عبدالرزاق دحنون - عبدالعزيز الخيّر

سيرة ذاتية

ينتسب عبد العزيز الخيّر إلى آل الخيّر أكبر عائلات مشايخ العلويين في القرداحة، مسقط رأس الرئيس السوري حافظ الأسد. وهو من مواليد عام 1951. تنقل مع والده سليمان الذي كان مديراً للنفوس في عدة مدن سورية من بينها درعا وحمص وتل كلخ وغيرها.

التحق بكلية الطب البشري في جامعة دمشق، وتخرج منها طبيباً عام 1976. وقد أمضى حياته الجامعية ناشطاً طلابياً من الطراز الأول، أيقن عبد العزيز باكراً أن الطب والعمل في الفضاء العام كل واحد لا يمكن فصله. التحق مبكراً في سنوات الدراسة الجامعية بمجموعة صلاح جديد وأصبح عضواً في قيادتها جنباً إلى جنب مع أسماء عديدة منها الشاعر ممدوح عدوان. لكنه انفصل عنهم فيما بعد والتحق برابطة العمل الشيوعي. الحزب المحظور رسمياً في سورية في فترة حكم حزب البعث. ترقى عبد العزيز تدريجياً في سلم الرابطة الشيوعية، وإن كانت مناصبه الحزبية بقيت طي الكتمان نظراً لسرية العمل في دولة بوليسية من الطراز الأول. ويمكن القول بأنه بعد عام 1981 أصبح الرجل الأول في رابطة العمل الشيوعي، والمطلوب الأول لدى أجهزة المخابرات السورية من بين كل طلاب اليسار والعلمانية والاشتراكية في هذا البلد.

بقي عبد العزيز متخفياً طوال عشرة أعوام. وهي من أطول الفترات التي يقضيها ملاحَقٌ متخفياً في تاريخ سورية. لم يشاهده فيها أهله أو رفاقه في الحزب إلا فيما ندر، ولم يظهر "أبو المجد" حينها إلا في اجتماعات حزبية ضرورية وملحة لبحث قضايا محددة. أنجز في فترة التخفي هذه أهم أعماله لا سيما تحريره للمنشورات الثلاث "الشيوعي" و "الراية الحمراء" و "النداء الشعبي" والأخيرة هي الصحيفة الأكثر انتشاراً في سوريا الثمانينات. كما ألف مجموعة من الكراسات والأوراق الفكرية، ولا سيما كتابه "الكتاب الأسود" الذي تحدث فيه عن قضايا القمع والإرهاب في سورية في فترة حكم حافظ الأسد، والذي غدا فيما بعد مرجعاً لكثير من المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. كما أصدر نشرة "عرس الدكتاتورية" باسم حزب العمل الشيوعي بعيد إعادة انتخاب حافظ الأسد لولاية جديدة. وأصبح "أبو المجد" في هذه المرحلة الرجل الذي يؤرق الدولة وأصبح الوصول إليه أولوية قصوى.

كلف فرع فلسطين الملازم عبد الكريم عباس بمهمة واحدة: القبض على عبد العزيز الخيّر بأي ثمن كان. الملازم الذي أصبح مفرغاً لهذه المهمة لم يكن يستيقظ إلا ليبدأ بالبحث عن طريدته، وطيلة عشرة أعوام من البحث عن "السراب"، أيقن أنه لا سبيل لإيجاده إلا بالوصول إلى الشبكة الضيقة المحيطة به، فقرر أن يبحث عمن يتكفل له "بوشاية" توصلهم إلى من عجزوا عن الوصول إليه. مساء الأول من شباط عام 1992، وعلى راديو مونتي كارلو الدولي، أعلن المذيع الخبر التالي: في سوق الحميدية المزدحم في دمشق، ألقت دورية من فرع فلسطين يقودها عبد الكريم عباس القبض على المطلوب الأول في رابطة العمل الشيوعي، الدكتور عبد العزيز الخيّر واقتادته إلى جهة مجهولة.

العملية التي تمت بوشاية من أحد الرفاق الحزبيين، قادت أبو المجد إلى شهرين من الاعتقال الانفرادي صادف فيه كل أشكال التعذيب. وخضع للتحقيق المباشر على أيدي اللواء علي دوبا، والعميد مصطفى التاجر والعقيد عبد المحسن هلال. أصدرت محكمة أمن الدولة عام 1995 وبشخص قاضيها فايز النوري حكماً بالسجن 22 عاماً على ابن الخيّر، بتهم الانتماء لجماعة سياسية محظورة ونشر أخبار كاذبة من شأنها زعزعة ثقة الجماهير بالثورة والنظام الاشتراكي ومناهضة أهداف الثورة. ليقضي الطبيب والشيوعي حكمه في سجن صيدنايا العسكري. وهو الحكم الأقسى في تاريخ سورية في حق رجل لم يحمل السلاح ولم يدعُ إليه يوماً. في المعتقل، كان طبيب السجن الوحيد، ويعرف كل من شاركه الزنزانة أنه عالج ما يزيد عن 100 ألف حالة داخل السجن، وهو الذي أقنع إدارة السجن بتخصيص أحد الغرف لعلاج المساجين نظراً لعدم وجود أي رعاية صحية لائقة لهم. وهو الذي كانت وصيته الدائمة لزواره "أي دواء!". في عام 2005 وبعد 13 عاماً من الاعتقال و 10 أعوام من التخفي، أفرج عن عبد العزيز الخيّر بعفو رئاسي بعدما بقي وحيداً في السجن الذي أفرج فيه عن كل زملائه الشيوعيين منذ عام 2001.

لم يتأخر كثيراً عن معاودة نشاطه السياسي، فأعاد وصل الخيوط التي انقطعت مع الرفاق قبل الاعتقال، وأعاد العمل على مجموعة من التشكيلات اليسارية مثل "تجمع اليسار الماركسي تيم" عام 2007، وساهم لاحقاً بتأسيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي التي أصبح مسؤول العلاقات الخارجية فيها عام 2011.

أعلن عبد العزيز عبر موقعه في "هيئة التنسيق" صراحة إيمانه بثورة الشعب السوري السلمية، ودعا دائماً إلى الحفاظ على المسار السلمي للثورة وعلى طابعها الشعبي والأهلي، رافضاً تحويلها إلى ثورة مسلحة مع ما يعنيه ذلك من تمزيق للمجتمع الأهلي السوري ودخول للبلد في دوامة للعنف لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائجها. متفهماً في ذات الوقت أسباب حمل السلاح عند كثير من أبناء الوطن ممن قتّلوا وهجّروا واستبيحت كراماتهم ودماؤهم. وذلك جنباً إلى جنب مع المطالبة الصريحة بإسقاط النظام بكل رموزه كمدخل أساسي لأي عملية سياسية يمكن أن تجري في البلد. عبد العزيز كان لديه هاجسان أكبر من كل شيء: التدخل العسكري الأميركي في سورية، وموضوع التطييف والعسكرة، حيث أنه القائل عن الثورة: إذا تعسكرت تطيفت.

احتجز عدة مرات خلال الثورة السورية ليعاد إطلاق سراحه، إلا أنه اختطف بتاريخ العشرين من أيلول 2012على حاجز للمخابرات الجوية على طريق مطار دمشق الدولي بعد عودته من رحلة إلى جمهورية الصين ضمن وفد من هيئة التنسيق الوطنية، ونفت السلطات الرسمية اعتقاله وصرحت بانها لا تعرف مكان تواجده، وقالت زوجته ورفيقة دربه فدوى محمود انها فور اعتقاله أتصلت بوزير المصالحة الوطنية علي حيدر وأكد لها انه لا يعلم عن الأمر شيئاً وأن عبد العزيز في حال كان معتقل فسيخرج خلال ثلاثة أيام إلا انه لم يخرج، والتزم بعدها بنفي علم السلطات السورية عن مكان وجوده. وأفاد ناشطون أنه معتقل في سجن سري ضمن مطار المزة العسكري تشرف عليه المخابرات الجوية.

عبدالعزيز الخيّر في بروكسل:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى