سونيا الفرجاني - الماءُ المالح.. شعر

منذ أكثر من تسعينَ عاماً لم أرسلْ لكَ طرداً،
عمالُ البريدِ السريعِ ماتوا،
وماتت زوجاتُهم.
حاولتُ أن أجدَ طريقةً أكثرَ حكمة
من وضعِ فمي في صندوق،
مع طلاءِ أظافرَ وفستانٍ خفيفٍ وقدمٍ يُمنى وربلةٍ يسرى.
قلتُ سأكتبُ له صوتي في وسيلةِ حرب،
لكنَّ العالمَ غائم
وأنتَ مُجْهَدٌ ،
والكائناتُ المجهريَّةُ التي أوكلتُها مَهمَّةَ الوشوشةِ في أذنِك
أُصيبت بنوبةِ ضحك
فماتت أيضاً.
الهدهدُ الذي شاهدَ حزني
نقرَ على سُرَّتي مرتين هذا الصباح،
أخبرني أنكَ حين كنتَ تهمُّ بإغلاقِ النافذة
فُتِحتْ كفُّكَ بمسمارٍ ناتئٍ لم ترَه.
لا أدري هل كانت دماءُ يدِكَ كلونِ دماءِ يدي
يدي التي تقلَّص حجمُها تُلوِّحُ ممدودةً منذ قرنٍ مضى.
هل تتكسّر الكريّات حين تتخثُّر؟
وهل تُعثِّرُني رغمَ انسيابِ الأنين؟
أحاولُ أن أُجهِدَ قلبي ليموت،
فتنشرُ صفحاتُ الأخبارِ في ركنٍ ضيِّقٍ
نعيَ موتي
ويغضب الشُّعراء
ويُضربون ويَعتصمون
وأشاهدُ قصائدي مُعلَّقةً في أشجارِ العاصمة
كأنَّها قِططٌ مُجفَّفة،
وأسمعُ اسمي معجوناً تحت الأضراسِ والأجراس
كأنَّه عبَّادُ شمسٍ يكره القمر.
أنا لا أحبُّ القمرَ ولا أحبُّك
لا أحبُّ الحربَ ولا أحبُّك
لا أحبُّ بائعَ الطوابعِ البريديِّةِ العجوزِ ولا أحبُّك
أنا الآن منشغلةٌ كثيراً
أجمعُ أصواتَكَ كلَّها لأرمِّمَ صوتي
وأدفع فديتي.
لن أحتفظَ بالصدى
سأرصُّه في رأسي وأنزلُ البحر
"هل ردمتَ البحرَ قبل أن تغادر؟"
إردمْهُ الآن
إنَّ الأسماكَ الصغيرةَ تنهشنُي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى