برغم شرفة منزله الضيقة، والتي بالكاد تتسع لكرسي واحد، كان " ريكاردو" ذو الخمسين ربيعا يلتجئ إليها كل يوم، يجلس على الكرسي، مرة يجلس ظهره مسنودا إلى الوسادة الصغيرة، مادا رجليه بشكل متشابك، ومرة منتصب الظهر واضعا رجلا على رجل، وفي كلتا الحالتين يكون مرفوقا بمنظار رؤية عن بعد من النوع الرفيع، يصوبها أثناء جلوسه بشرفة منزله بالطابق الخامس جهة البحر.
كان " ريكاردو" في الأعوام السابقة، عند حلول التباشير الأولى لفصل الصيف لا يسبقه أحد إلى الشاطئ، لكن ماذا سيفعل هذه السنة وقد تغير الأمر؟ الوقت لا زال وقت حجر صحي، وليس باستطاعته الذهاب إلى شاطئ البحر بالسلاسة التي تعود عليها عند بداية كل صيف، ليس له إلا ان يصبر اكثر امام هذا المأزق الوجودي الذي لم يخطر على بال أحد.
في الشرفة الضيقة كان " ريكاردو" يرتدي " تي شورت" وحده، يدهن جلد جسمه ، صدره وذراعيه بمرهم ضد أشعة الشمس الملتهبة، تماما كما كان يفعل قبل سنوات على شاطئ المدينة، حيث كانت زوجته " إماكولادا" الشقراء ذات العينين الزرقاوتين، تساعده بأناملها الرشيقة الساحرة على دهن المرهم المضاد لأشعة الشمس القوية على ظهره، وكلما انتهت تمازحه بتمرير يديها على رأسه الأصلع ثم تقبله.
نفس الدور كانت تقوم به" إماكولادا" في الشرفة الضيقة ، لكن هذه المرة واقفة عند باب الغرفة المؤدية للشرفة ، ترتدي قميصا قصيرا صيفيا أزرق من الدانتيل المطرز، تدهن ظهره بالمرهم ، تمازحه وهي تقول:
- بماذا تحس الأن روحي؟
لا يرد عليها ، يظل مستغرقا في النظر عبر منظاره جهة البحر، تضيف قائلة:
- هل ماء البحر بارد؟ ...ما شكل امواجه؟
" إماكولادا" تسأل و " ريكاردو" لا يجيب، يحرك رجليه الممدودتين قليلا ، يتمطط بظهره قليلا ..تماما كأنه يسبح، يستغرق طويلا على هذا الحال، ثم ينتبه أخيرا الى زوجته الشقراء:
- الماء للوهلة الاولى بارد جدا سرعان ما جعلته حرارة رغبة جسمي في العوم دافئا..ليس هناك امواج بالمرة يا قلبي، وأني أستمتع كثيرا بالسباحة!
" ريكاردو" في زمن الحجر..كان كل يوم عبر المنظار السحري يسبح من شرفة منزله الضيقة ، يشرع للمستحيل بابا في حياته، يصير مثل طفل مفتون بالبحر تنسيه عذوبة الماء ومتعة السباحة نفسه! إلى ان تناديه زوجته " إماكولادا" :
- كفى " ريكاردو" ..لقد جاء دوري الأن للسباحة.
يتململ " ريكاردو" من مكانه، تأخذ الزوجة الشقراء فوطة بحرية مطوية خلف الكرسي، يكاد دلفين أسود يقفز عاليا من تفاصيلها الزرقاء، وقد صارت الأجواء محمومة بالرغبة والخيال، يجفف جسده من الماء المالح، وهو ينهض منصرفا باتجاه الغرفة، فيما "إما كولادا" تجلس مكانه على الكرسي بالشرفة الضيقة، تأخذ المنظار السحري، وتصوبه بدورها جهة البحر، تصعد من أعماقها أنفاس حارقة، وتلوذ بخيالها في تجربة السباحة عن بعد !
---------------------------------
* خالد الدامون.
كان " ريكاردو" في الأعوام السابقة، عند حلول التباشير الأولى لفصل الصيف لا يسبقه أحد إلى الشاطئ، لكن ماذا سيفعل هذه السنة وقد تغير الأمر؟ الوقت لا زال وقت حجر صحي، وليس باستطاعته الذهاب إلى شاطئ البحر بالسلاسة التي تعود عليها عند بداية كل صيف، ليس له إلا ان يصبر اكثر امام هذا المأزق الوجودي الذي لم يخطر على بال أحد.
في الشرفة الضيقة كان " ريكاردو" يرتدي " تي شورت" وحده، يدهن جلد جسمه ، صدره وذراعيه بمرهم ضد أشعة الشمس الملتهبة، تماما كما كان يفعل قبل سنوات على شاطئ المدينة، حيث كانت زوجته " إماكولادا" الشقراء ذات العينين الزرقاوتين، تساعده بأناملها الرشيقة الساحرة على دهن المرهم المضاد لأشعة الشمس القوية على ظهره، وكلما انتهت تمازحه بتمرير يديها على رأسه الأصلع ثم تقبله.
نفس الدور كانت تقوم به" إماكولادا" في الشرفة الضيقة ، لكن هذه المرة واقفة عند باب الغرفة المؤدية للشرفة ، ترتدي قميصا قصيرا صيفيا أزرق من الدانتيل المطرز، تدهن ظهره بالمرهم ، تمازحه وهي تقول:
- بماذا تحس الأن روحي؟
لا يرد عليها ، يظل مستغرقا في النظر عبر منظاره جهة البحر، تضيف قائلة:
- هل ماء البحر بارد؟ ...ما شكل امواجه؟
" إماكولادا" تسأل و " ريكاردو" لا يجيب، يحرك رجليه الممدودتين قليلا ، يتمطط بظهره قليلا ..تماما كأنه يسبح، يستغرق طويلا على هذا الحال، ثم ينتبه أخيرا الى زوجته الشقراء:
- الماء للوهلة الاولى بارد جدا سرعان ما جعلته حرارة رغبة جسمي في العوم دافئا..ليس هناك امواج بالمرة يا قلبي، وأني أستمتع كثيرا بالسباحة!
" ريكاردو" في زمن الحجر..كان كل يوم عبر المنظار السحري يسبح من شرفة منزله الضيقة ، يشرع للمستحيل بابا في حياته، يصير مثل طفل مفتون بالبحر تنسيه عذوبة الماء ومتعة السباحة نفسه! إلى ان تناديه زوجته " إماكولادا" :
- كفى " ريكاردو" ..لقد جاء دوري الأن للسباحة.
يتململ " ريكاردو" من مكانه، تأخذ الزوجة الشقراء فوطة بحرية مطوية خلف الكرسي، يكاد دلفين أسود يقفز عاليا من تفاصيلها الزرقاء، وقد صارت الأجواء محمومة بالرغبة والخيال، يجفف جسده من الماء المالح، وهو ينهض منصرفا باتجاه الغرفة، فيما "إما كولادا" تجلس مكانه على الكرسي بالشرفة الضيقة، تأخذ المنظار السحري، وتصوبه بدورها جهة البحر، تصعد من أعماقها أنفاس حارقة، وتلوذ بخيالها في تجربة السباحة عن بعد !
---------------------------------
* خالد الدامون.