يطاردني وجه هذه المدينة الجاثمة فوق صدري كطوفان ، كلما خطر على بالي الخروج إليها يدهمني اختناق وتتصارع في نفسي الأسئلة كأنما يرتطم كل منها بالآخر في معركة مبهمة الأسباب والمرامي .. ماذا تريدين مني يا صنعاء بعد كل هذا !؟
أجدك سيدة مغرورة تنظر إلي من علوّ سخريتها متلذذة ً بشماتة خيباتي وهزائمي المخزية ، كأنك تعرفين أني رغم كل ادعاءات رجولتي لن أقدر على مدّ يد المساعدة لك أو لن أجرؤ .. هذا ما يؤرقني.
تتسللين كل ليلة إلى فراشي خلسة ، تجثمين على أحلامي فأصحو مفزوعاً كدراً ، أتأملك من النافذة فأشعر بالوحشة وأنا أراك مثقلة بالظلمة ، تنقطع عنك الكهرباء منذ شهور ونحن نخبئ رؤوسنا كالنعامة لا ننبس بكلمة اعتراض أو تذمر ، لكأننا ندرك - دون إفصاح - أننا نستحق منك هذا العقاب ، كإخوة يوسف ينظر بعضنا إلى بعض بتواطؤ وكأننا نجيب عن صمت الأسئلة بتبرير الجرم.
ها أنت ِ بعد أن غسلت ِ يديك ِ الملطخة بالدم وازدردت ِ لعابك ِ خفية تطلبين مني أن أخرج لزيارتك مرة ً أخرى ..!
كيف لي أن أحتمل ذلك الهمس الموجع الذي تطلقه شوارعك الملطخة بدماء الشهداء ، همسٌ خفي لا يكاد يسمعه غيري ، همس ٌ مشحون ٌ بأسئلة ٍ يخترق وجعها جوفي ، تحاصرني نظرات الأعين من صور الشهداء ، أشعر أنها تنظر إلي ّ بريبة سؤال ٍ صامت ، تنتظر جواباً أعجز عنه!
تفزع نومي ، تفسد ُ لحظات القات ، تخنقني ، أمشي منكـَّس الرأس ، منكوس الروح ، ممزقاً بين الأحلام المعلقة الباسمة المرسومة سحباً فوق المنصة ، وبين تلك الرائحة التي تتسلل إلى الساحة كلما عادت إليها مسيرة منتهكة.
وأخشى أن أرفع رأسي كي لا تعرفني الجدران ، كي لا تتأملني فتتذكرني ، وتتذكر أني كنت هناك ، كنت جواره وهو يموت ، وكنت جواره وهو يصاب ، وكنت أشم رائحة الغاز معه ، وأكسـّر أحجار الأرصفة مثله ، لكني _ يا للعار _ ما زلت حياً.
أحتمل مرارة الأسئلة التي لا جواب لها ، ومهانة الانتصار المكذوب ، وكلما انقطعت الكهرباء عن المدينة أنظر بتواطؤ في أعين جيراني وأحوقل ثم اشعل المولد الكهربائي على عجل علّ هدير ضجيجه يعلو على صراخ تلك الأجوبة.
ليس أصعب على المرء من أن يهرب من عجزه أمام أنثاه الوحيدة ، ليرتمي في أحضان نساء أخريات لا يلقين إليه بالاً ، يتباهى أمامهن بفحولته وهو يدرك تماماً مواطن ضعفه ، يتلذذ بانتصاراته الوهمية وهو يسمع أفكاره الخبيثة تضحك ساخرة من أوهامه.
إني أعلم .. أعلم أني تركت ساحتي وخيمتي وطويت أسلحتي وعدت خائباً لأختبئ بين جدران الشقة ، ماذا كنت تريدينني أن أفعل وأنا أشاهد فلذات كبدك تتساقط جواري ، ولا أملك لها شيئاً ..؟!!
لم يكفني زاد الحب ولم يرد الظلم عني سلاح العزيمة ، لم يقف أمام الظلم الغاشم شيءٌ مما أعددتـهُ لتلك المرحلة ، ولم يكن معي غير روحي العارية كي أهبها أضحية ً لطموحاتك.
لم تكفك ِ أرواحهم العطشى ولم تحسم المعركة لصالح العاشق ، فاز بك الظالمون من قبل ِ أن تدقَّ طبولُ الحرب ، وذهبت تلك الأضحيات سدىً ، والآن أشعر أنك تديرين وجهك ثانية تبحثين عن مزيد من الدم ... أما يكفيك أيتها المعشوقة الجاحدة ؟!
أعلل نفسي كل يوم بأني سأرحل عنك وأدير ظهري لطلباتك المجحفة للأبد ، وأنا أدرك في أعماقي أن لا حضن سيحويني سوى حضنك .. أذكـّر نفسي كل حين بأن عليّ أن أنساك ِ وأسعى في طريق طموحاتي وحدي ، وأن أصمَّ أذني عن سماع أغانيك الموجعة .. ماذا تريدين مني يا صنعاء ؟! .. أما يكفيك ؟!
عبير يحيى السياغي
صنعاء 21/6/2012م
أجدك سيدة مغرورة تنظر إلي من علوّ سخريتها متلذذة ً بشماتة خيباتي وهزائمي المخزية ، كأنك تعرفين أني رغم كل ادعاءات رجولتي لن أقدر على مدّ يد المساعدة لك أو لن أجرؤ .. هذا ما يؤرقني.
تتسللين كل ليلة إلى فراشي خلسة ، تجثمين على أحلامي فأصحو مفزوعاً كدراً ، أتأملك من النافذة فأشعر بالوحشة وأنا أراك مثقلة بالظلمة ، تنقطع عنك الكهرباء منذ شهور ونحن نخبئ رؤوسنا كالنعامة لا ننبس بكلمة اعتراض أو تذمر ، لكأننا ندرك - دون إفصاح - أننا نستحق منك هذا العقاب ، كإخوة يوسف ينظر بعضنا إلى بعض بتواطؤ وكأننا نجيب عن صمت الأسئلة بتبرير الجرم.
ها أنت ِ بعد أن غسلت ِ يديك ِ الملطخة بالدم وازدردت ِ لعابك ِ خفية تطلبين مني أن أخرج لزيارتك مرة ً أخرى ..!
كيف لي أن أحتمل ذلك الهمس الموجع الذي تطلقه شوارعك الملطخة بدماء الشهداء ، همسٌ خفي لا يكاد يسمعه غيري ، همس ٌ مشحون ٌ بأسئلة ٍ يخترق وجعها جوفي ، تحاصرني نظرات الأعين من صور الشهداء ، أشعر أنها تنظر إلي ّ بريبة سؤال ٍ صامت ، تنتظر جواباً أعجز عنه!
تفزع نومي ، تفسد ُ لحظات القات ، تخنقني ، أمشي منكـَّس الرأس ، منكوس الروح ، ممزقاً بين الأحلام المعلقة الباسمة المرسومة سحباً فوق المنصة ، وبين تلك الرائحة التي تتسلل إلى الساحة كلما عادت إليها مسيرة منتهكة.
وأخشى أن أرفع رأسي كي لا تعرفني الجدران ، كي لا تتأملني فتتذكرني ، وتتذكر أني كنت هناك ، كنت جواره وهو يموت ، وكنت جواره وهو يصاب ، وكنت أشم رائحة الغاز معه ، وأكسـّر أحجار الأرصفة مثله ، لكني _ يا للعار _ ما زلت حياً.
أحتمل مرارة الأسئلة التي لا جواب لها ، ومهانة الانتصار المكذوب ، وكلما انقطعت الكهرباء عن المدينة أنظر بتواطؤ في أعين جيراني وأحوقل ثم اشعل المولد الكهربائي على عجل علّ هدير ضجيجه يعلو على صراخ تلك الأجوبة.
ليس أصعب على المرء من أن يهرب من عجزه أمام أنثاه الوحيدة ، ليرتمي في أحضان نساء أخريات لا يلقين إليه بالاً ، يتباهى أمامهن بفحولته وهو يدرك تماماً مواطن ضعفه ، يتلذذ بانتصاراته الوهمية وهو يسمع أفكاره الخبيثة تضحك ساخرة من أوهامه.
إني أعلم .. أعلم أني تركت ساحتي وخيمتي وطويت أسلحتي وعدت خائباً لأختبئ بين جدران الشقة ، ماذا كنت تريدينني أن أفعل وأنا أشاهد فلذات كبدك تتساقط جواري ، ولا أملك لها شيئاً ..؟!!
لم يكفني زاد الحب ولم يرد الظلم عني سلاح العزيمة ، لم يقف أمام الظلم الغاشم شيءٌ مما أعددتـهُ لتلك المرحلة ، ولم يكن معي غير روحي العارية كي أهبها أضحية ً لطموحاتك.
لم تكفك ِ أرواحهم العطشى ولم تحسم المعركة لصالح العاشق ، فاز بك الظالمون من قبل ِ أن تدقَّ طبولُ الحرب ، وذهبت تلك الأضحيات سدىً ، والآن أشعر أنك تديرين وجهك ثانية تبحثين عن مزيد من الدم ... أما يكفيك أيتها المعشوقة الجاحدة ؟!
أعلل نفسي كل يوم بأني سأرحل عنك وأدير ظهري لطلباتك المجحفة للأبد ، وأنا أدرك في أعماقي أن لا حضن سيحويني سوى حضنك .. أذكـّر نفسي كل حين بأن عليّ أن أنساك ِ وأسعى في طريق طموحاتي وحدي ، وأن أصمَّ أذني عن سماع أغانيك الموجعة .. ماذا تريدين مني يا صنعاء ؟! .. أما يكفيك ؟!
عبير يحيى السياغي
صنعاء 21/6/2012م