عمار الثويني - هل الأدب العربي متخم بروايات الحب؟.. ( مقالة رأي شخصية)

في التصنيف الروائي العربي، ليس ثمة أقسام مستقلة كما هو الحال في الأدب الإنجليزي الذي يصنف الروايات إلى غير الخيالي (السيرة في الغالب) والخيالي: الرعب، الخيال العلمي، الحب، الجريمة، التاريخ، الفنتازيا وغيرها، حيث تظهر هذه المسميات عند تصفح الموقع الإلكتروني لدور النشر والوكالات الأدبية (والأمر ذاته ينطبق مع الأفلام الأجنبية). وإذا ما استثنيا "روايات عبير"، يعود السبب في غياب هذه التصنيفات في عالم الكتاب العربي إلى محدودية عدد الكتاب/الروايات المنشورة مقارنة مع نظيراتها الإنجليزية والفرنسية مثلاً، وندرة تخصص دور النشر بتلك الألوان المتفرعة من الأعمال حتى بالنسبة للدور المعنية بالأدب بشكل رئيس. من هنا، تنشر الدور العربية الروايات المترجمة لأشهر الكتاب العالميين، وكذلك معظم الأعمال العربية باعتبار إن المؤلف هو من يدفع التكاليف و"كل ما يأتي زايد خيره". أضف إلى ذلك، وللأسف، تعمل دور النشر العربية بنحو مرتجل في الأغلب دون تخطيط أو تنظيم أو برامج مثلاً لعدد الكتب المزمع طرحها خلال عام وأنواعها ومدى ملاءمتها لتوجهات القراء.
ولعل الأمر الثاني أيضاً غياب احصائيات بعدد الروايات العربية الصادرة كل عام (المكتوبة أصلاً باللغة العربية) وتصنيفها وفق نسبة مئوية لمواضيع الروايات، فهذا الأمر غير موجود على الأرجح حتى على صعيد عدد الكتب الصادرة من كل دولة فما بالك بأنواعها. واذا ما أردنا أن نخمن هذا التصنيف وفق النسبة المئوية فإن روايات الحب تأخذ نسبة كبيرة بينما ستكون روايات الخيال العلمي في ذيل النسبة (إن كانت ثمة روايات خيال علمي عربية). ولكن السؤال الذي يبدر إلى ذهني إن كانت قصص الحب قد أتخمت سوق الرواية العربي. والجواب هو "نعم" ولعدة أسباب أهمها:
• الرواية كعمل ابداعي وخيالي هي "قصة" طويلة يخرج منها القارئ بعد الفراغ من العمل. وروايات الحب تدور حول محاور معروفة النتائج وسهلة التخمين منذ الصفحات الأُول، ارتباط، حرمان، حالة ما بين بين، أو موت أحد الشخصيات/كليهما ليخلد الحب كما في روميو وجولييت. لذلك فالتشويق والمفاجأة يذوي بعد عدد من الصفحات ويتحول العمل إلى مجرد كلمات أشبه بالخواطر كما يحصل الآن مع العديد من الأعمال الحالية، ولا تحتمل الرواية الكثير من الإطالة مهما أبدع الكاتب في استخدام لغة جميلة
• الحب كموضوع بات مادة غير دسمة بالنسبة للقارئ وكل الوسائل الترفيهية أمامه تؤدي إلى العشق: المسلسلات الخليجية والعربية والتركية والمكسيكية المدبلجة، الأفلام المصرية والعربية، كليبات الأغاني التي يصور بعضها قصة كاملة في مقطع واحد حتى لو كانت الأغنية ساذجة. كل هذه الأعمال الدرامية عالجت كل شاردة وواردة عن الحب. أما التراث الروائي العربي فيزخر أيضاً بروايات الحب التي مازالت تقرأ على نطاق واسع مثل أعمال إحسان عبد القدوس وسهيل إدريس وأحلام مستغانمي.
• بعض الروايات تحمل تجربة شخصية لشاب/فتاة وهي ليست بالجديدة، مكررة تماماً، وكل شخص يمكن أن يعيشها. الرواية يجب أن تكون تجربة حياة وليست حياة والكتابة بلغة الأنا وبتصوير البطل بالنموذج المثالي هي أكثر ما يكرهه القارئ لكأنه- أي القارئ- عند مطالعة الكاتب يجلس قبالته شخص ولا يتحدث إلا عن نفسه ولا يلمع إلا شخصه بنحو فج
• الحب (وهي رأي شخصي) أفضل ما يجسده هو الشعر، والشعر التفعيلي على وجه الخصوص، لأنه يدغدغ وجيب القلب ويحرك المشاعر كونه أقرب إلى الأغنية التي تعزف على أوتار الروح وتحلق في سماء العشق. الشعر العربي زاخر بالقصائد التي تحول الكثير منها إلى أغان لاقت جمهوراً واسعاً. مثلاً قصيدة نزار قباني، التمثال" التي حفظتها عن ظهر قلب، وفيها أبيات تغني عن ألف رواية:
الحب ليس رواية شرقية
بختامها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينة
وشعورنا إن الوصول محال
هو أن تظل على الأصابع رعشة
وعلى الشفاه المطبقات سؤال
• الألوان الأدبية التي كثرت في سوق الكتب مثل "النصوص" وقصيدة النثر التي لا تحتاج لوقت طويل لكتابتها قد انتشرت بكثافة في الأوان الأخير، على عكس الشعر المقفى والموزون "التفعيلي" الذي يسلخ فيه الشاعر أياماً وأسابيع لاختيار البحر والمفردات والتوزين. لقد سلبت هذه النصوص وقصيدة النثر جمهوراً لا بأس به من قراء روايات الحب لأنها سهلة المطالعة ويمكن الفراغ من كتاب في جلسة واحدة بدلاً من رواية ربما لا تأتي بشيء جديد.
ولعل السؤال الذي يبدر إلى ذهن قارئ هذه المقالة وتعقيباً على كل هذا الطرح إن كنت أقصد بطريقة غير مباشرة دعوة الكتاب/الكااتبات إلى التوقف عن روايات الحب. والجواب بالطبع لا وألف لا وللأسباب التالية:
• الطلب من أي شخص التوقف عن الكتابة ضرب من الإرهاب الفكري والمصادرة الابداعية لتحجير تفكير الآخرين، وفي نظري أسوأ شيء يمكن أن يقدم على الشخص. لست وصياً على الآخرين ولا تسمح لي أخلاقي والمبادئ التي لن أحيد عنها أبداً أن أطلب من أي أحد العزوف عن الكتابة أو أحدد له ماذا يفعل، بل أسعد شيء بالنسبة لي عندما أرى رغبة بالكتابة لدى الآخرين. أحياناً أقرأ مداخلات وآراء بعض القراء مع المؤلفين تقول إن رواية واحدة في السنة كثير جداً والأحرى بالكاتب كذا وكذا ونسي هؤلاء إن الكتابة حالة ابداع وسلوك شخصي لا يحق لأي أحد أن يتدخل أو يبدي رأيه في ما يفعله الكاتب.
• روايات الحب يجب أن تكون أصيلة وتناقش مواضيع جديدة وتتمحور حول ثيمات أُخر إلى جانب الحب إن أراد الكاتب/الكاتبة بحيث تسير الأحداث في أنساق متداخلة ومترابطة، مثل الجريمة، العبودية، الحرمان، الارهاصات الاجتماعية والسياسية، الدكتاتورية، وغيرها لكي تشغل مساحة أكبر في العمل وتوسع من عدد الشخصيات. أن تعالج الرواية موضوعاً واحداً يحدد كما أسلفت من مسار الاحداث ويقتل عنصر التشويق.
• قراءة بعض الأعمال الخالدة التي تناولت الحب مثل: مرتفعات وذرينج (ايميلي برونتي)، أنا كارينيا والحرب والسلام (ليو تولستوي) والدكتور زيفاجو (بوريس باسترناك)، الحب في زمن الكوليرا (غابرييل غارسيا ماركيز)، والحي اللاتيني (سهيل إدريس) وذئبة الحب والكتب (محسن الرملي) وكذلك أعمال غيوم ميسو (لكنها ذات الإيقاع السريع "الآكشن") وغيرها من الأعمال الجديدة والقديمة التي لم أطلع على الكثير منها، ولكن أسمع رأي القراء عنها. هذه الأعمال الجميلة تمحورت حول الحب ولكنها جمعت ثيمات عديدة بأسلوب عميق ورائع

عمار الثويني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى