يُشعِـرُكَ مَقهى شاطئ الحياةِ المتربعِ على الجرفِ العالي لدجلة َمن جهةِ الرصافةِ بكثيرٍ من الألفةِ إذ يتيحُ للناظرِفرصة ً للإحساسِ بالسكينةِ والتأملِ إذا كانَ الجالسُ قد أحسنَ اختيارَ مكانِه في الركنِ القصي من جنوبِ المقهى وهذا ماكنتُ أفعله كلَّ يومِ جمعة وفي كل مرة أُلقي نظرةً محييةً على الحمارِ الأبيض الذي يسبقني للظهور على الشاطئ المنحدر بتؤدةٍ نحو النهرِ في الجانب الآخرمقابل المقهى تماما وقد توطدَ شيءٌ ما بيني وبينَه حتى إنني إذا اتخذتُ مكاني المعتاد ولم أرَه أستشعرُ قلقاً أو إحساساً بفقدِ شيءٍ ما إذ ضبطتُ مشاعري مرة ًعندما أحسست بما يشبه الفرح حين ظهر رويدا رويدا من وراء شجرة ٍكانت تخفيه بعد ظنـّي الآثم أنه قد شذّعن عادته في الحظور إلى موعدنا، أما صاحب المقهى فمنذ وطئت قدماي مقهاه عَلِمَ إنني رجل أحبّ العزلةَ في هذا الركن أمارس تأملي وحديثي الطويل مع جليسي الحمار ولو بفاصل نهربيننا كدجلة َوشاطئين كشاطئيها لذلك أشعُرأن صاحبَ المقهى يعاملني بخصوصية ملفتة ويحرص على أن يبقى ركني فارغاً لا يشغله شاغلٌ حتى موعدِ بزوغي من خلال بوابة المقهى ذات القوس الحديدي المطلي بلون زهري فاقع، كان إحساسي باهتمام الرجل يتنامى مع مرور الوقت ومع مرور الوقت يحمّلني ما لا أطيق من دماثةِ أخلاقهِ ولطف سلوكهِ معي، وعندما أعود إلى البيت ألقي نظرة ًعلى وجهي الذي فـُقـِدَتْ بعضُ ملامحه من ذاكرتي رافعا رأسي قبالة مرآة المدخل ِ باعتداد كنت قد نسيته منذ زمن بعيد قائلا في سري: نعم ولم لا؟ أنت تستحق اهتمام الرجل فهذا وجهك ينم عن رجل يخفي همّاً وعلى حد علمي أن من يخفي همّاً لا بد أن يهتم ّبه النابهون وألمحُ شبحَ ابتسامةٍ على طرف فمي ثم أُنهي كل ذلك على عجل وأدلف إلى البيت حيث إعتادوا جميعاًعلى سكينتي غير المطمئنة وقد اعتدتُ أنا على توجسهم وحذرهم من اضطراب مزاجي الساكن، وهكذا تنقضي أيام العمل الخمسة سريعاً مخلفة ًفي كل مرة استمتاعاًكبيرا بممارسة حجّي الإسبوعي إلى ركني الهادئ في المقهى لكنني وجدت أن المسافة تضيق كلما تأملت صديقي الحمار وخصوصا عندما يقف رافعا أذنيه الطويلتين يحركهما حركات يبغي منها التنصتَ لشيءٍ ما، رقبته الطويلة ممدودة ورأسه ثابتٌ نحو الجنوب لا يحركه شمالا ولا غرباً فقلت في سرّي يالك من متأمل أيها الشريك، ويا لدهشتي حين سمعته يرد علي بسرّي أيضا: .......
ـ أنا حزين أيها الشريك !!
- ولم أنت حزين هل ضايقك أحد؟ أجبته بسري أيضا .................... وسرعان ما توارد لخاطري جوابه المذهل.....................
ـ لحد الآن لم يحصل ذلك ولكنني توجست شرا في ذلك اليوم الذي كنتَ تُراقبُني فيه ولم أكن بعد قد توصلت إلى حسم أمرك وما غرضكَ من مراقبتي لكنني تأكدتُ من نظرتك الساهمة أنك مدمنُ تأملٍ مثلي تماما فأحببتُ ذلك فيك وقلت لا بأس هذا شيءٌ نتشارك فيه و إننا حمّالا همومٍ واحدةٍ تعزّ علينا الحياة كما أرادها الله، أنا مع حشائشي وأنت مع حقل أمانيك المزهرة دائما وكل منا لا يحصل على مايريد، فأنا هنا ياشريك بصفة غير قانونية! ثم أردف ربما لا تعلم أن هذا الشاطئ أملاكٌ محرمةٌ تخص الكبار، إنظر إلى الخلف قليلاً ترى تلك البناية الرمادية، إنها بناية مهمة أظنها بناية (ممثلي الشعب) وأنا أتسلل يوميا إلى الشاطئ الذي هو جزء من محرماتها بحجة إنني حمار فهم لا يتوجسون من الحمير ربما تسأل لمَ أفعل ذلك وجوابي أنني أجد هنا رزقي بوفرة والسبب واضح إذ لا يفكرُ مجتثوا الأدغال بالمجيء إلى هنا وهكذا يمرع الدغلُ ويشتبك مع بعضه في أراضي (بناية ممثلي الشعب) فيبدو كثيفا مغريا على التهامه وسبب آخر هو إعجابي بجلستك التأملية في ركنك إذ يوم انتبهت لذلك قلت ها قد وجدت شريكا في التأمل.
- إذن يبدو لي أن كلَّ شيء على مايُرام أيها الشريك!.
ـ يبدو الأمر كذلك يا شريك لكن هناك ما يؤرقني فأبدو ساهم الفكر كما رأيتني هذا اليوم أطيل التفكر والبحث عن الحلول فأنا بالحقيقة لاحظت أن وفرة َالدغل تجعلني ميّالا للسمنة و اكتناز اللحم والشحم وهذا مضرٌّ أشد الضرر بالحمير أمثالي، هل رأيت حمارا سمينا، الحمير لا تسمن أبدا لندرة أن يحصل الحمار على فرصة تاريخية محكومة بظروف آمنة كما حصل لي ربما تسأل ما الضرر في ذلك فأجيبك إن الخوف كل الخوف أن تقع عين جزارٍ لا يحسب حسابا لذائقة البشر التي بدأت تتراجع كثيرا هذه الأيام إذ لايهتم الناس كثيرا بالذائقة ولا ينظرون إلى اللحم بل ينظرون إلى كيس السلوفان الجميل الذي يحيط باللحم ثم يدفعون للجزار ويأخذون اللحم دونَ أن يُدَقِقوا، لحمي ولحم الثور واحد فنحن نأكل الدغلَ ذاته، هل فهمت؟ الحقيقة أدهشني منطق الشريك الجميل فأنساني مكاني في المقهى وما يجري فيها ثم ذهب وتوارى خلف الشجرة ولم يظهر وعندها انتبهت، ماكان في المقهى روادٌ كثر ستةٌ أو سبعةٌ إثنان منهما كانا يضعان نظارتين سوداوين على أعينهما ولما لم يظهر شريكي الحمار رحت أعد نفسي للخروج من المقهى ولم تمض إلا ساعة حتى كنت أنظر لوجهي في مرآة مدخل البيت،وأنا أستعيد أفكار شريكي الضاجةِ بهمومٍ مستقبليةٍ تؤرقه وتشوشُ عليه تأمله و مرت أيام العمل الخمسة التالية ببطئٍ شديد فأنا توّاق لأكمال حديثي مع شريكي وفكّرتُ هذه المرة أن أحمل معي منظارا مقربا كان لأخي الصغير منذ وقت طويل وقد كبر عليه الآن ولم يعد يلفت انتباهه، وعندما دلفتُ إلى المقهى من خلال بوابتها المطلية باللون الزهري لاحظت أن صاحب المقهى يتحدث لذوي النظارات السود ولمحت إشارةً من ذقنه المدبب نحوي لكنني استبعدتُ أن تخصني تلك الإشارة واتخذتُ مكاني بعد ما هشّ لي صاحب المقهى وبشّ بوجهي وقدم لي شايا حارا رحت أبحث عن شريكي الذي وجدته مختبئا خلف شجرة على الشاطئ المقابل ، مددت يدي إلى جيب بنطالي و أخرجت منظار أخي الصغير ورحت أتفرس بوجه الحمار الحزين لكنني لدهشتي لم أسمع في سري منه أي ترحيب كما في المرات السابقةِ ، بادرت بالحديث وخاطبته بسري وعتبت عليه ولمته على هذه الجفوة المفاجئة لكنني لم أسمع منه صدىً بداخلي وراح ينظر إلي بحزن شديد حتى لكأني رأيت التماعة دموع ٍ على عينيه من خلال منظار أخي الصغير ورحت أحدثه و أحثه على الحديث ذلك لأني أعجبت حقا بحديثه المنطقي حول مشاغله وهمومه وبينما كنت أحاول ذلك اقترب مني صاحبا النظارات السود وكلماني ببطئ شديد وقد جرداني من منظار أخي الصغير ووضعاه في كيس ورقي كبير كُتب عليه (مبرزات جرمية) ثم وضعا بمعصمي قيودا بيض لامعة و أخبراني أنني مقبوضٌ علي بتهمة التجسس على مبنىً ذي أهميةٍ قصوى، وفي غرفة التحقيق سردتُ لهم كل ماحصل بحذافيره وحكيت لهم عن منطق الحمار الجميل ورؤيته الثاقبة، ضحك الضابط حتى استلقى على قفاه وصفعني بشده على خدي الضامر قائلا سنقبض على شريكك ولن يفلت، وبعد ستة أشهر من التحقيق خلص المحقق إلى أنني مجرد رجل بائس في طريقه للجنون [1] .............
ـ أنا حزين أيها الشريك !!
- ولم أنت حزين هل ضايقك أحد؟ أجبته بسري أيضا .................... وسرعان ما توارد لخاطري جوابه المذهل.....................
ـ لحد الآن لم يحصل ذلك ولكنني توجست شرا في ذلك اليوم الذي كنتَ تُراقبُني فيه ولم أكن بعد قد توصلت إلى حسم أمرك وما غرضكَ من مراقبتي لكنني تأكدتُ من نظرتك الساهمة أنك مدمنُ تأملٍ مثلي تماما فأحببتُ ذلك فيك وقلت لا بأس هذا شيءٌ نتشارك فيه و إننا حمّالا همومٍ واحدةٍ تعزّ علينا الحياة كما أرادها الله، أنا مع حشائشي وأنت مع حقل أمانيك المزهرة دائما وكل منا لا يحصل على مايريد، فأنا هنا ياشريك بصفة غير قانونية! ثم أردف ربما لا تعلم أن هذا الشاطئ أملاكٌ محرمةٌ تخص الكبار، إنظر إلى الخلف قليلاً ترى تلك البناية الرمادية، إنها بناية مهمة أظنها بناية (ممثلي الشعب) وأنا أتسلل يوميا إلى الشاطئ الذي هو جزء من محرماتها بحجة إنني حمار فهم لا يتوجسون من الحمير ربما تسأل لمَ أفعل ذلك وجوابي أنني أجد هنا رزقي بوفرة والسبب واضح إذ لا يفكرُ مجتثوا الأدغال بالمجيء إلى هنا وهكذا يمرع الدغلُ ويشتبك مع بعضه في أراضي (بناية ممثلي الشعب) فيبدو كثيفا مغريا على التهامه وسبب آخر هو إعجابي بجلستك التأملية في ركنك إذ يوم انتبهت لذلك قلت ها قد وجدت شريكا في التأمل.
- إذن يبدو لي أن كلَّ شيء على مايُرام أيها الشريك!.
ـ يبدو الأمر كذلك يا شريك لكن هناك ما يؤرقني فأبدو ساهم الفكر كما رأيتني هذا اليوم أطيل التفكر والبحث عن الحلول فأنا بالحقيقة لاحظت أن وفرة َالدغل تجعلني ميّالا للسمنة و اكتناز اللحم والشحم وهذا مضرٌّ أشد الضرر بالحمير أمثالي، هل رأيت حمارا سمينا، الحمير لا تسمن أبدا لندرة أن يحصل الحمار على فرصة تاريخية محكومة بظروف آمنة كما حصل لي ربما تسأل ما الضرر في ذلك فأجيبك إن الخوف كل الخوف أن تقع عين جزارٍ لا يحسب حسابا لذائقة البشر التي بدأت تتراجع كثيرا هذه الأيام إذ لايهتم الناس كثيرا بالذائقة ولا ينظرون إلى اللحم بل ينظرون إلى كيس السلوفان الجميل الذي يحيط باللحم ثم يدفعون للجزار ويأخذون اللحم دونَ أن يُدَقِقوا، لحمي ولحم الثور واحد فنحن نأكل الدغلَ ذاته، هل فهمت؟ الحقيقة أدهشني منطق الشريك الجميل فأنساني مكاني في المقهى وما يجري فيها ثم ذهب وتوارى خلف الشجرة ولم يظهر وعندها انتبهت، ماكان في المقهى روادٌ كثر ستةٌ أو سبعةٌ إثنان منهما كانا يضعان نظارتين سوداوين على أعينهما ولما لم يظهر شريكي الحمار رحت أعد نفسي للخروج من المقهى ولم تمض إلا ساعة حتى كنت أنظر لوجهي في مرآة مدخل البيت،وأنا أستعيد أفكار شريكي الضاجةِ بهمومٍ مستقبليةٍ تؤرقه وتشوشُ عليه تأمله و مرت أيام العمل الخمسة التالية ببطئٍ شديد فأنا توّاق لأكمال حديثي مع شريكي وفكّرتُ هذه المرة أن أحمل معي منظارا مقربا كان لأخي الصغير منذ وقت طويل وقد كبر عليه الآن ولم يعد يلفت انتباهه، وعندما دلفتُ إلى المقهى من خلال بوابتها المطلية باللون الزهري لاحظت أن صاحب المقهى يتحدث لذوي النظارات السود ولمحت إشارةً من ذقنه المدبب نحوي لكنني استبعدتُ أن تخصني تلك الإشارة واتخذتُ مكاني بعد ما هشّ لي صاحب المقهى وبشّ بوجهي وقدم لي شايا حارا رحت أبحث عن شريكي الذي وجدته مختبئا خلف شجرة على الشاطئ المقابل ، مددت يدي إلى جيب بنطالي و أخرجت منظار أخي الصغير ورحت أتفرس بوجه الحمار الحزين لكنني لدهشتي لم أسمع في سري منه أي ترحيب كما في المرات السابقةِ ، بادرت بالحديث وخاطبته بسري وعتبت عليه ولمته على هذه الجفوة المفاجئة لكنني لم أسمع منه صدىً بداخلي وراح ينظر إلي بحزن شديد حتى لكأني رأيت التماعة دموع ٍ على عينيه من خلال منظار أخي الصغير ورحت أحدثه و أحثه على الحديث ذلك لأني أعجبت حقا بحديثه المنطقي حول مشاغله وهمومه وبينما كنت أحاول ذلك اقترب مني صاحبا النظارات السود وكلماني ببطئ شديد وقد جرداني من منظار أخي الصغير ووضعاه في كيس ورقي كبير كُتب عليه (مبرزات جرمية) ثم وضعا بمعصمي قيودا بيض لامعة و أخبراني أنني مقبوضٌ علي بتهمة التجسس على مبنىً ذي أهميةٍ قصوى، وفي غرفة التحقيق سردتُ لهم كل ماحصل بحذافيره وحكيت لهم عن منطق الحمار الجميل ورؤيته الثاقبة، ضحك الضابط حتى استلقى على قفاه وصفعني بشده على خدي الضامر قائلا سنقبض على شريكك ولن يفلت، وبعد ستة أشهر من التحقيق خلص المحقق إلى أنني مجرد رجل بائس في طريقه للجنون [1] .............