----
اعتدت أن أسير في محاذاته، أملأُ عيني بجدرانه القديمة، أرفعُ رأسي، احتضنُ الشرفات وستائرها الملونة التي أبلَتْهَا الأيام. أنحدِرُ بنظري مع الشقوقِ الكبيرةِ نحو البوابة الصدئة التي كنت أتسلقها ثم أقفز منها إلى الأرض... وتصرخ أمي..
لا أعرف ذاك اليوم ما الذي جعلني اقترب، ربما هذا الصدع الجديد جوار المدخل؟ هل كان موجودًا من قبل؟ اقتربتُ أكثر فلمحتُ من خلال الصدع مصباحًا خافتًا بعيدًا. ارتديتُ نظارتي، رأيتُ سريرًا خشبيًّا وشيخًا مضطجعًا يحمل بين يديه راديو يتجول به بين المحطات. يسأل عن إذاعة الشرق الأوسط، هل عليها المؤشر أم تحرك. يشبه جدي حين ضعف بصره في آخر حياته، يريد أن يتابع السهرة الدرامية. يهزع إليه طفل، يضبط له الموجه فيُقَبِل جبينه، ويَعِدَه أن يحكي له كل القصة في الصباح، ثم يطلب منه أن يذهب لينام. إلا أن الطفل استدار ونظر ناحيتي. ربما انتبه لوجودي. اقترب مني فظهر وجهه، نفس الملامح. كأنه.. أنا! مدّ يده نحوي. مددتُ يدي. أشار إلىَّ لأدخل معه، أغمضتُ عيني، شعرتُ للحظة بلمسةِ رقيقة، سَرَت في جسمي رجفة، تراجعتُ مسرعًا للطريق. لم أذهب للعمل، فَضَّلتُ العودة لشقتي الجديدة التي انتقلت إليها منذ عدة سنوات بسبب تهالك المنزل القديم. رغبتُ في الراحة لأتمالك أعصابي غير مصدقٍ لما حدث. في اليوم التالي-كالعادة-مررتُ من أمام البيت، لم أجده! شاحنات ورافعات ضخمه كانت تزيل الحجارة العتيقة. من وسط الصخب والفوضى، سمعتُ نحيب طفل يأتي من بين الركام!
اعتدت أن أسير في محاذاته، أملأُ عيني بجدرانه القديمة، أرفعُ رأسي، احتضنُ الشرفات وستائرها الملونة التي أبلَتْهَا الأيام. أنحدِرُ بنظري مع الشقوقِ الكبيرةِ نحو البوابة الصدئة التي كنت أتسلقها ثم أقفز منها إلى الأرض... وتصرخ أمي..
لا أعرف ذاك اليوم ما الذي جعلني اقترب، ربما هذا الصدع الجديد جوار المدخل؟ هل كان موجودًا من قبل؟ اقتربتُ أكثر فلمحتُ من خلال الصدع مصباحًا خافتًا بعيدًا. ارتديتُ نظارتي، رأيتُ سريرًا خشبيًّا وشيخًا مضطجعًا يحمل بين يديه راديو يتجول به بين المحطات. يسأل عن إذاعة الشرق الأوسط، هل عليها المؤشر أم تحرك. يشبه جدي حين ضعف بصره في آخر حياته، يريد أن يتابع السهرة الدرامية. يهزع إليه طفل، يضبط له الموجه فيُقَبِل جبينه، ويَعِدَه أن يحكي له كل القصة في الصباح، ثم يطلب منه أن يذهب لينام. إلا أن الطفل استدار ونظر ناحيتي. ربما انتبه لوجودي. اقترب مني فظهر وجهه، نفس الملامح. كأنه.. أنا! مدّ يده نحوي. مددتُ يدي. أشار إلىَّ لأدخل معه، أغمضتُ عيني، شعرتُ للحظة بلمسةِ رقيقة، سَرَت في جسمي رجفة، تراجعتُ مسرعًا للطريق. لم أذهب للعمل، فَضَّلتُ العودة لشقتي الجديدة التي انتقلت إليها منذ عدة سنوات بسبب تهالك المنزل القديم. رغبتُ في الراحة لأتمالك أعصابي غير مصدقٍ لما حدث. في اليوم التالي-كالعادة-مررتُ من أمام البيت، لم أجده! شاحنات ورافعات ضخمه كانت تزيل الحجارة العتيقة. من وسط الصخب والفوضى، سمعتُ نحيب طفل يأتي من بين الركام!