سعد عبد الرحمن - النحو و المنطق بين السيرافي و متى بن يونس *

-1-
من فنون النثر التي كانت معروفة و منتشرة في عصور الازدهار الحضاري العربي ، كان ثمة فن له سماته و خصائصه الفنية و له آدابه و قواعده و أعرافه ، و له أيضا جمهوره المهتم به الحريص على متابعته و المشاركة فيه ؛ و كذلك روايته و تسجيله ، ثم دار الزمان دورته فأخذ هذا الفن في التراجع و الانحسار حتى اندثر و لم يعد له وجود في حياتنا الأدبية ، و إن وجد على استحياء في مجالات أخرى غير أدبية .
ذلك هو فن " المناظرة " و المناظرة مأخوذة من النظر و مادة ( نظر) في اللغة تعني تأمل الشيء و معاينته ، وتطلق المناظرة على عدة معان منها المقابلة و التكافؤ و منها المباحثة و المدافعة و التباري ، تقول ناظرت فلانا : صرت له نظيرا و ندا ، و ناظر فلان فلانا : باحثه ؛ و تناظرا : تباريا ؛ و ناظر الشيء بالشيء : جعله نظيرا له و كفئا ، و تطلق " المناظرة " في الاصطلاح على تردد الكلام بين شخصين يقصد كل منهما إثبات صواب كلامه و إبطال كلام غريمه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق .
إنه فن قولي ارتجالي و هو بمثابة مباراة كلامية بين شخصين لهما رأيان مختلفان في موضوع من الموضوعات أو قضية من القضايا و كل منهما يحاول في المناظرة المنعقدة بينهما أن ينتصر لرأيه مستغلا – في سبيل ذلك – كل ما توافر له من أدلة و براهين عقلية و ما ادخر في جعبته من أساليب الجدل و طرق الحجاج ، و أحيانا يستخدم المتناظران أو أحدهما ما لا يجوز من أساليب السفسطة و التمويه و المغالطة و المكابرة و المراء إذ لابد أن تنتهي المناظرة بهزيمة أحد الطرفين للآخر هزيمة واضحة لا لبس فيها و لا جدال .
و أول من ميز قواعد و آداب المناظرة و جعلها علما مستقلا و صنف فيه على الكيفية التي عرفناه بها هو ركن الدين العميري الحنفي صاحب كتاب " الإرشاد " و المتوفى في سنة 1218 م ، و ممن صنفوا في هذا الفن محمد بن أبي بكر المرعشي المعروف بساجقلي زاده ( ؟ - 1732 م ) و رسالته الشهيرة في هذا الفن بعنوان " الولدية في آداب البحث و المناظرة " و عليها شروح كثيرة من أهمها شرح عبد الوهاب بن حسين الآمدي ، و كذلك صنف العالم المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد ( 1900 – 1972 م ) أواخر العشرينيات من القرن الماضي كتيبا في قواعد المناظرة سماه " رسالة الآداب في علم آداب البحث و المناظرة " و كذلك العلامة محمد الأمين الشنقيطي ( 1905 – 1974 م ) صنف كتابا بعنوان " آداب البحث و المناظرة " ، و للشرباصي الحسنين المدرس بالأزهر الشريف كتيب بعنوان " خلاصة في أدب البحث و المناظرة " ( ط 2 1961 ) .
و في رأي الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد أن دراسة فن أو علم المناظرة ذات فائدة عظيمة فمن خلالها يمكننا معرفة طرق البحث و المناقشة مع الخصوم ، كما يمكننا عصمة الذهن من الخطأ في المباحثات الجزئية ، و يترتب على ذلك بيان الحق و رد المبطلين و قمع الضال بإلزامه أو إفحامه .
و للمناظرة - كما يرى الذين قعدوا لهذا الفن - آداب ينبغي على المتناظرين مراعاتها و الالتزام بها هي عبارة عن تسعة محاذير نظمها أحدهم في بضعة أبيات و استشهد بها ساجقلي زاده في كتابه " الولدية " كالتالي :
ينبغي للباحــــــــــــــث أن يجتنب .. من أمــور تسعة خذهـــــــا تصب
إنها الإيجـــــاز و الإطنـــــاب بل .. المقـال المجمــــــل المفضي للخلل
و احذرن لفظا غريــــبا في الكلام .. ثم دخلا قبــل تحقيــــــــــق المرام
لا تباحث بالمهيــــــــــب المحتشم .. لا تحقر قـــــــط فردا مـــــــن أمم
رفع صوت مثل ضحك في المقال .. قط دهــرا لـــم يجــــــوزه الرجال
و حصرها محمد محيي الدين عبد الحميد بكتابه في سبعة نقاط كما يلي :
1 - أن يتحرز المتناظران من إطالة الكلام و اختصاره .
2 - أن يتجنبا غرابة الألفاظ و إجمالها
3 - ألا يسخر أحدهما من صاحبه .
4 - أن يكون كلامهما ملائما للموضوع .
5 - أن يقصد كل منهما ظهور الصواب و لو على لسان صاحبه .
6 - ألا يتعرض أحدهما لكلام صاحبه قبل أن يفهم غرضه .
7 - أن ينتظر كل منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه .
و تتم المناظرة أمام جمهور يقل أو يكثر حسب نوعية الموضوع الذي تتناوله المناظرة و المجال المعرفي الذي تنتمي إليه ؛ و حسب أهمية المناظرة أيضا ، هذا بالإضافة إلى ظروف و ملابسات انعقادها الزمانية و المكانية .
و لكن أغلب ما وصلنا من مناظرات - و هو في الواقع قليل – نجد انه قد حدث أمام جمهور من المثقفين بل قل صفوة المثقفين : لغويين و بلاغيين و أدباء و متكلمين و متفلسفين و منطقيين و إخباريين و غيرهم ممن اشتهر كل منهم بمكانته و علو كعبه في مجال أو أكثر من مجالات العلم و المعرفة في ذلك العصر ، و لهذا الجمهور دور بارز في التمهيد و التهيئة لانعقاد المناظرة و في اختيار طرفيها أحيانا ، و في إحمائها و و إذكاء حرارة النقاش و الجدل فيها ، كما قد يكون له دوره في إنهائها و تحديد الطرف الفائز فيها ، و غالبا ما يتم هذا التحديد بشكل غير مباشر من خلال تعقيبات الجمهور و تعليقاته على أداء كل من الطرفين خلال سير المناظرة .
و للمناظرات رواة مثل رواة الشعر و الخطب و الأخبار و غيرها من فنون الأدب الشفهية في العصور الماضية .
و بعض الرواة كان يسجلون المناظرة كتابة على ألواح يحرصون على اصطحابها معهم إلى المجالس التى يدعون إليها ليسجلوا عليها ما يستحوذ على إعجابهم مما يدور فيها من حوارات و مناقشات و ما ينشد فيها من أشعار و ما يحكى فيها من قصص و حكايات و من ملح و طرائف و نوادر و نكت فقهية و لغوية و ما يروى من أخبار و ما قد ينشب في أثنائها من خلافات و جدل و معارك فكرية .
و يعد العصر العباسي العصر الذهبي لفن المناظرة بسبب ما كان يموج به هذا العصر من حركة عقلية واسعة و نشاط فكري كبير ، و ما أكثر ما كان في ذلك العصر من فرق المتكلمين و جماعات الفقهاء و أصحاب الملل و النحل و علماء اللغة و النحو و البلاغة و رجال الفلسفة و المنطق و غيرهم .
و من أهم الفرق التي اشتهر أصحابها في ذلك العصر بقدراتهم الفائقة على المناظرة و الجدل " المعتزلة " فقد أناطوا بأنفسهم مهمة منازلة طوائف المتكلمين من مخالفيهم ليدحضوا آراءهم و مقالاتهم .
و رغم الازدهار الذي كان عليه فن المناظرة في العصر العباسي إلا أن مؤرخي الأدب القدامى لم يعنوا به العناية اللائقة بمكانته بين فنون الأدب فلم يبق من نماذجه إلا القليل ، و هو في معظمه اختصارات لبعض المناظرات الشهيرة و منها المناظرة موضوع هذه الدراسة : " النحو و المنطق بين السيرافي و متى بن يونس " .
- 2 -
حفظ لنا هذه المناظرة في كتابه " الإمتاع و المؤانسة " العالم الموسوعي ؛ فيلسوف الأدباء و أديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدي نقلا عن روايتين إحداهما ناقصة لأبي سعيد السيرافي أحد طرفي المناظرة ، و علة النقص في روايته أنه - كما قال - لم يحفظ عن نفسه كل ما قاله فضلا عما قاله غريمه ، لذلك فبالرغم من أن بعض شهود المناظرة سجلوها في الألواح التي كانت معهم إلا أنه اختل عليه كثير منها ، و الرواية الثانية أتم بالقياس إلى رواية السيرافي و هي لعلي بن عيسى الرماني و قد حدثت المناظرة في مجلس الوزير ابن الفرات سنة 326 هـ بحسب كلام التوحيدي ، و شهدها بخلاف الوزير ابن الفرات و بطلي المناظرة جماعة من أعيان العلماء و سراة القوم منهم : الخالدي و ابن الأخشاد و الكتبي و أبو عمرو قدامة بن جعفر و الزهري و علي بن عيسى الجراح و ابن عبد العزيز الهاشمي و ابن يحيى العلوي و المرزباني ، و الوزير ابن الفرات هو صاحب الدعوة إلى عقد هذه المناظرة و المحرض الأول على حدوثها و ذلك بقوله : في بداية انعقاد مجلسه : " ألا ينتدب منكم أحد لمناظرة متى بن يونس في حديث المنطق ، فإنه يقول : " لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل و الصدق من الكذب و الخير من الشر و الحجة من الشبهة إلا بما حويناه من المنطق و ملكناه من القيام به " .
و حين أحجم القوم و تخوفوا أخذ الوزير ابن الفرات يستحثهم و يؤجج حميتهم و يستثير حماسهم حتى وقف أبو سعيد السيرافي ليعتذر باسم جمع الحضور عن عدم الاستعداد لما يدعوهم إليه بسبب المفاجأة ؛ و ربما أيضا توقعا أن يكون هو المنتدب لمنازلة متى بن يونس و هو لا يضمن أن تكون النتيجة في صالحه ، و معنى ذلك أنه هو وحده من سيبوء بعبء الهزيمة النفسي أمام هذا الجمع من نخبة المجتمع البغدادي ، و قد صح ما توقعه فإذا بالأمير ينتدبه و يختاره لأداء المهمة و راح يغريه و يشجعه و ينفخ في نفسه روح التحدي بقوله : " أنت لها يا أبا سعيد ، فاعتذارك عن غيرك يوجب عليك الانتصار لنفسك ؛ و الانتصار لنفسك راجع إلى الجماعة بفضلك " ، فلم يجد السيرافي بدا من الامتثال .
و إذا كان من الضروري أن نتعرف على شخصيتي بطلي المناظرة : السيرافي و متى بن يونس فأعتقد أنه لا بأس من التعرف أيضا على شخصيات المشاركين الثانويين فيها لا سيما أنهم أعلام و أقطاب ، و هم : الوزير ابن الفرات الداعي إلى انعقاد المناظرة و صاحب المجلس الذي انعقدت فيه ، و علي بن عيسى الرماني الراوية صاحب الرواية المطولة للمناظرة ، و أخيرا أبو حيان التوحيدي الذي لم يكن بالطبع من شهود المناظرة و لكنه حفظها لنا في كتابه " الإمتاع و المؤانسة " كما سبق أن أشرنا ؛ فحفظ لنا بذلك صفحة من تاريخ رقينا العقلي و الثقافي في العصر العباسي .
أ) السيرافي
هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان السيرافي نحوي عالم بالأدب ، ولد على أرجح الأقوال سنة 280 هـ بسيراف و هي بلدة فارسية قديمة كانت على الساحل الشرقي للخليج العربي ، خربتها الزلازل سنة 366 هـ ، و في سيراف بدأ بطلب العلم ثم غادرها إلى عمان حيث تفقه بها ، و كان من المعتزلة أما مذهبه النحوي فكان ينتمي إلى المدرسة البصرية ، و قد أخذ علم العربية عن أبي بكر بن المبرمان و ابن دريد و ابن السراج ، و قد برز في كثير من العلوم ، و كان رحمة الله عليه زاهدا عفيفا ، يأكل من عمل يده فلا يخرج إلى مجلس العلم و لا إلى مجلس التدريس حتى ينسخ تسع ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون هي مؤونة يومه ، توفي السيرافي سنة 368 هـ .
ب ) متى بن يونس
هو أبو بشر متى بن يونس القنائي من أهل دير قنى ، كان نصرانيا على المذهب النسطوري ( مذهب يؤمن معتنقوه أن للمسيح طبيعتين لا اتحاد بينهما ) ، عاش في بغداد و قرأ المنطق على ابن اسحق إبراهيم قويري المنطقي ، و من أشهر تلاميذه يحيى بن عدي المنطقي ، كان متى عالما بالطب و المنطق و إليه انتهت رياسة أهل المنطق في زمانه ، و هو أول من ترجم كتاب " الشعر " لأرسطو إلى العربية و قد ترجمه عن السريانية كما ترجم كتاب " البرهان " لإسحق بن حنين و شرح كتاب " إيساغوجي " لبورفيريوس و هو الكتاب الذي يقال إن ابن المقفع قد ترجمه ، و إن كلا من يحيى النحوي و أبي الفرج بن الطيب قد شرحه ، توفي متى على أرجح الأقوال سنة 328 هـ .
ج ) الرماني
هو أبو الحسن علي بن عيسى بن عبد الله الرماني و يعرف أيضا بالوراق و بالإخشيدي ، كان متكلما على مذهب المعتزلة و إماما في علم العربية من طبقة السيرافي و ابن علي الفارسي .
ولد الرماني سنة 297 هـ ، و كان يمزج كلامه في النحو بالمنطق حتى قال عنه ابو علي الفارسي : " إذا كان النحو ما يقوله أبو الحسن الرماني فليس معنا منه شيء ؛ و إذا كان النحو ما نقوله نحن فليس معه منه شيء " ، له من التصانيف كتاب " تفسير القرآن " و كتاب " الحدود الأكبر " و " شرح الموجز لابن السراج " و " إعجاز القرآن " و " شرح كتاب سيبويه " ، قال عنه أبو حيان التوحيدي : " لم ير مثله قط - بلا تقية و لا تحاش و لا اشمئزاز و لا استيحاش - علما بالنحو و غزارة في الكلام و بصرا بالمقالات و استخراجا للعويص و إيضاحا للمشكل مع تاله و تنزه و دين و يقين و فصاحة و عفاف و نظافة " ، توفي الرماني سنة 384 هـ .
د ) أبو حيان التوحيدي
هو أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي ، ولد ببغداد سنة 310 هـ ، و قد لقب بالتوحيدي نسبة إلى نوع من التمور يعرف باسم " التوحيد " كان أبوه يتاجر به ، يزعم بعضهم أنه فارسي من أصل نيسابوري أو واسطي بينما يزعم آخرون أنه عربي نشأ في بغداد و وفد بعد ذلك على شيراز ، تلقى العلم على كثير من العلماء منهم أبو سليمان السجستاني و أبو زكريا يحيى بن عدي النصراني و أبو سعيد علي بن عيسى الرماني و أبو حامد أحمد بن بشر الرذوري و آخرون .
اتصل في حياته بابن العميد ( الأب و الابن ) و الصاحب بن عباد و لم يحمدهما فشنع عليهما في كتابه " مثالب الوزيرين " و اتصل كذلك بابن سعدان ، لم يترجم للتوحيدي أحد من مؤلفي كتب التراجم و الطبقات قبل ياقوت الحموي الذي نعته بـقوله : " شيخ المتصوفة و فيلسوف الأدباء و أديب الفلاسفة و محقق الكلام و متكلم المحققين و إمام البلغاء " ، كان التوحيدي متشائما يكثر من السخط و الشكوى و يفرط في ذم الناس ، و قد دفع به تشاؤمه و سخطه على ما ناله من حظ قليل في الدنيا إلى أن يجمع مؤلفاته و يحرقها فلم ينج منها إلا القليل ، و من أهم تصانيفه التي نجت من المحرقة و وصلتنا : الإمتاع و المؤانسة ، المقابسات ، الصداقة و الصديق ، الإشارات الإلهية ، البصائر و الزخائر ، مثالب الوزيرين ، الهوامل و الشوامل .
توفي أبو حيان التوحيدي سنة 414 هـ .
هـ ) ابن الفرات
------------------
هناك أربع شخصيات تعرف بابن الفرات، و لكن صاحبنا المقصود هو أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات كما جاء في " الإمتاع و المؤانسة " و الثلاثة الآخرون هم أبوه و عمه و ابنه فكل منهم عرف أيضا بـ " ابن الفرات " ، و قد وزر عمه أبو الحسن علي بن محمد للخليفة المقتدر ، و وزر ولده أبو الفضل جعفر بن الفضل للإخشيديين في مصر .
ولد صاحب الترجمة سنة 279 هـ و استوزره الخليفة المقتدر عام 320 هـ ، و لما قتل المقتدر فقد منصبه ، و في خلافة الراضي صار عاملا على خراج الشام و مصر ؛ لكنه تولى الدواوين في أيام القاهر إلى أن استقدمه أمير الأمراء ابن الرائق ليستوزره الخليفة سنة 324 هـ أو سنة 325 هـ ، و لما لم يستطع القيام بأعباء المنصب في ظل الفوضى التي كانت تضرب بأطنابها على دار الخلافة آنذاك فقد استعفى من منصبه عام 326 هـ ، كان ابن الفرات محبا للعلم و العلماء و الأدب و الأدباء ، و يرتاد مجلسه عدد كبير منهم فيخوضون في موضوعات شتى و يتجادلون في كثير من القضايا و المقولات و الآراء في النحو و الفقه و الكلام و اللغة و الشعر ، وكان ابن الفرات مشاركا فعالا في تلك المناقشات و الحوارات على نحو ما جاء في مناظرة السيرافي و متى بن يونس ، توفي ابن الفرات سنة 327 ھ .
- 3 -
تتناول مناظرة السيرافي و متى بن يونس موضوعا رئيسيا هو " المفاضلة بين النحو العربي و المنطق اليوناني " ، و لكن المناظرة تطرقت من خلال حوار الطرفين المتناظرين و جدلهما حول الموضوع الرئيسي مجموعة من الموضوعات أو قل القضايا الجزئية ذات الصلة الوثيقة بالموضوع ، مثل :
أ‌) جدوى المنطق
الخلاف بخصوص جدوى المنطق من عدمه هو الموضوع الذي بدأت به المناظرة بين الطرفين ، إذ إن متى بن يونس يعد المنطق الأداة الأساسية التي عن طريقها يمكن تمييز صحيح الكلام من سقيمه و فرز المعنى الفاسد من صالحه ، و هي في الاستخدام عنده أشبه بالميزان الذي توزن به الأشياء لمعرفة قيمتها ، و لكن السيرافي يخالفه في ذلك لأنه يرى أن النحو و ليس المنطق هو الأداة التي يعرف بها صحيح الكلام من سقيمه أما فاسد المعنى من صالحه فيعرف بالعقل ، لذلك فما حاجتنا إلى المنطق ؟ .
و إن صح أن المنطق يزن الكلام إلا أنه ليس في إمكانه أن يكشف عن جوهر الكلام الموزون و لا قيمته ، كم أنه ليس كل ما يحرز قابلا للوزن ؛ فهناك ما يكال و يذرع و ما يمسح و ما يحزر سواء أكان هذا في الأشياء المادية أم في الأمور المعنوية و المعقولات ، ذلك لأن الإحساسات ظلال المعقول فهي تحكيها بالتقريب و التبعيد مع الشبه الملحوظ و المماثلة الظاهرة ، و إذا كان المنطق علما من وضع رجل يوناني و على لغة أهل اليونان فمن أين يلزم غيرهم من الشعوب أن ينظروا فيه أو يتخذوه قاضيا و حكما لهم و عليهم .
ب) الترجمة
يرى السيرافي أنه ما دامت الأغراض المعقولة و المعاني المدركة لا يمكن التوصل إليها إلا عن طريق اللغة ، إذن فلابد من الحاجة إلى اللغة ؛ و من ثم فإن متى بن يونس لا يعرف لغة اليونان بل يعرف فقط اللغة السريانية و هي وساطته فيما ينقل عن اليونان فكيف يستقيم أن يدعو إلى تعلم لغة يجهلها ؟ ؛ أليس هذا تناقضا ؟ هذا فضلا عن أن اللغة اليونانية لغة مهجورة و أهلها منقرضون ، و ما جدوى تعلم لغة مندثرة لقوم مندثرين أيضا ؟ بيد أن متى يرى أنه بالرغم من انقراض أهل اليونان و لغتهم إلا أن الترجمة قد حفظت لنا الأغراض و أدت المعاني و أخلصت الحقائق ؛ و هذا ما لا يقر به السيرافي ، لأن معنى الإقرار به أنه لا حجة إلا عقول اليونان و لا برهان إلا ما وصفوه و لا حقيقة إلا ما أبرزوها ، و يعترض متى على ذلك بقوله : إن اليونانيين من بين الأمم هم أصحاب عناية بالحكمة و البحث عن ظاهر ما ظهر من أنواع العلم و أصناف الصناعات .
ج) جنسية العلم و الصناعات
كان متى يرى أن اليونان هم دون غيرهم من الأمم و الشعوب أصحاب الفضل في نشأة العلوم و الصناعات و انتشارها ، و هذا – من وجهة نظر السيرافي – غير صحيح لأن العلوم و الصناعات لا جنسية لها ، فهي جهد مشترك بين جميع الأمم و الشعوب ، و لا يستطيع شعب و لا أمة أن تدعي لنفسها ما يدعيه متى بن يونس لأهل اليونان ، يقول السيرافي : " إن العلوم مبثوثة في بين جميع الأمم و الشعوب ؛ و لكل أمة نصيب في نشأتها و انتشارها ، و كذلك بالنسبة للصناعات فليس اليونان سوى شعب من شعوب العالم يعلمون أشياء و يجهلون أشياء و يصيبون في أمور و يخطئون في غيرها ، و يصدقون و يكذبون و يسيئون و يحسنون مثل غيرهم " ، و هنا يعود السيرافي إلى الموضوع الرئيس " المنطق " فيرى أنه ما دام واضع المنطق ليس اليونان بأسرها و إنما هو واحد منهم ، و قد أخذ عنه من بعده إذن فهو ليس حجة على كل هؤلاء الناس لأن له منهم مخالفين و من غيرهم أيضا ، و الاختلاف من طبيعة البشر ؛ لذلك فمن المحال أن يأتي إنسان مهما كان بما يرفع هذا الاختلاف أو يؤثر فيه ؛ هذا بالإضافة إلى أن العالم بقي بعد منطق اليونان على ما كان عليه قبل ظهور هذا المنطق .
د) بين اللفظ و المعنى
في هذه القضية " قضية اللفظ و المعنى " و هي قضية شغلت النقد العربي القديم عقودا طويلة من الزمن و حبرت فيه صحائف مطولة ، نرى متى بن يونس يعتذر عن عدم حاجته بوصفه منطقيا إلى النظر في النحو ، لأن المنطقي من وجهة نظره " ليس في حاجة شديدة إلى علم النحو بينما النحوي في حاجة شديدة إلى علم المنطق ؛ ذلك لان المنطقي إنما يبحث عن المعنى و النحوي يبحث عن الألفاظ ؛ و اللفظ بالنسبة إلى المنطقي " عرض " مثل المعنى بالنسبة إلى النحوي ، على أن المعنى أشرف من اللفظ ؛ و اللفظ أوضع من المعنى ، و يرد السيرافي بأن متى مخطئ فيما يقول فإن أعراض الكلام و أساليبه جميعا من واد واحد بالتماثل و الشبه ، و ذلك لتعلقهما بالمعنى من حيث المعقولية ؛ و لهذا فالنحو إنما هو منطق و لكنه مسلوخ من العربية ؛ و المنطق نحو و لكنه مفهوم باللغة ، و يفصل السيرافي القول بين اللفظ و المعنى على أساس أن اللفظ طبيعي بينما المعنى عقلي ، و لهذا كان اللفظ بائدا على الزمان لأن مستملي المعنى عقل و العقل إلهي ، أما اللفظ فمادته طينية و كل طيني متهافت ؛ إلا أنك في النهاية محتاج إلى اللغة لتحقيق الترجمة و اجتلاب الثقة و التوقي من الخلة اللاحقة على حد تعبيره ، و واضح أن طرفي المناظرة رغم الاختلاف بينهما حول أيهما أجدى بالنسبة إلى الكلام : النحو أو المنطق ؟ متفقان على حد كبير على أن المعنى أشرف من اللفظ و اللفظ أدنى مرتبة من المعنى .
هـ) عودة إلى قضية الترجمة
و إزاء اكتفاء متى من اللغة العربية بحد الكفاف – إن صح التعبير – و هو القدر الذي يتوسل به إلى الأغراض و المعاني التي هذبها أهل اليونان إذ إن هذا القدر الكافي من وجهة نظر متى لترجمة هذه المعاني و الأغراض هو ما يلزمه فقط من اللغة العربية ، إزاء ذلك نجد السيرافي مدفوعا إلى تسفيه هذا القدر الذي لدى متى من علم بالعربية لأنه – من وجهة نظره - محدود و غير كاف ، فاللغات متعددة و في نفس الوقت مختلفة في مواصفاتها و قواعدها و و أساليبها و هذا الاختلاف يقتضي عدم الوثوق بما يترجم من معان و أغراض لعدم إمكانية وجود تطابق كامل بين هذه المعاني و الأغراض في اللغة المترجم إليها ، و لذلك فإن السيرافي يرى أن متى محتاج إلى التمكن من اللغة العربية أكثر من حاجته إلى معرفة معاني اليونان و أغراضهم ؛ و ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن المعاني و الأغراض ليست حكرا على عقول أناس دون أناس ؛ فهي مشاع بين جميع عقول الخلق من يونان و عرب و فرس و هنود و غيرهم ، أما اللغات فهي عكس ذلك فلكل من هؤلاء لغته الخاصة التي تختلف و تتميز عن لغة غيره .
و يتساءل السيرافي مستنكرا : إذا كان المعنى حاصلا بالعقل و التفكير و لم يبق بعد إلا أحكام اللغة فلم إذن يزري متى بن يونس على اللغة العربية بينما هو يستخدمها في شرح كتب أرسطو مع ضعف حصيلته منها و جهله بالكثير من أسرارها ؟ و ما الحاجة إذن إلى المنطق إذا كان الناس قبل ظهوره قد عرفوا المعاني بالنظر و الاجتهاد في حين عرفوا اللغة بالمنشأ و الوراثة ؟ هل يمكن أن نعدهم مخطئين لأنهم عرفوا ما عرفوه عن طريق آخر غير طريق المنطق الذي لم يكن أهل اليونان قد وضعوه بعد ؟
و) مسائل نحوية و لغوية
-------------------------
و يستدرج السيرافي متى بن يونس إلى مجال يعرف أنه ليس مجال متى ؛ ألا و هو النحو فيسأله عن أحكام الواو في اللغة العربية ليبين له أن تفخيمه للمنطق لا يغني عنه شيئا ما دام يجهل اللغة العربية التي يدعو بها إلى حكمة اليونان ، و من خلال استخدامات " في " يبين السيرافي لمتى أن القدرة على التقسيم و التفريع ليست خصيصة في عقول أهل اليونان دون غيرهم من البشر ، ثم يعود مرة أخرى ليفصل القول في " الواو " و معانيها المختلفة ممثلا لكل معنى تستخدم فيه بجملة أو آية قرآنية أو بيت من الشعر مما يدل على علمه الغزير باللغة العربية و تضلعه فيها و في أحكامها ، ثم يستطرد السيرافي في اختبار متى بغرض الكشف عن مستوى جهله و حجم عدم معرفته الكبير باللغة العربية و تهافت حصيلته منها فيسأله مثلا عن الجملتين ( زيد أفضل الإخوة ) و ( زيد أفضل إخوته ) أيهما أصوب و أصحح و ما الفرق بينهما ؟ و حين يجيب متى أن الجملتين صحيحتان و يعجز عن التفرقة بينهما في المعنى فإن السيرافي يستغل الموقف لصالحه أفضل استغلال ؛ فبعد أم يكشف لمتى أنه أخطأ في القول بأن الجملتين صحيحتان يأخذ في تبكيته و توبيخه على ادعائه بأن النحوي إنما ينظر في اللفظ دون المعنى ؛ و المنطقي ينظر في المعنى دون اللفظ لأن هذا يصح للمنطقي لو أنه حدث نفسه فقط بهذه المعاني ، أما إذا أراد أن يشرحها لغيره فلابد له إذن من اللفظ فهو وسيلته في توصيلها إلى الناس ، ثم يشرح السيرافي في إسهاب الفرق بين الجملتين المذكورتين ، و بعد أن ينتهي من محاضرته في معاني النحو يعود فيسأل متى عن تفسير قول أحدهم : ( لهذا علي درهم غير قيراط ) ، و لهذا الآخر علي درهم غير قيراط ) كما يسأله عن الفرق في المعنى
بين الجمل الثلاث الآتية : بكم الثوبان المصبوغان ؟ و بكم ثوبين مصبوغين ؟ و بكم ثوبان مصبوغين ؟ و يفيض السيرافي في تبكيت متى على عجزه عن الإجابة .
ز) المنطق و التهويل بالمصطلحات
------------------------------
و يدافع متى عن نفسه و عن المنطق بأنه لو واجه السيرافي بجملة من المسائل المنطقية لحار في كيفية الإجابة عليها كحيرته هو أمام المقولات النحوية ، و لكن السيرافي يخطئه و يستبعد حدوث ذلك لأنه إذا كان ما سيسأل متى عنه متعلقا بالمعنى و صح لفظه أجاب عليه بغض النظر عن كون إجاباته موافقة أو مخالفة ، و إن كانت المسألة لا تتعلق - بالمعنى فإنه سيردها عليه ، و كذلك إن كانت المسألة متصلة باللفظ و لكن على طريقتهم الفاسدة في الكلام - فسيردها عليه أيضا و يعلل ذلك بقوله " لأنه لا سبيل إلى إحداث لغة في لغة مقررة بين أهلها " .
و يسوق السيرافي جملة من المصطلحات المنطقية التي استعارها أصحاب المنطق و الفلسفة من لغة العرب مثل : السبب و الآلة و الإيجاب و الموضوع و المحمول و الكون و الفساد و المهمل و المحصور، و هي - من وجهة نظره - " لا تنفع و لا تجدي و هي إلى العي أقرب و في الفهاهة أذهب " ، و مثل المصطلحات الفلسفية التي يعدها غير ذات قيمة فما هي في الحقيقة إلا خرافات و مغالق و شبكات - بحسب تعبيره - إذ يمكن لمن جاد عقله و حسن تمييزه و لطف نظره و ثقب رأيه أن يستغني عنها ؛ و يذكر بعض النماذج من تلك المصطلحات مثل : الهلية ، الأينية ، الماهية ، الكيفية ، الكمية ، الذاتية ، العرضية ، الجوهرية ، الهيولية ، الصورية ، الأيسية ، الليسية ، النفسية .
ح) مسائل أخرى خلافية
و يسأل السيرافي متى بن يونس كيف يفصل بمنطقه في الخلاف على تفسير قول القائل : ( لفلان علي من إلى الحائط ) ؟ هل يعني ذلك أن له الحائطين معا و ما بينهما ؟ ؛ أم أن له النصف من كل منهما ؟ ؛ أم أن له أحدهما فقط ؟ كما يسأله عن جملة لأحد العلماء اعترض عليه عالم آخر و الجملة هي : ( من الكلام ما هو مستقيم محال ؛ و منه ما هو مستقيم قبيح ؛ و منه ما هو محال كذب ؛ و منه ما هو خطأ ) كيف يحكم بين القائل و المعترض فيميز المصيب فيهما من المخطئ ؟ و بما أن كلام المعترض غير مذكور فإنه لن يتمكن من الحكم حتى يعرف كلام المعترض فهل يمكنه بالمنطق الذي تعلمه من اليونان أن يستنبط كلام المعترض من كلام المتكلم ؟ ، و يفيض السيرافي في تبكيت متى على عجزه عن الإجابة كما يستمر في السخرية من المنطق و من زيف ادعاءات المنطقيين و مصطلحاتهم و رموزهم .
ط) قضايا فلسفية
------------------
و يشن السيرافي حملة شعواء على الفلسفة في شخص الكندي بوصفه علما من أصحاب متى بن يونس أي رمزا من رموز الفلسفة و المنطق فيذكر جملة من القضايا الفلسفية التي يرى أن مقولات الكندي فيها كانت في غاية الضعف و الركاكة ، و من هذه القضايا ما يتعلق باصطدام الأجرام وتضاغط الأركان ، هل يدخل ذلك في وجوب الإمكان أو يخرج من باب الفقدان إلى ما يخفى من الأذهان ؟ و ما يتعلق أيضا بنسبة الحركات الطبيعية إلى الصور الهيولانية ، ما هي ؟ و هل هي ملابسة للكيان في حدود النظر و البيان أو مزايلة له مزايلة على غاية الإحكام ؟ هذا بالإضافة إلى ما يتعلق بفقدان الوجدان ؛ ما تأثيره في في عدم الإمكان عند امتناع الواجب من وجوبه في ظاهر ما لا وجوب له لاستحالته في إمكان أصله ؟! و يعتذر السيرافي عن عدم ذكره لإجابات الكندي بخصوص تلك القضايا بحجة الخوف من الإطالة و الإملال ، و لكنه لا ينسى أن يصف تلك الإجابات بأنها في غاية الركاكة و الضعف و الفساد و الفسالة و السخف .
- 4 -
إذا كان في الإمكان الاطمئنان إلى ان المناظرة واقعة فعلية و ليست تخيلية استننادا إلى أن لها شهودا حضروها أغلبهم معروف ، و من هؤلاء الشهود من سجلها كتابة في ألواح حسب كلام السيرافي حين قال : " و لكن كتب ذلك أقوام حضروا في ألواح كانت معهم و محابر أيضا ، و استنادا إلى أن كثيرين ممن حضروا المناظرة عاصروا شهادة الرماني المختصرة لها كما عاصر بعضهم تدوين التوحيدي لها في كتابه " الإمتاع و المؤانسة " ، و لم يؤثر عن أحدهم أنه أنكر حدوثها أو حتى شكك فيه ، فإن ما لا يمكن الاطمئنان إليه هو التطابق بين المناظرة كما رويت ( المناظرة المنطوقة ) و المناظرة كما حدثت ( المناظرة الفعلية ) من ناحية ؛ و التطابق بين المناظرة كما دونت ( المناظرة المكتوبة ) و المناظرة كما رويت ( المناظرة المنطوقة ) من ناحية أخرى و عدم الاطمئنان إلى التطابق بين المناظرة المنطوقة و المناظرة الفعلية يرجع إلى أن ثمة مسافة دائما تكون بين الحدث كما يقع و روايته الشفوية : إذ إن آلية السرد في الرواية ليس في إمكانها نقل جوانب الحدث المختلفة تماما و إنما هي تركز على جوانب بينما تغفل جوانب أخرى حسب زاوية الرؤية التي ينظر من خلالها الراوي إلى الحدث و حسب قدرته على تذكر الأحداث و الأقوال .
هذا بشكل عام ، و بشكل خاص فإن الرماني صاحب الرواية المسهبة للمناظرة لم يكن معه حين حضرها سوى ذاكرته فقط التي لا يمكن أن تكون مهما بلغت قوتها قد حفظت تفاصيل مناظرة كهذه تعددت فيها الموضوعات و القضايا و كثرت فيها الأسئلة و الاستشهادات ، و تخلل النقاش الساخن بين طرفيها تعقيبات و مداخلات من الأمير بن الفرات صاحب المجلس ، كما أنه لو صح أن بعضا ممن حضروا المناظرة قد سجلوها كتابة في ألواح جاؤوا بها معهم إلى المجلس ، إذن لماذا لم توجد للمناظرة رواية أخرى سوى الروايتين اللتين ذكرهما التوحيدي : رواية السيرافي المختصرة أو المبتسرة أيا كان سبب الاختصار أو الابتسار و رواية الرماني المسهبة أو المشروحة بحسب تعبير التوحيدي ؟ !
أما عدم الاطمئنان إلى التطابق بين المناظرة المكتوبة و المناظرة المنطوقة فيرجع إلى أن مجال الكتابة يختلف عن مجال الرواية إذ إن لكل منهما شرائطه و ظروفه الملائمة له ، فشرائط و ظروف المكتوب تختلف عن شرائط و ظروف المنطوق و ذلك باعتراف التوحيدي نفسه في موضع آخر من كتابه " الإمتاع و المؤانسة " حيث يقول : " و لكن الخوض في شيء بالقلم مخالف للإفاضة باللسان ، لأن القلم أطول عنانا من اللسان و إفضاء اللسان أحرج من إفضاء القلم " ، و ليس في هذا ما يتعارض مع قول التوحيدي في نهاية المناظرة : " هذا آخر ما كتبته عن عيسى بن علي الرماني الشيخ الصالح بإملائه " لأن العبارة لا تشير إلى زمن هذا الإملاء هل هو زمن الكتابة أو أنه زمن سابق على زمن الكتابة ؟ ، لأن كتاب " الإمتاع و المؤانسة " في مجمله هو نتاج عملية تذكر و استرجاع ما كان يدور في مجلس الوزير بن سعدان من حوارات و مناقشات و حكايات و روايات و أخبار ، و في هذا المجلس روى التوحيدي المناظرة مختصرا إياها فأعجب الوزير بها و أمر بتدوينها كتابة على وجه التمام فدونها ، يقول أبو حيان مخاطبا صديقه أبا الوفاء المهندس : " ثم إني أيها الشيخ ذكرت للوزير مناظرة جرت في مجلس الوزير أبي الفتح بن جعفر بن الفرات بين أبي سعيد السيرافي و أبي بشر متى بن يونس و اختصرتها فقال لي : اكتب هذه المناظرة على التمام " .
بالإضافة إلى كل ما سبق فإن هناك عدم تناسب صارخا بين أقوال طرفي المناظرة فبينما نجد أقوال السيرافي مطولة مسهبة نجد أقوال متى بن يونس موجزة مختصرة بشكل يثير لدينا شكوكا قوية في أن الأقوال قد تعرضت لعبث مقصود ففصلت و أسهبت أقوال السيرافي و أوجزت و اختصرت أقوال متى ، و إن كنا نقر بأن من الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كان هذا العبث يعود إلى مرحلة الرواية الشفوية أو إلى مرحلة الكتابة أو أنه موزع على المرحلتين ، إلا أننا مع ذلك يمكننا ترجيح أن العبث يعود إلى مرحلة الكتابة أكثر مما يعود إلى مرحلة الرواية الشفوية ربما لأن " القلم أطول عنانا من اللسان " كما يقول التوحيدي و هو ما يشير إلى أن العبث إن صح فلن يكون وراءه سوى مقتضيات الكتابة و من مقتضياتها ما هو متعلق بقوانين و قواعد و تقاليد الكتابة في حد ذاتها من حيث تحويل النص الشفاهي بعفويته و تلقائيته و ضعف نظامه و هشاشة تراكيبه و مشاعية ألفاظه إلى نص مكتوب للتأمل و الصنعة أثرهما في أسلوبه من حيث إحكام نظم جمله و حسن اختيار ألفاظه .. إلخ ، و هذا الجانب من مقتضيات الكتابة ليس هو المقصود ؛ و إنما المقصود هنا من مقتضيات الكتابة ما يتعلق بالوسط المحيط بالنص في أثناء التحول من الشفاهية إلى الكتابة .
لقد صيغت المناظرة المكتوبة بطريقة تتفق مع الرغبة اللا شعورية الجمعية لدى جمهور المثقفين في انتصار السيرافي على متى بن يونس انتصارا ساحقا ، و هذه الرغبة اللاشعورية الجمعية هي التي كشف عنها القناع مبكرا الوزير ابن الفرات حين قال : " ألا ينتدب منكم إنسان لمناظرة متى في حديث المنطق " فهو هنا يحدد قبل أن تبدأ المناظرة كيف ينبغي أن تنتهي و ذلك بإبداء رغبته في دحض أقوال متى و تفنيدها بغرض إثبات عدم الحاجة إلى المنطق بوصفه وسيلة إلى المعرفة الصحيحة ، و هذه الرغبة هي التي جعلت الوزير ابن الفرات يرشح السيرافي بالتحديد ليكون الطرف الثاني في المناظرة ، و الترشيح بلا شك مؤسس على معرفة دقيقة بقدرات السيرافي و تأسيسا على تلك المعرفة كان هو بالطبع أولى الحضور و أجدرهم بأن يغدو الغريم و الند لمتى بن يونس في المناظرة ، و هذه الرغبة أيضا هي التي جعلت الأمير يتدخل من حين إلى آخر في أثناء سير المناظرة بتعليقات و تعقيبات تهدف إلى تأييد مرشحه ( السيرافي ) و تزري في نفس الوقت على متى بن يونس و تفت في عضده .
و لهذه الرغبة اللا شعورية الجمعية في انتصار السيرافي وجه آخر ؛ فالسيرافي هو حامل لواء النحو العربي الذي يمثل كل ما هو عربي ، أما متى بن يونس فهو في المناظرة حامل لواء المنطق اليوناني الذي يمثل كل ما هو غير عربي و انتصار السيرافي على متى هو بمثابة انتصار للنحو العربي على المنطق اليوناني أو بتعبير أكثر دقة انتصار للعلم العربي على العلم غير العربي .
و خلاصة ما نريد أن نلفت الانتباه إليه هنا هو أن نص المناظرة كما ورد في " الامتاع و المؤانسة " يشي بأن التوحيدي قد حول المناظرة من نص منطوق إلى نص مكتوب في ظل مناخ ثقافي عام لا يرتضي أن يكون السيرافي مجرد منتصر في المناظرة بل أن يكون انتصاره ساحقا ، و من ثم لا مفر أمام التوحيدي من إعادة صياغة أقوال الطرفين لتحقيق ما يريده الجمهور ، و مما يعزز من شكوكنا أيضا أنه ليس بمستبعد أن يكون التوحيدي قد تزيد في تفاصيل المناظرة و اخترع فيها أشياء و أمورا لم ترد فيها على الإطلاق أو على الأقل أنها لم ترد بهذا الشكل المحكم ، و قد عرف عن التوحيدي أمثلة من هذا القبيل ، فقد اتهمه بعض العلماء من قبل ومنهم ابن أبي الحديد بأنه وضع الرسالة المشهورة المعزوة إلى أبي عبيدة على لسان أبي بكر و عمر في حق علي بن أبي طالب ، و سواء أصحت هذه الشكوك أم لم تصح ؟ أيا ما كان الأمر فإن المناظرة كما وصلتنا تضع النحو في مقابل المنطق أي تضع العلم العربي في مقابل العلم الأجنبي و بعبارة أخرى تضع الموروث الأصيل في مواجهة الوافد الدخيل و تنتصر للأول على الثاني بشكل سافر و صريح ن و بذلك فإن القضية تدخل في مجال " صراع الثقافات " .
و إذا وضعنا أمام أعيننا صورة العصر الذي تنتمي إليه المناظرة و هو العصر العباسي حين انفتحت الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى المحيطة أخذا و عطاء و حين تداخل العنصر العربي و عناصر الشعوب المجاورة من سكان البلاد المفتوحة التي أصبحت من الولايات التابعة للإمبرطورية الإسلامية ، و يضاف إلى ذلك ما نتج عن هذا الانفتاح الثقافي و ذلك التداخل الإثنولوجي من ظهور النزعات العرقية المعروفة بالشعوبية في هذا المعترك العرقي و الثقافي بنشاطه و تفاعلاته مما أثار مثل هذه القضية : قضية " الموروث / الوافد " التي تذكرنا بقضية " الأصالة / المعاصرة " في زماننا هذا مع فارق أساسي هو أننا في عصر المناظرة كنا فاعلين حضاريا بينما نحن الآن غير فاعلين إلا في إطار الـ " نوستالجيا " إلى الماضي الذهبي الجميل .
نقول إننا إذا وضعنا أمام أعيننا هذه الصورة فإنه يمكننا أن نتفهم تلك المواجهة التي تقيمها المناظرة بين النحو العربي و المنطق اليوناني ، و في نفس الوقت سبب شهرة هذه المناظرة و مكانتها المرموقة في أدبنا العربي المنثور ، إلا أن المناظرة بالرغم من كل الشكوك التي أثرناها حول تطابق صورتها المكتوبة مع صورتها المنطوقة تكشف عن جانب غير ملحوظ و لكنه خطير في صورة العصر العباسي التي أشرنا إلى بعض ملامحها الأساسية ، و في هذا الجانب غير الملحوظ من الصورة نجد ثقافة يشعر أصحابها بأنهم السادة في هذا العالم و أصحاب اليد الطولى بالنسبة للآخرين ، و أنهم بلغوا من الرقي الحضاري مستوى جديرا بالفخر و الاعتزاز ، إلا أننا نلمح في الجانب نفسه علامات تشير إلى أن العد التنازلي للحظة الانحدار من فوق القمة قد بدأ .
فذلك الشعور الزائد بالاكتفاء الذاتي الذي وصل إلى حد الغرور و التعالي على الأخذ عن الآخرين و رفض الاستفادة مما لديهم من معارف و علوم تحت أي حجج واهية أو قوية كان في الواقع بداية النهاية للتقدم و الحضارة معا .
لم تكن الرغبة الشعورية الجمعية لدى الإنتلجنسيا العربية ترتضي بمجرد انتصار السيرافي على متى بن يونس بل تريد أن يكون انتصاره انتصارا ساحقا لا لبس فيه كما سبق أن أشرنا ، و لا يتحقق ذلك إلا بأن يغدو البون شاسعا بين أدائه في المناظرة و أداء غريمه فعندئذ لا يكون ثمة أدنى شك في النتيجة المبتغاة .
و هذا لا شك في أنه تحقق بالفعل في المناظرة و حرصت المناظرة في صورتها المنطوقة ؛ و كذلك المناظرة في صورتها المكتوبة على تثبيته بل ربما زادا من تأكيده عن طريق العبث بأقوال الطرفين ؛ بالتطويل و الإسهاب في جانب و الاختصار و الإيجاز في جانب آخر كما سبق أن أوضحنا .
على أن المناظرة في صورتها المكتوبة تتيح لنا ما لم تتحه المناظرة الفعلية لجمهورها ، و أهم ما أتاحته لنا المناظرة في صورتها المكتوبة هو فرصة التأمل في التفاصيل و الموازنة بتجرد بين طرفي المناظرة أكثر و تقويم أداء كل منهما أكثر بموضوعية ، فنحن هنا لسنا أسرى إرادة الأمير ابن الفرات في هزيمة متى بن يونس و انتصار السيرافي ، و لسنا كذلك أسرى المناخ الثقافي لا العام و الخاص الذي تمت المناظرة في سياقه و كانت نتيجتها محصلة طبيعية لتوجهات ذلك المناخ و مقتضياته ، و هذا ما يجعلنا نقول إن السيرافي - و إن كان انتصر على متى بن يونس - فإن انتصاره لم يكن انتصارا ساحقا كما يراد لنا نصدق و نعتقد ، و نستطيع أن نفسر ذلك بسببين رئيسيين :
أولا : إن كفتي المتناظرين لم تكونا متكافئتين من حيث إن السيرافي كان يخوض المناظرة على " ملعبه و وسط جمهوره " بلغة المعلقين الرياضيين في العصر الحديث ، صحيح أن السيرافي كي لا نغمطه حقه بدا في المناظرة مكتمل اللياقة من حيث حصيلته العلمية و قدرته على الحجاج و الجدل فقد كان متمكنا من اللغة و النحو و على معرفة لا يستهان بها في نفس الوقت بمجال تخصص غريمه " المنطق و الفلسفة " و كان بارعا في الاستدلال و الاستنباط و التفصيل و التفريع و التمثيل و غير ذلك مما اشتهر به المعتزلة إلا أن المناخ الثقافي الذي اشرنا إليه من قبل كان في صالحه و ضد متى بن يونس ، فبالنسبة إلى المناخ الخاص على سبيل المثال كان الأمير ابن الفرات صاحب المجلس و الداعي إلى المناظرة في صف السيرافي حتى قبل أن تبدأ ؛ و كذلك جمهور الحاضرين فإن معظمهم و ربما كلهم كانوا من أنصار الثقافة العربية أي ركيزة في ظهر السيرافي تسنده و تقويه و عوامل تخذيل و تثبيط بالنسبة لمتى بن يونس تضعفه و تحد من قدراته على المصاولة .
ثانيا : لأن السيرافي استغل المناخ الثقافي العام و الخاص لصالحه فاستخدم و هو يناظر غريمه جملة من أساليب الحجاج و الجدل غير المشروعة و هو آمن ألا يلفت ذلك انتباه أحد من الحضور و حتى إن التفت أحد إلى ذلك فلن يفعل شيئا يناقض رغبته اللاشعورية في هزيمة متى و فوز السيرافي .
لقد كان الجميع تقريبا ما عدا متى بن يونس أسرى مناخ ثقافي متعصب لكل ما هو عربي و معاد أو على الأقل متحامل ضد كل ما هو غير عربي ، و لذلك لا عجب أن كانت المناظرة في صورتها الأولية المنطوقة تلبي في صياغاتها المرتجلة الرغبة الدفينة في لا شعور جمهور المناظرة بأن ينهزم متى و ينتصر السيرافي ، و جاءت المناظرة في صورتها المكتوبة لتؤكد في صياغاتها المحكمة ذلك الهدف و تجعل انتصار السيرافي انتصارا ساحقا مثيرا للإعجاب و جديرا بالمدح و الثناء ، و من تلك الأساليب غير المشروعة :
أ‌) أسلوب التخطئة
حرص السيرافي في كثير من المواقف على تخطئة خصمه بشكل صريح إلى حد الفجاجة ، و كأن كل ما يقال إما صواب أو خطأ و لاشيء غير ذلك ، و كأن ما يصدر عن متى بن يونس خطأ محض لا يحتمل أية نسبة من الصواب ، و من الأمثلة على ذلك قوله : " أخطأت لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف و الإعراب المعروف " قوله : " أخطأت و تعصبت و ملت مع الهوى " و قوله : " أخطأت لأن الكلام و النطق و اللفظ ..... كلها من واد واحد بالمشاكلة و المماثلة " و قوله : أخطأت ، لأنك في هذا السم و الفعل و الحرف فقير إلى و صفها و بنائها .... " و قوله : " أفتيت على على غير بصيرة و استبانة " ، و قوله أيضا : " أخطأت ، لأنك إذا سألتني عن شيء أنظر فيه .... "
ب‌) أسلوب التسفيه و التجهيل
و هو أسلوب الهدف منه هو نفس الهدف من الأسلوب السابق " التخطئة " ألا و هو الاستفزاز بقدر الإمكان من أجل زعزعة يقين الخصم و التأثير عليه نفسيا بما يضعف من موقفه و يحد من قدرته على التفكير الهادئ ، و من الأمثلة على ذلك قوله : " هذا باب أنت و أصحابك رهطك عنه في غفلة " و قوله : " فلم تزري على العربية و أنت تشرح كتب أرسطوطاليس بها مع جهلك بحقيقتها " و قوله أيضا : " و أمثلة لا تجدي و هي إلى العي أقرب و في الفهاهة أذهب " أو قوله : " كل هذا تخليط و زرق و تهويل " .
ج) المغالطات المنطقية
لجأ السيرافي في المناظرة إلى الكثير من المغلطات المنطقية التي لم يكن مناخ المناظرة يسمح لمتى بن يونس بمناقشتها و كان هدف السيرافي من تلك المغالطات بالطبع إرباك غريمه و في نفس الوقت إثارة حماسة جمهور المناظرة المتعطشين لهزيمة متى .
و المغالطة المنطقية ببساطة تعني ترتيبل نتائج خاطئة على مقدمات منطقية صحيحة ، و من أمثلة مغالطات السيرافي في المناظرة ما جاء في الحديث عن جدوى المنطق حيث بنى السيرافي على كون المنطق علما من وضع اليونان نتيجة خاطئة هي أنه علم لا يلزم غير اليونان من الشعوب ، و منها أيضا ما جاء بخصوص عدم معرفة متى لغة اليونان التي ينقل عنها بوساطة لغة أخرى هي السريانية نتيجة خاطئة هي أنه لا ينبغي عليه أن يدعو إلى تعلم لغة لا يعرفها ، و من مغالطاته أيضا أنه بناء على أن الاختلاف في الرأي طبيعة إنسانية لا يمكن للمنطق أن يمحوها أو يؤثر فيها يرتب نتيجة خاطئة هي أن المنطق لا جدوى من تعلمه و لا حاجة لأحد إليه ما دام لا يستطيع رفع هذا الاختلاف أو التأثير فيه .
- 5 -
تبقى الآن مسألة تحتاج إلى تحقيق ، فقد جاء في بداية المناظرة كما وردت في كتاب " الإمتاع و المؤانسة " أن المجلس الذي انعقدت فيه المناظرة كان سنة 326 هـ ؛ يقول التوحيدي إنه سأل الرماني عن عمر السيرافي وقت المناظرة فقال : " مولده سنة 280 هـ و كان له يوم المناظرة أربعون سنة " و تحديد ابن خلكان في وفياته لتاريخ ميلاد السيرافي قريب من تحديد الرماني له فقد حدده بسنة 279 هـ ، و لكن ياقوت الحموي يذكر في معجمه أن المناظرة وقعت سنة 320 هـ ، و تحديد التوحيدي لتاريح حدوث المناظرة بسنة 326 هـ يتعارض مع ما نقله عن الرماني بأن سن السيرافي وقت حدوثها كان أربعين سنة فلم يفطن التوحيدي إلى أن الفارق بين سنة 280 هـ و سنة 326 هـ ست و أربعون سنة و ليس أربعين ، و يكون تحديد الرماني لسن السيرافي وقت حدوث المناظرة بأربعين سنة متفقا مع تحديد ياقوت الحموي لوقت حدوث المناظرة بسنة 320 هـ .
و لولا أن الوزير ابن الفرات كان وزيرا في التاريخين المذكورين للمناظرة ( تاريخ التوحيدي و تاريخ ياقوت الحموي ) فقد كان وزيرا للمقتدر قبل مقتله سنة 320 هـ ، و كان وزيرا للطائع من سنة 324 هـ أو سنة 325 هـ ( في إحدى الروايات ) حتى سنة 326 هـ لكان من الممكن حسم الخلاف حول تاريخ وقوع المناظرة بالعودة إلى تاريخ وزارة ابن الفرات و من ثم تحديد أكثر دقة لتاريخ ميلاد السيرافي .
أما و الثابت أن ابن الفرات كان وزيرا في التاريخين المذكورين إذن فلا سبيل أمامنا إلا الترجيح و نحن نرجح أن يكون وقت حدوث المناظرة كما ذكر التوحيدي هو سنة 326 هـ و ليس سنة 320 هـ كما ذكر ياقوت الحموي لأن التوحيدي هو الأقرب إلى وقت المناظرة من يا قوت فقد كان معاصرا لحدوثها و إن لم يكن من شهودها بينما تفصل ثلاثة قرون تقريبا بين وفاة ياقوت و وقت حدوث المناظرة ، كما نرجح أن يكون تاريخ ميلاد السيرافي 280 هـ كما ذكر الرماني صديقه و معاصره ، و عليه فإن سن السيرافي وقت حدوث المناظرة تكون ستا و أربعين سنة و ليس أربعين ، و قد يعزز هذا الترجيح وصف الرماني لأبي سعيد السيرافي و هو في تلك السن بقوله " و قد عبث الشيب بلهازمه " ، و الله أعلم .


__________________ * نشرت بمجلة الثقافة الجديدة عدد مايو 2007
المصادر و المراجع :
1- الإمتاع و المؤانسة لأبي حيان التوحيدي
2- معجم الأدباء لياقوت الحموي
3- نزهة الألباء في طبقات الأدباء للأنباري
4- الكامل في التاريخ لعز الدين بن الأثير
5- الولدية في آداب البحث و المناظرة لساجقلي زاده
6- رسالة الآداب في علم البحث و المناظرة لمحمد محيي الدين عبد الحميد
7- خلاصة في أدب البحث و المناظرة للشرباصي الحسنين .
8- دائرة المعارف الإسلامية .
9- العصر العباسي الأول ، و العصر العباسي الثاني للدكتور شوقي ضيف
10 - أبو حيان التوحيدي ( سلسلة أعلام العرب ) للدكتور زكريا إبراهيم
11 - النثر الفني في القرن الرابع الهجري للدكتور زكي مبارك
12- مجلة فصول عدد خريف 1995 و عدد شتاء عام 1996 .

سعد عبد الرحمن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى