صالح الغازي - الخوف والطبيب

الخوف فقط هو الذي استطاع أن يوحد البشرية ويجمعها، لم يتوحد إنسان العصر الحالي على أي من القيم ولا أي فكرة، فقط الخوف وحد الجميع من دون أي تمييز أو تصنيف، وكأنه هو الرادع الواقعي لإنسان هذا العصر، ووضعنا أمام حقيقة أن أي تميز بشري هو تميز افتراضي زائل. يُفاجأ الانسان ان الماكياج يزول وينكشف وجهه، مساحات جهل غير متوقعة! كما سيطرت الخرافة فظهرت العيوب واضحة. موقفنا الآن أن نراجع كل شيء حولنا، وبداية لن يفيدنا بحق في هذا الوقت العصيب إلا العلم، سواء بالخطوات العلمية التي تتخذها الحكومات، أو بالفريق العلمي المنقذ، فهو البطل الحقيقي في هذه المواجهة، مما يجعل الانتباه الى الطاقم الطبي بالتعامل معهم بشكل أكثر ملاءمة، من ناحية تمكينهم من الدور الصحي الانساني الذي يقومون به، لإرشادنا ونصحنا أو تقديم الرعاية اللازمة لنا. حتى الأمس القريب كنا نجد أحوالاً ملتبسة للأطباء، مثلاً لا يكف الجهلة عن التشكيك في معلوماتهم وتحميلهم مسؤوليات جهلهم. ذات مرة سمعت سيدة تسب طبيباً لأنه لم يكتب لها او لابنها مضاداً حيوياً، ولاحظت شركة ترغم أطباء على تحويلهم الى تجار ليعملوا وفق «تارجت». أما في الجهة المقابلة في بلدان اخرى أقل في الغنى يكون الضغط عليه كبيراً ومجهداً بما لا يتحمله، فيتحول الى شخص بائس لا يجد التقدير المناسب، ويعاني الأزمات المادية لتواضع راتبه واضطراره الى العمل فترات طويلة يوميا، وعدم توفير احتياطات الأمان وبدلات العدوى، ومن ناحية أخرى عدم توافر الاجهزة اللازمة لأداء عمله ونقص الأدوية الفعالة. اما التمريض، الذي يقع على أفراده عبء كبير في هذه الأوقات، فله دور مهم وليس هامشيا أو قليل القيمة، انه مساعد الطبيب ومتابع المريض، فيجب العناية بتعليمهم وتدريبهم، والنظرة إليهم يجب ان تكون أكثر تقديرا. نتوق الآن الى كلمة من الطبيب، وننتظر كل ما يخرج من فمه لننفذه. ونشعر بالامتنان للتمريض الذي يخفف عنا. ينتظر العالم كله «الدواء» الذي سينقذنا، فهل سيخذلنا البحث العلمي ونتساقط واحداً واحداً؟ اهتمامنا بالبحث العلمي في السابق سنجنيه الآن، ورعايتنا للطاقم الطبي سنجنيها الآن. فهل ستنتهي الأزمة ونعود ننفق أموالنا ووقتنا على خدع تعلقنا بها وسلع زائدة وأحداث غير مهمة، وتتحكم فينا السوق التجارية البشعة، ونعطي عقلنا لمزيفين وكذابين ومتلونين وننسى الطبيب والعالم والباحث؟ وعلى اعتبار أن الكثيرين كانوا يعانون من أنهم مستهلكون في الحياة اليومية، فهل يحتمل ان يكون بيننا من يستفيد من عزلته ليقدم منجزاً، مثل إسحاق نيوتن الذي اضطره وباء الطاعون لينعزل فأنجز أكبر إنجازاته العلمية؟

صالح الغازي
في صحيفة القبس
الجمعة والسبت ٢٤/٢٥ أبريل ٢٠٢٠
_____

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى