1
يتناول القمر قهوتة المسائية وحيدا ، يتأمل أحوال الأرض ويمصمص شفتاه دهشة لأحوالها ، لم يألف هذا الصمت ولا تلك الدموع المنسابة من وراء الغيوم الكثيفة ، ومن كان يصدق : هدأت الجلبة ، وتاهت الأحلام ، وأخد التيه بتلابيب الأمور ، ولا صوت سوى الأنين ، واختلطت نبضات القلوب المكلومة بصرخات لصوص الفرحة وقطاع الطريق .
*********
أنا السيدة حسناء وهذا ولدى يوسف ، لا أعمل حاليا ، مطلقة منذ أربعة سنوات ، عشت ثلاثة عقود أويزيد على هذا الكوكب اللعين ، ما زلت جميلة وأجيد ايقاع الآخرين بشباكى ، تبدأ قصتى منذ سنين طويلة ، سأقصها على مسامعكم ، لعلها تؤنسكم ، والأنس فى أيامنا هذه كتفاحة آدم ، هل تاريخنا الحقيقى ينام فى قلب تفاحة !
كنت طفلة صغيرة أعد سنواتى الثمانية فرادى على أصابع يدى اليمنى ثم ألتفت ناحية المذياع وأردد مع صوت الشيخ الحصرى سورة الفاتحة ، يرتل الشيخ : إياك نعبد وإياك نستعين ، يرتجف قلبى وتسيل دموعى ، أجهل الكنه والكيفية ، أسأل أمى وهى تمشط شعرى وتنشد لى : قمر سيدنا النبى قمر ، لماذا لا يعود أبى ؟
ترجع الشمس كل يوم من رحلتها الكونية ، وألح على أمى وأقبل وجنتيها ولكنى مشتاقة لتقبيل وجنتيه هو كما أقبلها يوميا فى صورته النائمة على وسادة سريرى ، همست أمى بصوت مبحوح قائلة : إنه عند حضرة سيدنا النبى ، فغرت فاهى ولم أفهم ولكنى بكيت .
وسافرت أمى بعد ذلك للقاء أبى ، وعدت وحيدة أسأل البيت عن عُمَاره ، سكون وظلام وحزمة من ذكريات منفية وضحكات لأمى تسير فى صالة البيت بغنج وسعادة ، ولسان حالى يردد : الوحدة ابتلاء عظيم ..
رسبت فى الإبتلاء ، وتزوجت المهندس آدم العشماوى ، الثراء والنفوذ والفقه الإجتماعى الذى يمنحنى الحيثية فى كل الأماكن التى أزورها ، كانت ليلة عُرس تناقلتها وسائل الإعلام المرئية وكذلك مواقع التواصل الإجتماعى ، كنت سعيدة جدا ، الحقيقة كنت أعيش كبطلة سعيدة فى فيلم أبيض وأسود ممل ..
أستيقظ بعد الظهر ، أتناول فطورى وأنا على سريرى ، أغتسل فى بحيرة من الماء فى قصرى ، وأدخن سيجارتى مع بعض من رشفات القهوة البرازيلية الآسرة ، أذهب للتسوق واستعراض مفاتنى بشغف ، أستقبل سهام العيون المستذئبة فى نشوة وسرور ، وأدعهم يلهثون ورائى ، أشارك فى حفلات الرياء الأجتماعى ولا مانع من التقاط مشهد فيديو صغير وأنا أبكى على أطفال الشوارع والسيدات الغارمات ، صادقت كثيرا من الرجال وأقمت علاقات سرية عديدة ، وكنت أسرد قصة كفاحى وشقائى على صفحتى الشخصية فى فيس بوك وكأننى السيدة رابعة العدوية ، فأحصد اعجاب الكثيرين إلى أن أصبحت من مشاهير " السوشيال ميديا ".
ليلة النصف من شعبان وزوجى يعتمر أو هكذا اعتقدت ، لم أعبأ به يوما ، هو يحبنى وأنا أراهن على ذلك ، وكأننى أعاقبه على حبه لى ، يخشى أن يصحى من نومه فلا يجدنى ، لكن المشكلة تكمن فى فراغ قلبى ، أحس بجوع موجع إلى تذوق كل أصناف المشاعر الحسية والمادية !
أنا فى غرفة نومى وجدران الغرفة تبكى خوفا من الخطيئة ، ينفرج الباب عن رجل مفتول العضلات يحمل طفلا أشبه بيوسف ، وصوت الشيخ طه الفشنى يزورنا من احتفالية المسجد المجاور بليلة النصف من شعبان يمسح العبرات المخنوقة عن عين الطفل الصغير .
** طالق طالق طالق يا حسناء
نادت بك الرسل الكرام فبشرت ، الشيخ الفشنى يحدق فى قلبى ويبكى ، أتكوم على حافة السرير عارية ، تعلق يوسف بأحضان أبيه وهربا من البيت ، حتى الذئب الذى كنت أمنحه دمائى الآن قفز من شرفة الغرفة ، تلملم الحيطان دموعها ، وتحدجنى بنظرات كراهية ، لماذا يزورنى صوت الشيخ الحصرى الآن وهو يتلو : إياك نعبد وإياك نستعين ، أردد بصوت عال إياك نعبد وإياك نستعين ثم أدخل فى نوبة إغماء .
إذا مرض القلب حتما ستحتله الغفلة ، والغفلة هى الغيبوبة الحقيقية ، ولما لا ، أنا الآن أسكن فى بيت أمى القديم ، حيث الوحدة القديمة والخوف ويوسف الغائب واشهاد طلاقى ، أجوب فى البيت وأتذكر جارنا القديم سلطان ، كان موظفا كبيرا ولكن بيته نُسجت حوله الشائعات ، قيل أن الجن يسكنه ، وقيل أنه كان ينقب فى ترابه عن الآثار ، فحلت لعنات تعاويذ السحرة وشرور الدجالين ، سلطان ماتت زوجته الجميلة السيدة منار ، ثم لحق بها ابنه الوحيد ، وبعدها عزل من وظيفته بدون أسباب واضحة ، واحترق البيت كاملا بما يحتويه ، وعندما عاد ورأى ما حدث ، ترك شهادة عزله من وظيفته ومفتاح بيته على رصيف الشارع ونظر إلى السماء نظرة طويلة ورحل ، ومن وقتها ولم يظهر له أثر ، والبيت على حاله من ساعتها ، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه ، حتى ورثته فشلوا فى بيعه فأهملوه ، السؤال الذى كان يزعجنى دائما لماذا نظر الأستاذ سلطان إلى السماء نظرة طويلة ثم اختفى بعدها إلى الآن ؟
تهزم قوافل النوم أجفانى ، أرى أمى فى صحراء واسعة حبات رمالها ملتهبة ، تصب بكائها فى أوانى نحاسية ثم تستحم بها وتبكى مرة أخرى ، أستغيث منادية : أمى أنا حسناء ، ترمقنى شزرا ثم تقذفنى بآنية نحاسية ، أصرخ وأجرى بعيدا ، وأصحو من نومى فزعة وأجدنى مبللة ، فترتعد فرائضى ، وصوت بكاء مكتوم من الغرفة المجاورة ، حيث كانت تنام أمى ، فأحتمى بسورة البقرة المحفوظة على ذاكرة تليفونى المحمول وأحاول أن أنام ، وألج شوارع النوم مرة أخرى .
2
** سامحتك !
الشاب الوسيم المفتول العضلات استحال إلى هيكل عظمى ، المحاليل التى تحمل الوهم وتقدمه هدية إلى الجسد النحيل أراها غربانا خانت العشرة وعادت لتعض السواعد التى ساعدت ، ذكرتنى بنفسى ، لا أختلف عنها كثيرا ، آدم أدخل الجنة إلى قلبى وجعلنى أشرق ، ونصبنى ملكة على ضياعه ومتاعه ، وجزاء احسانه لى قتلى لشرفه ، وأطلقت العنان لأناشيد الإثم القديمة ، ومسحت عن جبينى قبلة أمى المعطرة بأنفاس سورة الفاتحة ..
آدم على فراش الموت وقد سامحنى ، الحقيقة قد قتلنى عفوه قبل رحيله ، وماذا يفعل العفو فى قلب مطرود من السماوات ، من يسامح من يا والد ابنى يوسف ، أنا الحية التى ساعدت ابليس على اغواء أبينا آدم ، أنا مثل جارنا سلطان ملعونة مع أنى لا أنظر إلى السماوات منذ زمن .
وعدت إلى القصر مرة أخرى ، أحمل أوزارى ولعناتى وفراق أحبتى ، يوسف يتحاشى النظر إلى وجهى ، الخادمات يعتنين بأمره ، تمنيت وقتذاك أن تبتلعنى الأرض كما فعلت مع قارون ، سرقتنى خطواتى إلى غرفة مكتب آدم ، وجلست إلى مكتبه ، وتحسست بقايا أنفاسه ونظراته وخطوط دموعه ، ووجدت على سطح المكتب ورقة بيضاء كبيرة مسطورة بكلمات قليلة ، الكلمات خرجت من جنهم لتعذبنى ثم عادت وتركتنى أموت ،وتنبت جلودى المرة تلو المرة لأذوق ويلات صنيعتى ، يوسف مريض بالسرطان يا حسناء .
************
آذان الفجر يحمل صوت الشيخ محمود على البنا إلى ملكوت السماء ، طوابير طويلة من البشر ، يشتركون فى ملامح الخوف والكسرة ، الكل يحتاج إلى ضمة طويلة ، الكل يشتاق إلى أحد يخبرهم أن الموضوع بسيط ، نزلة برد عادية وستزول ، ملائكة صغار ينتشرون فى حديقة المستشفى وقد اغتال المرض فرحتهم الصغيرة بطبق من الحلوى أو مشاهدة فيلم كارتون ، لا تدرى لمن تدعى، هل تدعى لهم أم لأسرهم ، لا تعى شيئا ، كل ما فى الأمر فيلم رعب سيىء وردىء تنتظر نهايته ، أو تخطط لكسر شاشة العرض بفأس حاد وتصرخ كل هذا كذب ووهم وادعاء ، جميعنا بصحة جيدة ، سنئوب إلى منازلنا محملين بالهدايا مجبورين الخواطر وسنشاهد فيلم الكارتون معا ، ثم تضربك أبواق الإذاعة الخارجية للمستشفى بندائها المتكررعلى المرضى كل حسب رقم تذكرة الفحص .
أمى ..
يوسف ابنى مريض سرطان ، لم أستطع أن أتصالح مع هذه الحياة أبدا منذ الميلاد الأول ، سافر أبى وأنا أحمل بين أحضانى سلة فيها من العمر سبعة أيام ، كلمة أبى لم أنطقها أبدا ، وكم كنت أتمنى ، أتذكرين يا أمى وأنت تراجعين لى دروسى ؟ كنت ألح عليك فى السؤال ماذا تعنى كلمة أب ؟ تقبلين قلبى وتمسحين دموعك ، فأشفق عليك وأحتضنك وأستفهم عن سر حزنك الجلى ، فتضحكين كالبدر وتهمسين بأن سندريلا طرفت عينيك ، ما أنبلك يا أماه .
أقف أمام قبرك الآن ، لم أتحمل رؤية يوسف وهو يتناول جرعة الكيماوى الأسبوعية ، هربت إلى المقابر ألوذ بقبرك علنى أجدك ، استحييت فى المثول أمام قبر أبى ، حجبتنى خطيئتى ، خجلت من سؤال أحدهم له فى برزخه عن تلك السيدة التى تذرف الدمع الهتون أمام قبره ، وماذا كنت سأقص عليه ؟ وهل هناك ما يستحق الفخر لأتلوه على مسامعه ، ولم تجرؤ خطواتى على التقدم لقبر آدم ، آدم الذى قذف بمتاع الدنيا وراء ظهره وسامحنى ، وقابل الله عز وجل بقلب سليم ، لكنى يا أمى جئتك ، دعينى استتر فى شالك الصوفى الطويل وأتطهر ، اسمعينى يا حبيبتى ، أنا حسناء أتذكرين ، حسناء التى كانت تقلد الشيخ الحصرى فى تلاوته .
خرجت من البيت يحملك المشيعون ، وطاردت روحى نعشك الطائر ، وتمزق جسدى فى أديم البيت إلى قطع صغيرة ومهترئة ،قام الجيران بجمعها ولكنها بعد العودة كانت سوداء مشوبة بالحنق والغضب الشديدين ، لماذا أنا ؟
اليتم الذى تجرعته طباقا طباقا ، والفقر الذى رافقته سنوات طوالا ، حتى حائط الأمان الأخير تهدم ولم يكن هناك مثل سيدنا الخضر ليقيمه ويساعدنى ، يتسرب من غرفتك شعاع نور غريب لا يشبه الشمس ولا القمر ، أدنو بحذر وأتفرس باب غرفتك ، فتهدهد الصلاة على حضرة النبى آذانى ، فأحمل خطواتى كيلا أزعجك ، وما إن تنام رأسى على الوسادة حتى تضوى فى البيت رائحة عطرة ، يخذلنى فضولى وأسألك ، فتخرج الشمس من فيك كاتبة على سقف البيت : إنها نفحات الحمد لله .
أضرب أخماسا فى أسداس ، أين هذه الأشياء التى تستدعى الحمد ، المال قليل وشحيح ، خاننا أقاربنا وأكلوا ميراثنا ، هاجمتنا الشهوات بعد وفاة أبى تحت ستارة الصدقات والزكاة ، لا أتناول طعاما جيدا أو أرتدى ما أتمنى وأحلم ، أكمل دراستى ولا أعلم إن كنت أستطيع الإستمرارية من عدمه ، صدرى يعيش بين دفتيه مستنقعات من الخزى والخذلان والإعتراض ، لماذا نحن يا أماه ؟ كل زميلاتى مجبورين وسعداء ولديهم أب وضحكة كبيرة كالسماء وطمأنينة بحجم الأفق،ويزداد حنقى وأنت تمشطين شعرى وببساطة ويقين تؤكدين لى بأن الله سيرضى قلبى ، أنفعل واستشيط غضبا وأرمى المرآة جانبا فتتهشم ، ولا ينبس فمك عن بنت شفة ، كل ما فى الأمر تنهضين قائمة لتصلى وتتضرعين وتسرين إلى الله بأسرارك ، وكأننى أرى قلبك الآن يا أماه يعرج إلى السماوات ..
لم أنس أول ليلة تنامين فى قبرك ، أضع قلبى على طاولة مهملة فى صالة بيتنا ، وأجوب البيت بلا قلب ، لا أستوعب ولا أقدر أن أقول الجملة المعتادة " االله يرحمك" ، أشعر بكراهية للناس ، ونداء من أعماقى يجهر بالكفر بكل الموروث ، حتى عثرت أصابعى على وصيتك ، ورقة بيضاء متوسطة الحجم ذات رائحة ذكية ، كانت جملة واحدة فقط ، يا حسناء السر فى سورة نوح .
كفاك يا أماه ، حتى بعد رحيلك ما زلت تصرين ، لن أبحث عن شيىء ، كل حياتى السابقة وحكاياتى القديمة سأرميها فى البئر ، بئر منسى يقع فى قرية ظالمة أهلها ، حقيقة الأمر أن السعادة يمتلكها قساة القلوب ، أما أنا سأنشد على الربابة حكاية أخرى ..
وطرق آدم باب البيت ، إنه يحبنى من المرحلة الثانوية ، يريدنى خالية الوفاض ، سيتكفل هو بكل قض وقضيض ، وافقت على الفور ، وارتديت فستان زفافى قبل مرور شهر على وفاتك ، آدم صنع من المستحيل عقدا وأهداه لى ، بيد أن قلبى مشوه ، قلبى ناكر للمعروف ، لم يستطع زوجى تغيير الصورة القديمة الراسخة فى وجدانى ، يوم أن عدت من المدرسة الإعدادية وألقيت بكلى فى أحضانك وأجهشت بالنواح ، مدير المدرسة يريد مقابلة أبى ، ابنة عمى أخبرته أن أبى على قيد الحياة ، ابنة عمى الذى سرق أرضنا وبصق علينا على نواصى الطرقات ، سألنى المدير برقة ؟ أقسمت له بالحقيقة وبأننى لا أتهرب من المصروفات الدراسية بعلة وفاة أبى ، ومن وقتها وأنا أمقت كل السعداء ، أبغض كل سليم ، ويا حبذا لو كان يحبنى مثل آدم ، ينبغى على هذا العالم أن يلعق كسران الخاطر ويحتسيه مثل الدواء ، وكان الميلاد الجديد مع آدم ، حيث الجنة والنار ووساوس ابليس ، انشغاله الدائم بأعماله ، كانت حجتى المعلنة لسفرياتى المتنوعة ، طفت العالم ، حققت مالم أحلمه يوما ، جوعى المتجدد للشهوات دفعنى إلى التمرد على كل الموروث الدينى والأخلاقى ، واختبأت فى ثنايا المصطلحات لأبث سمومى وأفكارى حتى أبدو سيدة المجتمع العصرية التى تواجه الجمود والأفكار الضحلة المضحكة والمبكية فى آن واحد .
كنت أتشدق بأنفاس دخان الأرجيلة وأنا فى حديقة القصر ، شهر رمضان قد أوشك على الأنتهاء ، وتغمرنى راحة حيال هذا الأمر ، وأتفاجأ بآدم يمسك بمصحف وسجادة صلاة ويغازل قلب ابنى يوسف بسورة الفاتحة ، وعندما أستبين الخبر ، يجيب بمنتهى الهدوء : إنها الليالى الأخيرة المباركة ، المسجد قريب ، والله أقرب من حبل الوريد ، ويوسف يريد أن يصلى إلى الله ليخبره بسر ، يومها انتابتنى قشعريرة وارتعدت أوصالى ، رجوت يوسف أن يقترب ويهمس لى بالسر ، أنا أمك لن أجهر به لأحد ، ولكن يوسف لم يسمعنى واحتضن كف أبيه ورحل إلى المسجد القريب .
هل تدرين ما كان سر يوسف يا أمى ؟
***********
لماذا يا حسناء ؟
هل ذنبى أننى أحببتك ؟ هل أخطأ يوسف عندما سجد لله فى صلاة التهجد وبكى وتضرع : يا ربى اجعل أمى تقيم الصلاة وتقلع عن التدخين ، فقد عرفت من أبى أن الجنة تحت أقدام الأمهات ، هذا سر يوسف ابنك ، هل شُفى قلبك الآن عندما فتحت باب البيت لابليس !
هذا سر يوسف يا أمى وقد ألقيته فى البئر ولم أبال ، وجئت على قميصه بدم كذب ، وهاهو ذا يوسف يمدد قدماه على أعتاب دنياه يستقبل آخرته ، دنياه التى لم يحياها بعد ، ورأيت الحقيقة بعد عناء ، والحقيقة كانت أمامى لم تغب ولكنى كنت محجوبة ، طردتنى القلوب السليمة لما مرضت بداء الكبر ، الكبر مرض ابليس اللعين .
فى حديقة المستشفى يفترش عمال مساكين الأرض يصلون ، أسمعهم يلهجون بالدعاء ، ويبكون ويحمدون ، تذكرتك ساعتئذ يا أمى عندما كان الحمد هو شاهد البيت ، لم يئنوا ولم يعترضوا على قلة المال وشماتة ذوى القربى ، حتى فى المرض هناك من يسعد لذلك ، ومالى ألوم الشامتين وأنا كنت أفظع حالا منهم ، وبين الفينة والأخرى أسمع صراخ وعويل ، أحدهم مات ، واكتشفت أن هناك موت آخر للإنسان ، الموت الحقيقى عندما يموت ابنك فى حياتك ، الموت الحقيقى أتنفسه كل صباح خاصة عندما أتذكر آدم وهو يواجه مرض يوسف بمفرده ولم يخبرنى ، أى قلب أحمله بين أضلعى ، هل قسى قلبى فأصبح كالحجارة بل هو أشد قسوة ، يبدو أن الحجر ذو منفعة للناس ، أما أنا كسرطان يتطفل على كل جميل حتى يدمره ، دمرت آدم زمان ، والآن أقتل يوسف بخطيئتى .
****************
** هل يقبلنى الله يا شيخى ؟
** الله رحمان رحيم ، اغتسلى جيدا وارتدى ثيابا طاهرة واسجدى على بابه ذليلة منكسرة وتضرعى .
** وهل سيشفى ابنى يوسف ويعفو عنى ؟
** إن الله على كل شيء قدير ، وصيتى لك : الاستغفار والسجود ، ساعتئذ سيعود قلبك سليما كما كان ، والله عند المنكسرة قلوبهم من أجله .
الساعة الثانية صباحا ، السكون هو سيد الموقف ، يوسف محبوس بين أنياب المحاليل وأجهزة العناية الطبية ، تركت جبهتى تسقط على الأرض ذليلة وسجدت وناديت : سبحان ربى العلى الأعلى الوهاب وكررت النداء وبكيت كثيرا ، لم أشعر بنفسى سوى بآذان الفجر يطمئن الوجود ، ويعطى هدايا سماوية للمستغفرين بالأسحار ..
وثقل جسدى وأصابته الرعشة والحزن ، ونمت وحلمت بأمى بعد قطيعة ، كانت تسير على حافة جندول صغير ، وكانت كفتاة فى عمر العشرين ، جميلة كشمس الشتاء ، وكان يرافقها رجل ضخم الجثة أبيض الوجه دقيق الملامح ، يا أماه ناديت مرارا ، لم تجب النداء ، اقتربت من الرجل الذى يرافقها واستجديته أن يتوسط لى لدى أمى ، ابتسم الرجل ابتسامة حانية وقبلنى ، وحينئذ سقطت من قلبى خطوط قيح سوداء عفنة ، وربت على كتفى وقال لى : ابحثى عن وصية أمك فيها خلاصك وراحة ابنك يوسف ، لم أنتبه جيدا لكلماته ، تذكرت أين رأيت هذا الوجه ، أبى .. إنه نفس الوجه النائم فى الصورة على حائط بيتنا القديم ، وصحوت من النوم على صراخ يوسف وجمهرة طاقم الممرضات ..
*** مرافقتك لابنك الآن ليس لها جدوى
*** سأسافر به إلى الخارج
*** الداخل مثل الخارج ، إنه فى رحاب الله ، دعواتك له ، لعل المعجزة تحدث ..
*********
زرت الجامع الأزهر ، وقابلت الشيخ مرة أخرى ، وأقسمت له بمحافظتى على أداء الصوات المفروضة ، وقيامى باخراج الزكاة وأداء الصدقات بنية الشفاء ليوسف ، واستغفرت الله ليلا ، وبكيت فى نوافل الليل وتضرعت ، ولكن لم يحدث شىء ، الوضع يزداد سوءا ، وابنى على مشارف الموت ينتظر قطاره ، وأنا مثل الفاكهة العفنة التى تعافها الحشرات .
** الصبر ، اهربى من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته ، واستغفرى ، ودعى الاستغفار يطهر قلبك من الكبر ودنس الأيام الماضية ، حالك هذا الذى أراه ليس بحال مستغفر ..
** كيف يا شيخى ؟
** نفسك تصور لك بأنك بذلتى ما فى وسعك ، وتضرعت إلى الله ، ولكن هذا نصيبه وقدره ، ويدل هذا على أن قلبك لم يتطهر بعد ، وبكائك لم يخلص بعد ، ارجعى وابكى على خطيئتك واستغفرى ، ودعى اليقين ينير أركان قلبك ، وساعتئذ سترضين ، فإن لم ترضين ستسلمين ، تأدبى وأنت فى دعائك ، والأستغفار أول طريق الأدب ، والتسليم أعلى درجات الأدب .
رجعت من عند الشيخ محبطة ، لم أفهم كثيرا مما قاله ، وتوجهت إلى بيتنا القديم ، وتوضأت وقمت بأداء فريضة العصر ثم نمت ، ورأيت آدم لأول مرة بعد وفاته ، كان يلبس بذلة بيضاء أنيقة ويلتحف عباءة مغربية ، ويحمل ولدى يوسف ويبكى بكاءا شديدا ، ويمسح يوسف دموع أبيه ، ويذكره بقصة النبى يوسف وكيف أن الله جبر قلب أبيه النبى يعقوب رغم كيد اخوته والحاسدين ، ناديت عليهما فلم يسمعانى ، ورأيت أبى يمتطى حصانا أسودا ويزأر فى وجهى كالأسد ويعنفنى : أين وصية أمك وهل قمتى بتنفيذها ؟ ثم رحل سريعا ولم أر لأحد فيهم أثر ، وصحوت من النوم أجرى باحثة عن متعلقات أمى ، ورحت أبحث فى كل زوايا البيت وأحشائه ولم أعثر على شىء ، حتى تذكرت أنها كانت ورقة بيضاء مسطور فيها جملة واحدة تقول : أن السر فى سورة نوح .
عثرت أخير على المصحف الخاص بأمى ، وفتحته وتسمرت لوهلة ، انبعثت منه رائحة عطرة ، الرائحة القديمة التى كانت تؤنس بيتنا ، رائحة الحمد ، ووصلت إلى السورة ، وانتابنى خوف شديد وخجل عارم ، وبدأت فى التلاوة واسترسلت ، آه أدركت الآن السر ، وفهمت ورحت أعيد تلاوة السورة كثيرا ، واستحال البيت إلى بركة كبيرة من دموعى ، وشممت الرائحة الذكية تضوى فى البيت مرة أخرى ، ولأول مرة منذ زمن بعيد أشعر بلذة القرب ، أنا الآن فى رحابك يا مولاى ، أبكى على خطيئتى وأقر بذنبى ، لكن عفوك ياعفو يا كريم أعظم .
بسم الله الرحمن الرحيم
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
وشرعت فى زيارة قبر آدم لأول مرة ، ووقفت أمام قبر أبى ، وناديت أمى : حانت لك الراحة الآن يا أماه فلقد عادت حسناء أخيرا ، وقمت بزراعة نخلات أمام قبورهم ، وتوجهت إلى المستشفى ، وأخبرتنى الأدارة بأن الوضع يزداد سوءا ، وأن المسألة مسألة وقت ، لكن الغريب فى حينها أن الجزع لم يجتاحنى ، وأحسست بطمأنينة تحتضن أوصالى ، ونداء خفى يجبر قلبى بأن الخير قادم ، فقط اقتربى من الباب واسجدى ، ورحت أطوف على الأماكن التى عصيت الله فيها وأستغفر ، وأستغرق فى الاستغفار ، وتتفجر ينابيع اليقين فى قلبى وتنتشر وتزداد ، وفوضت أمرى إلى الله ، ورضيت ..
وذات يوم وبينما أزور الجامع الأزهر وأجلس فى ركن ما منزوية ، أبتهل وأتضرع إلى القدير ، وصوت الشيخ مصطفى اسماعيل يتلو قرآن العصر وكانت الآيات من سورة نوح ، راح تليفونى المحمول يهتز فى حقيبتى الجلدية معكرا الصفاء الذى رزقنى الله به ، وعندما انتهيت من أورادى وهممت بالرحيل ، تذكرت هاتفى المحمول ، وأخرجته من موضعه ، وفوجئت برقم ادارة المستشفى ، هاتفتنى كثيرا ، ولوهلة ذرفت عيناى الدموع متوقعة الخبر ، ثم مالبثت أن عدت إلى رشدى وسلمت أمرى لله ، واتصلت بالادارة ، وكانت المفاجأة .
** سامحنى يا يوسف ، سامحنى يا ولدى ، أعدك بأن أكون أما صالحة .
** أنا فخور بك يا أماه ، قد استجاب الله لدعائى ، هل صدًقتى الآن يا حبيبتى ؟
** أجل يا بنى ، أجل .
** الحمد لله ، الحمد لله على سلامتنا يا أمى .
محمد جميز
يتناول القمر قهوتة المسائية وحيدا ، يتأمل أحوال الأرض ويمصمص شفتاه دهشة لأحوالها ، لم يألف هذا الصمت ولا تلك الدموع المنسابة من وراء الغيوم الكثيفة ، ومن كان يصدق : هدأت الجلبة ، وتاهت الأحلام ، وأخد التيه بتلابيب الأمور ، ولا صوت سوى الأنين ، واختلطت نبضات القلوب المكلومة بصرخات لصوص الفرحة وقطاع الطريق .
*********
أنا السيدة حسناء وهذا ولدى يوسف ، لا أعمل حاليا ، مطلقة منذ أربعة سنوات ، عشت ثلاثة عقود أويزيد على هذا الكوكب اللعين ، ما زلت جميلة وأجيد ايقاع الآخرين بشباكى ، تبدأ قصتى منذ سنين طويلة ، سأقصها على مسامعكم ، لعلها تؤنسكم ، والأنس فى أيامنا هذه كتفاحة آدم ، هل تاريخنا الحقيقى ينام فى قلب تفاحة !
كنت طفلة صغيرة أعد سنواتى الثمانية فرادى على أصابع يدى اليمنى ثم ألتفت ناحية المذياع وأردد مع صوت الشيخ الحصرى سورة الفاتحة ، يرتل الشيخ : إياك نعبد وإياك نستعين ، يرتجف قلبى وتسيل دموعى ، أجهل الكنه والكيفية ، أسأل أمى وهى تمشط شعرى وتنشد لى : قمر سيدنا النبى قمر ، لماذا لا يعود أبى ؟
ترجع الشمس كل يوم من رحلتها الكونية ، وألح على أمى وأقبل وجنتيها ولكنى مشتاقة لتقبيل وجنتيه هو كما أقبلها يوميا فى صورته النائمة على وسادة سريرى ، همست أمى بصوت مبحوح قائلة : إنه عند حضرة سيدنا النبى ، فغرت فاهى ولم أفهم ولكنى بكيت .
وسافرت أمى بعد ذلك للقاء أبى ، وعدت وحيدة أسأل البيت عن عُمَاره ، سكون وظلام وحزمة من ذكريات منفية وضحكات لأمى تسير فى صالة البيت بغنج وسعادة ، ولسان حالى يردد : الوحدة ابتلاء عظيم ..
رسبت فى الإبتلاء ، وتزوجت المهندس آدم العشماوى ، الثراء والنفوذ والفقه الإجتماعى الذى يمنحنى الحيثية فى كل الأماكن التى أزورها ، كانت ليلة عُرس تناقلتها وسائل الإعلام المرئية وكذلك مواقع التواصل الإجتماعى ، كنت سعيدة جدا ، الحقيقة كنت أعيش كبطلة سعيدة فى فيلم أبيض وأسود ممل ..
أستيقظ بعد الظهر ، أتناول فطورى وأنا على سريرى ، أغتسل فى بحيرة من الماء فى قصرى ، وأدخن سيجارتى مع بعض من رشفات القهوة البرازيلية الآسرة ، أذهب للتسوق واستعراض مفاتنى بشغف ، أستقبل سهام العيون المستذئبة فى نشوة وسرور ، وأدعهم يلهثون ورائى ، أشارك فى حفلات الرياء الأجتماعى ولا مانع من التقاط مشهد فيديو صغير وأنا أبكى على أطفال الشوارع والسيدات الغارمات ، صادقت كثيرا من الرجال وأقمت علاقات سرية عديدة ، وكنت أسرد قصة كفاحى وشقائى على صفحتى الشخصية فى فيس بوك وكأننى السيدة رابعة العدوية ، فأحصد اعجاب الكثيرين إلى أن أصبحت من مشاهير " السوشيال ميديا ".
ليلة النصف من شعبان وزوجى يعتمر أو هكذا اعتقدت ، لم أعبأ به يوما ، هو يحبنى وأنا أراهن على ذلك ، وكأننى أعاقبه على حبه لى ، يخشى أن يصحى من نومه فلا يجدنى ، لكن المشكلة تكمن فى فراغ قلبى ، أحس بجوع موجع إلى تذوق كل أصناف المشاعر الحسية والمادية !
أنا فى غرفة نومى وجدران الغرفة تبكى خوفا من الخطيئة ، ينفرج الباب عن رجل مفتول العضلات يحمل طفلا أشبه بيوسف ، وصوت الشيخ طه الفشنى يزورنا من احتفالية المسجد المجاور بليلة النصف من شعبان يمسح العبرات المخنوقة عن عين الطفل الصغير .
** طالق طالق طالق يا حسناء
نادت بك الرسل الكرام فبشرت ، الشيخ الفشنى يحدق فى قلبى ويبكى ، أتكوم على حافة السرير عارية ، تعلق يوسف بأحضان أبيه وهربا من البيت ، حتى الذئب الذى كنت أمنحه دمائى الآن قفز من شرفة الغرفة ، تلملم الحيطان دموعها ، وتحدجنى بنظرات كراهية ، لماذا يزورنى صوت الشيخ الحصرى الآن وهو يتلو : إياك نعبد وإياك نستعين ، أردد بصوت عال إياك نعبد وإياك نستعين ثم أدخل فى نوبة إغماء .
إذا مرض القلب حتما ستحتله الغفلة ، والغفلة هى الغيبوبة الحقيقية ، ولما لا ، أنا الآن أسكن فى بيت أمى القديم ، حيث الوحدة القديمة والخوف ويوسف الغائب واشهاد طلاقى ، أجوب فى البيت وأتذكر جارنا القديم سلطان ، كان موظفا كبيرا ولكن بيته نُسجت حوله الشائعات ، قيل أن الجن يسكنه ، وقيل أنه كان ينقب فى ترابه عن الآثار ، فحلت لعنات تعاويذ السحرة وشرور الدجالين ، سلطان ماتت زوجته الجميلة السيدة منار ، ثم لحق بها ابنه الوحيد ، وبعدها عزل من وظيفته بدون أسباب واضحة ، واحترق البيت كاملا بما يحتويه ، وعندما عاد ورأى ما حدث ، ترك شهادة عزله من وظيفته ومفتاح بيته على رصيف الشارع ونظر إلى السماء نظرة طويلة ورحل ، ومن وقتها ولم يظهر له أثر ، والبيت على حاله من ساعتها ، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه ، حتى ورثته فشلوا فى بيعه فأهملوه ، السؤال الذى كان يزعجنى دائما لماذا نظر الأستاذ سلطان إلى السماء نظرة طويلة ثم اختفى بعدها إلى الآن ؟
تهزم قوافل النوم أجفانى ، أرى أمى فى صحراء واسعة حبات رمالها ملتهبة ، تصب بكائها فى أوانى نحاسية ثم تستحم بها وتبكى مرة أخرى ، أستغيث منادية : أمى أنا حسناء ، ترمقنى شزرا ثم تقذفنى بآنية نحاسية ، أصرخ وأجرى بعيدا ، وأصحو من نومى فزعة وأجدنى مبللة ، فترتعد فرائضى ، وصوت بكاء مكتوم من الغرفة المجاورة ، حيث كانت تنام أمى ، فأحتمى بسورة البقرة المحفوظة على ذاكرة تليفونى المحمول وأحاول أن أنام ، وألج شوارع النوم مرة أخرى .
2
** سامحتك !
الشاب الوسيم المفتول العضلات استحال إلى هيكل عظمى ، المحاليل التى تحمل الوهم وتقدمه هدية إلى الجسد النحيل أراها غربانا خانت العشرة وعادت لتعض السواعد التى ساعدت ، ذكرتنى بنفسى ، لا أختلف عنها كثيرا ، آدم أدخل الجنة إلى قلبى وجعلنى أشرق ، ونصبنى ملكة على ضياعه ومتاعه ، وجزاء احسانه لى قتلى لشرفه ، وأطلقت العنان لأناشيد الإثم القديمة ، ومسحت عن جبينى قبلة أمى المعطرة بأنفاس سورة الفاتحة ..
آدم على فراش الموت وقد سامحنى ، الحقيقة قد قتلنى عفوه قبل رحيله ، وماذا يفعل العفو فى قلب مطرود من السماوات ، من يسامح من يا والد ابنى يوسف ، أنا الحية التى ساعدت ابليس على اغواء أبينا آدم ، أنا مثل جارنا سلطان ملعونة مع أنى لا أنظر إلى السماوات منذ زمن .
وعدت إلى القصر مرة أخرى ، أحمل أوزارى ولعناتى وفراق أحبتى ، يوسف يتحاشى النظر إلى وجهى ، الخادمات يعتنين بأمره ، تمنيت وقتذاك أن تبتلعنى الأرض كما فعلت مع قارون ، سرقتنى خطواتى إلى غرفة مكتب آدم ، وجلست إلى مكتبه ، وتحسست بقايا أنفاسه ونظراته وخطوط دموعه ، ووجدت على سطح المكتب ورقة بيضاء كبيرة مسطورة بكلمات قليلة ، الكلمات خرجت من جنهم لتعذبنى ثم عادت وتركتنى أموت ،وتنبت جلودى المرة تلو المرة لأذوق ويلات صنيعتى ، يوسف مريض بالسرطان يا حسناء .
************
آذان الفجر يحمل صوت الشيخ محمود على البنا إلى ملكوت السماء ، طوابير طويلة من البشر ، يشتركون فى ملامح الخوف والكسرة ، الكل يحتاج إلى ضمة طويلة ، الكل يشتاق إلى أحد يخبرهم أن الموضوع بسيط ، نزلة برد عادية وستزول ، ملائكة صغار ينتشرون فى حديقة المستشفى وقد اغتال المرض فرحتهم الصغيرة بطبق من الحلوى أو مشاهدة فيلم كارتون ، لا تدرى لمن تدعى، هل تدعى لهم أم لأسرهم ، لا تعى شيئا ، كل ما فى الأمر فيلم رعب سيىء وردىء تنتظر نهايته ، أو تخطط لكسر شاشة العرض بفأس حاد وتصرخ كل هذا كذب ووهم وادعاء ، جميعنا بصحة جيدة ، سنئوب إلى منازلنا محملين بالهدايا مجبورين الخواطر وسنشاهد فيلم الكارتون معا ، ثم تضربك أبواق الإذاعة الخارجية للمستشفى بندائها المتكررعلى المرضى كل حسب رقم تذكرة الفحص .
أمى ..
يوسف ابنى مريض سرطان ، لم أستطع أن أتصالح مع هذه الحياة أبدا منذ الميلاد الأول ، سافر أبى وأنا أحمل بين أحضانى سلة فيها من العمر سبعة أيام ، كلمة أبى لم أنطقها أبدا ، وكم كنت أتمنى ، أتذكرين يا أمى وأنت تراجعين لى دروسى ؟ كنت ألح عليك فى السؤال ماذا تعنى كلمة أب ؟ تقبلين قلبى وتمسحين دموعك ، فأشفق عليك وأحتضنك وأستفهم عن سر حزنك الجلى ، فتضحكين كالبدر وتهمسين بأن سندريلا طرفت عينيك ، ما أنبلك يا أماه .
أقف أمام قبرك الآن ، لم أتحمل رؤية يوسف وهو يتناول جرعة الكيماوى الأسبوعية ، هربت إلى المقابر ألوذ بقبرك علنى أجدك ، استحييت فى المثول أمام قبر أبى ، حجبتنى خطيئتى ، خجلت من سؤال أحدهم له فى برزخه عن تلك السيدة التى تذرف الدمع الهتون أمام قبره ، وماذا كنت سأقص عليه ؟ وهل هناك ما يستحق الفخر لأتلوه على مسامعه ، ولم تجرؤ خطواتى على التقدم لقبر آدم ، آدم الذى قذف بمتاع الدنيا وراء ظهره وسامحنى ، وقابل الله عز وجل بقلب سليم ، لكنى يا أمى جئتك ، دعينى استتر فى شالك الصوفى الطويل وأتطهر ، اسمعينى يا حبيبتى ، أنا حسناء أتذكرين ، حسناء التى كانت تقلد الشيخ الحصرى فى تلاوته .
خرجت من البيت يحملك المشيعون ، وطاردت روحى نعشك الطائر ، وتمزق جسدى فى أديم البيت إلى قطع صغيرة ومهترئة ،قام الجيران بجمعها ولكنها بعد العودة كانت سوداء مشوبة بالحنق والغضب الشديدين ، لماذا أنا ؟
اليتم الذى تجرعته طباقا طباقا ، والفقر الذى رافقته سنوات طوالا ، حتى حائط الأمان الأخير تهدم ولم يكن هناك مثل سيدنا الخضر ليقيمه ويساعدنى ، يتسرب من غرفتك شعاع نور غريب لا يشبه الشمس ولا القمر ، أدنو بحذر وأتفرس باب غرفتك ، فتهدهد الصلاة على حضرة النبى آذانى ، فأحمل خطواتى كيلا أزعجك ، وما إن تنام رأسى على الوسادة حتى تضوى فى البيت رائحة عطرة ، يخذلنى فضولى وأسألك ، فتخرج الشمس من فيك كاتبة على سقف البيت : إنها نفحات الحمد لله .
أضرب أخماسا فى أسداس ، أين هذه الأشياء التى تستدعى الحمد ، المال قليل وشحيح ، خاننا أقاربنا وأكلوا ميراثنا ، هاجمتنا الشهوات بعد وفاة أبى تحت ستارة الصدقات والزكاة ، لا أتناول طعاما جيدا أو أرتدى ما أتمنى وأحلم ، أكمل دراستى ولا أعلم إن كنت أستطيع الإستمرارية من عدمه ، صدرى يعيش بين دفتيه مستنقعات من الخزى والخذلان والإعتراض ، لماذا نحن يا أماه ؟ كل زميلاتى مجبورين وسعداء ولديهم أب وضحكة كبيرة كالسماء وطمأنينة بحجم الأفق،ويزداد حنقى وأنت تمشطين شعرى وببساطة ويقين تؤكدين لى بأن الله سيرضى قلبى ، أنفعل واستشيط غضبا وأرمى المرآة جانبا فتتهشم ، ولا ينبس فمك عن بنت شفة ، كل ما فى الأمر تنهضين قائمة لتصلى وتتضرعين وتسرين إلى الله بأسرارك ، وكأننى أرى قلبك الآن يا أماه يعرج إلى السماوات ..
لم أنس أول ليلة تنامين فى قبرك ، أضع قلبى على طاولة مهملة فى صالة بيتنا ، وأجوب البيت بلا قلب ، لا أستوعب ولا أقدر أن أقول الجملة المعتادة " االله يرحمك" ، أشعر بكراهية للناس ، ونداء من أعماقى يجهر بالكفر بكل الموروث ، حتى عثرت أصابعى على وصيتك ، ورقة بيضاء متوسطة الحجم ذات رائحة ذكية ، كانت جملة واحدة فقط ، يا حسناء السر فى سورة نوح .
كفاك يا أماه ، حتى بعد رحيلك ما زلت تصرين ، لن أبحث عن شيىء ، كل حياتى السابقة وحكاياتى القديمة سأرميها فى البئر ، بئر منسى يقع فى قرية ظالمة أهلها ، حقيقة الأمر أن السعادة يمتلكها قساة القلوب ، أما أنا سأنشد على الربابة حكاية أخرى ..
وطرق آدم باب البيت ، إنه يحبنى من المرحلة الثانوية ، يريدنى خالية الوفاض ، سيتكفل هو بكل قض وقضيض ، وافقت على الفور ، وارتديت فستان زفافى قبل مرور شهر على وفاتك ، آدم صنع من المستحيل عقدا وأهداه لى ، بيد أن قلبى مشوه ، قلبى ناكر للمعروف ، لم يستطع زوجى تغيير الصورة القديمة الراسخة فى وجدانى ، يوم أن عدت من المدرسة الإعدادية وألقيت بكلى فى أحضانك وأجهشت بالنواح ، مدير المدرسة يريد مقابلة أبى ، ابنة عمى أخبرته أن أبى على قيد الحياة ، ابنة عمى الذى سرق أرضنا وبصق علينا على نواصى الطرقات ، سألنى المدير برقة ؟ أقسمت له بالحقيقة وبأننى لا أتهرب من المصروفات الدراسية بعلة وفاة أبى ، ومن وقتها وأنا أمقت كل السعداء ، أبغض كل سليم ، ويا حبذا لو كان يحبنى مثل آدم ، ينبغى على هذا العالم أن يلعق كسران الخاطر ويحتسيه مثل الدواء ، وكان الميلاد الجديد مع آدم ، حيث الجنة والنار ووساوس ابليس ، انشغاله الدائم بأعماله ، كانت حجتى المعلنة لسفرياتى المتنوعة ، طفت العالم ، حققت مالم أحلمه يوما ، جوعى المتجدد للشهوات دفعنى إلى التمرد على كل الموروث الدينى والأخلاقى ، واختبأت فى ثنايا المصطلحات لأبث سمومى وأفكارى حتى أبدو سيدة المجتمع العصرية التى تواجه الجمود والأفكار الضحلة المضحكة والمبكية فى آن واحد .
كنت أتشدق بأنفاس دخان الأرجيلة وأنا فى حديقة القصر ، شهر رمضان قد أوشك على الأنتهاء ، وتغمرنى راحة حيال هذا الأمر ، وأتفاجأ بآدم يمسك بمصحف وسجادة صلاة ويغازل قلب ابنى يوسف بسورة الفاتحة ، وعندما أستبين الخبر ، يجيب بمنتهى الهدوء : إنها الليالى الأخيرة المباركة ، المسجد قريب ، والله أقرب من حبل الوريد ، ويوسف يريد أن يصلى إلى الله ليخبره بسر ، يومها انتابتنى قشعريرة وارتعدت أوصالى ، رجوت يوسف أن يقترب ويهمس لى بالسر ، أنا أمك لن أجهر به لأحد ، ولكن يوسف لم يسمعنى واحتضن كف أبيه ورحل إلى المسجد القريب .
هل تدرين ما كان سر يوسف يا أمى ؟
***********
لماذا يا حسناء ؟
هل ذنبى أننى أحببتك ؟ هل أخطأ يوسف عندما سجد لله فى صلاة التهجد وبكى وتضرع : يا ربى اجعل أمى تقيم الصلاة وتقلع عن التدخين ، فقد عرفت من أبى أن الجنة تحت أقدام الأمهات ، هذا سر يوسف ابنك ، هل شُفى قلبك الآن عندما فتحت باب البيت لابليس !
هذا سر يوسف يا أمى وقد ألقيته فى البئر ولم أبال ، وجئت على قميصه بدم كذب ، وهاهو ذا يوسف يمدد قدماه على أعتاب دنياه يستقبل آخرته ، دنياه التى لم يحياها بعد ، ورأيت الحقيقة بعد عناء ، والحقيقة كانت أمامى لم تغب ولكنى كنت محجوبة ، طردتنى القلوب السليمة لما مرضت بداء الكبر ، الكبر مرض ابليس اللعين .
فى حديقة المستشفى يفترش عمال مساكين الأرض يصلون ، أسمعهم يلهجون بالدعاء ، ويبكون ويحمدون ، تذكرتك ساعتئذ يا أمى عندما كان الحمد هو شاهد البيت ، لم يئنوا ولم يعترضوا على قلة المال وشماتة ذوى القربى ، حتى فى المرض هناك من يسعد لذلك ، ومالى ألوم الشامتين وأنا كنت أفظع حالا منهم ، وبين الفينة والأخرى أسمع صراخ وعويل ، أحدهم مات ، واكتشفت أن هناك موت آخر للإنسان ، الموت الحقيقى عندما يموت ابنك فى حياتك ، الموت الحقيقى أتنفسه كل صباح خاصة عندما أتذكر آدم وهو يواجه مرض يوسف بمفرده ولم يخبرنى ، أى قلب أحمله بين أضلعى ، هل قسى قلبى فأصبح كالحجارة بل هو أشد قسوة ، يبدو أن الحجر ذو منفعة للناس ، أما أنا كسرطان يتطفل على كل جميل حتى يدمره ، دمرت آدم زمان ، والآن أقتل يوسف بخطيئتى .
****************
** هل يقبلنى الله يا شيخى ؟
** الله رحمان رحيم ، اغتسلى جيدا وارتدى ثيابا طاهرة واسجدى على بابه ذليلة منكسرة وتضرعى .
** وهل سيشفى ابنى يوسف ويعفو عنى ؟
** إن الله على كل شيء قدير ، وصيتى لك : الاستغفار والسجود ، ساعتئذ سيعود قلبك سليما كما كان ، والله عند المنكسرة قلوبهم من أجله .
الساعة الثانية صباحا ، السكون هو سيد الموقف ، يوسف محبوس بين أنياب المحاليل وأجهزة العناية الطبية ، تركت جبهتى تسقط على الأرض ذليلة وسجدت وناديت : سبحان ربى العلى الأعلى الوهاب وكررت النداء وبكيت كثيرا ، لم أشعر بنفسى سوى بآذان الفجر يطمئن الوجود ، ويعطى هدايا سماوية للمستغفرين بالأسحار ..
وثقل جسدى وأصابته الرعشة والحزن ، ونمت وحلمت بأمى بعد قطيعة ، كانت تسير على حافة جندول صغير ، وكانت كفتاة فى عمر العشرين ، جميلة كشمس الشتاء ، وكان يرافقها رجل ضخم الجثة أبيض الوجه دقيق الملامح ، يا أماه ناديت مرارا ، لم تجب النداء ، اقتربت من الرجل الذى يرافقها واستجديته أن يتوسط لى لدى أمى ، ابتسم الرجل ابتسامة حانية وقبلنى ، وحينئذ سقطت من قلبى خطوط قيح سوداء عفنة ، وربت على كتفى وقال لى : ابحثى عن وصية أمك فيها خلاصك وراحة ابنك يوسف ، لم أنتبه جيدا لكلماته ، تذكرت أين رأيت هذا الوجه ، أبى .. إنه نفس الوجه النائم فى الصورة على حائط بيتنا القديم ، وصحوت من النوم على صراخ يوسف وجمهرة طاقم الممرضات ..
*** مرافقتك لابنك الآن ليس لها جدوى
*** سأسافر به إلى الخارج
*** الداخل مثل الخارج ، إنه فى رحاب الله ، دعواتك له ، لعل المعجزة تحدث ..
*********
زرت الجامع الأزهر ، وقابلت الشيخ مرة أخرى ، وأقسمت له بمحافظتى على أداء الصوات المفروضة ، وقيامى باخراج الزكاة وأداء الصدقات بنية الشفاء ليوسف ، واستغفرت الله ليلا ، وبكيت فى نوافل الليل وتضرعت ، ولكن لم يحدث شىء ، الوضع يزداد سوءا ، وابنى على مشارف الموت ينتظر قطاره ، وأنا مثل الفاكهة العفنة التى تعافها الحشرات .
** الصبر ، اهربى من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته ، واستغفرى ، ودعى الاستغفار يطهر قلبك من الكبر ودنس الأيام الماضية ، حالك هذا الذى أراه ليس بحال مستغفر ..
** كيف يا شيخى ؟
** نفسك تصور لك بأنك بذلتى ما فى وسعك ، وتضرعت إلى الله ، ولكن هذا نصيبه وقدره ، ويدل هذا على أن قلبك لم يتطهر بعد ، وبكائك لم يخلص بعد ، ارجعى وابكى على خطيئتك واستغفرى ، ودعى اليقين ينير أركان قلبك ، وساعتئذ سترضين ، فإن لم ترضين ستسلمين ، تأدبى وأنت فى دعائك ، والأستغفار أول طريق الأدب ، والتسليم أعلى درجات الأدب .
رجعت من عند الشيخ محبطة ، لم أفهم كثيرا مما قاله ، وتوجهت إلى بيتنا القديم ، وتوضأت وقمت بأداء فريضة العصر ثم نمت ، ورأيت آدم لأول مرة بعد وفاته ، كان يلبس بذلة بيضاء أنيقة ويلتحف عباءة مغربية ، ويحمل ولدى يوسف ويبكى بكاءا شديدا ، ويمسح يوسف دموع أبيه ، ويذكره بقصة النبى يوسف وكيف أن الله جبر قلب أبيه النبى يعقوب رغم كيد اخوته والحاسدين ، ناديت عليهما فلم يسمعانى ، ورأيت أبى يمتطى حصانا أسودا ويزأر فى وجهى كالأسد ويعنفنى : أين وصية أمك وهل قمتى بتنفيذها ؟ ثم رحل سريعا ولم أر لأحد فيهم أثر ، وصحوت من النوم أجرى باحثة عن متعلقات أمى ، ورحت أبحث فى كل زوايا البيت وأحشائه ولم أعثر على شىء ، حتى تذكرت أنها كانت ورقة بيضاء مسطور فيها جملة واحدة تقول : أن السر فى سورة نوح .
عثرت أخير على المصحف الخاص بأمى ، وفتحته وتسمرت لوهلة ، انبعثت منه رائحة عطرة ، الرائحة القديمة التى كانت تؤنس بيتنا ، رائحة الحمد ، ووصلت إلى السورة ، وانتابنى خوف شديد وخجل عارم ، وبدأت فى التلاوة واسترسلت ، آه أدركت الآن السر ، وفهمت ورحت أعيد تلاوة السورة كثيرا ، واستحال البيت إلى بركة كبيرة من دموعى ، وشممت الرائحة الذكية تضوى فى البيت مرة أخرى ، ولأول مرة منذ زمن بعيد أشعر بلذة القرب ، أنا الآن فى رحابك يا مولاى ، أبكى على خطيئتى وأقر بذنبى ، لكن عفوك ياعفو يا كريم أعظم .
بسم الله الرحمن الرحيم
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
وشرعت فى زيارة قبر آدم لأول مرة ، ووقفت أمام قبر أبى ، وناديت أمى : حانت لك الراحة الآن يا أماه فلقد عادت حسناء أخيرا ، وقمت بزراعة نخلات أمام قبورهم ، وتوجهت إلى المستشفى ، وأخبرتنى الأدارة بأن الوضع يزداد سوءا ، وأن المسألة مسألة وقت ، لكن الغريب فى حينها أن الجزع لم يجتاحنى ، وأحسست بطمأنينة تحتضن أوصالى ، ونداء خفى يجبر قلبى بأن الخير قادم ، فقط اقتربى من الباب واسجدى ، ورحت أطوف على الأماكن التى عصيت الله فيها وأستغفر ، وأستغرق فى الاستغفار ، وتتفجر ينابيع اليقين فى قلبى وتنتشر وتزداد ، وفوضت أمرى إلى الله ، ورضيت ..
وذات يوم وبينما أزور الجامع الأزهر وأجلس فى ركن ما منزوية ، أبتهل وأتضرع إلى القدير ، وصوت الشيخ مصطفى اسماعيل يتلو قرآن العصر وكانت الآيات من سورة نوح ، راح تليفونى المحمول يهتز فى حقيبتى الجلدية معكرا الصفاء الذى رزقنى الله به ، وعندما انتهيت من أورادى وهممت بالرحيل ، تذكرت هاتفى المحمول ، وأخرجته من موضعه ، وفوجئت برقم ادارة المستشفى ، هاتفتنى كثيرا ، ولوهلة ذرفت عيناى الدموع متوقعة الخبر ، ثم مالبثت أن عدت إلى رشدى وسلمت أمرى لله ، واتصلت بالادارة ، وكانت المفاجأة .
** سامحنى يا يوسف ، سامحنى يا ولدى ، أعدك بأن أكون أما صالحة .
** أنا فخور بك يا أماه ، قد استجاب الله لدعائى ، هل صدًقتى الآن يا حبيبتى ؟
** أجل يا بنى ، أجل .
** الحمد لله ، الحمد لله على سلامتنا يا أمى .
محمد جميز