ثقافة شعبية المهدي نقوس - الأدب الشعبي وتداعياته.. قراءة في المفهوم

الأدب الشعبي هو خزان للذاكرة الجمعية، و يؤرخ لنبض المجتمع ، ويعنى بدراسة مأثوراته وفنونه وادابه حكاياه خرافاته احجياته، موسيقاه ورقصاته فلكلوره ، وشومه وتقاليده العريقة المتوارثة جيلا عن جيل.
وقد نشأ الأدب الشعبي لحاجة الانسان الماسة للتخاطب و للتعبير عن مكنوناته، وما يخالجه من شعور في إثبات ذاته والتعبير عن أحاسيسه الجوانية، والتنقيب عن جواهره الدفينة، ويتوجه للعامة من الناس ويخاطب وجدانهم ، ويعبر عن افراحهم ومكابداتهم وهمومهم ، ويؤرخ لتحولاتهم، ويتناول شتى ضروب التعبير من عشق ومديح ورثاء وخمريات ومقاومة احتلال، ورحلات، وحملات صيد وحل وترحال، وهذا لا يعني بان الفنان الشعبي عديم التكوين أو منعدم الخبرة ، لكونه أميا لا يعرف الكتابة والقراءة، وقد حفل التاريخ بمبدعين عظماء من البسطاء الذين لا يقرأون ولا يكتبون، لكنهم وثقوا مراحل حياتهم ، ثم لا يمكن الحكم على بساطة تكوينهم واغفال مستوى ابداعاتهم العميقة ، وحدة ذكائهم ، وقد جاء ابن خلدون في المقدمة على ذكر نماذج لشعراء البادية، وهو يشير إلى أشعار الهلاليين في المغرب العربي التي كان لها تأثير كبير على الادب والثقافة الشعبية عموما ، وهجرتهم من مصر ، واثر التلاقح الحضاري الذي أحدثوه بين الثقافات والحضارات والقبائل.
وقد حفظ التاريخ العربي العديد من الملاحم التي تضاهي إليادة هوميروس، جسدتها حكايات الف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وعنترة بن شداد وسيف بن ذي يزن وذات الهمة وابنها عبد الوهاب، والرحلة الهلالية، التي تحفظ لنا العديد من الحكايات الشعبية والاشعار والحكم والعبر
ولعل أقدم النصوص التي وصلتنا هي وصية كليب وائل بن ربيعة التغلبي لشقيقه المهلهل الزير سالم يحثه فيها على الثأر من جساس اخ جليلة بنت مرة احدى شواعر العرب وزوجة كليب وابنه عمه، وذلك لعداوة ثارت بينهما بسبب ناقة البسوس خالَةُ جساس التي عرجت لترعى على ارض كليب، وتسببت هذه الحادثة في اندلاع حرب ثأرية تراجيدية بين بكر وتغلب دامت اربعين سنة وقد خلفت هذه الحرب العديد من الاشعار اهمها قصائد الرثاء الشهيرة للزير سالم في اخبه واشعار الجليلة في زوجها واخيها
النص كما يتضح من قراءته مأخوذ من كتب الملاحم والسير الشعبية التي ارخت لمثل هذه الاحداث التي تراوح بين الحقيقة والخيال، وتسيطر عليه التقريرية وبه كلمات عامية ، ولا يرقى الى مستوى الشعر الجيد
وقد استلهم الشاعر امل دنقل البيت التاسع من قصيدة كليب ونظم قصيدته الشهيرة " لا تصالح
وصية
كليب الى المهلهل
يقول كليب أبن ربيعه = فدمعي فوق خدي كالقناة
جفاني الدهر ورماني سقيم = فهذا الدهر كم مثلي فناه
خرجت أنا على مهري أسير = فليس معي أنا إلا ألعصاه
هذه الابيات ان تمعنا فيها تظهر عليها البساطة في النظم، وفي اختيار الكلمات قصد تسهيل المقصود من الرسالة المرجو تبليغها ،

وتشكل الاساطير و الحكايات الشعبية والاحجيات والالغاز والاخبار التاريخية رافدا من الادب الشعبي، الاكثر تداولا بين العامة ، وتتفرع الى ما هو واقعي معاش، او اسطوري من نسج الخيال ، كحكاية الطفلة الجميلة هاينة ، كناية عن الانثى المظلومة المهضومة الكرامة المسبية من طرف الغول رمز البطش والتسلط والقبح، وتعافر من اجل الحفاظ على عذريتها ، هاينة التي تطردها هي وشقيقها زوجة الاب الشرسة، التي تتسبب في قتل امهما ، وذلك ضدا على ارادة الوالد المغلوب على امره، ثم ما تلبت ان تنتصر هاينة على المصاعب هي وشقيقها وتعود للقرية ، لتحسن لامراة ابيها، واسم هاينة قريب جدا من اسم هنية المغربي او هانية المشرقي ، أو داهية الامازيغية، وهناك شخصية حديدان الماكر الذي يقتل الغولة او يدفعها للانتحار، لانها اكلت اشقاءه الستة، وهو تصغير لاسم حدو الامازيغي أو المعزة وخرافها عزة ومعيزيزة،
كما تصلنا حكايات اخرى مغرقة في طلسميتها وكلها تتحدث عن العشق مثل حكايات حمو أونمير و إيسلي وتيسليت ، العاشقان اللذان حالت عداوة القبيلتين دون زواجهما فانتبدوا مكانا قصيا واخذا يبكيان حتى امتلأت بحيرة بالدموع سميت باسمهما، ولهذه الحكايت طقو خاصة في الالقاء، لانه لا يتوجب حكيها بالنهار ، لان الاطفال يصابون بفطريات في الراس ( القرع)، لأن النهار للعمل والجد والتحصيل
وفي مقابل تلك الحكايات الخيالية والخرافية هناك قصص لا تقل مأساوية ، حدثت في الواقع ـ كقصيدة حيزية الشهيرة التي ألفها الشاعر محمد بن قيطون الالذي كتبها عام 1878 ، ويقول في مستهلها
عزوني يا ملاح في رايس البنات = سكنت تحت اللحود ناري مكديا
يــاخي أنـــا ضرير بيــــا ما بيــا = قلبي سافر مع الضامر حيزيــا
وقصة البوغي ، وهي قصيدة واقعية ايضا تروي قصة حب جاب الله من مدينة عنابة ونجمة من مدينة قسنطينة، والقصيدة من تأليف جاب الله نفسه ألّفها وغناها ودفع حياته ثمنا لها
وملحمة مم وزين الكردية التي الفها الشاعر أحمد خاني، وقصة بهية وياسين، او حسن ونعيمة ، و حكاية تاجوج والمحلق.. وتحكي عن سيرة أشهر قصة حب سودانية
يلتقي الزجل مع الموشحات في أنهما وجهان لعملة واحدة ، مثل غيرهما من فنون القول و النظم التي ابتدعها أبو بكر بن قزمان إمام الزجالين كما يقول العلامة ابن ، و الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس وتوفي في منتصف القرن السادس الهجري، كما ولم يشهد ابن قزمان لأحد من الزجالين الذين جاءوا قبله بإجادة الزجل و التفوق فيه إلاّ لزجال واحد هو الشيخ أخطل بن نماره
و من الزجالين الذين ذكرهم ابن خلدون: عيسى البليدي، و أبو عمران الزاهر الاشبيلي ، و أبو الحسن المقري الداني، وأحمد بن الحاج المعروف باسم مدغليس
وكما للرجال اشعارهم الشعبية في التغول بالمرأة، فللنساء الصحراويات لون من الاشعار يطلق عليها التبراع ، وهو شعر عامي رقيق ووجداني تتغزل من خلالها المراة الحسانية بالمذكر، وتنظمه ايضا النساء الامازيغيات بالاطلس ومنطقة الريف المغربي يطلق عليها بايزران، ويقابلها في تونس وليبيا كلمة البوقالة ، وهذه الاشعار تشابه في معناها اشعار اللاندي لنساء البشتون بافغانستان
ولا يمكننا ان نغفل رباعيات سيدي عبد الرحمن المجذوب الذي ولد بطيط بقبيلة دكالة، وقد نجد لها شبيها باللهجة المصرية لشاعر اخر يقال له ابن عروس ، وهو شخصية يشك في وجودها، ونجد نسخة اخرى لدة الاخوة في تونس تمتح من الاصل الدارجي المغربي

وشعر الملحون الذي بزغ فيه العديد من الشعراء الكبار مثل الشاعر محمد بن سليمان الفاسي الذي رحل في عمر فتي، والذي اكثر اشعاره في النسيب والغزل
كما يمكن التنويه بجهود الدكتور عبد الحميد يونس المهمة جدا في التاليف والتنقيب والتدريس في ما يسمى بالادب الشعبي، وجهود المؤلف المصري يسري شاكر في احياء التراث المغربي وجمعه في كتاب من جزأين اطلق عليه ( حكايات من الفلكلور المغربي)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى