د. صبرى محمد خليل خيرى - مفهوما الحياة والموت فى الفكر الفلسفى والدينى المقارن

أولا: فى الفلسفات الدينية الشرقية القديمة :
البراهميه " الهندوسيه" :
تستند مفاهيم الحياة والموت عند البراهميه إلى تصورها للإله،باعتباره روح سارية في جميع الموجودات بدرجات متفاوتة . والنفس صدرت منه ثم تعود . فهى تهبط من السماء إلى الجسد، ولما ينحل الجسد بالموت، تطير إلى الأقطار العلوية، التي يعاين فيها الصالحين الإله ، أما نفوس الفاسدين فترتد إلى الأرض ثانيه ، وتتقمص جسدا جديدا ، لتثاب في الأرض أو تعاقب . وهكذا فان البراهميه أقرت بخلود النفس، ولكنها استندت الى مفهومى " وحده الوجود" و " تناسخ الأرواح" ، وهى مفاهيم غريبه عن الإسلام يصوره خاصه والاديان السماويه بصوره عامه.
البوذية: لم تسلم البوذية بخلود النفس الإِنسانية، لكنها أقرت بالتناسخ إقرارا سلبيا من خلال تقريرها ان التناسخ سببه إتباع الشر في حياه سابقه،وبالتالي فان الخلاص من الشر هو وسيلة النجاة من العودة إلى الحياة مره أخرى. وهنا نجد التناقض بين نفى خلود النفس واثبات التناسخ ، لانه شكل من اشكال الاقرار بخلود النفس ولوكان خاطىْ.
الكنفوشيوسيه: أما كنفوشيوس فقد كان يتجنب البحث فيما وراء الطبيعة، ويحاول أن يصرف عقول أتباعه عن أمور الغيب، فكان إذا وجه إليه سؤال في أمور الدين أجاب إجابة سلبية، سأله شخص قائلا : "هل أجرؤ على أن أسألك عن الموت" فأجابه:" إذا كنت لا تعرف الحياة فكيف يتسنى لك أن تعرف شيئا عن الموت". وهكذا فان الكنفوشيوسيه ركزت على مفهوم الحياة وتجاهلت مفهوم الموت، رغم ارتباطهما.
الجينية : أما الجينية فقد تناولت مفهوم الحياة والموت من خلال تصور معين للرغبة "الكارمـــا " باعتبارها كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها، ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات، لذا يظل الإِنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما، حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حياً خالداً في نعيم النجاة، وتؤمن الجينية بالانتحــار البطــيء لكن للخواص من الرهبان الجينيين، أما العامة من الجينيين فيكتفون بأن لا يقتلوا نفساً ، والبعد عن إيقاع الأذى بإنسان أو حيوان، وبقهر الرغبات المادية. وهكذا فان الجينية تطرفت في التأكيد على البعد الروحي للإنسان، لدرجه إلغاء بعده المادي . وبهذا انتهت الى تركيزها على مفهوم الموت وتجاهلها لمفهوم الحياه ، واباحتها للانتحار الذى نها عنه الإسلام وكافه الأديان السماوبه.
الزرادشتيه : يؤمنون الزاردشتيون بالبعث ،ويعتقدون أن روح الميت الصالح إذا فارقت الجسد استقبلها الإله ،وان الصراط فوق جهنم ، وان الرجل الصالح تصحبه أعماله حتى يعبره إلى الجنة ،أما الأشرار فيقعون في النار ، ويستمر هذا الحال حتى يفنى أهرمان ويبقى مزدا . وهكذا فان الزرادشتيه قد أقرت بخلود النفس والجزاء الاخروى، لكن استنادا إلى الثنائية "اى القول بوجود الهين احدهما للخير والآخر للشر"، وهى شكل من أشكال تعدد الالهه اى الشرك.
[/SIZE]
(د. صبرى محمد خليل/ فلسفه الاديان الشرقيه القديمه/ الموقع الرسمى للدكتور صبرى محمد خليل خيرى - دراسات ومقالات)
ثانيا: في الفلسفة الغربية :
الابيقوريه:
يرى ابيقور ان غايه الفلسفه هى تحقيق الاتراكسيا " الطمانينه" ، من خلال التحرر من المخاوف الثلاثه: الخوف من الالهه والخوف من القدر والخوف من الموت، ويتحقق الاخير عنده بنفى خلود النفس ، فالنفس عنده مكونه من اتحاد ذرات لطيفه- كما ان الجسم مكون من اتحاد ذرات كثيفه - بفعل الصدفه، وكلا النوعين من الذرات سينحل بعد الموت. ويرى ان الموت لا يعنينا فى شى، لاننا مادمنا موجودوين"اى احياء" فلا وجود للموت، وعندما نموت فلن نكون موجدين، فادراك الموت يتم بالحواس ، وهى تكون معدومه فى حاله الموت. وهكذا اعتقد ابيقور ان التحرر من الخوف من الموت يكون بانكار خلود النفس.
سقراط : يفرق بين الروح والبدن، فالبدن مرهون بما هو طبيعي خاضع لتغيراته، في حين ستستقل الروح بحريتها وبارتفاعها عن الزمن، وأي زعم باختلاطها بالبدن سيجعلها عرضة للقلق والخوف أمام موتها، لذلك كانت الحياة النفسية عند سقراط مرانا طويلا إراديا لتخليص الروح من البدن. وهكذا فان سقراط يؤسس للفلسفة المثالية الغربية التي تتناول مفهومي الحياة والموت من خلال تصور للوجود الانسانى يقوم على التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان إلى درجه إلغاء بعده المادين، والتركيزعلى مفهوم الموت وتجاهل مفهوم الحياه.
أفلاطون: يستند إلى نظريه المثل القائلة بان للوجود قسمان:عالم المثل ذو الوجود الحقيقي، والعالم المحسوس الذي هو مجرد ظلال وإشباع تحاكى المثل وليس له وجود حقيقي، ومصدر اعتقادنا بكونه حقيقي خداع الحواس. العقل أو النفس هي ما يقابل عالم المثل ،أما الجسد فهو ما يقابل العالم المحسوس.فالمادة( الجسم) هي مصدر الشر، والعقل( الروح) هي مصدر الخير. والوجود الإنساني لا يتحقق إلا بالتحرر من المادة والجسد" يتحقق التحرر الجزئي بالزهد والتأمل و يتحقق التحرر الكلى بالموت" .وهكذا فان تصور أفلاطون للحياة والموت يستند إلى التصور السقراطي للوجود انسانى ، والقائم على التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان إلى درجه إلغاء بعده المادي، والتركيزعلى مفهوم الموت وتجاهل مفهوم الحياه.
كيركيجارد : يرى أن الموت شيء لا يمكن تجنبه من حيث أننا أشخاص تاريخيون حقا. وليس هناك أي شر في الموت. و ليس هناك شيء نهائي يمكن أن يقال عن الموت، لأن المــوت هو في نهايـة الأمر مجــرد حدث في تيار الصيرورة الذي لا يتوقف. والمشكله ليست فى الموت بل فى " كونى اموت" . وهكذا فان تصور كيركيجارد للحياة والموت يستند إلى تصور للوجود الانسانى يركز على البعد الذاتي للإنسان ويتجاهل بعده الموضوعي.
نيتشه : ينظر إلى الموت باعتباره اختيارا وحرية، وهو بذلك، يدعو إلى تخير أوانه ،عن طريق تحقيق النضج في الحياة وبلوغ المقصد. فيكون الموت تتويجا أخيرا لحياة ناضجة ومليئة بالمكاسب. إن الموت بالنسبة إليه مصير طبيعي يؤول إليه الجسد بابتهاج، وليس عقابا ميتافيزيقيا، لذلك يطلب من الناس المبادرة إلى إيجاد الإنسان المتفوق " SUPERMAN " فهذا الإنسان هو الذي يستطيع أن يعيش الحياة كما ينبغي أن تعاش، وهو في النهايــة يستطيــع أن يموت باختيــار وحرية في الوقت المناسب. وهكذا فان نيتشه الغي البعد الغيبي للموت، فضلا عن إلغاء الطابع الحتمي له.
هيدجر: يرى ان الموت هو الامكانيه الوحيده التى تهدد وجودى كل لحظه ، مسببه قلق مستمر، وهو قلق دنيوى - وليس قلق دينى مصدره الخطيئه الاصليه كما عند كيركيجارد- فالموت ليس هو نهايه للوجود بل هو ممكن الحدوث فى اى وقت، وبتعبيره فان الموت ليس حفل اعتزال بل هو سر متوضع فى وجودى يمكن ان يكشف عن نفسه فى اى وقت ، وبمجرد وجودى فى الحياه فانى جاهز للموت، فالوجود الانسانى هو وجود نحو الموت.
.( عبد السلام المُساوي / الموت بين الأسطورة والفلسفة).
ثالثا: فى الفكر الاسلامى:
الكندي :
ينطلق فى تصوره للحياه والموت من مفهوم "حدوث العالم "، والذى مضمونه عنده ان العالم لهُ بداية ونهاية متوقفه على الاراده الالهيه، وطبقا لهذا المفهوم فان البدن – الذى ينتمى الى هذا العالم – فان، اما النفس فهى خالده لا تموت ، لأنها من نسخ الجوهر الإلهي. وبناءا على هذا فان الرديء ليس الموت بل خوف الموت ، فالموت هو سنه الحياه وجزء من طبيعه الوجود الانسانى ، ثم يضع الكندى ما اسماه "حيل لدفع حزن الموت وفراق الأحباب ، فلدفع الاول على الانسان ان يتذكر إن الإنسان في انتقالاته في المقامات الوجودية يجزع في البدء ، ولكن لو قيل لهُ بعد ذلك بالرجوع إلى المحل الذي كان فيه كان جزعه أقوى، وان يتذكر ان حزنه على فراق الدنيا لا يطيل عمرهِ ، بل يجعله منغص العيش ، وليس في ذلك فائدة لهُ، بل عليه أن يستغل فترة حياته بان يعيش مسروراً. ولدفع الثانى على الانسان ان يتذكر إنه ليس الوحيد الذي فقد عزيزاً.
الفارابي: ربط الموت بالزمان والمادة وبالنفوس المتسافلة في الحياة الدنيا ، ويشير إلى أن الكمال والدوام للموجود الأول " الله "، أما النقص والموت فهو لسائر الخلق، و أن الوجود الحقيقي للإنسان لا يكون في هذه الدنيا ، ويتحدث عن الإنسان الفاضل وموقفه من الموت وجزعه منه بأنه جزع من يفوته فعل ما يزداد به سعادة بعد موته ، وبالتالي الموت يفوت عليه الاستكثار من فعل الخير، ويتحدد مفهوم السعادة عنده بقدرة الإنسان التحرر من البدن ، عن طريق إماتة عوارض كالغضب والشهوة وذلك بممارسة الموت الإرادي للسيطرة على النفس .ولكن هناك مشكله فى موقفه من خلود النفس حيث يربطه بالمعرفه، فالنفوس ثلاثه : نفس عرفت الحق وعملت به وهى خالده فى الجنه ، ونفس عرفت الحق ولم تعمل به فهى خالده فى النار، ونفس لم تعرف الحق ولم تعمل به "وهى النفس الجاهله " وهى فانيه ، وهذا القول يلزم منه نفى الخلود عن بعض النفوس ،كما يلزم منه نفى وحده النفس، اى ان كل النفوس اما خالده او غير خالده . ولكن يرى البعض انه يعنى بالنفس الجاهله نفوس الاطفال والمجانين فقط ،لكن هناك نصوص تشير الى خلود هذه النفوس، لكن بكيفيه مختلفه غن خلود باقى النفوس.
ابن سينا: تبنى فى قصيدته العينيه تصور افلاطون للحياه والموت، فشبه النفس بطائر محبوس فى قفص، ويحن للتحرر من القفص والعوده للفضاء والحريه .
ابن مسكويه: يرى ان حقيقة الموت تكمن في ترك النفس آلاتها أي أن الموت هو مفارقة النفس الجسم ، وهذا الترك في ماهيته هو عملية إرتقاء بفعل خلاص النفس من ماديتها كون النفس جوهر يمنعها من الفناء بينما الجسد مادي خاضع للاستحالات والتغيرات. أما خوف الناس من الموت فذلك لمجرد ظنون باطلة لا حقيقة لها .
الغزالي : الموت عنده هو انقطاع علاقة النفس بالبدن. ويؤكدعلى أهمية الخوف من الموت، استنادا الى ادله شرعيه وعقليه . وهناك مراتب لذكر الخوف ، ادناها الخوف منه، ويليها الاشتياق اليه لأنه همزة وصل بين العبد والرب ، واعلاها عدم اعارته اى اهميه ، بحيث يستوي امره مع امر الحياه ، وهو ما يتم عند تذوق فعل الموت باماته تبعيه النفس للبدن. والموت بالنسبة للمؤمن تحفة ، لان الدنيا سجن المؤمن .
ابن رشد: يرى أن الموت ليس فناء ، بل هو عملية تحول مستمر، ذلك أن عنده العالم أزلي وابدي. ويرى أن الإنسان لم يُخلق عبثاً بل لغاية جليلة هي أن يدرك الكمال في العلم والفضيلة ، وهذا دليل خلود الروح، حيث الإنسان لا يدرك ذلك في الحياة الدنيا العابرة ،ولا بد من حياة أخرى تعود إليها النفس ، كما أن الحياة الأخرى هي مكافأة لمن لا يجد مكافأة في الحياة الدنيا على أفعاله الفاضلة . ويعتبر ابن رشد أن المعاد روحي لا جسمي، وان الله صور المعاد في القران بمتمثلات حسية، ليكون اقرب إلى فهم أبناء العامه. وهكذا فان ابن رشد ينكر المعاد الجسمانى الذى اشارت اليه الكثير من النصوص.
[SIZE=22px]عند المتصوفه: يرى الصوفيه ان لمصطلح الموت دلالات متعدده – بعضها حقيقى وبعضها مجازى - وبناءا على هذا يشيرون الى انواع متعدده للموت ومنها: الموت الاخضر وهو لبس المبرقع ، والموت الابيض هو الجوع، والموت الاسود وهو احتمال اذى الناس...
(غسق حسن مسلم الكعبي/ الموت في الفلسفة الإسلامية / موقع كليه الفنون الجميله –جامعه بايل / 29-03- 2018).
[/SIZE]
رابعا: مفهوما الحياه والموت فى فلسفه الاستخلاف:
تعريف فلسفة الاستخلاف:
هى محاولة لتحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف " والتى تمثل فى ذات الوقت محاور الوجود الرئيسية " : المستخلف " بكسر اللام" ( الله تعالى)، والمستخلف " بفتح اللام" (الإنسان)، والمستخلف فيه (الكون). و هى فلسفة اسلامية معاصرة ، ذات طبيعة انسانية -روحية " دينية "، وسطية متجاوزة لكل من الفلسفات المادية والمثالية .
مفهوم التوحيد: اتساقا مع مفهوم التوحيد "توحيد الربوبيه تحديدا" تقرر النصوص ان الحياه صفه ربوبيه" اى ان مضمونها دال على الفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى " ، والمقصود بالحياه كصفه ربوبيه الحياه المطلقه " الدائمه المستمره التى لا انقطاع فيها " ، فهو الحى والباقى والدائم...ويترتب على هذا ان الموت هو لازم وجودى لتوحيد الربوبيه ، فكل وجود سوى وجوده المطلق – الخالد خلودا مطلقا- هو وجود محدود " فانى" . وأن الإحياء والاماته هما اشكال لظهور صفات الربوبيه - المتضمنه لصفه الحياه " المطلقه" . وللحياه كصفه ربوبيه ظهور صفاتى " اى ظهورما دل على الفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى " فى الحياه الدنيا، وظهور ذاتى فى الحياه الاخره " اى ظهور ذات الفعل المطلق الذى ينفرد به الله تعالى",
مفهوم التسخير: ويلزم من مفهوم التسخير ان الكائنات التي لها درجه التسخير تنقسم إلى نوعين: الأول : الكائنات الحية إلى تخضع حتما لدوره الحياة والموت "النبات والحيون"، والثانى الكائنات الجامدة التي لا تخضع لهذه الدورة، حيث يصفها القران بأنها ميته "الجمادات ".
رفض النزعة الحيوية : وهنا نرفض النزعة الحيوية التي ترفض تقسيم الوجود إلى جمادات وأحياء ،وترى أن كل الموجودات حيه بدرجات متفاوتة، فهذه النزعة هي معادل لمفهوم وحده الوجود،الغريب عن الاسلام، لذا نرى خطاْ المذهب الذى يقول به بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين ، الذى يحاول إثبات أن النزعة الحيوية لا تتعارض مع الإسلام ، من خلال الاستدلال بالنصوص التي ان كل شىء يسبح بحمد الله تعالى، كما في قوله تعالى(وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـَكِن لاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )، فهذه النصوص لا تفيد أن الجمادات حيه ، بل تفيد أن الوجود بما فيه الوجود الجامد، له بعد غيبي بالاضافه إلى بعده الشهادى (المادي)، هذا البعد الغيبي يتضح من خلال تقرير الايه ان الناس لا يفقهون تسبيح الجمادات .
مفهوم الاستخلاف : ويلزم من مفهوم الاستخلاف ان الوجود الانسانى "المستخلف" يخضع لدوره الحياه والموت ، شانه فى ذك شان بعض الكائنات الى لها درجه التسخير، لكنه يفترق عنها فى ان لحياته مرحلتين الاولى هى مرحله الحياه الدنيا ، ومضمونها الكدح الى الله ، بان تاخذ حركته شكل شكل فعل غائي محدود بغاية مطلقه(الالوهيه) وفعل مطلق( الربوبيه)، والثانيه هى مرحله الحياة الاخره مضمونها ملاقاة الله تعالى،والمقصود بها الجزاء الاخروى ، قال تعالى ( يا أيها الإنسان انك كادح إلي بربك كدحا فملاقيه).
تعدد ابعاد الوجود الانسانى والتوازن بين الحياه والموت: وللوجود الانسانى "المستخلف " ابعاد متعدده" ماديه / روحيه..."، وتقوم فلسفه الاستخلاف – اتساقا مع مفهوم الوسطيه - على التأكيد على كل هذه الابعاد ،و ترفض التطرف في التأكيد على بعد معين لدرجه الغاء بعد اخر، فهى ترفض المذاهب التي تتطرف في التأكيد على البعد المادي للوجود الانسانى، لدرجه إلغاء بعده الروحي، وبالتالي تركز على الحياة" الدنيا" ، وتتجاهل الموت وما يليه" من حياه آخره"، اى ترفض الاخلاد الى الارض بالتعبير القرانى ( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) ، كما ترفض المذاهب التي تتطرف في التأكيد على البعد الروحي للوجود الانسانى، إلى درجه إلغاء بعده المادي، وبالتالي تركز على الموت وما يليه " من حياه آخره" وتتجاهل الحياة " الدنيا " اى ترفض الرهبانيه بالتعبير القرانى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ). وتدعو إلى تحقيق التوازن بين الحياة " الدنيا"، والموت وما يليه" من حياه آخره" وهو ما اشارت اليه الكثير من النصوص كقوله ه تعالى﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾(القصص:77) .
دلالات المصطلحات المستخدمه فى وصف الحياه الاخره: وفى إطار الفكر الاسلامى فان هناك ثلاثة مذاهب فى تحديد دلالات المصطلحات المستخدمة في وصف الحياة الاخره:
المذهب الأول : يجعل العلاقة بين مصطلحي "الحقيقي" و" المادي" علاقة تطابق،لذا يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود مادي، فيمهد بذلك للتجسيم
المذهب الثاني: يجعل العلاقة بين مصطلحي "الروحي" و" الغيبي" علاقة تطابق، لذ يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود روحي، فيمهد بذلك لنفى كثير من مظاهر الحياة الاخره التي أشارت لها النصوص، فضلا عن انه يعتقد انه بذلك يتجاوز التجسيم ، بينما قوله هو شكل " تجريدي" للتجسم .
المذهب الثالث: يرى أن مصطلح "حقيقي" اشمل من مصطلح "مادي" ، فللنفس مثلا وجود حقيقي لكنه ليس وجود مادي، كما يرى أن مصطلح "غيبي" اشمل من مصطلح "روحي"، فالروح غيب لكن الملائكة والجنة والنار أيضا غيب.هذا المذهب يصف الحياة الاخره باعتبارها وجود حقيقي(اشمل من مادي) غيبي(اشمل من روحي).وبهذا فان هذا المذهب يحول دون الوقوع فى التجسيم ،او نفى كثير من مظاهر الحياة الاخره التي أشارت لها النصوص.
الحياة والموت مظاهر و مراحل للوجود الانسانى: فطبقا لمفهوم الاستخلاف فان مفهومى الحياة والموت فى المفهوم الاسلامى لا يقابلان مفهومي الوجود والعدم - كما في المعتقدات و الفلسفات التي تنكر الجزاء الاخروى- بل هما مظاهر متعددة ومتصلة للوجود الانسانى ، فالحياة الدنيا تمثل المرحلة الأولى من مراحل الوجود الانسانى، كما أن الموت يمثل نهاية هذه المرحلة، وبداية مرحله جديدة للوجود الانسانى هي الحياة الاخره.هذه الحقيقة تتضح من خلال تقريرالقرآن أنّ الموت ليس أمراً عدميّاً، بل هو أمرٌ وجودي كما فى قوله تعالى ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً ﴾(الملك:2).يقول القرطبي في تعريفه (قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف، وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار)
.
مراحل الحياة:فالحياة في المنظورالاسلامى للوجود غير مقصورة على الحياة الدنيا، بل تمتد فتشمل الحياة البرزخية"عذاب القبر ونعيمه" والحياة الاخره "القيامة ". يقول ابن القيم (إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلاثة، وهى: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار...وجعل اللـه لكل دار أحكاماً تختص بها، فجعل اللـه الأحكام في دار الدنيا تسير على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعل الأحكام في دار البرزخ تسرى على الأرواح، والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دار القرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً).
أولا: الحياة الدنيا: فكما سبق ذكره فان الحياة (الدنيا) تمثل المرحلة الأولى من مراحل الوجود الانسانى، كما أن الموت يمثل نهاية هذه المرحلة، وبداية مرحله جديدة للوجود الانسانى هي الحياة الاخره.
مفهوم الروح وتعدده الدلالي في القران الكريم: أصل الروح في اللغة الريح.أما اصطلاحا فقد ورد مفهوم الروح في القرآن بدلالات متعددة ، ومن هذه الدلالات: أولا: الدلالة المتعلقة بما استأثر الله تعالى بعلمه كما في قوله تعالى(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)(الإسراء:85) ورد في تفسير ابن كثير(...وقوله" قل الروح من أمر ربي" أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم...) .ثانيا:الدلالة المتعلقة بالنفس المتصلة بالبدن واصلها كما ورد في تفسير ابن كثير لذات الايه (...فحاصل ما نقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها, والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن, فهي هي من وجه لا من كل وجه, وهذا معنى حسن, والله أعلم). وهى دلاله متصله بكيفية الحياة.ثالثا:الدلالة المتعلقة إيجابا بجعل البدن حيا كما في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) .رابعا:ألدلاله المتعلقة سلبا بعمليه توقف حياة الجسد حين الاحتضار كما في قوله تعالى (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ *وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لّا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(الواقعة:83-87).هذه الدلالة والدلالة السابقة لها متصلتان بماهية الحياة.خامسا: مَلَك من الملائكة كما في قوله تعالى(يوم يقوم الروح والملائكة صفا)(النبأ:38).سادسا:القرآن والوحي كما في قوله تعالى(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) (الشورى:52)، وجبريل كما في قوله تعالى (قل نزله روح القدس من ربك) (النحل:102). سابعا:النصر كما في قوله تعالى قوله تعالى: (وأيدهم بروح منه) (المجادلة:22). ثامنا:الرحمة كما في قوله تعالى(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف:87). تاسعا: الراحة من الدنيا كما في تفسير ابن عباس لقوله تعالى (فروح وريحان وجنة نعيم) (الواقعة:89 )...
اضافه الروح إلى الله تعالى للملك وليس للتبعيض:وقد أضاف القران الروح إلى الله تعالى كما في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي)،وقد فسر البعض هذه بالاضافه بأنها اضافه وصف أو تبعيض، بمعنى أن روح الله تعالى أو بعضها توجد داخل الإنسان، وهذا التفسير خاطئ، فضلا عن انه قد يمهد إلى القول بالحلول،اى حلول روح الله تعالى بالإنسان.والتفسير الصحيح الذى يتسق مع التصور التنزيهى لله تعالى -هو أن الاضافه هنا اضافه ملك لا اضافه وصف أو تبعيض، يقول ابن تيمية (...فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف )(مجموع الفتاوى:9/290)...
الروح مخلوقه: والروح طبقا لدلالاتها المتعلقة بسوي الله تعالى وصفاته من علم ورحمه... كدلالتها المتعلقة بالنفس المتصلة بالجسد واصلها محدثه ومخلوقه ، يقول ابن القيم (... فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة ... ) (كتاب الروح:ص 501). إما قول البعض بأنها قديمه ، فهو يعبر عن تأثرهم بالتصور الافلاطونى ، الذى يرى أن الروح ذات وجود مطلق ، ويرتب على هذا التطرف في التأكيد على البعد الروحي للإنسان لدرجه إلغاء بعده المادي.
مفهوم الخلود: الخلود لغةً من "الخلد" وهو دوام البقاء، اما اصطلاحاً فلا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي.
في الحياة الدنيا:وقد نفت النصوص الخلود بمعناه المطلق عن الوجود الإنساني في مرحلته الأولى اى الحياة الدنيا، كما في قوله تعالى(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، لكن النصوص أثبتت الخلود بمعناه المقيد للوجود الانسانى في هذه المرحلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علمٍ يُنتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له)(رواه مسلم)، فالحديث يشير إلى بقاء "مقيد" لعمل الإنسان بعد الموت في بعض الحالات. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وقد فسر بعض العلماء معنى ان ينساْ له في أثره بقاء ذكره الجميل، يقول الإمام النووي (وأجاب العلماء بأجوبة... والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت...).
في الحياة الاخره: وقد أثبتت النصوص الخلود بمعناه المطلق" المستمر" للوجود الانسانى في مرحلته الثانية اى الحياة الاخره كما فى قوله تعالى ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (الفرقان 69)، وقوله تعالى ( ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) (ق: 34) .
تفسير الايه (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ ):أما وصف القران لأهل الجنة وأهل النار بأنهم خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ في قوله تعالى (وَأَمّا الّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ)، فلا يعنى نفى الخلود فى الاخره ،وانما خاطب القران العرب في هذا الموضع بما هو معروف في لغتهم من التعبير عن الشيء الدائم البقاء بشبيه دوامه بدوام السماء والأرض، يقول الطبري في تفسيره( ويعني بقوله: ما دامت السموات والأرض أبدا: وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت:هذا دائم دوام السموات والأرض، بمعنى أنه دائم أبدًا).
الموت: وقد عبر القران عن الموت بمصطلحات متعددة، ذات دلالات متعددة أيضا:
مفهوم الموت وتعدده الدلالي في القران الكريم : الموت لغة : السكون.أما اصطلاحا فقد ورد المصطلح في القران بدلالات متعددة منها أولا:الموت كنهاية لمرحله الحياة الدنيا ، وبداية لمرحله الحياة الاخره كما في قوله (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(العنكبوت57) .ثانيا:القوّة النامية الموجودة في الحيوان والنبات كما في قوله تعالى (يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الروم: 50). ثالثا:زوال القوّة الحسّيّة كما في قوله تعالى (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) (مريم). رابعا:زوال القوّة العاقلة، وهي الجهالة، كما في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) (النمل (80.. خامسا:الخوف والحزن المكدّر للحياة كما في قوله تعالى: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) (إبراهيم: 17) . سادسا:النطفة كما في قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُم). سابعا:الضلال كما في قوله تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ). ثامنا: الجدب كما فى قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) . تاسعا: الحرب كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(لسان العرب، ابن منظور، دار الفكر ودار صادر، بيروت،عن طبعة القاهرة، مطبعة الأميريّة، 1300هـ : ج 2 ص92 ).
أنواع الموت: وقد أشار القران الكريم إلى أنواع الموت وحكم كل نوع من هذه الأنواع:
القتل: وقد ورد النهى عنه كما في قوله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93).
الانتحار: وقد ورد النهى عنه كما في قوله (صلى الله عليه وسلم) ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً .. ) (رواه البخاري : 5442- ومسلم 109) .
الشهادة: ورد مصطلح الشهادة ومشتقاته بدلالات متعددة في القران الكريم
منها: اولا: الفعل " شهد يشهد" بمعنى حضر حدثاً كما في قوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)( البقرة: 15)، ثانيا: الشهيد هو الشاهد على معاملة الدين(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ)( البقرة : 282)، ثالثا: الشهداء هم الحضور لحدث(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ) (البقرة 133) ، رابعا: الشهيد من أسماء الله الحسنى(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ( المجادلة)،خامسا: المقتول في سبيل الله ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )( آل عمران).
شهيد الاخره وشهداء الدنيا: وقد ميز العلماء بين شهيد الاخره ، وهو المقتول في سبيل الله ، وشهداء الدنيا الذين أشارت إليهم جمله من النصوص منها: قوله ( صلى الله عليه و سلم )( الشهداء خمسة : المبطون ، و المطعون ، و الغريق ، و صاحب الهدم ، و الشهيد في سبيل الله عز و جل)، وقوله ( الله صلى الله عليه و سلم )( من قتل دون ماله فهو شهيد ، و من قتل دون دمه فهو شهيد ، و من قتل دون دينه فهو شهيد ، و من قتل دون أهله فهو شهيد . ).
حول جواز القول فلان شهيد: وقد اختلف العلماء حول جواز القول فلان شهيد إلى مذهبين : أولا الجواز: استنادا إلى العديد من النصوص التي أشارت إلى وصف بعض الصحابة بالشهداء ، غير هذه النصوص مقصورة على وصف من شهد له الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالشهادة ،أو اتفقت الأمة على الشهادة له ، لذلك ترجم البخاري باب(لا يقال فلان شهيد)، ثانيا: المنع استنادا إلى العديد من النصوص التي تفيد بعدم امكانيه العلم بحال الميت كقوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ)(رواه مسلم .( وكذلك نهى عُمَرَ بن الخطاب (رضي الله عنه) عن القول فلان شهيد ( تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلا لا تقولوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ) . ان كلا المذهبين السابقين هما مذاهب اجماليه،والمذهب الذى نرجحه هو مذهب التفصيل ، ومضمونه التمييز بين كيفيه الحكم، فان كان الحكم على سبيل القطع والتعيين فان حكمه هو المنع ، أما إذا كان الحكم على سبيل الظن والرجاء والإجمال فان حكمه هو الاباحه ، وهو التفصيل الذى قرره عدد من العلماء ، يقول الحافظ ابن حجر ( قَوْله : " بَابُ لا يُقَالُ فُلَانُ شَهِيدٌ " أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ إِلا إِنْ كَانَ بِالْوَحْي...فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال )( الفتح : 7/175ـ 176 ) .
مفهوم الوفاة وتعدده الدلالي في القران الكريم: الوفاة لغة: التمام والكمال،. وقد ورد مصطلح الوفاة في القرآن بدلالات متعددة منها:اولا: النوم كما في قوله تعالى ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ،وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا (الزمر:42)، لذا قال العلماء ان النوم هو وفاه صغرى.ثانيا:الموت كما في قوله تعالى( قل يتوفاكم ملك الموت)(السجدة: 11).
مفهوم الأجل وتعدده الدلالي فى القران الكريم : الأجل لغةً مدّة الشيء، أما اصطلاحا فقد ورد المصطلح في القران بدلالات متعددة منها: أولا:حلول وقت الموت كما فى قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ). ثانيا:المدّة المعيّنة لاتّفاق الدائن والمدين لاستحقاق الدَين كما فى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (البقرة:282). ثالثا: المدّة المعلومة للعمل كما في قوله تعالى(قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ...)(القصص:28) .رابعا:حلول نهاية المدّة الزمنية المحدّدة كما في قوله تعالى(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف: 34)
الأجل المطلق والأجل المقيد: وقد قسم العلماء الأجل إلى قسمين : اجل مطلق ينفرد بعلمه الله تعالى،واجل مقيد يعلمه ما سواه تعالى من الملائكة وغيرهم ويتصل بقوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت )،وقد استدلوا في هذا التقسيم إلى قوله صلى الله عليه وسلم ) من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه )، يقول ابن تيميه (والأجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ... ) (مجموع الفتاوى :ج8/ ص517). يقول الإمام النووي (وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها :الأول : أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات... والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة، إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون،وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت ...)( شرح النووي على صحيح مسلم ج16/ص 114) ويقول ابن حجر ( قال ابن التين ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) والجمع بينهما من وجهين...ثانيهما : أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ،وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى ... فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص ... )( الرعد/39)
ثانيا: الحياة البرزخية: البرزخ هو الفاصل بين الحياة الدنيا(عالم الشهادة)، والحياة الاخره (عالم الغيب )، كما في قوله تعالى(ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)،والحياة البرزخية هي التي عبرت عنها النصوص بعذاب القبر نعيمه لمن يستحقه يقول ابن القيم ( مما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ, فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قُبر أولم يُقبر, فلو أكلته السباع أو أُحرق حتى صار رمادا ونُسف في الهواء أو صُلب أو غرق في البحر ،وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور) ( كتاب الروح).
تصحيح المفاهيم: وهنا يجب تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الحياة البرزخية :
أولا: أن الحياة البرزخية لا تقتصر على عذاب القبر ، بل هي تتضمن عذاب القبر لمن يستحقه، ونعيمه لمن يستحقه، وهو واضح في النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم (القبرُ إمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الجنَّةِ وإمَّا حُفْرةٌ مِنْ حُفَرِ النيرانِ) ، وتأكيدا لذلك أشارت العديد من النصوص ، إلى العديد من الأحوال التي لا يعذب فيها الميت في القبر كقوله (صلى الله عليه وسلم) (للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القير...) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم )( من يقتله بطنه فلن يُعذّب في قبره)( رواه الترمذي) ، وقوله(صلى الله عبه وسلم )( ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر).
ثانيا: أن عذاب القبر ونعيمه ليس عذاب أو نعيم روحي كما يقول البعض ، كما أنهما ليسا عذاب او نعيم مادي كما يقول البعض، بل هما عذاب أو نعيم حقيقي وغيبي، يقول ابن القيم(واعلم أن سعة القبر، وضيقه، ونوره، وناره ليس من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا) ،وورد شرح العقيدة الطحاويه (ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم ليس من جنس نار الدنيا ولا نعيمها) (طبعه مكتبه الدعوة الاسلاميه ، القاهرة، ص392).
ثالثا: الحياة الاخره: وهى القيامة والبعث الاخروى.
القيامة الصغرى والكبرى: وقد أشار العلماء إلى أن موت الفرد هو القيامة الصغرى ، بينما البعث الاخروى هو القيامة الكبرى استنادا إلى الحديث الوارد فى صحيح البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رجال من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسألونه عن الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: (إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم)، يقول ابن كثير( والمراد انخرام قرنهم ودخولهم في عالم الآخرة، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة).
البعث بالروح والبدن: وتقرير علماء أهل السنة ،أن البعث هو بعث للروح والبدن ، هو الذى يتسق مع المفهوم الاسلامى للوجود الانسانى، والقائم على عدم تجاهل الأبعاد الروحية والمادية للإنسان ، أما قول بعض الفلاسفة الإسلاميين بالبعث الروحي ، فهو تعبير عن تأثرهم بالتصور الافلاطونى، القائم على التأكيد على البعد الروحي للإنسان وتجاهل بعده المادي، ولا يقتضى ذلك الأخذ بتصور مادي تجسيمي، لان النصوص تشير إلى البعث باعتباره خلق جديد كما في قوله تعالى .فهي بالتالي تتحدث عن بعث الأبدان لكن في شكل غيبي.
الجزاء الاخروى الحقيقي الغيبي:والجزاء الاخروى المتضمن للعذاب(النار) أو النعيم (الجنة)هو ليس عذاب أو نعيم روحي كما يقول البعض ، كما أنهما ليسا عذاب أو نعيم مادي كما يقول البعض، بل هما عذاب أو نعيم حقيقي وغيبي. وهو الأمر الذى أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة:17)، والحديث القدسي الذى رواه البخاري ومسلم ولفظه: عن أبي هريرة( رضي الله عنه) قال: قال رسول الله( صلى الله عليه وسلم)( قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)، يقول ابن عباس (رضي الله عنهما)( ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء) (رواه البيهقي وصححه الألباني).
العلاقة بين الأحياء والأموات فى المفهوم الاسلامى:
الاباحه المشروطة للحزن على فراق الأموات:
وقد أباح الإسلام الحزن على فراق الأموات ،بشرط أن لا يتم التعبير عن الحزن كعاطفة (ذاتيه) ، من خلال قول أو فعل (موضوعي) ،يتعارض مع الإسلام كعقيدة وشريعة بدليل قوله تعالى( وَتَوَلّىَ عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ، ورد في تفسير ابن كثير( كظيم: أي ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق, قاله قتادة وغيره وقال الضحاك: فهو كظيم كئيب حزين). وفي السنة عَنْ َقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ...) وبالتالي فان القول بان الإسلام حرم الحزن على فراق الأموات مطلقا يتناقض مع النصوص.
تفسير الحديث( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه):أما قوله صلى الله عليه وسلم( ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ) فقد أنكرت عائشة(رضي الله عنها)ان يكون الرسول ( صلى الله عليه وسلم) قد قال ذلك احتجاجا بقوله تعالى( ولا تزر وازرة وزر أخرى )،وقالت وإنما قال (صلى الله عليه وسلم ) في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها، يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء. واختلف العلماء في معنى الحديث: فقال جمهورالعلماء: معناه أن من وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته، فنفذت وصيته ، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه، أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )،وقالوا انه كان من عادة العرب الوصية بذلك. وقال بعض العلماء هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح، أو لم يوص بتركهما، فهو يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما ، فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما.وقال بعض العلماء : معنى الحديث أن العرب كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بما يرونه فخرا، وهو حرام شرعا كالاعتداء على الغير، وقال بعض العلماء : معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ، وقالت عائشة (رضي الله عنها ) معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم. وهكذا فان العلماء رغم اختلافهم في معنى الحديث ، إلا أنهم اتفقوا على أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه مشروط بشروط تتصل بمضمون وصية،أو كيفيه البكاء، أو عمل الميت...، وبالتالي فان تفسير الحديث بمعنى بتعذيب الميت ببكاء أهله عليه مطلقا يخالف جميع تفاسير العلماء للحديث. كما أن العلماء رغم اختلافهم في معنى الحديث، إلا أنهم اتفقوا على أن المراد بالبكاء هنا النياحة لا مجرد البكاء لقوله (صلى الله عليه وسلم) (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وبدليل ورود رواية للحديث لفظها( يعذب في قبره بما نيح عليه ).اذا الحديث لا يفيد النهى عن حزن الأحياء لفراق الموتى.
الاباحه المشروطة لزيارة القبور:وقد أباح الإسلام زيارة القبور ،بشرط أن لا تتضمن الزباره ما يتعارض مع الدين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة).وبالتالي فان القول أن الإسلام يحرم زيارة القبور مطلقا بتناقض مع السنة.
اباحه رفع القبر بمقدار: ويتصل باباحه زيارة القبور ، اباحه رفع القبر بما يكفى للتعرف عليه، فالسنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، وأن يجعل مسنّما(اى يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزا على أطرافه ) ، وليس مسطحا ، في قول جمهور العلماء ؛ لما روى البخاري (1390) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. وروى ابن حبان في صحيحه (6635) والبيهقي في السنن (6527) ـ حسنه الألباني ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد ، ونُصب عليه اللبن نصبا ، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر . قال في "زاد المستقنع" : " ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما " .
أما ما رواه مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ).فالمقصود بالتسوية هنا ، أي تسويته بسائر القبور ، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر . قال النووي في شرح مسلم (" فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا , وَلَا يُسَنَّم , بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح , وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك ) . وبالتالي فان فان تفسير الحديث بمعنى تحريم رفع القبر مطلقا يتناقض مع تفسير علماء أهل السنة له.
انتفاع الموتى من بعض سعى الأحياء: وقد اتفق أهل السنة على انتفاع الموتى من سعى الأحياء في بعض الأمور كالدعاء والاستغفار والصدقة... ورد في شرح العقيدة الطحاويه( اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعى الأحياء بأمرين : والثاني دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع فيما يصل إليه ثواب الحج... واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءه القران والذكر فذهب أبو حنيفه واحمد وجمهور السلف إلى وصولها ،والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها) (ص451).وبالتالي فان القول بعدم انتفاع الموتى من سعى الأحياء مطلقا يخالف مذهب أهل السنة .
سماع الموتى للأحياء: وقد اختلف العلماء في مسألة سماع الأموات كلام الأحياء إلى مذهبين المذهب الأول: الإثبات المطلق استنادا إلى بعض النصوص كقوله( صلى الله عليه وسلم ) عن الميت (إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا ).المذهب الثاني: النفي المطلق فقد أنكرت عائشة (رضي الله عنها ) سماع الموتى لكلام الأحياء محتجة بقوله تعالى : ( إنك لا تسمع الموتى ) والراجح هو الإثبات المقيد، ومثال له تقييد ابن تيمية سماع الموتى للاحياء بحالٍ دون حال ،وتقييد بعض علماء الحنفيه دلاله الحديث ( يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه ) بأن ذلك خاص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال.

د. صبرى محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الاسلامية فى جامعة الخرطوم


- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى