاطبني: "ويحك". أصبحتُ مجنوناً، أركض، ألهث، يتسرب دخان، تنحجب الرؤية، تشتعل النيران، يلحقني، أقترب للمخرج، يقاومني البابُ، "أو يجرؤ أن يقاومني"، صرت ثورًا، أرفسهُ، ينخلع، أركله، يهوي، "أنا الفاتح للمغاليق".
ألوّح للمروحيّة، تحلّق في فضاء الفاجعة، تصطدم بالسّور، تنشطر، تنفجر، شظايا، أشلاء. تفرُّ روحي، أصبحت عنكبوتًا، أتسلّق سورًا، أصارع الأسلاك، أقفز محلّقًا، أقع. تتقاذفني الحجارة، يمسكني أحدهم، يطعنني الآخر، يدوسني الثّالث، تلعقني سكاكين، ينزف دمي، تنطلق الأعيرة، تتقدّم مدرّعة القنفذ، تدوسهم، تشطر جدارهم، تتراكم الجثث، تتقاذفها زجاجات حارقة، تخرُّ في حفرة.
أختلس النّظر، أزحفُ، أتصفّحُ وجوهًا، يسكنني الهلع، تتمزّق أحشائي، أتسمّر، يسوّد الغيم، أستنشق اللهاث، يحمرُّ التّراب، يجفُّ دمعي، أتحجّر، تعتريني شهوة، أنتفض، أهجم، أصطدم بهم، أشوّه الوجوه، أوغل فيهم، أحتسي منهم، أشعر ببرودة، أحنُّ للسّلام،"للعلم، للوطن" تتسارع النبضات، أسقط، يصفعني هتاف: "لاتركع إلاّ ..."