رسائل الأدباء رسالتان بين إنغبورغ باخمان و بول سيلان.. ت: الخضر شودار

رسالة إنغبورغ باخمان ال بول سيلان.. ت: الخضر شودار

ميونخ، 5 أكتوبر1958
بول، عزيزي بول
لقد بقيتُ صامتة لفترة طويلة ليس لأني كنتُ أفكّر فيك كثيراً. لعله من الصدق، أن أظل صامتة لفترة من الوقت من أن أكتب سوى رسالة واحدة لا تقول شيئاً في الحقيقة. ومع ذلك فقد أربكني ذلك كثيراً، لأنني كنت خائفة بشدة لأجلك طوال أيام الاضطراب في باريس.
هذان الشهران أغسطس وسبتمبر: كانا مليئين بالريبة، ثم جاء هذا الأمر الجديد. هل تذكر، مساء تلك الظهيرة، حين تركنا شارع لونشان، وذهبنا لنحتسي شيئا من بيرنو، وسألتني مازحاً إن كنت عاشقة؟ لم يكن ذلك حينها تماماً، ثم حدث في ما بعد بطريقة غريبة جداً، غير أني لا أجد العبارات نفسها المواتية لذلك. عدت قبل أيام إلى كيرنتن، حيث كنت منذ فترة قليلة... لكن لا، إذ عليّ أن أبدأ من جديد وبطريقة مغايرة، وأن أفصح عنه دون تأجيل. في هذه الأيام الأخيرة، الأولى بميونخ، جاءني ماكس فريش ليطلب مني ما إذا كان ممكنا أن أعيش معه، وقد اتخذت قراري. سأظل ثلاثة أشهر بميونخ ثم سأرحل إلى زيورخ. بول، ليتك كنت هنا، ليتني كنت أستطيع أن أتكلم معك، أنا سعيدة، وراضية عن ما حولي من الطيبة والحب والتفهم، لولا أني أحيانا أحزن حين أفكر في نفسي، لأن الخوف والشك اللذين لا يعنيان سواي ولا يعنيانه هو، لم يبرحاني بعد. أعتقد – وأستطيع أن أبوح لك بذلك، كلانا يعرف جيداً– بأنه من المستحيل أن نعيش مع أحد. ولأننا نعرف، ولأننا لا نخادع أنفسنا، ولا نخادع أي أحد آخر، فإنه قد ينتج شيء جميل من الجهد المبذول يوميا، والآن أنا أؤمن بذلك على أية حال. أريد أن أعرف في ماذا أنت تفكّر حين تطرح هذه الرسالة من بين يديك. فكّر في شيء ما طيّب لأجلي! متى ستأتي؟ هل تريدني أن ألقاك بمكان ما؟ هل ستأتي لرؤيتي؟ تكلّم! أريد أن أراك أمام الملأ وفي مستطاعي دائما ان أراك وهو ما يفرحني.
أرسل إلي الآن أشعارك، كل ما هو جديد! قل لي ولو كلمة!
ستغمضين عينيك أم لا حين أقبّلك

***

- رسالة بول سيلان إلى إنغبورغ باخمان

عزيزتي إنغبورغ
وإذن ستأتين بعد شهرين فقط - لماذا؟ لم تخبريني بذلك، ولا كم من الوقت ستظلين، ولا ما إذا كنت ستحصلين على منحتك. سيمكننا في الوقت نفسه أن «نتبادل الرسائل»، التي تقترحين. أتدرين، إنغربورغ، لماذا لم أكتب إليك إلا نادراً هذا العام؟ ليس لأن باريس فرضت علي صمتاً قاسياً لم أستطع الإفلات منه وحسب، بل أيضاً لأنني لم أكن أعرف رأيك في تلك الأسابيع القصار بفيينا؟ فماذا كان بإمكاني أن أستنتج من سطورك تلك، الشحيحة الأولى، إنغربورغ؟
ربما أكون على خطأ، ربما كلانا يتحاشىى الآخر في المكان اللائق حيث نتوق إلى اللقاء، ربما كلانا يستحق اللوم. باستثناء أنني أقول أحياناً لنفسي أن صمتي قد يكون مفهوماً أكثر من صمتك. بسبب أن الغموض الذي يفرضه علي قديم.
أنت تعرفين: أن على الإنسان دائماً أن يتخذ القرارات العظيمة بنفسه. فحين تلقيتُ تلك الرسالة منك والتي كنت تسألينني فيها عما إذا كان عليك أن تختاري باريس أم الولايات المتحدة الأميركية، كنت أفضّل أن أقول لك كم سأكون سعيداً لأجلك لو أنك تأتي. هل تدركين، إنغبورغ، لماذا لم أفعل؟ قلت في نفسي إذا كنت حقاً أعني لك شيئاً (كي أقول أكثر من مجرد شيء) في أن تعيشي في المدينة ذاتها حيث أعيش، ما كان لك أن تسأليني عن نصيحتي ابتداء – بل على العكس من ذلك.
لقد مضى عام كامل الآن، عام، أنا متأكد، من أنك قد اختبرت فيه الكثير. لكنك لم تخبريني كيف كان، منذ وقت بعيد، شهرا ماي و جوان قبل هذا العام...
كم أنتِ بعيدة أو قريبة مني، إنغبورغ؟ أخبريني حتى أعرف ما إذا كنت ستغمضين عينيك أم لا حين أقبلك الآن.
بول
قلبي أملى علي ذلك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى