لفت نظره بطاقة حمراء تتقاذفها الرياح الشديدة فتتطاير بجنون فوق سطح الأرض، جرى وراءها ثم قفز عاليًا عدة مرات حتى تمكن من التقاطها، اختطفتها الرياح من بين يديه بعيدًا قبل أن يكمل قراءة ما فيها، علق بذاكرته أنها دعوة إلى حفل في المغارة الكبيرة أعلى الجبل المطل على البلدة. تعلَّق فكره بهذه الدعوة ولم يساعده الوقت في أن يعرف موعد الحفل ولا مناسبته ولا لمن وُجِهَتْ الدعوة.
قرَّر الذهاب فورًا يدفعه فضول خفي وجرأة يائس تتساوى لديه كل النتائج. صعد الجبل بصعوبة، هاله كم الغربان التي تتسابق أسرابها للدخول إلى المغارة ذاتها قبل أن يداهمها الغروب، يدوّيً نعيبها عاليًا في الفضاء فيجيبه صدى ممدود كالعويل آت من أركان الجبل وسريعًا ما تجاوب معه شيء ما في داخله. لم يرتعب ولم يتراجع، وقف على فتحة المغارة يلتقط أنفاسه المتلاحقة وقد أسلم النهار بدوره أنفاسه الأخيرة. مال برأسه نحو الداخل محاولًا استكشاف المجهول. رأى ممرًا طويلاً مظلما ينتهي بمكان متسع يسيطر عليه لون نيراني مخيف.
استجمع شجاعته من خيبة آماله المتأصلة في أعماق نفسه واندفع إلى الداخل. تحسَّس طريقه الضيق الوعر، تعثر عدة مرات وكاد أن يسقط أرضًا. أيقن أن الكائنات الطائرة التي تحلق في المكان وتصطدم كثيرًا بوجهه وجسده هي الخفافيش السوداء اللعينة التي يخافها منذ طفولته التعسة. هاله الصمت المرعب المخيم على المكان والذي لا يقطعه إلا صوت أجنحة الخفافيش المقيتة الطائرة.
وصل أخيرًا إلى نهاية الممر. ها هو أعلى هوة سحيقة مشتعلة بنيران هائلة لفحت حرارتها وجهه ويديه، أراد التراجع فلم يستطع، يا للهول لقد سُدَّ الممر خلفه! دفعته أرجل خفيه بقوة فهوى إلى أسفل. تلقفته أذرع كائنات غريبة مخيفة لا رؤوس لها، أحاطت به وهي تتراقص بجنون تغمر الفرحة حركاتها لقدومه السعيد فلم تمسَّه النيران بأذى، طلبوا منه بالإشارة أن يتخلى عن رأسه، أخذته الصدمة أولًا ثم أطاعهم صامتًا ففصلوها عن جسده بسهولة دون ألم وألقوها خارجًا للغربان، تخلَّص لحظتها من اكتئابه المزمن، انتابته راحة نفسية لم يعهدها من قبل وراح بسعادة غامرة يشاركهم الرقص في حريَّة لا حدود لها.
مجدي حشمت سعيد
مصر
قرَّر الذهاب فورًا يدفعه فضول خفي وجرأة يائس تتساوى لديه كل النتائج. صعد الجبل بصعوبة، هاله كم الغربان التي تتسابق أسرابها للدخول إلى المغارة ذاتها قبل أن يداهمها الغروب، يدوّيً نعيبها عاليًا في الفضاء فيجيبه صدى ممدود كالعويل آت من أركان الجبل وسريعًا ما تجاوب معه شيء ما في داخله. لم يرتعب ولم يتراجع، وقف على فتحة المغارة يلتقط أنفاسه المتلاحقة وقد أسلم النهار بدوره أنفاسه الأخيرة. مال برأسه نحو الداخل محاولًا استكشاف المجهول. رأى ممرًا طويلاً مظلما ينتهي بمكان متسع يسيطر عليه لون نيراني مخيف.
استجمع شجاعته من خيبة آماله المتأصلة في أعماق نفسه واندفع إلى الداخل. تحسَّس طريقه الضيق الوعر، تعثر عدة مرات وكاد أن يسقط أرضًا. أيقن أن الكائنات الطائرة التي تحلق في المكان وتصطدم كثيرًا بوجهه وجسده هي الخفافيش السوداء اللعينة التي يخافها منذ طفولته التعسة. هاله الصمت المرعب المخيم على المكان والذي لا يقطعه إلا صوت أجنحة الخفافيش المقيتة الطائرة.
وصل أخيرًا إلى نهاية الممر. ها هو أعلى هوة سحيقة مشتعلة بنيران هائلة لفحت حرارتها وجهه ويديه، أراد التراجع فلم يستطع، يا للهول لقد سُدَّ الممر خلفه! دفعته أرجل خفيه بقوة فهوى إلى أسفل. تلقفته أذرع كائنات غريبة مخيفة لا رؤوس لها، أحاطت به وهي تتراقص بجنون تغمر الفرحة حركاتها لقدومه السعيد فلم تمسَّه النيران بأذى، طلبوا منه بالإشارة أن يتخلى عن رأسه، أخذته الصدمة أولًا ثم أطاعهم صامتًا ففصلوها عن جسده بسهولة دون ألم وألقوها خارجًا للغربان، تخلَّص لحظتها من اكتئابه المزمن، انتابته راحة نفسية لم يعهدها من قبل وراح بسعادة غامرة يشاركهم الرقص في حريَّة لا حدود لها.
مجدي حشمت سعيد
مصر