د. صبرى محمد خليل خيرى - نحو فقه استخلافى: دراسة في الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف

تعريف الفقه الاستخلافى : الفقه الاستخلافى هو محاوله للربط بين علم الفقه الاسلامى ومفهوم الاستخلاف القرانى بأبعاده المتعددة الحكمية " الفلسفية " والمنهجية والمعرفية ، مع التركيز على أبعاده المذهبية، المتمثلة في الاستخلاف كحل للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين في الزمان والمكان ، باعتبار أن مفهوم الاستخلاف يمثل الأصل العقدي للفقه الاسلامى ، ويستند هذه الربط بين الفقه والاستخلاف – والذي عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى – إلى جمله من الضوابط هي : اتخاذ الاجتهادات الفقهيه للسلف الصالح و اهل السنه نقطه بدايه – وليس نقطه النهايه – لاى اجتهاد فقهى، والانتقال من مذهب الإجمال إلى مذهب التفصيل ، و تطبيق مفاهيم تحقيق المناط و الوسطية ، وتطبيق قاعدة سد الذرائع وفتحها.
تعريف الفقه :الفقه لغة له معاني متعددة منها: مطلق الفهم، وفهم غرض المتكلم من كلامه ، و فهم الأشياء الدقيقة. أما اصطلاحا فان الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية. أما موضوع الفقه فهو أفعال المكلفين من حيث تكليفهم بتحاصيلها أو تركها , أو تخييرهم فيها.
اولا:أصول الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف " الفقه الاستخلافى ":
تعريف مفهوم الاستخلاف:
الاستخلاف لغة النيابة والوكالة (الفخر الرازي، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب،ج26،ص199). وإذا كانت الوكالة نوعان: عامه وخاصة فان الاستخلاف ورد في القران بما يقابل هذين النوعين، فقد ورد بمعنى الوكالة العامة ، وطبقا للمعنى الحقيقي للمصطلح ،وهو هنا يعنى أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين ، كما في الاستخلاف التكويني ، كما ورد بمعنى الوكالة الخاصة، وطبقا للمعنى المجازى للمصطلح، حيث يصور القران الكريم الوجود بمملكه ملكها الله تعالى ، والإنسان نائب ووكيل عنه في الأرض،تكريما للإنسان، وهو الاستخلاف التكليفى ، يقول الراغب الاصفهانى (الخلافه النيابة عن الغير إما لغيبه المنوب عنه... وإما لتشريف المستخلف)( المفردات في غريب القران ، ص156 ).
[/SIZE]
البعد الحكمي"الفلسفى" لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل البعد الحكمي "الفلسفى" لمفهوم الاستخلاف ، في حكمه الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف بكسر اللام” الله تعالى” ، والمستخلف بفتح اللام”الإنسان” ،والمستخلف فيه “الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الحكمية”الفلسفية” لهذه المفاهيم الكلية، متخذه من اجتهادات أهل السنة – بمذاهبهم العقدية “الكلامية ” المتعددة – نقطه بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد.
البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف : كما يتمثل البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف، في الاستخلاف كمنهج للمعرفة ، ومضمونه أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني ولا يلغيه.
البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف : ويتمثل البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف، في الاستخلاف كمذهب “اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”. وهذا البعد يتضمن الاجتهاد في بيان شروط الاستخلاف الاجتهادية المقيدة ، اى شروط استخلاف الامه في مكان معين " الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة "، وزمان معين "الحاضر". وهذا الاجتهاد محدود بشروط الاستخلاف النصية المطلقة ، اى شروط استخلاف الامه في كل مكان " كل أمم وشعوب أمه التكليف"، و كل زمان" ماضي وحاضر ومستقبل الامه " ، والتي تولى بيانها النص بيانها ، وتتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة.
ثانيا: ضوابط الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف:
ا/الاجتهادات الفقهيه للسلف الصالح و اهل السنه نقطه بدايه
: اتخاذ اجتهادات السلف الصالح الفقهيه ، والمذاهب الفقيه عند اهل السنه (المالكى والحنفى والشافعى والحنبلى...) نقطه بداية – وليست نقطه نهايه - لاى اجتهاد فقهى، باعتبارها تجسيدا لماضي الامه وخبرتها ، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة لم يعايشوها..
ب/الانتقال من الإجمال إلى التفصيل : الانتقال من مذهب الإجمال وهو المذهب الذى يضع حكما كليا على الفعل المعين على وجه الإجمال ، دون تمييز بين كيفياته المختلفة. الى مذهب التفصيل وهو المذهب الذى لا يضع حكما كليا(سواء بالمنع بدرجاته من كراهة"ما يثاب تاركه و لا يعاقب فاعله" ،او تحريم" ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله"، او الإيجاب(الطلب)بدرجاته من اباحه"ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه"،او ندب(السنة)"ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه" ،او وجوب(الفرض)" ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه") ينطبق على جميع كيفيات الفعل المعين ، بل يميز بين هذه الكيفيات المختلفة لهذا الفعل، وبالتالي يميز فى الحكم علي هذه الكيفيات. هذا التمييز بين الكيفيات المختلفة للفعل يكون على المستويين : المستوى الاعتقادى ممثلا في خضوع الفعل أو عدم خضوعه لضابط ذاتي هو مدى اتفاق النية مع مقاصد الشرع فى الفعل المعين" إنما الأعمال بالنيات"، يقول ابن تيميه (والفعل الواحد في الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة)( مجموع الفتاوى : 2 / 138)،والمستوى العملي ممثلا في خضوع الفعل او عدم خضوعه لضابط موضوعي هو مدى اتفاق السلوك مع ضوابط الشرع .
ج/ تطبيق مفهوم تحقيق المناط: تطبيق مفهوم تحقيق المناط المتعلق بكيفية تطبيق النص فى الواقع ، يقول الشاطبى ( ومعناه" اى تحقيق المناط" : أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله) (الموافقات 4/90) ،ويقول ايضا (الشريعة لم تنص على حكم كل جزئيه على حدتها ، وإنما أتت بأمور كليه وعبارات مطلقه تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست فى غيره ولو فى نفس التعيين)(الموافقات:4/92).
د/تطبيق مفهوم الوسطية: الالتزام بمفهوم الوسطية ، وطبقا لضوابطه الشرعية ، و الوسط منهجيا هو الموقف القائم على: رفض الوقوف إلي أحد الطرفين المتناقضين " من جهة النفي "، وعلى الجمع والتأليف بينهما على وجه يلغى هذا التناقض"من جهه الاثبات" . وقد وردت الاشاره إلى المفهوم فى العديد من النصوص كما فى قوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً ﴾ (البقرة:143)،كما أشار العلماء إلى المفهوم يقول ابن القيم ( ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين) (مدارج السالكين:2/ 496).
ويتمثل تطبيق مفهوم الوسطيه فى الفقه الاستخلافى فى :
اولا: استناده إلى مذهب التفصيل الذى يجمع بين أحكام مختلفة بتمييزه بين الكيفيات المختلفة للفعل، يجمع بين مذاهب متناقضة تضع هذه الأحكام المختلفة بصوره كليه (مذاهب الإجمال) .
ثانيا ان الفقه الاستخلافى يتجاوز مذهبين: الأول يقوم على المنع المطلق، وهو ما يتناقض مع قاعدة الأصل فى الأشياء الاباحه ما لم يرد دليل بالتحريم، فضلا عن انه يساوى فى الدرجة بين مذهب فقهي اجتهادي معين" مذاهب المنع" والشريعة الاسلاميه.والثاني يقوم على الاباحه المطلقة،وهو ما يتناقض مع كون الشريعة تتضمن الاباحه والمنع ،فضلا عن اتخاذ بعض أنصاره لمذاهب فقهيه معينه"مذاهب الاباحه " كذريعة للدعوة إلى استبدال قواعد وقيم وآداب الإسلام بقواعد وقيم وآداب أخرى (هي قواعد وقيم وآداب الحضارة الغربية) اى اتخاذه كذريعة للتغريب. ويستند - اى الفقه الاستخلافى- الى مذهب الاباحه المقيدة بضوابط معينه،كحكم أصلى، والمنع المقيد في حاله عدم توافر أمكانيه الالتزام بهذه الضوابط ، كحكم فرعى.
ه/ تطبيق قاعدة سد الذرائع وفتحها: تطبيق قاعدة سد الذرائع وفتحها ، التي مضمونها القول بالمنع بدرجاته سدا للذرائع ، اى ترجيحا للمفسدة المترتبة على الفعل المعين على المصلحة المتحققة منه، والقول بالإيجاب بدرجاته فتحا للذرائع ، اى ترجيحا للمصلحة المتحققة من الفعل المعين على المفسدة التي قد تلزم منه ، يقول القرافي ( اعلم أنَّ الذريعة كما يجب سدّها ، يجب فتحها وتكره وتندب وتباح ؛ فإن الذريعة هي الوسيلة ، فكما أنَّ وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة ؛ كالسعي للجمعة والحج ) (شرح تنقيح الفصول: ص449 )
و/ تطبيق قاعدة الأصل فى الأشياء الاباحه : تطبيق قاعدة الأصل فى الأشياء الاباحه، والتي أشارت إليها النصوص، كما فى قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أحل الله فهو الحلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً )( أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن) .
ثالثا: تطبيقات الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف " الفقه الاستخلافى" :
حكم الغناء: ا
ختلف الفقهاء في مسالة الحكم على الغناء إلى مذهبين:المذهب الاول هو مذهب المنع،ويتضمن القول بان حكم الغناء التحريم،وقد نسب إلى سفيان ، وحماد والشعبي ، ويرى التحريم كذلك ابن القيم و الطرطوشي . كما يتضمن هذا المذهب القول بان حكم الغناء الكراهة،ويرى كثير من العلماء ان مذهب أحمد ومالك أقرب إلى الكراهة ... ويستدل مذهب المنع بالعديد من الادله منها قول الرسول (صلى الله علي وسلم)( أن الله تعالى حرم القينه وبيعها وتعليمها) ( أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف )، وقوله (صلى الله علي وسلم) (ما رفع احد صوته إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بإعقابهما على صدره حتى يمسك ) ، وتفسير ابن عباس السمد الوارد فى الايه (فمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وانتم سامدون ) بانه الغناء بلغة حمير .أما المذهب الثاني فهو مذهب الاباحه،وقال به أبو حامد الغزالي ، وأبو الطيب الطبري ، والشيخ أبو إسحاق ، وابن الصباغ ، وابن حزم الاندلسى الذى يتتبع الأحاديث التي اعتمد عليها الذين ذهبوا إلى التحريم، وهو يحمل عليها من جهة سندها ورواتها حيث يقول (إنه لم يصح في باب تحريم الغناء حديث)، ومثله ـ في هذا المنهج ـ أبو الفضل المقدسيّ. وقد قام أنصار هذا المذهب بتقديم تفسير أخر للنصوص التي استند إليها مذهب المنع ، ففيما يتعلق بالحديث الاول قالوا أن التحريم هنا متعلق بتحريم الغناء في مجلس الشرب،وفيما يتعلق بالحديث الثاني قال الغزالي( هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي يحرك من القلب ما مراد الشيطان من الشهوة ).وفيما يتعلق بالايه قال الغزالي (مخصوص بأشعار وغناء الكفار في معرض الاستهزاء بالمسلمين لأنه لو حرم الغناء لكان ينبغي أن يحرم الضحك أيضا باشتمال الآية عليه ).كما قاموا بتقديم العديد من الادله التي تفيد أباحه الغناء.
أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذى يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – او ماعبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على التمييز بين كيفيتين للغناء : الكيفية الأولى هي الغناء الذى لا يشتمل على محرم وحكمها الاباحه،والثانية هي الغناء الذى يشتمل على محرم وحكمها المنع، وقد أشار كثير من العلماء إلى هذا التمييز، يقول الإمام العز بن عبد السلام(أن السماع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: منها ما هو حرام محض...ومنها ما هو مباح ... ومنها ما هو مندوب...)( كتاب حل الرموز ومفاتيح الكنوز أو بين الشريعة والحقيقة للعز بن عبد السلام: ص 28- 29 ).،ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي فى رسالته عن الموسيقى والغناء ان حكم سماع الأصوات والآلات المطربة عنده أنه إذا اقترن بشيء من المحرمات، أو اتخذ وسيلة للمحرمات، أو أوقع في المحرمات كان حراما، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحًا في حضوره وسماعه وتعلمه.ويقول الامام الهروى (وحكم السماع شرعا: يتبع ما تعلق به. إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشر...)(التمكين في شرح منازل السائرين :ص50 ).
حكم الاحتفال بالمولد النبوي : اختلف الفقهاء فى الحكم على الاحتفال بالمولد النبوي إلى مذهبين الأول: هو مذهب المنع: ويستند إلى العديد من الادله أهمها: أن الاحتفال بالمولد النبوي حادث بعد القرون الثلاثة، فهو بدعه، وإن الاحتفال بالمولد النبوى يشتمل على أمور محرّمة في الغالب. أما الثاني فهو مذهب الاباحه: ويرد على الدليل الاول بالقول بأن الاحتفال بالمولد النبوي حادث ، فهو بدعة ولكنها بدعه حسنه ، فهو يميز بين البدعة السيئة والبدعة الحسنه ،استنادا إلى قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن صلاه التراويح جماعه(نعم البدعة هي)، وقول الشافعي ( البدعة بدعتان : بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم )، وهناك من أنصار هذا المذهب من يرى ان الاحتفال بالمولد النبوي هو سنه حسنه. كما يرد على الدليل الثاني بالقول بأنه أذا اشتمل الاحتفال بالمولد على أمور محرمه فيجب تحريمها، لكن التحريم متعلق بتلك الأمور لا بأصل الاحتفال بالمولد .كما يورد العديد من الادله التي تفيد جواز الاحتفال بالمولد النبوي. أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذى يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – او ماعبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على التميز بين كيفيتين أساسيتين للاحتفال بالمولد النبوي:الكيفية الأولى: تقوم على المستوى الاعتقادى على اعتبار ان الاحتفال بالمولد النبوي هو من أصول الدين، وان الاحتفال بالمولد النبوي على سبيل الخصوص،كما تقوم على المستوى السلوكي على كثير من الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة او تحريما.وهذه الكيفية طبقا لمستواها الاعتقادى هي بدعه و طبقا لمستواها السلوكي تتضمن ما هو محرم او مكروه. أما الكيفية الثانية: فتقوم على المستوى الاعتقادى على اعتبار ان الاحتفال بالمولد النبوي ليس من الدين وأصوله،فهو من العرف الذى يمكن ان يعتبر مصدرا من مصادر الشريعة التبعية فى حال تقيده بالقواعد الامره الناهية التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، وان الاحتفال بالمولد النبوي على سبيل التذكير لا الخصوص،كما تقوم على المستوى السلوكي على رفض الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة او تحريما. وهذه الكيفية طبقا لمستوها الاعتقادى ليست بدعه وطبقا لمستواها السلوكي لا تتضمن ما هو محرم او مكروه، وهنا يمكن الاستئناس بقول ابن تيميه انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم - رغم تقريره ان ان الاحتفال بالمولد بدعه - حيث يقول (قَدْ يُثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك مَا يُحْدِثُهُ بَعضُ النَّاس إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما مَحبَّةً للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له، والله قد يُثيبهم على هذه المحبَّة والاجتهاد، لاَ عَلَى البِدَعِ...) ( اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 ) .. كما ان الفقه الاستخلافى – استنادا الى مذهب التفصيل - فيميز بين الحكم الشرعي على الكيفية الأولى للاحتفال بالمولد النبوي(باعتبارها بدعه)،وبين الحكم على مخالف هذا الحكم فلا يكفر المخالف او يبيح دمه استنادا إلى قاعدة العذر بالجهل ودليلها في السنة قوله(صلى الله عليه وسلم)(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). يقول ابن القيم ( أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يغفر عنهم)( ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174).
قضايا المظهر والزى:
النقاب
: اتفق الفقهاء على وجوب ستر المراه لبدنها ، لورود أدله قطعيه تفيد بذلك كقوله تعالى (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:31). لكنهم اختلفوا فى ستر الوجه والكفين إلى مذاهب : الاول يقول بوجوب ستر الوجه(وبالتالي تحريم كشفه) استدلالا بادله منها قول عائشة رضي الله عنها ( كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه) وهو مذهب الإمام أحمد، ويرى كثير من العلماء انه الصحيح من مذهب الشافعي. أما المذهب الثاني فيقول باستحباب ستر الوجه والكفين(وبالتالي كراهية كشفهما)، هو مذهب أبي حنيفة ومالك. أما المذهب الثالث فيرى اباحه ستر الوجه والكفين (وبالتالي اباحه كشفهما أيضا) استدلالا بالعديد من الادله منها تفسير ابن عباس لقوله تعالى (إلا ما ظهر منها) في الايه بأنه (وجهها وكفاها والخاتم) ،والحديث(يا أسماء إذا بلغت المراْه المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه ثم امسك بين يديه وكفه مثل قبضه أو قبضتبين)(رواه أبو داؤود)... أما المذهب الرابع فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على الاخذ بالمشترك بين هذه المذاهب الاجماليه - وهذا يعنى ان القول بمنع ستر الوجه والكفين، او القول بأنه عاده وليس عباده لا أصل له - فقد اتفق الفقهاء على إيجاب (طلب) ستر الوجه والكفين، لكنهم اختلفوا فى درجه الإيجاب بين الوجوب والاستحباب والاباحه، كما ان هذا المذهب يميز بين حالتين لارتداء النقاب: الأولى عند أمن الفتنة،وحكمها الاباحه (اى اباحه ستر او كشف الوجه والكفين)، أما الحالة الثانية فعند الخوف من الفتنه، وحكمها الاستحباب (اى استحباب ستر الوجه والكفين و كراهية كشفهما)، أو الوجوب (اى وجوب ستر الوجه والكفين وتحريم كشفهما) حسب درجه عدم امن الفتنه. وهنا يمكن الاستئناس بآراء كثير من علماء الحنفية والمالكية الذين قالوا بعدم وجوب ستر الوجه والكفين إلا عند خوف الفتنه.
حكم إعفاء اللحية: اتفق الفقهاء على إيجاب(طلب)إعفاء اللحية لورود العديد من النصوص الدالة على ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى )[ رواه مسلم ]، لكنهم اختلفوا فى درجه الإيجاب إلى مذهبين: المذهب الاول يحمل هذه النصوص على الوجوب – وبالتالي تحريم مخالفتها - وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وقول عند الشافعية، و المذهب الثاني يرى ان الأمر فى هذه النصوص محمول على الاستحباب لا الوجوب ( و كراهية- وليس تحريم- مخالفتها)؛ لأن الأمر الوارد على الشيء التحسيني والتزييني يحمل على الندب والاستحباب، وذلك مثل الأمر النبوي بالاختضاب ولبس الابيض والصبغ مع وجود لصحابة من لم يخضب ولم يلبس البياض ومن لم يصبغ كما قال ابن حجر في فتح الباري، وكما جاء فى كتاب نهج البلاغة : سُئل عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ عن قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: "غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود". فقال: إنما قال النبي ذلك والدِّينُ قُلٌّ، فأما الآن وقد اتَّسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما يَختار..) كما يستدل هذا المذهب على سنية -وليس وجوب- إعفاء اللحية بقوله الله صلى الله عليه وسلم: ( عشر من الفطرة: منها إعفاء اللحية)، والمراد بالفطرة: السنة، لورود تعبير سنة بدلاً من الفطرة فى حديث أخر هو قوله صلى الله عليه وسلم ( من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار )(صحيح بخارى) .وهذا المذهب هو المعتمد عند الشافعية، يقول ابن حجر الهيتمي (فَرْعٌ: ذَكَرُوا هُنَا فِي اللِّحْيَةِ وَنَحْوِهَا خِصَالًا مَكْرُوهَةً مِنْهَا نَتْفُهَا وَحَلْقُهَا ... لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا كَرَاهَةُ الْأَخْذِ مِنْهَا مُطْلَقًا... ) ( تحفة المحتاج) . ويقول الرملي ( سئل : هل يحرم حلق الذقن ونتفها أو لا ؟ فأجاب بأن حلق لحية الرجل ونتفها مكروه لا حرام . وقول الحليمي ‏في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف )( الفتاوى المطبوعة بهامش فتاوى ابن حجر: 4/ 69)،‏ويقول القاضي عياض ( شرح مسلم (1/154)( يكره حلقها وقصها وتحريقها أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن) ،ويقول شطا الدمياطي في حاشيته النفيسة في المذهب عند قول الشارح"ويحرم حلق اللحية" ( المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام _ أي القاضي زكريا الأنصاري كما هو اصطلاح المتأخرين _ وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب _ أي الشربيني _ وغيرهم الكراهة ) (إعانة الطالبين: 2 / 240 ). أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على القول بإيجاب(طلب)إعفاء اللحية ،أما درجه الإيجاب (من وجوب او ندب) فتتوقف على كيفيه الفعل المتصلة بمدى خضوعه لجمله من الضوابط منها:أولا: درجه العلم برجحان أدله درجه الإيجاب المعينة، فمن غلب على علمه رجحان أدله الوجوب يجب فى حقه الوجوب،ومن غلب على علمه رجحان أدله الندب يجب فى حقه الندب،وذلك باعتبار ان طلب الدليل نوع من اجتهاد،فمن أصاب فيه فله اجر ومن اخطا فله أجران. ثانيا: القصد والنية من الفعل لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات"، فالنصوص تربط الحكم بمقصد شرعي معين هو مخالفه المشركين( خالفوا المشركين ، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)، لذا يمكن القول بان الفعل المخالف بنيه مشابهه المشركين لا خلاف فى ان حكمه التحريم،أما الفعل المخالف بدون نية مشابهه المشركين فيرجح ان يكون حكمه الكراهة. ويدل على هذا ايراد بعض العلماء الذين قالوا بان حكم نتف اللحية مكروه وليس محرم عددا من المقاصد من وراء ذلك ليس بينها مشابهه المشركين، يقول زكريا الأنصاري ( ويكره نَتْفُهَا أَيْ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ وَنَتْفُ الشَّيْبِ لِمَا مَرَّ في شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْجَالُهُ أَيْ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أو غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِعُلُوِّ السِّنِّ لِأَجْلٍ الرِّيَاسَةِ)( أسنى المطالب ، طبعة دار الكتب العلمية : 1/551)،ويقول الخطيب الشربيني(ويكره نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَنَتْفُ الشَّيْبِةِ وَاسْتِعْجَالُ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أو غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ. )( مغني المحتاج ، طبعة دار إحياء التراث العربي: 6/186 ).
حكم إسبال الثوب:وفى مسالة الإسبال فهناك مذهب يقول بالمنع المطلق ، استنادا الى النصوص الدالة عن النهى عن إسبال الإزار ،ومن العلماء الذين قالوا بهذا المذهب ابن العربي والذهبي و ابن حجر العسقلاني . أما مذهب التفصيل – وهو المذهب الذى يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – او ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - فيقوم على التمييز بين كيفيتين للإسبال: الأولى الإسبال بقصد الخيلاء وحكمها التحريم ، والثانية الإسبال بدون قصد الخيلاء وحكمها الكراهة ،ونستأنس فى هذا التمييز الى كثير من العلماء الذين قالوا ان أحاديث النهي عن الإسبال مقيدة بالخيلاء، فإذا انتفى الخيلاء لم يكن الإسبال محرماً، واختلفوا بعد ذلك في الكراهة وعدمها، وممن ذهب إلى عدم التحريم إذا لم يكن للخيلاء: الشافعي وأحمد، وممن ذكر ذلك من المالكية: الباجي في كتابه المنتقى شرح الموطأ ،ومن الشافعية: النووي و زكريا الأنصاري و ابن حجر الهيتمي ....وممن نص على ذلك من الحنابلة: ابن قدامة في المغني و ابن تيمية في شرح العمدة والمرداوي في الإنصاف.يقول الباجي في المنتقى( وقوله صلى الله عليه وسلم الذي يجر ثوبه خيلاء يقتضي تعليق هذا الحكم بمن جره خيلاء، أما من جره لطول ثوب لا يجد غيره، أو عذر من الأعذار، فإنه لا يتناوله الوعيد) ، ويقول ابن قدامة ( ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار، فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرام)،ويقول ابن تيمية ( وهذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد، وإنما أطلق ذلك ؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة... ولأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء فيحمل المطلق عليه، وما سوى ذلك فهو باقٍ على الإباحة، وأحاديث النهي مبنية على الغالب والمظنة....وبكل حال فالسنة تقصير ا لثياب، وحدِّ ذلك ما بين نصف الساق إلى الكعب، فما كان فوق الكعب فلا بأس به، وما تحت الكعب في النار). (شرح العمدة: 4/363).
خكم المصافحة: اختلف الفقهاء في مسالة مصافحه الرجل المراه الاجنبيه إلى مذهبين: الأول مذهب التحريم : ويستدل بعدد من الادله منها الحديث (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) و (أخرجه الطبراني (20|211)،وما رواه الشيخان عن عائشة قالت(ما مست يد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يد امرأة قط إلا امرأة يملكها) رواه البخاري (7214)، ومسلم (1866) . أما المذهب الثاني فهو مذهب الاباحه ويقول به كثير من العلماء المعاصرين، و يرى ان الحديث الأول ضعيف، أما بفرض صحته فان المس لا يعنى المصافحة بل الجماع كما فى قوله تعالى{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}،وإلا دلّ على الملامسة مع شهوة، أما الحديث الثاني فان هذا المذهب يرى ان امتناع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر دون أن ينهى عنه لا يدل على التحريم كامتناعه عن أكل الثوم و البصل و الضب،وهناك من يرى ان الحديث يدل على كراهية- وليس تحريم- المصافحة بين الرجل و المرأة الأجنبية... كما أن هذا المذهب يورد عدد من الادله التي تفيد جواز المصافحة. أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على التمييز بين كيفيتين لفعل المصافحة : الكيفيه الأولى عند عدم الشهوة وامن الفته و حكمها الجواز، وهنا يمكن الاستئناس بتقييّد الحنفيّة التّحريم بأن تكون الشّابّة مشتهاةً (الموسوعة الفقهية الكويتية)، وايضا الترخيص في مصافحة المرأة العجوز و البنت الصغيرة والشيخً الكبير. اما الكيفية الثانية فعند وجود الشهوة وخوف الفتنة وحكمها المنع.
قضايا الصحة والطهارة :
حكم الختان
:اتفق الفقهاء على إيجاب الختان ، لقوله صلى الله عليه وسلم( خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب)(متفق عليه)،ولكنهم اختلفوا فى درجه الإيجاب،إلى مذهبين الاول يقول انه واجب، وممن قال بهذا المذهب الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد ومالك والشافعي وأحمد، أما المذهب الثاني فيقول انه سنه، وقال به أبو حنيفة والحسن،ونقله كثير من الفقهاء عن مالك ، يقول ابن عابدين في كتاب الطهارة من "السراج الوهاج"( اعلم أن الختان سنة عندنا للرجال والنساء)..أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على الأخذ بالمشترك بين المذاهب وهو إيجاب(طلب) الختان، لكنه يميز بين الرجل و المراه في درجه الإيجاب، فحكم ختان الرجل درجه بين الوجوب(الفرض) والندب (السنة)، باعتبارات كثيرة منها أثره وموضوعه، فباعتبار أثره( لأثره الايجابي على الصحة) يمكن ان يحمل على الوجوب،وباعتبار موضوعه(الطهارة كأمر تحسيني ) يمكن ان يحمل على الندب ،وقد أشار بعض العلماء على هذا الحكم، يقول القاضي عياض المالكي ( الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها؛ فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب). ويقول الموصلى الحنفي فى "شرح المختار" (أن الختان للنساء مكرمة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه) . أما حكم ختان المراه فهو فى درجه إيجاب ادني من درجتي الندب (السنة)، والوجوب(الفرض) بخلاف الرجل،وهى درجه الاباحه اى جواز الختان او عدمه ، يقول ابن قدامه (المغني)( إن الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن)، وفي شرح المختار للموصلي ( إن الختان سنة للرجال وهو من الفطرة، وللنساء مكرمة) ، كما يميز هذا المذهب فى ختان المراه بين الكيفية التي وردت فى السنة ،كما فى حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: إن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال صلى الله عليه وسلم(لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل)( رواه أبو داود)، وقوله صلى الله عليه وسلم( يا نساء الأنصار اختفضن (اختتن) ولا تنهكن أي لا تبالغن في الخفاض)( رواه البيهقي في شعب الإيمان)، والتي سبق بيان حكمها، وكيفيه أخرى ذات جذور وثنيه، لا أصل لها في الإسلام ، وهى الختان الفرعوني،وهى بدعه إذا اعتقد فاعلها أنها من الدين وأصوله، وينبغي ان يكون حكمها المنع لضررها على المراه ،استنادا إلى قاعدة " لا ضرر ولا ضرار".
حكم التدخين: اختلف الفقهاء فى حكم التدخين، الذى انتقل إلى المجتمعات المسلمة من المجتمعات الغربية في أواخر العاشر وبداية القرن الحادي عشر الهجريين ، حيث انقسموا إلى مذهبين: المذهب الأول وهو مذهب جمهور العلماء، وهو مذهب المنع ويضمن القول بأنه محرم ، كما يضمن هذا المذهب القول بأنه مكروه. أما المذهب الثاني فهو مذهب الاباحه مع الكراهة او التوقف، وممن قال بإباحته مع الكراهة: أبو الحسنات الكمنوي، وأصحاب كتب الأشباه ، وعبد الرحمن العمادي ، ويجب هنا ملاحظه أن مبدأ ظهور هذا المذهب كان قبل ثبوت ضرر التدخين على صحة الإنسان بصوره قاطعه. أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على ترجيح المنع بدرجتيه من كراهة او تحريم حسب درجه ضرر، ومدى ثبوت هذا الضرر "على وجه الظن او اليقين" . غير ان المنع هنا مصدره الاجتهاد المستند إلى قاعدة" لا ضرر ولا ضرار" ، وليس النص القطعي كما في تحريم الخمر.
حكم بناء الاضرحه وزيارتها : اختلف العلماء فى مسالة حكم بناء وزيارة الاضرحه ،إلى مذهبين :الأول مذهب المنع، ويقول بتحريم بناء الاضرحه والمقامات او زيارتها، استنادا الى العديد من الادله، ومن أهم القائلين به الإمام ابن القيم الذي ينقل أدله المنع فى قوله( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه ، ونهى عن الصلاة إلى القبور ، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً ، ولعن زوارات القبور . وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ ، وأن لا يجلس عليها ، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها ، وتتخذ أعيادا وأوثانا ) ( زاد المعاد 1/524)، وبناءا على هذا يقرر ان بناء الاضرحه بدعه وان سنته صلى الله عليه سلم تسويتها، ثم يقرر وجوب هدم المسجد الذى يبنى على قبر ، ثم ينكر الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج ، أو يتوسلون بهم في قضائها ، أو يدعون الله عند قبورهم .أما المذهب الثاني فيقول بجواز بناء الاضرحه واتخاذ المساجد قبور، وزيارتها استنادا إلى العديد من الادله منها: قوله تعالى ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتَّخذن عليهم مسجداً )(الكهف:21). وتقرير الرسول (صلى الله عليه وسلم) صاحبه أبا جندل (رضي الله تعالى عنه) على بناء مسجد على قبر أبي بصير (رضي الله تعالى عنه) فيما يرويه عبد الرزَّاق وغيره عن الحديبية. وما روى من أن جماعة من المرسلين والأنبياء عليهم السلام مدفونون في المسجد الحرام، ما بين زمزم والمقام، منهم نوح وهود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام، حيث ينقل الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قول ابن عباس( في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل، وقبر شعيب عليهما السلام) ، و اتخاذ المسجد على قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بعلمه وندبه إليه؛ فقد ثبت في الصحاح قوله: ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة )،ودفن أبو بكر الصديق وعمر بين الخطاب (رضي الله عنهما) مع الرسول (صلى الله عليه وسلم). كما يرى هذا المذهب ان المقصود من الحديث " لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "(متفق عليه) انهم اتخذوا قبور أنبيائهم قِبلة يسجدون إليها وهو محظور باتفاق.و ان النهي عن رفع القبور، نحو خبر" لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته "(مسلم وغيره) مقصود به لا تدع قبراً مشرفاً من قبور المشركين ومن في معناهم إلا سويته (حكم بناء الأضرحة واتخاذ المساجد على القبور،الشيخ طارق السعدي). أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على التمييز بين كيفيتين لبناء المساجد على القبور وزيارتها، الأولى: البناء بقصد عباده صاحب القبر او تقديسه،والزيارة التي تتضمن ما هو محرم من دعاء وتوسل يتضمن الشرك بالله، وحكمها المنع. والكيفيه الثانية البناء بدون قصد عباده صاحب القبر او تقديسه، والزيارة بقصد الدعاء والترحم والاستغفار و ما وافق السنة وحكمها الاباحه . وهنا يجب الاشاره الى ان الامام ابن القيم رغم تقريره منع بناء الاضرحه وزيارتها الا انه كثيرا ما استخدم جمله " قدس الله روحه و نوَّر ضريحه" فى وصف الامام الامام ابن تيميه،خاصه فى حالات نقل ماقاله له ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر.. )( إعلام الموقعين عن رب العالمين :ح 3 / ص 4 ) ، ويقول( سمعت شيخ الإسلامابن تيمية قدس الله روحه، ونور ضريحه - مرارا - يقول : ذكر الله الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل....)(بدائع الفوائد:3/133)، ويقول( قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه و نوَّر ضريحه يومًا : إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ، و مدافعته ، و عليك بالراعي فاستغث به فهو يصرف عنك). واخيرا يجب تقرير أن الإنكار على الكيفية الأولى يجب ان يتم طبقا للضوابط الشرعية في الأمر بالمعروف والنهى عن منكر، من هذه الضوابط قاعدة " سد الذرائع "،اى جعل حكم الفعل الذي يلزم منه الضرر المنع ، ومن أدلتها عدم هدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكعبة لأعاده بناءها على قواعدها الصحيحة لان الناس كانوا حديثي العهد بالإسلام . ومنها قاعدة العذر بالجهل ودليلها في السنة قوله(صلى الله عليه وسلم)(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، يقول ابن القيم ( أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يغفر عنهم)( ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174).
حكم التوسل: اختلف العلماء فى حكم التوسل إلى مذهبين: الأول هو المنع استنادا إلى العديد من الادله منها قوله تعالى( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3 ). والمذهب الثاني هو جواز التوسل بالأحياء والأموات من الأنبياء والصالحين ، استنادا إلى العديد من الادله منها قوله تعالى( أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وقوله صلى الله عليه ويسلم( الله الذي يحيى ويميت وهو حى لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين )( رواه الطبراني في الكبير والأوسط )، وما رواه البخاري في صحيحة من أن عمر ( رضي الله عنه ) استسقى عام الرمادة بالعباس فقال :اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون(البخاري كتاب الاستسقاء فتح ج3 ص182). أما المذهب الثالث فهو مذهب التفصيل – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على التمييز بين كيفيتين للتوسل:الأولى تقوم على التوسل الذى لا يتضمن اى شكل من أشكال الشرك ، وأشارت له النصوص كالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته كما فى قوله تعالى(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (الأعراف 180 . ) ، او بالأعمال الصالحة، كما فى قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، او بدعاء من ترجى إجابته من المؤمنين كقوله تعالى( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) ، او بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره وحاجته كقول موسى (عليه السلام) ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(القصص: 24 )، وهذه الكيفية حكمها الاباحه. أما الكيفية الثانية فتقوم على التوسل القائم على الشرك باى شكل من أشكاله كإسناد صفات الربوبية من إحياء واماته و رزق وضرر ونفع... لغيره تعالى ، او جعل وسيط بين الله تعالى وخلقه، او التقرب الله تعالى بعمل مخالف للكتاب والسنة ، وهذه الكيفية حكمها المنع . وهنا نستأنس بقول ابن تيميه فى تعقيبه على واقعه ان عمر(رضي الله عنه) استسقى بالعباس بن عبد المطلب، ( فاستسقوا به كما كانوا يستسقون بالنبي "صلى الله عليه وسلم" في حياته، وهو أنهم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم فيدعو لهم، ويدعون معه كالإمام والمأمومين من غير أن يكونوا يقسمون على الله بمخلوق، كما ليس لهم أن يقسم بعضهم على بعض بمخلوق)( اقتضاء الصراط المستقيم، دار الحديث، القاهرة، بدون تاريخ، ص359.).
تعدد الزوجات بين الاطلاق البدعى والضبط الشرعى: أباحت الشريعة الاسلاميه تعدد الزوجات ، بنصوص يقينية الورود قطعيه الدلالة ، كقوله تعالى (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ...)، لذا لا خلاف على إثبات التعدد ، لكن يفترق الفكر الاجتماعى الاسلامى المعاصر في تحديد طبيعة هذا الإثبات إلى مذهبين :
مذهب الاطلاق : يفترض أن اثبات التعدد مطلق من اى شروط أو ضوابط ، وهو ما يتعارض مع تقرير الشرع لجمله من الضوابط لهذا الحكم سنتناولها أدناه. كما أن هذا المذهب يكاد يرفع درجه إيجاب " طلب" التعدد من الاباحه(ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه) إلى الوجوب(ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه). ويستند هذا المذهب إلى رأى بعض العلماء القائل بأن الأصل هو التعدُّد بادله منها :أن آية التعدد بدأتْ بذكْر التعدُّد(مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ). وما روى عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجتَ؟ قلت: لا، قال: "تزوَّج؛ فإنَّ خير هذه الأمة أكثرها نساءً" ( رواه البخاري، كتاب النكاح، باب كثرة النساء، برقم /5069/، ص907).غير ان بعض العلماء يرى ان هذه النصوص لا تفيد أن الأصل هو التعدد.
مذهب الضبط الشرعى: وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على أن حكم اباحه تعدد الزوجات مقيد بجمله من الضوابط الشرعية التي أشارت إليها النصوص، وأكد عليها العلماء منها:
أولا: أن يعدل الرجل بين جميع زوجاته ويسوي بينهن في الحقوق قال الله تعالى: ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا )(النساء: 3)، وثبت في المسند عن عائشة (رضي الله عنها) قولها: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: (اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وثبت في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط).
ثانيا: أن تتوافر القدرة على الإنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )
.ثالثا: وقد جعل الشرع من حقِّ المرأة أو وليِّها أن يشترط ألا يتزوَّج الرجل عليها، فلو شرطت المرأة ذلك صحَّ الشرط ولزم، وكان لها حقُّ فسخ الزواج إذا لم يفِ لها بالشرط، ولا يسقط حقُّها في الفسخ إلا إذا أسقطته ورضيت بمخالفته، على تفصيلٍ كبيرٍ في كتب الفقهاء.
الحكم الاصلى والحكم الفرعي : هذا المذهب يرى أن للتعدد حكم أصلى وحكم فرعى . الحكم الاصلى هو الاباحه - لا الوجوب أو الندب - إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة( اى الحكم الاصلى ) إلى غيرها؛ إما الاستحباب أو الوجوب أو الكراهة أو التحريم (وهى حالات الحكم الفرعي). فيكون مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب ،كرعاية أرامل المسلمين. و يكون واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرَّم أو يمنع من واجب. ويكون مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى ، فهناك من الفقهاء من قالوا بكراهية الثاني والثالث والرابع منهم البهوتي( البهوتي، كشاف القناع: 5/7). و يكون محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يجمع بين المرأة وأختها، أو إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل ، (سؤالات في تعدد الزوجات، الشيخ محمد بن سعد الشهراني ، تقدّيم الشيخ ابن جبرين، مؤسسة الريان،بيروت).
الأصل التفرد: ويستند هذا المذهب إلى رأى جمهور من العلماء الذين يرون أن الاصل في الإسلام التفرد لا التعدد، اى أن التعدُّد الاستثناء وليس القاعدة بادله منها:
أولا: قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا).
ثانيا: ورود الحكم بالاباحه مقرونا بشرط معين هو الخوف من عدم القسط فى اليتامى كما في قوله تعالى(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ).
ثالثا: تذييل الآية التي تبيح التعدُّد بقوله تعالى(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء: 3].
رابعا: قوله تعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء: 129)، ثم قوله صلى الله عليه وسلم (مَن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل).
خامسا: كون التعدد مباح وليس واجب ..
حكم التبني بين الاجمال والتفصيل: التبني لغة من تبنى تبنيا، ويقال تبنى الصبي أو ادعى بنوته أو أتخذه أبنا .أما اصطلاحا فقد تعددت تعريفاته ومن هذه التعريفات (هو عملية إلحاق شخص بآخر معلوم النسب أو مجهول، مع علمه يقينا أنه ليس منه ، وهي علاقة بين الطرفين أحدهما وهو الشخص الكبير ، امرأة أو رجل و يسمي المتبني ، أما الخاضع لهذه العملية هو الطفل المتبنى، والمتبنى إما أن يكون معلوم النسب أو مجهول النسب كاللقيط )( فضيل سعد / نقلا عن خـلـوفي بـشير /نظام التبني و موقف الشرائع السماوية و بعض الشرائع الوضعية منه). وللتبنى معنى عرفي شائع عند كثير من الناس في هذا العصر، ومضمونه رعاية الطفل مجهول النسب وكفالته.
أما في إطار في الفكر الاجتماعي الاسلامى المعاصر، فان هناك مذهبين في حكم التبني:
أولا:مذهب الإجمال"المنع":المذهب الأول يضع حكما كليا بالمنع (التحريم)، ولا يميز بين الكيفيات المختلفة للتبني. فهو احد مذاهب الإجمال، ويستند هذا المذهب إلى العديد من الادله منها:
أولا: ورود العديد من النصوص التي تحرم إعطاء الطفل مجهول النسب النسب وحقوق البنوة الشرعية من ميراث وغيره. لكن إذا كان لا خلاف حول تحريم كل ذلك ،فان هذه الكيفية للتبني ليست هي كيفيته الوحيدة، حيث أن هناك كيفيه أخرى له، لا تقوم على إعطاء الطفل مجهول النسب النسب أو حقوق البنوة الشرعية كما سنوضح أدناه .
ثانيا: يرفض بعض أنصار هذا المذهب كفاله الطفل مجهول النسب لأنه اجنبى ، وبالتالي لا يجوز أن يطلع على النساء .غير أن هذا القول يتعارض مع إيجاب الإسلام كفاله اليتيم ، كما أن الطفل مجهول النسب لا يأخذ حكم الاجنبى بعدم جواز الاطلاع على النساء قبل بلوغه ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ) (النور:31 )، أما بعد بلوغه فيشير العلماء إلى انه يكون غير اجنبى في حاله إرضاعه وهو طفل ، فيصبح ابن وأخ بالرضاعة.ورد في فتاوى اللجنة الدائمة ( لكن يجب على مَن كفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه ، أو يضيفهم معه في بطاقة العائلة ؛ لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق ، ولارتكاب ما حرَّم الله ، وأن يعرف من يكفلهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الرشد فإنهم أجانب منه كبقية الناس ، لا يحل الخلوة بهم أو نظر المرأة للرجل أو الرجل للمرأة منهم ، إلا إن وجد رضاع محرم للمكفول ، فإنه يكون محرماً لمن أرضعته ولبناتها وأخواتها ونحو ذلك مما يحرم بالنسب)( فتاوى اللجنة الدائمة / 14 / 255).
مذهب التفصيل : وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - وهومذهب لا يضع حكما كليا بالمنع أو الاباحه ، بل يميز بين كيفيتين للتبني:
الكيفية الأولى: ومضمونها إعطاء الطفل مجهول النسب النسب وحقوق البنوة الشرعية من ميراث وغيره، وحكمها المنع (التحريم) لورود نصوص يقينية الورود قطعيه الدلالة بتحريم ذلك كقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) ( الأحزاب: 4-5)، وهنا نشير إلى انه يجوز للمتبنى أن يوصى للطفل مجهول النسب بدلا من توريثه.
الكيفية الثانية: مضمونها رعاية الطفل مجهول النسب وكفالته والإنفاق عليه، دون إعطائه النسب وحقوق البنوة الشرعية ، وحكمها الاباحه استنادا إلى إيجاب الإسلام كفاله اليتيم ومن في حكمه ، قـال الرسول (صلى الله عليه وسلم)( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ) ( رواه البخاري ) ، وقال(صلى الله عليه وسلم) ( مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، الْبَتَّةَ) ( رواه أحمد) ، وقـال (صلى الله عليه وسلم)( إن أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم)( رواه الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا ).يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق (ينبغي لمعرفة حُكم الشريعة في التبنِّي أن يعرف له في معناه صورتينِ: إحداهما: أن يضمَّ الرجل الطفل الذي يعرف أنه ابن غيره إلى نفسه، فيُعامله مُعاملة الأبناء من جهة العطف والإنفاق عليه، ومِن جهة التربية والعناية بشأنه كلِّه، دون أن يُلْحِقَ به نسبَه، فلا يكون ابنًا شرعيًّا، ولا يثبُت له شيءٌ من أحكام البُنُوَّةِ. والتبني بهذا المعنى صَنِيعٌ يلجأ إليه بعض أرباب الخير من المُوسرين الذين لم يُنعم الله عليهم بالأبناء، ويَرونه نوعًا من القُرْبَةِ إلى الله بتربية طفل فقير، حُرم من عطف الأُبوَّة، أو حُرم من قدرة أبيه على تربيته وتعليمه، ولا ريب أنه عملٌ يستحبُّه الشرع، ويدعو إليه، ويُثيب عليه...التَّبَنِّي المَحْظُورُ:أما الصورة الثانية: وهي المفهومة من كلمة: "تبنِّي" عند الإطلاق، وفي عُرف الشرائع ومُتعارف الناس، فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلًا يعرف أنه ولد غيره، وليس ولدًا له ينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح ويُثبت له أحكام البنوة من استحقاق إرْثه بعد موته، وحُرمة تزوُّجه بحليلته، وهذا شأنٌ كان يعرفه أهل الجاهلية، وكان سببًا من أسباب الإرْث التي كانوا يُورِّثون بها، فلمَّا جاء الإسلام ـ وبيَّن الوارثين والوارثات بالعناوين التي قرَّرها سببًا في استحقاق الإرث ـ أسقطه من أسباب التوارث، وحصرها في البنوة والأُبوَّة والأمومة والزوجية والأخوة والأرحام على ترتيب بينهم (وأُولُوا الأَرْحَامِ بعضُهمْ أوْلَى بِبَعْضٍ في كتابِ اللهِ). "آخر سورة الأنفال "). ويقول الدكتور مشهور فواز محاجنة( ولهذا فإذا كان الإسلام يحرم التبني بمعنى ضمه إلى نسب الإنسان وإعطائه حقوق البنوة فإنه بالمقابل لا يحرم التبني بالمعنى العرفي الدارج اليوم أي بمعنى الرعاية والاحتضان والكفالة والتربية والإنفاق كما يفعل الكثيرون والكثيرات في مجتمعاتنا …)
حكم زواج القاصرات بين الجواز والمنع:
اختلف الفكر الاجتماعى الاسلامى المعاصر فى حكم زواج القاصرات الى مذهبين :
مذهب الجواز: ويستند هذا المذهب إلى العديد من الادله أهمها: قوله تعالى( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن )، و أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) تزوج عائشة "رضي الله عنها" وهي بنت تسع.
مذهب المنع :أما المذهب الثاني فهو مذهب منع زواج القاصرات – وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – أو ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - . ويستند هذا المذهب على العديد من الادله :
أدله نفي مذهب الجواز: بعض هذه الادله تتصل بالرد على الادله التي أوردها مذهب جواز زوج القاصرات ومنها:
[SIZE=18px]أولا: قال بعض أنصار هذا المذهب أن زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من عاشه (رضي الله عنها) وهى صغيره من خصوصياته (صلى الله عليه وسلم) كزواجه أكثر من أربعه ، حيث رأى ابن شبرمة أن ( أَمْرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ) (ابن حزم/ المحلى).
كما قال البعض انه من العرف الذى كان سائدا عند العرب ، في عهد الرسول (صلى اله عليه وسلم ) وما قبله ، والذي يتغير بتغير الزمان . وقال آخرون إن المعيار هو البلوغ وليس العمر ، وهو ما يتغير بتغير البيئات والازمنه ، بدليل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) خطب عائشة (رضي الله عنها) وهى بنت ست ،وبني بها وهى بنت تسع.
ثانيا: كما يرى أنصار هذا المذهب أن المقصود ب(اللائي لم يحضن ) في الايه ليس الصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الحيض ، بل المرأة الضهياء قال ثعلب الضهياء: التي لا تنبت لها شِعْرة.. ، وقيل أيضاً: المرأة التي لا تحيض، وزاد بعضهم: ولا تحمل، والتي لا ينبت ثدياها، والتي لا تلد وإن حاضت)، وكله مقصود به المرأة الكبيرة.
ثالثا: أن الرضا من شروط الزواج لقوله (صلى الله عليه وسلم) (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حتى تُسْتأمر، ولا تُنْكحُ البِكْرُ حتى تُسْتأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذْنُها؟ قال: أن تسكت)( رواه البخاري ومسلم). وهذا الشرط غير متوفر في الفتاه القاصر لأنها غير مكلفة .
أدله إثبات حكم المنع : كما أن بعض أدله هذا المذهب تتصل بإثبات حكم المنع ، ومن هذه الادله:
أولا: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رد خطبه ابو بكر وعمر (رضي الله عنهما) لفاطمة لأنها صغيره كما في الحديث(خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( إنها صغيرة ) ،فخطبها علي فزوجها منه)( قال المحقق شعيب الارنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم، وفي سنن النسائى الصغرى ) .
ثانيا: نقل ابن حزم عن ابن شبرمة تحريم زواج غير البالغة حيث يقول في المحلى ( فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلافٌ : قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لا يَجُوزُ إنْكَاحُ الأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ).
ثالثا: وقد قال بمذهب منع زواج القاصرات العديد من العلماء منهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد بن ناصر الألباني والشيخ العبيكان.
حكم المرابحة وضروره الانتقال من الاطلاق الى الضبط الشرعى :
تعريف المرابحة :
المرابحة لغة مفاعله من الربح و أصله النماء والزيادة ، أما اصطلاحا فان المرابحة بيع الشيء بثمنه مضافا إليه زيادة معينة ، والمرابحة من بيوع الأمانة ، القائمة على الائتمان بين الطرفين على صحة خبر رب السلعة بمقدار رأس المال،لذلك يجب أن يكون الثمن الأول معلوما والربح معلوما أيضا.
صيغتان للمرابحه: يجب التمييز بين صيغتين للمرابحه:
الصيغة الأولى "الاصليه" : وهي الصيغة التي تناولها الفقهاء ، وهى الصيغة المقصودة بمصطلح المرابحة عند استخدامه مجردا .
اختلاف الفقهاء حول حكم الصيغه الاصليه للمرابحة: وقد اختلف الفقهاء حول حكم بيع المرابحة فى صيفته الاصليه :
أولا: الجواز " المشروط " : من العلماء من نقل القول بالجواز منهم ابن قدامه و ابن هبيرة و الكاساني ،غير ان القائلين بالجواز جعلوه مشروطا بالشروط التالية:أولا: أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة معلوما للمشترى الثاني. ثانيا : أن يكون الربح معلوما؛ لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط صحة البياعات.الثالث : أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال .
ثايا: الكراهة: وهناك من العلماء من قال بالكراهة تنزيها ،وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وروي عن ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم، وعن الحسن ، ومسروق وعكرمة ، وعطاء بن يسار رحمهم الله تعالى، وقد علل الكراهة تنزيها بأن فيه جهالة، فيما إذا قال: بعتكه برأس ماله مائة ريال، وربح درهم في كل عشرة، فالجهالة أن المشتري يحتاج إلى جمع الحساب ليعلم مقدار الربح.
ثالثا: التحريم: وقد نقل عن ابن حزم القول بحرمه المرابحة وبطلان العقد بها لان اشتراط ربح معين شرط ليس في كتاب الله. وبأنه بيع بثمن مجهول،إلا أنه قال بجوازه لمن كان في بلد لا ابتياع فيه إلا هكذا، على أن يبين ثمن شرائه أو قيامه عليه. (الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد/ المرابحة في المصارف الإسلامية. ب . م. مفيض الرحمن/ رؤية شرعية حول المرابحة وصياغتها المصرفية).
الصيغة الثانية " المحدثه" : وهى صيغه التمويل التي تستخدمها البنوك الاسلاميه باسم ( بيع المرابحة للآمر بالشراء )، وهى صيغه محدثه ، ظهرت في نهاية عقد السبعينات . يقول د. محمد الماحي فى بحث بعنوان( الأساس الشرعي لصيغة التمويل بالمرابحة) ( شاع استعمال مصطلح “بيع المرابحة للآمر بالشراء” لدى البنوك الإسلامية والشركات التي تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية وهو مصطلح حديث ظهر في أواخر عقد السبعينات، وكان أول من استعمله الدكتور سامي حمود بتوجيه من العلامة السنهوري، كما جاء في بحثه.). ومن ناحية المضمون فان هناك اختلاف بين الصيغة القديمة للمرابحة عند الفقهاء ، والصيغة المحدثة لها ، المستخدمة في البنوك الاسلاميه، يقول د. محمد الماحي فى ذات البحث (...بالرغم مما قد يبدو من تشابه بين صور المرابحة عند الفقهاء وصورتها المعروفة حاليا لدى البنوك الوطنية فإن هناك فروقا جوهرية قد تجعل الصورتين مختلفتين تماما...)
اختلاف العلماء حول حكم الصيغة المحدثة للمرابحة: وقد اختلف العلماء حول حكم هذه الصيغه المحدثه للمرابحه.
المذهب الأول : الجواز :قال به بعض العلماء المعاصرين ومنهم :د. سامي حمود في كتابه(تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية)، و د. يوسف القرضاوي في كتابه (بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية) ، وترتكز حججهم بالقول بالجواز أن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة ، غير أن القائلين بالجواز وضعوا شروطا للجواز ومنها : أولا: أن يملك التاجر السلعة ، ثانيا: عدم إلزام الآمر بالشراء.
المذهب الثاني : المنع : غير أن كثير من العلماء قال بمنع هذه الصيغة المحدثة للمرابحة : يقول أبو المجد حرك (إن صيغة التمويل بالمرابحة التي تجريها البنوك الإسلامية لا تختلف في شيء عن الإقراض الربوي من ناحية الدور الاقتصادي وإن اختلفت عنها في الشكل القانونية). و يقول أحمد النجار (المرابحة أسوأ أسلوب لعمل البنك الإسلامي لأنها تعطي الفرصة للتحايل) . واعتبر سليمان الأشقر عقد بيع المرابحة عقدا باطلا في كتابه “بيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية”) . و يقول الشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي ( أمّا ما يسمّى اليوم بـ " بيع المرابحة " في المعاملة الموجودة والشائعة في بعض المؤسسات ... هذا النوع من البيوع لا يعتبر مرابحة وليس في حكم المرابحة أصلاً ...) . و كما قال الشيخ ابن عثيمين بعدم جواز هذه الصيغة المحدثة للمرابحة لأنها تحايل على الشرع ، كما فعل اليهود حين حرم عليهم الصيد يوم السبت ... ويرى أن التحايل على الشرع يزيد الإثم ، اى إثم المخالفة بفعل المحرم و فعل التحايل.
[/SIZE]
ضروره الانتقال من الاطلاق الى الضبط الشرعى: ونرى ان التوصل الى الحكم الصحيح للمرابحه ، والذى يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف – او ما عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى- يكون بالانتقال من مذهب الاطلاق الذى يفترض ان اباحه المرابحه بصيغتيها الاصليه والمحدثه مطلق من اى شروط أو ضوابط- وهو ما يتعارض مع اختلاف الفقهاء حول حكم الاولى والعلماء حول حكم الاخيره – الى مذهب الضبط الشرعى الذى مضمونه:
اولا: أن للمرابحه طبقا للصيغة التى قررها الفقهاء حكم أصلى هو الاباحه المقيدة بالشروط التي ذكرها القائلين بالجواز وهى: أولا: أن يكون رأس المال أو ما قامت به السلعة معلوما للمشترى الثاني، ثانيا : أن يكون الربح معلوما؛ لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط صحة البياعات.الثالث : أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال ، وحكم فرعى هو المنع المقيد فى حاله عدم توافر أمكانيه الالتزام بهذه الشروط.
[SIZE=18px]ثانيا: أن للمرابحة طبقا لصيغتها المحدثة المستخدمة في البنوك الاسلاميه حكم أصلى هو الاباحه المقيدة بالشروط التى ذكرها القائلين بالجواز سواء فى صيغتها التى قال بها الفقهاء وصيغتها المحدثة المستخدمة فى البنوك الاسلاميه ، وحكم فرعى هو المنع المقيد فى حاله عدم توافر أمكانيه الالتزام بهذه الشروط.
ضروره اضافه صيغ اخرى للتمويل: وكون هذه الاباحه مقيده وليست مطلقه- اى ليست محل اتفاق - يعنى أن المرابحة بصيغتها ألقديمه عند الفقهاء والمحدثة المستخدمة فى البنوك الاسلاميه ليست صيغه أساسيه للتمويل الاسلامى التى يشترط فيها ان تكون فيها الاباحه مطلقه – اى محل اتفاق - لذا يجب أضافه صيغ أخرى للتمويل ، وأهمها صيغه القرض الحسن ، ذ والتي حثت عليها الكثير من النصوص ، قال تعالى (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )(البقرة:245). وعن ابن مسعود( رضي الله عنه ) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال(ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة)(رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه )، وعن أنس قال: قال رسول الله( صلى الله عليه وسلم)( رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة.)( رواه ابن ماجه والبيهقي). قال ابن قدامة في المغني(والقرض مندوب إليه في حق المقرض مباح للمقترض لما روينا من الأحاديث ... وقال أبو الدرداء( لأن أقرض دينارين ثم يردان ثم أقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما)، ومضمون صيغه القرض دفع مال إلى من ينتفع به ويرد بدله، جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي( إعطاء شخص مالاً لآخر في نظير عوض يثبت له في ذمته، مماثل للمال المأخوذ بقصد نفع المعطى له فقط).
التظاهر السلمي:
المذهب الأول (المنع المطلق) :
يقوم على منع التظاهر استدلالا بادله عديدة أهمها : أولا: مخالفه التظاهر للنصوص التي توجب طاعة الحاكم كقوله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾(النساء: ٥٩).ثانيا : كون التظاهر مستحدث، لم تكن في العهد الأول، ولم يقم عليه دليل شرعي ، وهو ما يخالف قوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) (صحيح البخاري). ثالثا: تناقض التظاهر مع وجوب سريه نصيحة الحكام استنادا الى العديد من النصوص اهمها الحديث «من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمرٍ، فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك، وإلا، كان قد أدى الذي عليه له». غير إن طاعة الحاكم في الايه وغيرها من النصوص ليست مطلقه، بل مشروطة بعدم معصية الله تعالى، كما في الحديث( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) يقول الطوفي الحنبلي في كتابه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية2/28) فـ( الأمر في هذه الآية عام مخصوص بما إذا دعوا الناس إلى معصية أو بدعة لا تجوز طاعتهم للحديث: " إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقد امتنع كثير من أئمة السلف من إجابة الخلفاء إلى المناكر والمفاسد والبدع. وهم في ذلك قدوة، والآية المذكورة حجة لهم ) .كما انه ليس من الضروري أن يُبحَث عن سند شرعي من النصوص لأيّ إجراء في مجال السياسة الشرعية، بل الذي عليه أن يبحث عن الدليل الشرعي هو الذي يمنع من الإجراء؛ لأن الأصل في ذلك الإباحة حتى يرد الحظر والمنع من الشرع ، يقول إمام الحرمين الجويني: (فما لم يُعلم فيه تحريمٌ يجري على حكم الحِلِّ؛ والسبب فيه أنَّه لا يثبت لله حكمٌ على المكلفين غير مستند إلى دليل؛ فإذا انتفى دليل التحريم ثَمَّ، استحال الحكم به) [غياث الأمم في التياث الظلم، لإمام الحرمين الجويني، ص 301] .وواضح أيضا أن المنع فى هذا المذهب ليس منع مطلق لانه يجيز التظاهر اذا اجازه ولى الأمر.
المذهب الثاني(الإيجاب المطلق) : يرى ايجاب التظاهرمطلقا ، ويستند هذا المذهب على تخريج التظاهر على مسألة تغيير المنكر باللسان كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وعلى الجهاد باللسان كما فى قوله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء حمزة ورجل خرج إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) [أخرجه الحاكم 3/ 195، وحسنه الألباني].كما يرى ان للتظاهر سوابق اسلاميه منها ما ورد فى الحديث الصحيح عن إياس بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف البارحة بآل محمد سبعون إمرأة كل إمراة تشتكي زوجها ثم قال : فلا تجدون أولئك خياركم) ابن ماجه (2/366) والنسائي في الكبرى ( 5/371) والحاكم (المستدرك 2/188) على شرط مسلم ووافقه الذهبي . ومنها قول محمد بن حرب سئل الإمام أحمد عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال:( يأمره قلت فإن لم يقبل؟ قال: تجمّع عليه الجيران وتهوّل عليه لعل الناس يجتمعون ويشهرون به) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ، صـ117).
مذهب الإيجاب المقيد : اما المذهب الثالث فهو مذهب الايجاب المقيد- وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف ،والذي عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على تقسيم الحكم على التظاهر إلى:
أولا: حكم أصلى هو الإيجاب بدرجاته حسب درجه إمكان الجمع بين جلب المصلحة التي قد تتحقق من التظاهر ، ودرء المفسدة التي قد تلزم منه، دون المنع، بالالتزام بجمله ضوابط ألتكليفيه والتكوينية منها : أن يكون التظاهر سلميا - إلا في حاله الدفاع عن النفس - لدخول ذلك فى عموم النهى عن العدوان ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين﴾َ ، وعدم اللجوء إلى التخريب لدخول ذلك في عموم النهى عن الإفساد في الأرض﴿ إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يُقتلوا أو يصلّبوا أو تُقطع أيديهم ﴾َ ، وأن تكون مطالب التظاهر مشروعة استنادا إلى قاعدة "الأمور بمقاصدها "...
ثانيا: حكم فرعى هو المنع بدرجاته حسب درجه استحالة الجمع بين جلب المصلحة التي قد تتحقق من التظاهر ، ودرء المفسدة التي قد تلزم من ذلك .
حكم التسعير:
مذهب المنع المطلق:
ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد، إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يسعر على الناس مطلقاً (المنع)، وإن فعل ذلك يكون فعله هذا إكراهاً يكره معه البيع والشراء (الكراهة)، ويمنع صحة البيع عند بعضهم (التحريم). وذهب جمهور من الفقهاء ومنهم فقهاء التابعين، والظاهرية إلى أن الأصل في التسعير هو التحريم. وذهب الحنفية إلى أن الأصل في التسعير انه مكروه، لكن يجوز اللجوء إليه إذا تعين لدفع الضرر العام. وقد استدل أنصار هذا المذهب بأدلة ، منها حديث أنس رضي الله عنه ، قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر ، فسعر لنا : فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: « إن الله هو المسعِّر ، القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ».
رد على حجج المذهب: غير ان هذه الأدلة لا تدل على المنع المطلق للتسعير، ولكنها تدل على المنع من التسعير في الأحوال التي يكون التسعير فيها مجحفاً بحق البائع أو العامل الذي يقوم بما يجب عليه من امتناع عن الاحتكار أو التواطؤ لإغلاء الأسعار ورفعها ، يقول ابن تيميه(من احتج على منع التسعير مطلقاً بقول النبى -صلى الله عليه وسلم- « إن الله هو المسعر... » قيل له : هذه قضية معينة ، وليست لفظاً عاماً ، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه ، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه ، فإذا بذله صاحبه ، كما جرت به العادة ، ولكن الناس تزايدوا فيه - فهنا لا يسعر عليهم ). فضلا عن ان الحكم بالمنع هنا هو اجتهاد ، لذا كان اختلاف الفقهاء فيه ، و ليس أصل من أصول الدين، والتي لا يباح الخلاف فيها، لذا لم يتحقق الاجماع حوله.
مذهب الإيجاب المطلق: ذهب بعض العلماء ، كسعيد بن المسيب ، وربيعة بن عبد الرحمن : إلى جواز التسعير مطلقاً (الوجوب).و ذهب المالكية إلى جواز التسعير في الأقوات مع الغلاء ، وقالوا: ليس لمن أتى السوق ، من أهله أو من غير أهله ، أن يبيع السلعة بأقل من سعرها ، ويمنع من ذلك. وله أن يبيع بأكثر .غير ان هذا المذهب لا يفيد الايجاب المطلق لتسعير لان الحكم بالإيجاب هنا هو اجتهاد ، و ليس أصل من أصول الدين، والتي لا يباح الخلاف فيها.
مذهب الإيجاب المقيد : أما المذهب الثالث فهو مذهب الجمع بين المنع والايجابي- وهو المذهب الذي يعبر عن الربط بين الفقه ومفهوم الاستخلاف ،والذي عبرنا عنه بمصطلح الفقه الاستخلافى - ويقوم على اعتبار أن التسعير يختلف الحكم علية طبقا لمصلحة الجماعة، يقول ابن القيم (وجماع الأمر أن مصلحة الناس, إذا لم تتم إلا بالتسعير, سعر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط , وإذا اندفعت حاجتهم بدونه, لم يفعل) ، فان كان التسعير في سلعة معينة في ظرف معين لا يحقق مصالحها ويلحق بها الضرر كان المنع ، أما إذا كان التسعير يحقق مصلحة الجماعة كان الإيجاب بشرط أن لا يتضمن السعر الذي تضعه الدولة الضرر للبائع والمشتري .وللجماعة مصلحه دائمة في وجوب تسعير السلع الضرورية والاستراتيجيه ، دفعا لضرر دائم يتمثل فى وقوع الناس في عبودية فئة تحتكر أرزاقهم ، وهو ما يناقض مع جوهر التصور الإسلامي للمال .وهنا نستأنس بما ذهب إليه كثير من متأخري الحنفية وبعض الحنابلة ، كابن تيمية وابن القيم من منع التسعير في أحوال و إيجابه (جوازا أو وجوبا ) أحياناً أخرى،يقول ابن تيمية: (التسعير منه ما هو ظلم , ومنه ما هو عدل جائز بل واجب) ويقول (إذا تضمن العدل بين الناس , مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل, فهو جائز بل واجب).و يقول ابن القيم ( فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه, أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام, وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم, من أخذ الزيادة على عوض المثل, فهو جائز, بل واجب) . غير انه يجب تقرير ان للناس مصلحه دائمه فى تسعير السلع الضروريه ، فى كل زمان ومكان.


د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

______________________________________________
1/ الموقع الرسمى للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات:

2/ القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل على اليوتيوب:
[/SIZE]
د. صبري محمد خليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى